أهمية الموقف الإسلامي الموحّد تجاه العولمة
أهمية الموقف الإسلامي الموحّد تجاه العولمة
الحاج عبد الهادي بن الحاج أوانج
الرئيس بالوكالة للحزب الاسلامي
ورئيس ولاية ترنجانو بماليزيا
وعضو البرلمان المركزي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على حبيبنا وشفيعنا وقدوتنا محمّد أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد.
أهمية الموقف الإسلامي الموحد تجاه العولمة
فإن الرسالة الإسلامية الشاملة الخالدة التي يحمل أمانتها نبينا محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) من علم الله الذي لا ينتهي، وحكمته التي لا تحصى. خاتم الرسالة للعصر الذي وهب الله للناس ذروة التقدم التكنولوجي والازدهار العلمي حتى تجعل الكرة الأرضية وشعوبها المختلفة قرية صغيرة لسرعة المواصلات وتبادل المعلومات في جميع مجالاتها ونواحيها، وتغير وجه الحياة الانسانية وعلاقتها بالعالم. فيكفي رسولا واحدا، للناس جميعا في كل مكان وزمان وليس كغيره من الرسل. ولقد رأينا في زماننا هذا ما لايراه الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم الذين يكفون برؤية الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وصفاته الحميدة فيؤمنون بعالمية الرسالة، ويواجهون التحديات المحلية والعالمية، فأظهر الله دينه على الدين كله، ابتداء من مكة واد غير ذي زرع إلى قارات عالمية مهمة عدة قرون منذ عهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) إلى عهد الخلافة بالحضارة الإسلامية المتميزية. وابتداء ببناء شخصية الإنسان روحيا بالإيمان والعلم المبني عليه وجسميا على حسب ضرورياتها وحاجياتها وكمالياتها ليصل إلى الهدف المنشود لخلقه ووجوده في هذا العالم للعبادة والخلافة والأمانة. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ([1])، (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)([2]).
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) ([3])، لا كما حدده إبليس عليه اللعنة (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) ([4]).
فرسالتنا نحن المسلمين فهمها البدوي من الجيل الأول فصرح أمام الدولة العظمى، (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة).
ولم يفهمها أو يتجاهلها المعاصرون العلمانيون أسارى الغزو الفكري، أولئك الذين يسمون أنفسهم بالقادة والمفكرين والمثقفين الذين يدعون إلى الأيديولوجيات التي جنت على الأمة الإسلامية المعاصرة التي تعاني بالمهانة والانحطاط.
فالعولمة اصطلاح جديد غريب من جسم الإسلام، فإنها نشأت بعد إعلان النظام العالمي الجديد الذي اعلنه الرئيس الأمريكي بعد انتهاء تمثيلية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، فشعرت أمريكا أنها القوة العظمى الفريدة التي لا بدّ من وقوف الدول الغربية خاصة وراءها صفا واحدا للسيطرة على العالم وبالأخص العالم الإسلامي، ثم الأمركة بوضع الولايات الأمريكية المتحدة قوة فريدة للعالم كاستمرار للاستعمار بالصبغة الجديدة، مستفيدة من سيطرتها على التكنولوجيات الحديثة للهيمنة على العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. فهي مجرد السيطرة والهيمنة بغض النظر إلى السلبيات التي تزيل وظيفة الإنسان في الأرض وتمحو القيم الصحيحة وتنهار الموازين. فإنها وليدة قرون قد خلت منذ عهد نمرود بابل وفراعنة مصر إلى عهد الاستعمار الصليبي في شتى أرجاء الأرض لأمبراطوريات أوروبية كبريطانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وبرتغال واستبداد الشيوعية على آسيا الوسطى. إلا أن العولمة المعاصرة تغير مخططاتها واستراتجياتها على حساب الديموقراطية والسلام وضد الإرهاب على حسب تعريفاتها ومصطلحاتها المزعومة.
لا بدّ من الدراسة والفهم من العلاقة الوثيقة بين أمريكا التي تقود شعار العولمة والصهيونية التي تسيطر لوبياتها على السياسة والاقتصاد والإعلام في أمريكا وموقفها الشهير بجانب اسرائيل، وكذلك المقارنة وبينها وبين تزويد أمريكا وخلفائها العراق بالأسلحة لتخريب الجمهورية الإسلامية في ايران وقتل الإخوة المسلمين الأكراد في حلبجة في حرب الخليج الأولى وموقفها المتحمس المعاصر في العدوان على العراق وتدميرها في حربي الخليج الثانية والثالثة لادعاءات وضعتها بأسلحتها المتطورة على حساب حماية إسرائيل ومكانة المنطقة البترولية والاستراتيجية بستار الأمن وضد الإرهاب. وترك إسرائيل حرية التسلح وتزويدها بالأسحلة بلا حدود، ثم إن هذه الأسلحة العراقية لا تنفع لمواجهة العدوان على شعبها المظلوم وبالتالي تخطيط إعلامي منظم لبث الأخبار والمعلومات وترتيب المقابلات التي تشتت العالم الإسلامي والعربي. فإنه من واجب الأمة الإسلامية التي تحمل الرسالة الربانية للعالم لاتخاذ دورها ومسؤلياتها لإنقاذ نفسها أولا والناس جميعا من هذا الغرور والجنون. فإنها ليست بمواجهة الأسلحة الحديثة المدمرة فحسب، بل أخطر من ذلك إزالة القيم الإنسانية التي كرمها الله بني آدم، وذلك لأن العولمة ليست للسيطرة العسكرية بالأسلحة التي تقتل الناس بعدد كبير، والسيطرة على الاقتصاد عالميا والهيمنة على الحكومات سياسيا، فإنها كذلك تقتل الإيمان والعقيدة والخُلُق والقيم الإنسانية بالثقافة والإعلام بمساعدة التكنولوجيات الحديثة والإيديولوجيات الهدامة المستعدة الموجودة في قلوب المسلمين التي تحكم بلادهم الآن بعد استقلال البلاد ظاهرا بمساندة البقايا التي تركها الاستعمار الأجنبي كقاعدة له بمساعدة أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا إلا أنهم دعاة على أپواب جهنم.
ومن واجب العاملين في الحقل الإسلامي مواجهة التحديات الداخلية والخارجية صفا واحدا ويدا واحدة لإنقاذ الأمة من خطر العولمة وجيوشها من الداخل والخارج. فأما الداخل من عند أنفسهم من الجهل والوهن اللذين يؤديان إلى الركون لهذا الاستعمار الجديد والاستسلام لمخططاته وبرامجه حتى يضرب بعضنا رقاب بعض.
ولا بدّ من تطهير الأفكار من آثار الغزو الفكري وتوعية الرجوع إلى الإسلام من جديد، والنصيحة لله ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم. وأما الخارج هذه المخططات والاستراتيجيات الجديدة لَشَنَّ ضربات عسكرية وهيمنة سياسية وسيطرة اقتصادية واستعمار اجتماعي وتربوي بهذا الاسم المهذب الأنيق، العولمة.
ومن واجب الحكومات في الأراضي الإسلامية أن تحذر من هذا الوباء الجديد الذي يهدد العالم بالخطر حتى أن المنصفين من دول الغرب قاموا باستنكارات على العولمة من حيث المصالح المادية الظاهرة. فأما نحن المسلمين تلزمنا الرؤية أوسع منها وأكبر خطر لجميع النواحي البشرية. وعلى الأمة بكاملها موقف موحد تجاه العولمة وذلك لأن البديل لايمكن أن يكون إلا في الإسلام، والنظر إلى صورة العالم بأسره بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. فالتحدى الوحيد للهيمنة الغربية والعولمة الأمريكية بالتحديد التي تريد السيطرة على العالم برسالتها الجاهلية نجد أنه الإسلام والمسلمون.
العولمة والنظام العالمي الجديد
ولست بحاجة إلى تعريف العولمة، فقد كتبها الكثيرون، وشرحوها شرحا واضحا في الكتب والمقالات والمقابلات حتى أن هذه الكلمة الأنيقة متداولة بين الباحثين والمثقفين والمعنيين في الدراسات العالمية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والعسكرية وبينوا إيجابياتها وسلبياتها.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قائد الكتلة الشيوعية، وانتهت تمثيلية الحرب الباردة بينها وبين الكتلة الغربية الرأسمالية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، اندفعت هذا الأخير بغرورها وشعرت بوحدتها لقيادة العالم، فأعلنت شعار النظام العالمي الجديد لإجبار الدول على تخطيطها للسيطرة على سياستها والهيمنة على اقتصادها والتدخل على ثقافتها وتعليمها كمحاولة لإبقاء مكانتها في قيادة العالم مهما كان الثمن الذي ستدفعه الدول الأخرى لاسيما الدول النامية في العالم الثالث وبالأخص الأراضي الإسلامية بمكانتها الاستراتيجية في خريطة السياسة والاقتصاد، واستعدت حتى للتدخل العسكري بكل قواتها بعد السيطرة على وسائل الإعلام واستخدام المنظمات العالمية كجمعية الأمم المتحدة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية والثقافية والناتو والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدون استحياء ومرؤة.
وهذا هو استعمار جديد على العالم، باسم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان بأسلوب أنيق يفرض الدول لإتباعها وطاعتها والركون إليها طوعا وكرها. وإلا ستدخل أيّة دولة في قوائم الإرهاب وأعداء الديموقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان. فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها معصومة من تلك الكبائر كلها مهما كانت إجراءاتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية ومنها مساعدتها لأسرائيل مهما كانت وحشيتها على الشعب الفلسطيني المظلوم، وفرض الاهتمام بمصالحها وأتباعها اهتماما بالغا ولو كان على حساب المستضعفين والمظلومين في العالم. فالدفاع عن وجود إسرائيل الظالمة أولى من حقوق فلسطين، وكذلك إهمال قضايا الشيشان وكشمير وجنوب الفلبين وغيرها من المظلومين. وكل قرارات دولية بالأغلبية التي تمس تلك الدول المستكبرة منقوضة بالبيتو.
والعولمة وليدة النظام العالمي الجديد بتخطيط دقيق واستراتيجية أنيقة للاستعمار الجديد على طرق حديثة ليست كاستعمار القرون الوسطى. فإنها تخطط بدقة وتنظم بدراسة متعمقة من خبراء الاستراتيجية للسيطرة على العالم بستار الديموقراطية والحرية والثقافة والأخوة الإنسانية والعدالة وحقوق الإنسان. وهي برنامج من برامجها لتغريب العالم في الثقافة بوسائل متنوعة من أداة الإعلام المقرؤة والمنظورة والتدخل في مناهج التربية والتعليم. وفي السياسة بالتدخل في نظام الحكم والإدارات الحكومية باسم الإصلاحات الديموفراطية، وفي الاقتصاد بالسيطرة على الموارد كالبترول والغاز والحركات التجارية والاستثمارات وتسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي باسم المساعدة.
والعولمة سيمة الاستكبار العالمي الذي يسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك أهلها بتنظيم جديد بين الاستكبارات المتحالفة في الحكومات الرأسمالية بقيادة أمريكا وتنضم إليها الولايات الشيوعية السابقة، فإن الحرب الباردة ليست إلا تمثيلية خلافية في أسرة واحدة داخل المجتمع الغربي الذي تبرمجه الصهيونية اليهودية في لوبياتها ومناهجها للسيطرة على العالم أيضا. فالرأسمالية والشيوعية منبع ماسوني وصهيوني ويهودي، فأسماء الشخصيات، كارل ماركس ولينين وتروتسيكي وأدم سميث وبنجامين هاريسون وميكائيل غورباشيوف وهنري كسينجر وغيرهم من أقطاب الرأسمالية والشيوعية معروفون بأصولهم وفروعهم اليهودية. فلقد لعب اليهود دورا كبيرا في تشكيل النظام الدولي قديمه وحديثه وكانوا وراء الكثير من الأحداث الدولية كالثورات والانقلابيات على حسب مصالحهم المادية، فالمادة هدفهم الأول، وهي أولى من تعاليم دينهم وأنبيائهم، لقد قتلوا أنبياءهم وغيروا دينهم، ونظموا جيوش الأحزاب في عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهم ينتظرون هذا الرسول العظيم في دار هجرته، وفي الأخير تمكنوا من القضاء على الخلافة العثمانية وإسقاطها وبعدها إقامة دولتهم المغتصبة في فلسطين بتدعيم من الدول الكبرى التي يسخرونها بالمادة التي يملكونها. فالنظام العالمي الجديد الذي يلد العولمة نفس الجاهلية البحتة التي لا تضع اعتبارا لغير المادة وعبادة القوة. فالمحرك الأساسي له المصالح المادية والمنافع الدنيوية التي تقوم على البرجماتية النفعية ولاثواب ولا عقاب، حتى أن الحق والعدل والخير تحددها المنافع المادية البحتة ولو كان إثما وعدوانا.
فالعولمة وليدة تعليم إبليس عليه اللعنة حينما خدع أبينا آدم (عليه السلام) بتسميته الشهيرة لشجرة منعه الله أن يقربها (شجرة الخلد وملك لا يبلى) كأنه ليس هناك يوم البعث والجزاء والحساب والجنة والنار، وتفرعت منها داء الكفر والاستكبار والعلو والغلو، وناضل في سبيله نمرود وفرعون وعاد وثمود ثم جددتها أمريكا وحلفاؤها بالعلمانية ومذاهبها المتنوعة وأيديولجياتها المختلفة وتكنولوجياتها الحديثة حتى تحاول سيطرة الفضاء الخارجي في السماء ببناء الصواريخ المتطورة كما بنى فرعون الصرح لرؤية إله موسى (عليه السلام). ولكنها بنظام جديد للسيطرة على الدول كلها بالمناهج التي أرادتها في السياسة والاقتصاد والثقافة ومنها التربية والتعليم ووسائل الإعلام وإجبار الحكومات والشعوب وفي مقدمتها الأمة الإسلامية بغزوات فكرية وعسكرية واقتصادية وسياسية.
وما العولمة إلا تضييقا وإزالة لفطرة الله التي فطر الناس عليها بغطاء الوحدة وحطم الحواجز الثقافية والاقتصادية والأمنية والسياسية تحت مشروع أمريكي للهيمنة والسيطرة والاستعمار بأساليب عصرية متطورة بدون مراعاة للتعددية القومية والجنسية واللغوية والجغرافية وهي تخالف سنة الله في الأرض: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)([5]).
وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)([6]).
وبعبارة محدودة أن العولمة برنامج أمريكا الاستعمارية الجديدة التي تشعر أنها أقوى الدول والحكومات في العالم وتريد فرض نظامه السياسي والاقتصادي والثقافي والديني على الدول والحكومات كلها على حساب مصالحها الوطنية قبل مصالح الدول الأخرى، مثلا علاقتها بإسرائيل التي تسيطر على الانتخابات الامريكية أولى من علاقاتها بالدول العربية بالبترولية، وحل قضية تيمور الإندونيسية ولا حل لقضية كشمير والشيشان وهكذا. وإزالة كل حاجز يقف أمام نفوذها ولو كانت بدفع حملات عسكرية تبلغ ميزانيتها مصالح شعبها حول العالم وإحراق الأخضر واليابس بالحرب والحصار. ثم إن الولايات المتحدة الأمريكية ببيانات صريحة من رئيسها تنظر إلى أن هذا النظام الجديد على أنه يعني انفرادها بقمة النظام الدولي وسيطرتها الكامل على حلبة السياسة الدولية، خاصة بعد تحلل الاتحاد السوفيتي وزواله من اللعبة والصراع رسميا وانهيار الشيوعية وحلف وارسو.
والهدف الأول هو العالم الإسلامي لدينه وموقعه الاستراتيجي بين العالم، ومكانته التاريخية في قيادة العالم، وبناء الحضارة الغالية للعالم المعاصر، عدة قرون بنجاح باهر – فأما تأخر المسلمين بترك دينهم، وأما انهيار غيرهم بضعف الأديان والأيديولوجيات التي تحكم البلاد والعباد. وما الحضارة الغربية الحديثة إلا جزء مادي من الحضارة الإسلامية التي اتخذوها ونشأوا منها الثورة التكنولوجية المنفصلة من القيم والروح. ولذلك فإن أمريكا ترى أن التحدي الوحيد لسياستها ونظامها في تطبيق العولمة هو الإسلام والمسلمون الذين سيقفون أمامها ولذلك تتدخل في أمور المسلمين من الحكومات والمدارس الدينية والحوزات العلمية، وفي السياسة إلى التجارة.
وهذه العولمة التي أعلنوها غير العالمية في إسلامنا. والإسلام يتحدى لأن عالمية الإسلام تنفتح على الإنسان في العالم كله ولا إكراه في الدين لأن الإكراه يظهر النفاق الذي اعتبره الإسلام مرضا خطيرا على الأمة، فشريعتنا تفرض العدالة المطلقة بين الناس لقوله تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ([7])، فاقتصادنا لا تغصب ملك أهل البلاد التي فتحناها لقوله (صلى الله عليه واله وسلم) لمعاذ ابن جبل (رضي الله عنه) (وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
ولذلك فإن دخولنا بلاد الآخرين باستقبال المستضعفين وإزالة الجبارين ونسميها فتوحات ولا نسميها استعمار. ودخل الناس في ديننا أفواجا برضا، وبقي من بقي من غير ديننا وعاش في ذمتنا إلى هذا اليوم، وعاش الأقليات في المجتمع المسلم بأمان ولو كان هذا الدين لا يملك التمكين في الأرض في الفترة الأخيرة ولكن المسلمين متأثرون بهذا الدين في معاملة الآخرين، والفرق ساشع بينه وبين الأقليات الإسلامية الموجودة في هذا العصر. والإسلام ينفتح للعالم في رسالته وعلاقته بالعالم، يدعو الناس جميعا في كل زمان ومكان إلى هذا الدين وجلب المنافع والمصالح من أي مكان وزمان لقوله (صلى الله عليه واله وسلم) (الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها وهو أحق بها) رواه الترمذي وابن ماجه، ودفع المضار والمفاسد من داخل الأمة وخارجها (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) ([8]).
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)([9]).
وأما الاحتجاجات والمظاهرات العالمية ضد العولمة لمصالح مادية وصراعات الأقوياء وخوف الضعفاء في الأوساط العامة وسباق بين أمريكا وأوربا في السيرة والهيمنة السياسية والاقتصادية، وثورة عمالية خوفا من كثافتها التي ستتقلص العمال في الغرب بعد رخصة دخول العمالة الرخيصة بعد تطبيق العولمة، وتأثر السوق المقترحة التي ترعاها منظمة التجارة العالمية على فرص العمل في الولايات المتحدة الأمريكية لأن الدول النامية تتميز برخص العمالة. وأما الخلافات بين الدول الكبرى ليست إلا في تقسيم الغنيمة، وليس لهم نظر في الدين والقيم والأخلاق. وأما نحن المسلمين لا بدّ من أن ننظر على حسب ميزاننا الواسع وحدونا الكبيرة. بالمقارنة بينها وبين شمولية الإسلام وعالميته وأخطار العولمة على العالم وعلاقتها بالصهيونية كلاعب أساسي لسياسة أمريكا.
فالهدف الأول هو العالم الإسلامي والشعوب المسلمة، مهما كانت الأدلة والبراهين ضعيفة للحكم على الإسلام والمسلمين أو غير موجودة فإن هذا الدين وأمّته وأراضيه هدف للأمركة، رغم أن ألمانيا واليابان وأوروبا متقدمة في التكنولوجيات الحديثة التي تؤثر الاقتصاد الأمريكي وكذلك كوريا الشمالية والصين وروسيا تملك أسلحة الدمار الشامل إلا أن هدف النظام الدولي الجديد وبرنامج الضرب هو العالم الإسلامي بحجة ضد الأصولية الخطيرة والإرهاب وهتك حقوق الإنسان.
عولمة التربية والتعليم
فإن السيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية في الفترات الماضية لا تعطي الفوائد على المدى الطويل، ولا بدّ من تغيير الفكرة والذهن بكل الوسائل التربوية والإعلامية، فالدراسات الاستشراقية والتبشيرية في الأقاليم المستعمرة تدعوا إلى مواصلة المخططات في هذه النواحي المهمة ابتداء من إعداد الشخصيات العلمانية بين أبناء المسلمين ليرثوا قيادة البلاد بعد خروج الاستعمار لمواصلة مخططاته على المدى البعيد. وقد حرص النفوذ الاستعماري أن يجعل من جامعاته ومعاهده مصدر لتخريج القادة والحكام في العالم الإسلامي، فتخرج منها قادة المناضلين لإعلاء الأيديولوجيات الهدامة على اختلاف مذاهبها لتطبيقها على الأمة الإسلامية بعد استقلال مرتب ومخطط، والمهم أن لاتعود الحكومة الإسلامية مرة أخرى. وذلك بتركيز المناهج الدراسية في الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية الغربية فإنها تدرس بحسبانها في العلوم الأساسية دون أن يوضع موضع التقدير أن للإسلام تعاليم شاملة ومفاهيم كاملة في تلك النواحي كلها.
وبالتالي إبعاد اللغة العربية، لغة القرآن ومكانتها العلمية الراقية في تاريخ الحضارات. لاشك أن القرآن معجزة باقية في لغتها ومحتوياتها: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)([10]).
وقد جمع الإسلام في عهد فتوحاته الذهبية العلوم النافعة والمعارف الغالية من جميع الشعوب والأمم بتصفيتها من الجاهلية وربطها بالإيمان برب العالمين، ونشأت الحضارة الإسلامية التي تربط بين العالم وربه وخالقه، ولكن الحضارة الغربية التي اقتبست من الجانب المادي من الحضارة الإسلامية تبني حضارة ناقصة ومنفصلة من الإيمان والأخلاق، فنشأت منها العلمانية فتولدت منها النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنفصلة عن الدين والقوانين الوضعية الضعفية، وهذه السلبيات الهدامة زرعت في الأراضي المستعمرة لاسيما الأراضي الإسلامية.
وذلك بنشر لغة المستعمر، وتعليم أهل البلاد المستعمرة تعليما ينشئ في نفوسهم حب المستعمر والافتخار باتباع سننه في نظم الحياة وحتى في اللباس واللغة والأخلاق، فأدخلت كلمات غربية في اللغة الوطنية ثم إزالة التأثر الإسلامي في الشعوب المسلمة كاستعمال الأحرف العربية في اللغة القومية وتداخل الكلمات العربية القرآنية في اللغات. لقد نجحت هذه الخطة في إندونيسيا في فترة الاستعمار الهولندي وفي تركيا بيد كمال أتاتورك وفي ماليزيا بعد استقلالها بأيد أبناء المسلمين الذين أخذوا زمام السلطة من بريطانيا بمخططاتها.
فهذه الحركات القائمة على الغزو الفكري بوسيلة التربية والتعليم لتغريب التعليم من كبرى المعارك التي تواجهها الأمة الإسلامية في التاريخ وتنبه المسلمون هذا الخطر فحاولوا من ناحيتهم بدون سلطة تحميهم ببناء المدارس والجامعات واستمرار الحلقات الدينية والحوزات العلمية بتضحيات كبيرة من علمائنا الكرام رحمهم الله والمعروف أن جميع الثورات والحركات والمقاومة للنفوذ الاستعماري إنما انبعثت من هذه الاجراءات التاريخية الذهبية. وفي مقدمتها حلقات الحرمين والأزهر والقرويين والزيتونة وقم والنجف.
وبهذه الخطة المرسومة استطاع الاستعمار أن يرافق الفتح السياسي والاقتصادي فتحا معنويا بوسيلة التربية والتعليم، فظهر جيلا من المثقفين بثقافته الذين يرثون الأرض بعد خروج هذا الاستعمار طوعا أو كرها. اولئك الذين يجدون كل التسهيلات في قيادة البلاد، وإدارتها والسيطرة على جميع المؤسسات السياسية والاقتصادية والتربوية والاعلامية. لمواصلة المخططات بعد خروج الاستعمار الخارجي. كذلك لاتزال من هذه الأمة طائفة قائمة على الحق لا يرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، فطلع الفجر الجديد في العالم المعاصر وتفجرت منها الصحوة الإسلامية في العالم كله، ومنه في ديار الغرب بين أبناء المسلمين الذين تعلموا في الجامعات الغربية لإعداد جيوشها بين أبناء المسلمين، هذه معجزة قرآنية عظيمة في قصة ظهور موسى (عليه السلام) حينما منعه فرعون بقانونه الوحشي الظالم (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ) فإذا بموسى (عليه السلام) نشأ في قصره وأمام عرشه.
فثارت ثورتهم وأعلنوا أن المؤسسات التربوية والتعليمة الإسلامية تخرج الإرهابيين. وأعلنت أمريكا بدون حياء تدخلها في شؤون التربية والتعليم للمؤسسات الإسلامية من مستوى روضات الأطفال إلى الجامعات الإسلامية والمدارس الإسلامية الشعبية والحوزات العلمية. حتى في مناهج دراستها وربما في القرآن الكريم نفسه. وحاولت بعض الحكومات في أراضي المسلمين لتنفيذ هذا الأمر. وفي ماليزيا قررت حكومتها إلغاء المساعدة المالية للمدارس الأهلية الدينية وأعلنت وزارة التربية والتعليم دراسة وتغيير منهج الدرس الديني في المدارس الحكومية واتصلت الجهة الرسمية بالأزهر في مصر لمراجعة معادلة الشهادة للمدارس الأهلية وهكذا فهذه أيضا من سياسة العولمة في التربية والتعليم.
وكذلك خطة عولمة التربية والتعليم بنشر اللغة الإنجليزية بفرضها في المواد الدراسية منذ المرحلة الابتدائية ولا ننكر ضرورة تعلم اللغات المختلفة في العالم كوسيلة للعلم ونشره ولكن هذه الخطة المرسومة لها هدفها المرسوم للهيمنة التربوية والتعليمية لتغريب البلدان بأسلوب العولمة الأمريكية لتنشئة شبابنا على رفع مكانة اللغة الإنجليزية في ميادين العلم والمعرفة فلا مكانة للغة القرآن كاللغة الرسمية ولغة العلم للمسلمين وكذلك اللغات القومية. وتعطلت محاولات إعادة رفع اللغة العربية وترجمة العلوم ومصطلحاتها إلى لغاتنا كما نجحت الألمان واليابان الدفاع عن كيانتهما ولغتهما بعد الدمار والهلاك في الحرب العالمية الثانية ونحن المسلمين أولى منهما.
واتخذوا من السيطرة على وسائل الإعلام التي تبث الأخبار المحلية والدولية وتحمل الأفكار وتنشرها في المجتمعات، وتبلغها كذلك بواسطة وكالات الأنباء العالمية التي يهيمن عليها الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى صناعة الأفلام السينمائية والتمثيليات والمسلسلات والحفلات والبرامج التلفزيونية تحت تخطيط الغرب على حسب أهدافه المرسومة للغزو الفكري والثقافي لاسيما على العالم الإسلامي. والتطور الهائل في التكنولوجيات المعلوماتية ومنها شبكة الانترنيت التي تشجعهم في تحقيق العولمة في هذا المجال، يعطي لهم فرصة واسعة للهيمنة على العالم على حسب المخططات. وأبرز مظاهر الهيمنة الثقافية للغزو الفكري بوسيلة الإعلام أن أربع وكالات أنباء غربية صهيونية هي رويتر وأسوشيتيدبريس ويونايتيدبريس وفرنس بريس تحتكر المعلومات لبثها في العالم على حسب برنامجها الإعلامي ودعاياتها للمصالح الغربية وفي مقدمتها أمريكا. وبالإضافة إلى السيطرة على إنتاج عالمي في البرامج التلفزيونية التي تربى البيوت والمنازل.
ولايجد المتابع لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في الغرب إلا هجوما مستمرا على الإسلام وسخرية واستهزاء بالمسلمين. والأمر أكثر خطورة يتمثل في أن الهيمنة الإعلامية تمس شخصية الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) والأحكام القطعية المنصوصة ويتم استسلام الفئات الحاكمة لعدم الاهتمام بها اهتماما بالغا. واستعدت الدول الغربية لحماية دبلوماسية أمنية للشخصيات الخبيثة التي فرت من المجتمع المسلم في العالم. فصورة الإسلام عندهم لاتخرج عن إطار خبيث اتخذوه من جميع السلبيات التي استخرجتها الدراسات الاستشراقية من تعاليم الإسلام باستنباط الروايات الشاذة الموضوعة والضعيفة أو قطعوا جزء ناقصا من الإسلام بدون ربطه بجميع النواحي المتعلقة بكمال الإسلام وشموله لكي يصفوا هذا الدين بالرجعية أو أنه يتخذ دورا متخلفا في الحياة البشرية أو يدعوا إلى الحرب والعنف باستمرار وينادي بالقضاء على جميع أعدائه بالإكراه في الدين ولا يراعي حرمة الأقليات غير المسلمة في المجتمعات الإسلامية ويظلم المرأة… إلخ. وصورة المسلم لا تخرج من إطار العنف والعدوان والدم والدكتاتورية ولا يهتم بالديمقراطية والحرية والتعددية. ولقد لعب الإعلام الغربي دورا بارزا في الهجوم على الإسلام وأعطت المؤسسات العلمية فيها كل التسهيلات للدراسات الإسلامية لبحث ما اعتبرت من السلبيات من تعاليم الإسلام.
والناحية الثقافية والفكرية ومايتصل بهما من شؤون التربية والتعليم والإعلام من المخططات المهمة لإزالة العامل الدافع إلى القوة والجاهد والمقاومة أمام الزحف للهيمنة الغربية بشعار العولمة وكانت هذه المخططات بأساليب مختلفة منها:
أولا: نقض مفاهيم الإسلام وتحريفها، وخلق دعوات تحمل لواء الإسلام ولكنها تتنكر لمقوماته وهو الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام لإلغائه إلغاء تاما أ قللت من أهميته أو عملت على تفسيره تفسيرا خاطئا.
ثانيا: الطعن على الإسلام وعلمائه ودعاته والحملات على مقاومته واتهامه بالسلبيات المختلفة، والحصار السياسي والاقتصادي والإعلامي على أية حكومة تطبق الشريعة الإسلامية.
ثالثا: هدم المناهج الدراسية في المؤسسات التعليمية والتربوية في علوم الدين بتقليلها وتجميدها وفصل العلوم الدنيوية من الإسلام لاستمرار العلمانية الموجودة وكذلك استهداف الحملة على إيقاف نمو اللغة العربية بالدعوة العامية وتغريبها والعمل على تغليب اللغات الأجنبية لاسيما الانجليزية.
العولمة الاقتصادية
فالاستعمار القديم في القرون الوسطى تجعل المجال الاقتصادي همزة الوصل للحركات الاستعمارية وهو يناسب النظام الذي يقوم على المبدأ الرأسمالي المادي، فنشأت شركة الهند الشرقية من بريطانيا إلى الهند وشبه جزيرة الملايو وشركة الهند الشرقية من هولندا إلى إندونيسيا، وكان هدفهما أخذ مواد الخام بالاسعار التي يحددها الاستعمار وأن تسوق منتوجات في تلك البلدان على حسب التسعير والتخطيط اللذين رتبهما الاستعمار بالإضافة إلى توزيع السكان الذي نقلهم من المناطق المستعمرة بأجرة رخيصة وكذلك في الولايات الأخرى في أمريكا اللاتينية التي يسيطر عليها الإسبانيون والبرتغاليون، وأما في أستراليا وأمريكا الشمالية استولت عليها الغرب إجباريا بقتل سكانها الأصليين والتشريد واستعباد أسارى الأفريقيين وغيرهم وتهجير الجناة من سجون بريطانيا للسيطرة على الأراضي الواسعة لفتح الحقول الواسعة والمزارع الكبيرة والمناجم الغنية بالمعادن لتمويل أوروبا وتزويدها بالموارد الاقتصادية. وكان السيطرة الاقتصادية في الفترة الاستعمارية القديمة بالهيمنة على المواد والموارد والإنتاج والتصدير والعمال والتسعير والسوق وغيرها.
فالعولمة الاقتصادية هي ظاهرة الرأسمالية بتجديدها بقيادة أمريكا ثم هيمنتها على حسب التطور الجديد بعد ازدهار تكنولوجيات المعلومات في العالم، والخروج من الأزمة الاقتصادية الداخلية في أمريكا وتأثرها من تطورات الاقتصاد في دول العالم، بالسيطرة على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقهر العالم بالدولار الأمريكي كعملة عالمية التي تؤثر العملات العالمية ولإيجاد المنطقة الكبرى العالمية بالنمط الرأسمالي على الصعيد الدولي مستفيدا من الفراغ الذي تركه انهيار المعسكر الشرقي وحدث التسارع الكبير في ثورة المعلومات الموجودة حيث أن الاتصالات والمعلومات أعطت الوسائل للانتشار السريع لنظم العولمة ومنها النظام الاقتصادي العالمي الفريد وهو النظام الرأسمالي على مستوى العالم بقيادة أمريكا بإلغاء الحدود بين كيانات هذا العالم ويسمح التدفق الحر للسلع والمعلومات والاستثمارات ووسائل التقنية الحديثة، والهجوم العسكري على المناطق المهمة اقتصادية كاستيلاء على أفغانيستان للسيطرة على الموارد الاقتصادية في أسيا الوسطى والحرب للسيطرة على الخليج لمكانتها البترولية وحماية إسرائيل التي تمول الانتخابات في أمريكا. ونشرت وسائل الإعلام نبأ تخطيط بناء أنابيب نقل الغاز من أسيا الوسطى إلى المحيط الهندي من طريق أفغانستان وباكستان واستعدادات سياسية وعسكرية للسيطرة على الدول العربية وإيران للغاية الاقتصادية بعد جمع الدويلات الصغيرة في الخليج كقواعد لاستثمارات الغربية باستخدام أهاليها، هذه بعد تحرير أفغانستان كما يدعون ونفس الخطة بعد تحرير الكويت والعراق. فهناك دول مستقبلة بنفس الدعاية.
فسياسة العولمة الاقتصادية لتكون الدول النامية لاسيما الدول الإسلامية قواعد اقتصادية للغرب لاستخراج الموارد في أراضيها واستخدام الأيدي العاملة فيها وتسويقها بين سكانها، وبعض الأراضي الإسلامية صالحة للقواعد العسكرية لحماية مصالح الاستعمار، وبعض حكامها خادمون له بدفع قسم من الأسهم والمصالح. وذلك الاحتكار الثروات واستعباد الشعوب على الطريقة الجديدة للنظام الرأسمالي على المستوى العالمي.
والعولمة الاقتصادية تجعل العالم سوقا واحدا للرأسمالية العالمية التي تقودها أمريكا للمقامرة على ثروات الآخرين واستخدام الشعوب المستضعفة بالضغوط الاقتصادية التي لا تسمح لها أبداً الخروج من مرحلة الدول الفقيرة التي تسمى بالدول النامية. والمعاملة الربوية تكون عظيمة وعالمية بأسلوب عالمي بطريقة البنوك والمؤسسات المالية التي تسيطر عليها اليهود بحماية أمريكا وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد العالمي باسم المساعدة لحلول المشاكل الاقتصادية ومعضلاتها، لتخطيط أهداف لا أخلاقية ولا إنسانية للهيمنة الكاملة والمطلقة على الاقتصاد العالمي حتى لا تستطيع أية دولة الوقوف أمام المطامع الغربية بقيادة أمريكا.
فسياسة أقراض الدول الصناعية الغربية للدول النامية عبر البنوك والمؤسسات المالية كالبنك الدولي وصندوق النقد العالمي بربا خبيثة عالية وسياسات تقشفية مهينة ضد شعوب الدول المقترضة فستزيد ديونها وفقرها، ثم سوف يتحمل المواطنون من قبل حكوماتهم النتيجة المؤلمة التي تمس شخصية الدولة واستقامتها. وليست المنظمات الاقتصادية العالمية التي تقودها الغرب إلا الذراع الاقصادي للسيطرة العالمية على الدول.
فستكون العولمة الاقتصادية هذه كأداة لهيمنة الغرب الأمريكي المتمثلة في شركاتها الكبرى التي تدير المصانع الكبيرة والمزارع العظيمة وفروعها في العالم وتسيطر على الثروة والانتاج وتحويل العالم لا سيما العالم الاسلامي إلى أداة تزويد الموارد والاستهلاك والتسويق. وكذلك استراتيجية تشجيع اعتماد اقتصادنا على النقود من قيمة الموارد البترولية والمعدنية وتخطيط المزارع المعتمدة على تحصيل الدولارات بزراعة التبغ والأفيون والقات والحشيش وزيت النخيل وبينما أراضيهم لتحصيل المزارع للأغذية والأطعمة الكافية للداخل والتصدير في العالم الثالث.
فالحكومة في الغرب الرأسمالي متعلقة تعلقا قويا برجال الأموال والأعمال، هؤلاء الذين يمولون الحزب الحاكم في الانتخابات العامة وكذلك الانتخابات الرئاسية لتعيين رئيس الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية، فالحكومة الأمريكية مستعدة بالسياسة والأمن والقوة في داخل بلادها لحماية المصالح الاقتصادية لهم وفي دول العالم بالتدخل العسكري لحماية النظام الرأسمالي والليبرالي للسيطرة الاقتصادية على المستوى العالمي ولليهود دور كبير في هذا المجال لأن لهم الأيدي الطويلة في النشاط الاقتصادي في البنوك والمصانع والأسواق التجارية.
فالعولمة الاقتصادية تكون بواسطة المؤسسات الاقتصادية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والسيطرة على النشاط الإنتاجي والسوق والعملة العالمية بالدولار الأمريكي بستار العولمة السياسية التي تهدد الدول بشتى الوسائل التي تسيطر عليها أمريكا وحلفاؤها إعلاميا واقتصاديا وعسكريا.
العولمة السياسية
فإن الاستعمار الغربي ترك في عالمنا الإسلامي آثارا عميقة وقوية من الغزو الفكري الشامل لتطبيقها في جميع النواحي لاسيما الناحية السياسية، رغم أنهم تركوا ديارنا باسم إعطاء الحرية والاستقلال، فمرض العلمانية التي تعاني بها الدول الإسلامية بعد استقلالها المخطط الذي لا يعطي مجالا للإسلاميين الذين بدأوا ضد الإستعمار للدفاع عن الدين والأمة بالتربية والتعليم والمواجهة الجهادية وقدموا الشهداء من أبناء الأمة الإسلامية من علمائها وشعوبها، يفتح مجالا بعد ذلك للنظم الوضعية والايديولوجيات الهدامة والنظريات الغربية من الإسلام بتخطيط إبعاد الإسلاميين من الحكم والإدارة وإدخال أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا الذين تثقفوا بثقافتهم وتربوا بتربيتهم في المؤسسات الحكومية، فبريطانيا المعادية للشيوعية أعطت مجالا للشيوعيين في اليمن الجنوبية السابقة والشيوعية الروسية أعطت مجالا لليبراليين الرأسماليين المتغيرين من الشيوعية في الولايات الإسلامية. ثم دخلت ولاياتنا الإسلامية في شبكة الكومنويلث، ومنظمة دول عدم الانحياز، ومنظمات دولية أخرى التي تهيمن عليها الدول الكبرى، وترى حكامنا الآن تلك المنظمات أولى من منظمة مؤتمر الدول الإسلامية. هذه بالإضافة إلى المشاكل الداخلية التي نبعت من الحلول المستوردة التي جنت على أمتنا.
فالعولمة الأمريكية التي تقوم باسم الديموقراطية حاربت الحركات السياسية الإسلامية في جميع أنحاء العالم بإدخال كلها. في قوائم الإرهابيين وقامت بحماية مطلقة للدكتاتورية التي تحمى المصالح الأمريكية، فهناك براهين كثيرة تدل على ذلك فمنها العدوان على الثورة الإسلامية في إيران والحصار السياسي والاقتصادي والإعلامي عليها وإلغاء الانتخابات في الجزائر التي تعطي فرصة للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وإسقاط حكومة تركيا تحت قيادة حزب رفاه وحله بقوة الجيش، وتبرير الرشوات والتزويرات لتغليب الأحزاب العلمانية على الأحزاب الإسلامية بستار الديموقراطية، وعدم الاهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني والكشميري والشيشاني وغيرها من الشعوب والأقليات الإسلامية المظلومة بخلاف قضية تيمور الشرقية في اندونيسيا، فالديموقراطية التي تريدها أمريكا هي الديموقراطية التي تؤكد حضورها في جميع أنحاء العالم ولاديموقلراطية للإسلاميين.
فأما الأمم المتحدة وفروعها السياسية والثقافية والاقتصادية التي هي آمال الشعوب المستضعفة بعد الحربين العالميتين لاتستطيع أن تتخذ دوراً بارزاً لحقوق الدول المستضعفة وشعوبها إلا بإحسان من الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وهي تحاول الآن لإجبارها على المقاييس السياسية العالمية التي تريدها لاسيما فرصة انهيار الشيوعية وانقطاع أوصال الاتحاد السوفيتي وتغيير سياسة الصين الشيوعية إلى الانفتاح الرأسمالي وانضمام دول أوربا الشرقية بالناتو. وبعد تسييس الأمم المتحدة لمصحلة الولايات المتحدة على الطريقة الديموقراطية الغربية بالرشوة والتزوير والتهديد كما حدث في قضية العراق ويكون القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة كبيت العنكبوت الذي تصيد شبكته الفراش الصغير ولا للطيور الكبار وستكون مصيرها كعصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى.
ولقد بدأت أمريكا بالتدخل في نظام الحكم في الدول الأخرى باسم التغيير الديموقراطي على حسب مصالحها فهذه كلها برنامج العولمة والأمركة حول العالم.
فإن الأبواب مفتوحة أمام برامج العولمة والأمركة إذا كانت سياسة الحكومات معتمدة على الإيديولوجيات المستوردة في الغرب، وزمام السياسة في أيدي أولئك الذين تخرجوا من برامج التربية والتعليم والثقافة المتأثرين والخادمين لها والشعوب خاضعة لوسائل إعلامها المقروؤة والمنظورة في البيوت والأذهان والحياة العامة معتمدة على النظام الاقتصادي المنشود بحماية سياسية غربية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تندفع بحماسة غربية لقيادة العالم بعد انهيار الكتلة الشيوعية، بشعار النظام العالمي الجديد والعولمة باسم الأمن والعدالة والحرية وحقوق الإنسان وغيرها من الكلمات والشعارات الأنيقة، وهي لاتستطيع أن تكون نموذجا في داخلها حيث الحرية الفوضوية وارتفاع الجنايات على حساب الدقيقة وانتهاك حقوق الإنسان على السكان الأصليين والسود، وتطبيق الديموقراطية بتمويل الأحزاب من اصحاب الأموال من اليهود والمافيا وغيرهما، وتريد تطبيقها في العالم للسيطرة والاستعمار والهيمنة بالتدخل في شؤون الدول الأخرى بحجة الشرعية الدولية من خلال الأمم المتحدة بوسيلة التهديدات تارة والمساعدات المالية والعسكرية تارة أخرى، فلا احترام لحدود والسيادة والهوية على استقلالها أمام سياسة العولمة الأمريكية.
فالولايات المتحدة الأمريكية تجعل العالم الإسلامي التحدي الأول في آمالها الكبيرة لمكانة الدين الإسلامي والقوة البشرية من أمته والمكانة الإستراتيجية لأراضيه جغرافية واقتصادية، فالنظم الغربية في السياسة والاقتصاد والثقافة والتربية والتعليم لا تستطيع المقارنة بهذا الدين الحنيف الذي يأتي من عند الله رب العالمين، ولكن أمريكا تهاجم الإسلام بالغطرسة والاستكبار، فاستعجال القادة الأمريكيين للهجوم والاتهام على الإسلام في كل حدث في أمريكا قبل البينات الصحيحة الواضحة يدل على ذلك، والحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم وضعت في السطر الأول في قوائم التحديات التي وضعتها الولايات المتحدة أمام برنامجها العولمية. ومن أجل ذلك فلا بدّ من تحرير الأمة الإسلامية من شبكة آثار الغزو الفكري لإنقاذها من سلبيات العولمة الامريكية التي تتبع من إيديولوجياتها المنهارة.
العولمة واليهودية
فهناك أمل اليهود الذي نشأ من فخرهم بادعاء شعب الله المختار منذ آلاف السنين ومحاولتهم لإعادته بتأسيس الماسونية والصهيونية وقاموا لتطبيق مخططاتهم ابتداء من عودة اليهود إلى أرض فلسطين وإقامة دولتهم من النيل إلى الفرات، وبالتالي إعادة بناء معبدهم العظيم هيكل سليمان على هدم المسجد الأقصى وهي لنا أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبداية معراجه. ثم نضالهم للسيطرة على العالم بالدولة اليهودية العالمية.
وأبطالهم تيودور هيرتزل وكارل ماركس ولينين وآدم سميث ودروين وغيرهم معروفون بدورهم لتخطيط الحركات الصهيونية وتطبيقها وتخدير العالم بالنظريات الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية واللبرالية والبراغماتية وغيرها لهدم الشعوب بالسياسة والاقتصاد والأخلاق حتى بقي الشعب اليهودي كالقوة الوحيدة في العالم.
لقد انهارت الشيوعية بسياساتها واقتصادها وأخلاقها. فالولايات المتحدة الأمريكية يسيطر عليها اللوبي اليهودي حتى تكون مستخدمة للصهيونية بشن الحروب السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية للسيطرة على العالم حتى انهارت نفسها لخدمة اليهود، ودولة إسرائيل التي تحميها أمريكا ستكون باقية على حسب الاستراتيجية المنشودة، فإن الاستعمار على العراق في الحرب الآخيرة هي الخطوة لفتح السبيل للأمل اليهودي من النيل إلى الفرات، ثم مواصلة المسيرة بالسيطرة على العالم الإسلامي وإبادة الإسلام إربة إربة، فستكون بعد العراق البلاد الأخرى على حسب البيانات الأولية من قادة أمريكا وإسرائيل وماتخفى صدورهم أكبر.
ولقد نجحت اليهود في تضليل المسيحية في العقيدة والشريعة بإدخال التثليث في التوحيد وإحلال الحرام وتحريم الحلال واتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله، وتغرير القادة والملوك بالإيديولوجيات الهدامة، فأصحاب الفكرة الإيديولوجية منهم، وكذلك يتخذون وسائل الفسوق والفجور والمنكرات لإزالة مكارم الأخلاق وكرامة الإنسانية بالنشاطات اللأخلاقية بالأفلام والمجلات والكتب والنوادي والبرامج التلفزيونية والانترنتية وغيرها. فإنما الأمم الأخلاق مابقيت، وإن همو ذهبت أخلاقهم وذهبوا.
واتخذوا من الهيمنة على الاقتصاد بحماية أمريكا لنشر المعاملات الربوية على الشعوب والحكومات لإضعاف اقتصادها وتعلقها الدائم بالمؤسسات المالية التي يسيطرون عليها كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فالبلدان كلها قواعد لهم لبناء المصانع الكبيرة والحقول الواسعة والمزارع العظيمة، والشعوب عمالهم، والحكومات التي تقوم باسم الديموقراطية على حساب الرشوة والتزوير في الانتخابات خدما لهم. وتبقى الديكتاتورية في العالم الإسلامي لمنع الصحوة الإسلامية وإخمادها.
وأخيرا فإن العولمة الأمريكية ستكون خدمة لليهودية لتنفيذ المخططات المرسومة للسيطرة اليهودية على العالم، ولهذا فإن اللوبي اليهودي الذي يسيطر على وسائل الإعلام ويهيمن على الاقتصاد في أمريكا يتخذ دورا حاسما للسيطرة على الرأي العام الأمركي لتعيين رئاسة أمريكا وتحديد سياستها الداخلية والخارجية.
تأثر العالم الإسلامي من العولمة
ولقد ترك الاستعمار الصليبي في العالم الإسلامي المخططات المدروسة لإپعاد الأمة الإسلامية من الدين الكامل كله أو بعضه، وعلموا صعوبة ردتها عن دينها، ثم نجحوا بوسائل الغزو الفكري، بتطبيق العلمانية وأفكارها، وفرض التوجهات المادية ونشر النظريات الإلحادية بين المسلمين. وبالتالي تستفيد الولايات المتحدة الأمريكة لتطبيق العولمة من نجاح المخططات الاستعمارية الماضية على العالم الإسلامي، منها:
ففي الناحية السياسية تستفيد من تمكين الفكرة القائمة على فصل الدين عن الحكومة وسياستها، وإدراتها باستخدام الحكومات العلمانية في العالم الإسلامي لتطبيق مخططاتها في البلاد وقمع الحركة الإسلامية التي تدعوا إلى إقامة الحكومة الإسلامية فيها بكل الوسائل القانونية وغير القانونية، حتى أن أمريكا الحامية للديموقراطية تدافع عن الديكتاتورية في البلدان الإسلامية، والرافعة راية حقوق الإنسان وهي تعمى عن انتهاك حقوق الإنسان في العالم الإسلامي، وذلك لصد الإسلاميين من الوصول إلى السلطة وإعادة الحكومة الإسلامية المتحدية الوحيدة للعولمة الأمريكية.
وفي الناحية الاقتصادية تسيطر على النشاطات الاقتصادية من الهيمنة على الموارد الأساسية كالبترول والثروة المعدنية وغيرهما والمصانع الكبار، فهذه الفرصة التي أتاحتها الحكومات العلمانية بالإضافة إلى الفكرة الاقتصادية المادية كالتعامل بالربا وغيره التي يقوم بها رجال الأعمال من أبناء المسلمين وتعلقهم بالمؤسسات الاقتصادية الغربية وارتباط الحركة الاقتصادية في حكومات الأراضي الإسلامية بشبكة المنظمات الاقتصادية العالمية التي تهيمن عليها الغرب بقيادة أمريكا، وهي العوامل التي تسهل وسائل العولمة والأمركة في هذا المجال الحيوي.
ومن الناحية الثقافية والتعليمية والإعلامية، نرى المناهج الدراسية المنفصلة من التربية الإسلامية حيث ترتكز فكرة فصل العلوم الدنيوية عن الإسلام وإتاحة الفرصة للغة الإنجليزية مكانة علمية وإهمال اللغة العربية واللغة الوطنية وشعور عدم صلاحيتهما للعلوم الدنيوية. بالإضافة إلى وسائل الإعلام المسخرة لنشر الأفكار والمعلومات المخربة فكلها تتخذ دورا بارزاً لمعانقة العولمة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية المهمتان من حيث الفكرة الأمريكية المادية. ومنع تقدم الصحوة الإسلامية التي ازدهرت في العالم الإسلامي وخارجه.
انهيار الحضارة وتأثرها للعولمة
ظهرت في الفترة الأخيرة امارات انهيار الحضارة الغربية ابتداء من إزالة الاتحاد السوفيتي من خريطة العالم جغرافية وسياسية كإشارة للكساد الشيوعي والاشتراكي، وبدت تدهورات النظام اللبرالي الرأسمالي ومحاولة مؤقتة من أمريكا لإنقاذها باستعمار أفغانستان ثم العراق بالقوات المسلحة المتطورة التي تملكها باسلوب قديم متحفي التي اتخذته من سجلات التاريخ الأسود للعالم بمساعدة حلفائها بريطانيا وأسبانيا وإسرائيل وغيرها. وهي عملية جراحية قبيل الموت ومنها تجديد الاسم بالعولمة.
والمتأمل في ثنايا القرآن الكريم يلمح التركيز الكامل على أن صلاح الحضارة وبقاءها يرتكز في أساسه على العقيدة السليمة والإيمان الخالص والشريعة الإلهية العادلة والأخلاق الربانية الكريمة، وكذلك أن انهيار الحضارة يرتكز في عكسها مهما كانت قوتها المادية، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) ([11]). الشواهد التاريخية تثبت ما ورد في الآيات القرآنية، فإنها معجزة عظيمة حية، والأحداث الواردة في القران مكررة في كل زمان ومكان.
اعترف كثير من المفكرين في الغرب عن الحضارة الغربية الحديثة، منذرين قومهم، وموجهين إلى أهلهم سهام النقد اللاذع. منهم الفيلسوف البريطاني برتراند راسل الذي صرح بيانه لقد انتهى العصر الذي يسود فيه الرجل الأبيض.. وبقاء تلك السيادة الى الا بدّ ليس قانونا من قوانين الطبيعة. وأعتقد أن الرجل الأبيض لن يلقى أياما رضية كتلك التي لقيها خلال أربعة قرون..
وقال الفيلسوف الفرنسي أليكسيس كاريل: إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أي معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس وأوهامهم ونظرياتهم ورغباتهم.. وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا.. إننا قوم تعساء، ننحط أخلاقيا وعقليا.
وقال الفيلسوف الأسباني فيلاسبازا: إن جميع اكتشافات الغرب العجيبة ليست جديرة بكفكفة دمعة واحدة، ولا خلق ابتسامة واحدة.. وليس أجدر من أمم الشرق المحتفظة بالثقافة العربية الإسلامية، والقائمة على إذاعتها بوضع حد نهائي لتدهور الغرب المشؤوم، الذي يجر الإنسانية إلى هوية التوحش والتسلي المادي.
ولقد أجمع هؤلاء على أن الحضارة الغربية في سبيلها إلى الزوال والانهيار لاضمحلال الجانب الروحي وغلبة المادية إلى ذروة الطمع وسيطرتها على جميع مناحي الحياة، والانحطاط الخلقى وانتشار الفوضى والإباحية.
والشيوعية المنهارة وحفيدها الاشتراكية جزء من الحضارة الغربية، ابتداء من زوال الاتحاد السوفيتي، وتغي الصين والكوبا الشيوعيتين إلى الانفتاح في العالم الخارجي بعد تدهور النظام السياسي والاقتصادي في الحكومات التي أقيمت على نظامها وفساد في الإدارات وفساد في الأسرة والمجتمع.
واللبرالية الرأسمالية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لا تسلم من السلبيات المذكورة، ابتداء من الثلمات في الديموقراطية التي افتخرت بها بهيمنة المادية والانتهازية على نظام الحكم في الانتخابات المليئة بالرشوات والتهديدات والتزويرات، وسيطرة إسرائيل الصغيرة بواسطة اللوبي الصهيوني المسيطر على الاقتصاد والبنوك ووسائل الإعلام بأموالها الكثيرة. وكذلك النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يقوم على المادية البحتة تثمر معضلات مدمرة لاقتصاد أمريكا بنفسها حيث تحمل هذه الحكومة الغنية الديون الكبيرة والحركة الاقتصادية التي تحمى المصالح الخاصة التي تهدم العدالة الاجتماعية. والمجتمع يعاني الانحطاط الخلقي الذي يخرج من الفطرة الإنسانية، فانهدمت الأسرة وانتشرت الجنايات والمنكرات والفساد التي تهلك الأمم السالفة.
وجملة القول إن أمريكا لا تصلح أن تكون قائدة للعالم، والعولمة التي تناضل في سبيلها ظهرت من الحضارة الغربية المنهارة التي تنتهي بالدمار والهلاك للإنسانية مثل أخواتها الحضارة السابقة التي خرجت من دين الله وسننه الحكيمة ونواميسه العظيمة وانحرفت من الطريق المستقيم للعالم. والفكرة العلمانية التي يقوم عليها الغرب وأخذت زمامها الولايات المتحدة بشعار العولمة أخرجت الدين السماوي من دوره في الحياة البشرية، وقيادة الناس في حياتهم ومماتهم وعلاقتهم بربهم والعالمين. وخانت الرسل عليهم الصلاة والسلام من آدم إلى محمّد(صلى الله عليه واله وسلم)، منهم أنبياء بني إسرائيل ومن بينهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى (عليهم السلام) وكانوا على دين واحد وهو الإسلام: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)([12]). وما دعوة أمريكا إلا سلسة من سلاسلة الجاهلية الأولى التي يواجهها الأنبياء والمرسلون بصبغة عصرية.
أهمية الموقف الإسلامي الموحد تجاه العولمة
الإسلام دين عالمي في عقيدته وشريعته ونظمه، ودور الإسلام للعالم لا للهيمنة والسيطرة والاستعمار، وإنما هي هداية رب العالمين للناس جميعا، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، وفتح قلوبهم إلى الصراط المستقيم قبل فتح بلادهم، ولذلك يسمى دخول المسلمين في البلدان بالفتوحات لا بالاستعمار، وحرم الظلم والإكراه لأنهما يورثان النفاق الذي يبطل الإيمان، وترك لأهل البلاد حرية الدين والعمل والملكية، واعترف الإسلام في بلاده وحكومته التعددية في الأديان والقوميات واللغات والتقاليد رغم دعوته للناس جميعا إلى هذا الدين. والعولمة التي يعنيها العالم المعاصر على تفسير الولايات المتحدة الأمريكة تخالف الإسلام في معناها الإيديولوجي وهدفها الاستعماري.
وأساس العقيدة الإسلامية الإيمان بالله رب العالمين الذي أسلم له من في السموات والأرض، قانتا لقوانينه، خاضعا لسننه، والملائكة لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون، بل خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين الماء والأرض لآيات لقوم يعقلون. كلها تدل على عالمية العقيدة الإسلامية، وهي دعوة جميع الأنبياء منذ آدم (عليه السلام) إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) الذي أرسله الله للعالمين ورحمة للعالمين.
وأساس العبادة في الإسلام واحد منذ آدم إلى آخر الزمان، وهو عبادة الله وحده لا شريك، بالإخلاص له الدين، في جميع شعائر العبادات، والاختلاف في كيفياتها بين الرسل لاختلاف المكان والزمن، مما يدل على وحدة العبادة وتوحيدها بين الرسل، ونذكر في عبادتنا لله رب العالمين وأن العالمين يعبدونه ويسبحون بحمده، والإسلام يدعو الناس جميعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
والشريعة الإسلامية كاملة متكاملة، وكمالها يشمل جميع النواحي البشرية وعلاقتها بالله رب العالمين، والعلاقة بين الناس في إطار المسلمين وغير المسلمين، أو بعبارة أخرى تشمل العبادة والأسرة والسياسة والاقتصاد والعلم والتربية والثقافة والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وعلاقة الناس بربهم، وعلاقة الناس فيما بينهم، وعلاقة الناس بالأرض ومن فيها ومافيها، وعالم الغيب والشهادة، وعلاقة الدنيا بالآخرة.
والعالمية خصيصة من خصائص الإسلام ومميزة من مميزاته، وفضيلة نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) على غيره من الأنبياء والمرسلين، وقام بواجبه العالمي منذ بداية الرسالة، وليس أمرا عارضا أو تطور ادعت إليه التطورات العالمية وإنما هي تحديد من عند الله لآخر رسله وخاتم أنبيائه.
رسالة عالمية
وعموم رسالة نبينا وحبيبنا محمّد (صلى الله عليه واله وسلم) بتعيين من الوحي، وإنها موجهة إلى الناس جميعا، وهذه ثابتة منصوصة في القرآن والسنة عدة مرات ومواطن كثيرة، ومنها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)([13]).
وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)([14]).
وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)([15]).
وقوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ)([16]).
وقوله (صلى الله عليه واله وسلم): وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث إلى الناس عامة([17]).
وقوله (صلى الله عليه واله وسلم): مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة؟ وأنا في النبيين موضع هذه اللبنة([18]).
وأرسل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) رسله ورسائله إلى الملوك والرؤساء في أنحاء العالم، فأسلم من أسلم وصالح من صالح وحارب من حارب. وأقام الدولة الإسلامية وواصل وظائفها الخلفاء من بعده، واتسعت الفتوحات حتى تكونت الدولة العالمية التي تحكمها الشريعة العالمية الكاملة، ونشاء المجتمع المدني الرباني التطبيقي، والشريعة الإسلامية الكاملة تقوم على العدالة الإلاهية المطلقة للعالمين جميعا، فقال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
وجمع الإسلام العلوم النافعة والتجارب المفيدة من الأمم والبلدان لقوله (صلى الله عليه واله وسلم): (الحكمة ضالة المؤمن فأني وجدها فهو أحق بها). وقامت الحضارة الإسلامية على أساس العقيدة الصحيحة والشريعة العادلة والأخلاق الكريمة واستفادت منها الأمم والشعوب الذين دخلوا في رحاب الدولة الإسلامية العظيمة. ونجح الإسلام في التوفيق والتنسيق بين قوى الحياة وطاقات الإنسان وحاجات البشرية على وجه العموم.
وكانت دعوة الآيات القرآنية لاتخص المؤمنين والمسلمين خاصة وإما هي كذلك للناس جميعا، وليست للدخول في الإسلام فقط ولكنهم لا يكرهون في الدين وتحترم حقوقهم الإنسانية. فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13).
وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)(الروم: 22).
انتشرت الدعوة الإسلامية بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وانتشرت معها عدالة الشريعة الإسلامية في قلوب الناس مع اتساع الدولة الإسلامية وعلاقاتها الدولية ووصلت معلوماتها في الرأي العام بين الدول والشعوب، وانهارت الفرس والروم العظيمتين ودخل الإسلام في الصين في القرن الأول الهجري وبالتالي في جنوب شرق آسيا بطريق التجارة، واستطاعت الخلافة الإسلامية إدارة ولاياتها وشعوبها عدة قرون في فترات لا توجد فيها سهولة الاتصالات والمواصلات، واستفادت الأمم والشعوب من الحضارة الإسلامية، وفاز من دخل الإسلام كافة في الدنيا والآخرة، ومن فصل الدنيا من الدين فليس له في الآخرة من خلاق، بل انهارت في الحياة الدنيا.
والعالم في أمس الحاجة إلى الإسلام بعد فشل الدين كله إلا الإسلام، وتحمل الناس سلبيات الإيديولوجيات، والقوانين الوضعية. ويجب علينا نحن المسلمين إنقاذ العالم من الدمار، فهذه رسالتنا الخالدة، ولكنه لا بدّ من إصلاح أنفسنا أولا بالرجوع إلى الإسلام من جديد، لأنه لا يصلح لهذه الأمة إلا بما صلح به أولها. والعولمة المعاصرة التي تغير وجه العالم المعاصر تجعل الأمة الإسلامية تندمج بها ولا بدّ من تحديد موقف إسلامي موحد صحيح لتغيير الدور الأمة الإسلامية التي هي خير أمة أخرجت للناس، على أساس وضعه ربنا تبارك وتعالى في كتابه وقام عليه الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه واله وسلم). وهو قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله)([19]).
وقوله تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج 40 -41).
العولمية واستراتيجيات الدول الإسلامية
فإن رسالة الإسلام خالدة إلى يوم القيامة لا تنتهي بوفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وإنما هي لإنقاذ البشرية من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شرك له ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. وإنه من واجب الأمة الإسلامية مواصلة مسيرة هذه الرسالة. والعولمية من حيث المبدأ فتح الميدان الجديد لهذه الرسالة، وفيها تحديات منظمة لمواجهة الإسلام، وقد رأينا مواطن الضعف فيها.
ولا يمنع انتشار الإسلام في قلوب الواعين من الناس في الشرق والغرب ومنهم في أمريكا نفسها، في هذا العصر الذي لا تقوم فيها خلافة تحمي الدعوة الإسلامية، وهذه أيضا من المعجزات، ووفاء العهد الصادق من عند الله، أنه يحفظ هذا الدين ويحميه. ويجب الإيمان بصدق وعده في الدنيا والآخرة، ولقد نصر الله دينه في مواطن كثيرة في عهد النبوة وبعده، (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) ([20]). وعلى الدول الإسلامية الإجراءات التالية:
أولا: تحرير العقيدة من الاستعمار الفكري
فإن الحلول المستوردة التي جنت على أمتنا لحل القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والإعلامية بواسطة الإيديولوجيات المختلفة والنظريات المتنوعة إنما هي من نتيجة الفكرة العلمانية التي تدخل في عقول المسلمين بواسطة الغزو الفكري في عهد الاستعمار، وهي من مخططات الأعداء في عهد حكمهم على أراضينا وشعوبنا، فإن استقلال البلدان الإسلامية في هذا العصر لا يكفي، وخروجهم من بلادنا لا يشمل معنى الحرية الكاملة، ولا بدّ من تحرير العقول والأذهان من الغزو الفكري الذي يمس العقيدة والشريعة والنظم، ويجب التخلص من الفكرة العلمانية حتى نرجع إلى ديننا الكامل المتكامل وعقيدتنا الخالصة من الشرك في العبادة والشريعة والأخلاق، وحتى تكون الدين كله لله والأعمال كلها على تعاليم الإسلام الكافة الشاملة. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ([21]).
فإن استبدال الإيديولوجيات المستوردة والنظم الأجنبية والقوانين الوضعية مكان الشريعة الإسلامية المنصوصة القطعية في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) من الشرك الذي يضر العقيدة ويفسدها ويجب الخروج منه والرجوع إلى الإسلام من جديد (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله). فإنه تمس حاكمية الله التي هي من التوحيد الذي دعا إليه جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. وكان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يجاهد في تحرير عقيدة أهل مكة من الشرك الذي يدافع عنه أهل مكة نفسها قبل مواجهة الروم والفرس، والشرك لا يتحدد في عبادة الأصنام والأوثان كما فهمه العامة وإنما يدخل فيه قوانين الحياة ونظمها كما فسّره رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم). وكفى بالحكومات العلمانية أن تخدع الأمة بالاصطلاح الدستوري الماكر الذي وضعت في دستورها أن الإسلام هو الدين الرسمي، وهي كلمة حق أريدها بها باطل.
فإن الإستعمار قد جعل الإسلام محكوما عليه على حسب إرادة حكومته، حتى أن وزارات الأوقاف، وإدارات الشؤون الدينية التي أوجدها الإستعمار في عهده ليس إلا لحبس الإسلام في سجنه، ولتفتيش المساجد وخطبائها والمدارس الدينية وعلمائها لمنع الوجود الإسلامي في سياسة الحكومة وإدارتها، بل الذنب والجريمة على الدين والأمة والأعظم أمام الله أن نبقى على هذا النهج الضال، ولا بدّ من تحرير الأمة من هذا الاستعمار الذي لايزال ظاهرا في العالم الإسلامي ويجب ضد سياسة العولمة الأمريكية التي تريد أن يستمر هذا المنهاج المنحرف بصبغة التغيير الديموقراطي.
ثانيا: فك الارتباط بأمريكا
البلدان الإسلامية غنية بالموارد الطبيعية، من الأراضي الخصبة والمتوفرة بالثروات الزراعية والمعادن الثمينة، قادرة لتصدير الضروريات والحاجيات والترفيات. وخبراؤنا منتشرون في الأرض، وبعضهم في أوربا وأميركا مبعدين من أوطانهم وبعضهم معتقلون لأسباب سياسية، وعمالنا كثيرون، وأسواقنا عظيمة تتكون من أكثر من مليار مسلم في العالم، فلماذا هذا الارتباط الضروري بأمريكا، من عملتها الدولارية إلى قمحها وملابسها بالإضافة إلى رحمة أسلحتها المحدودة وهي لمواجهة الإخوة أكثر من أن تكون لمواجهة الأعداء، حتى نستخف من ذلك الشيطان ونطيعه. لماذا هذه المهانة؟، فاعتبروا من ألمانيا واليابان اللتين انهدمتا ودمرتا في الحرب العالمية الثانية، ولكنهما قامتا بالعزة التي لا تتعلق بالثواب والجنة، بشخصية قوميتهما ووطنيتهما، وكذلك أوربا قامت بالترابط بين بلدانها بمنظمة أوربية. فأين نحن بإسلامنا؟ فلماذا نقف خائفين متخاذلين مترقبين وننسى ديننا المتين الحصين وربنا العزيز الكريم. فإن الله قد أعز سلفنا بالإسلام فمهما نبتغ العز بغير ما أعزنا الله أذلنا الله.
ولا بدّ من التعاون الدول الإسلامية في الاستفادة من مواردها الغنية للأوطان والأمة لحل قضايا داخلية الدول الإسلامية بأنفسهم وفيما بينهم بالأخوة الإسلامية والاهتمام بخبراء المسلمين وعمالهم وتعيين العملة المتداولة بين الدول الإسلامية لتحريرها من لعبة الدولارات كما حاولت أوروبا بتقديم اليورو ولا يمنع من أن نتصل بالدول الأخرى في المعاملات الدولية ولكنه لايجوز أن نتعلق برحمتهم حتى تمس عزتنا الإسلامية.
ثالثا: الأخوّة والتقريب
إذا كانت أمريكا بغرورها تقوم بالعدوان على العراق وشعبها بغض النظر إلى سنتهم وشيعتهم وعربهم وأكرادهم وتركمانهم وقبل ذلك القتال على أفغانستان بدون فرق بين مذاهب أهلها وقبائلهم، ولا يهتم بالإيديولوجيات لأن استخدامها قد انتهى. فلماذا لا نتآخي فيما بيننا بالأخوة الإسلامية ولا نتقارب بعلاقاتنا الإيمانية، فإن الشعوب المسلمة تشعر بآلامها مهما بعدت المسافات وفرقتها الحدود الجغرافية، والمسألة على الحكومات التي تعاني بمرض العلمانية التي تفصل الإسلام منها.
ولا بدّ من علاج الخلافات بين الأمة الإسلامية بالأخوة والتقريب، ابتداء من تقريب المذاهب الإسلامية بتركيز الوحدة في العقيدة الصحيحة التي اتفقنا عليها والشريعة المنصوصة التي اجتمعنا على نصوصها وإجماعها ونترك الخلافات الفرعية بحوثا علمية غنية التي نستفيد في تطبيقها على حسب الظروف المختلفة والواقعيات المتغيرة والمتنوعة.
ويجب على الحكومات في الأوطان الإسلامية التحرر من العصبية القومية والوطنية والحدود الجغرافية التي ابتدعها الاستعمار لتشتيت المسلمين حتى يجعلنا غرباء في أوطاننا، وللأجانب أسهل تأشير من الإخوة في الدين، وحتى يضرب بعضنا رقاب بعض، كما أنذرنا الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) في وصيته العظيمة في حجة الوداع قبل وفاته ولقائه بالرفيق الأعلى. والله يقول الحق في محكم كتابه:
(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ([22]).
فسبب نزول الآية يدل على دور اليهود في كيدهم ومكرهم فرجع المسلمون الأوائل إلى الله ورسوله، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فسلموا، وانتصروا على أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر من مشارق الأرض ومغاربها فانتشر الإسلام بين الأمم والشعوب، وقامت دولته العظمى من الشرق إلى الغرب، وكانت هيبة الأمة الإسلامية منتشرة في العالم من أقصاه إلى أقصاه، ودعاة الإسلام يضربون في الأرض مع بضائعهم لحمل الرسالة الإسلامية العالمية، واتسعت الفتوحات من المحيط إلى المحيط.
وتقسيم العالم الإسلامي المعاصر وتفريقه من صناعة الاستعمار بعد تأثرنا بالغزو الفكري العلماني واعتناق قادة البدان الإسلامية بالإيديولوجيات في تحكيم بلادهم وتركوا الإسلام وراءهم ظهريا، وطبقوا النظم والقوانين والنظريات على الشعوب المسلمة حتى أن بعضهم رضوا أن يكونوا خدما لأعدائهم لضرب إخوانهم. ولا حول ولا قوة بالله العلي العظيم.
ولقد نادى الإمام جمال الدين الأفغاني بضرورة إنشاء جامعة دولية إسلامية، وما كانت لدعوته استجابة إلا حث الشعب الإسلامي عليها، وإنهاض الأمة للاتجاه نحوها. وطوف في أرض الإسلام ماطوف، ومادخل إقليما إسلاميا إلا أيقظ أهله، وأزال الغمة، وحاول بعث الهمة، ولكن لا يلبث حكام المسلمين أن يخرجوه من أرض الإسلام حتى ألجؤوه إلى دار الكفر واستمر في محاولته من المنفى إلى المنفى ومن السجن إلى السجن، وهذا من تاريخ علمائنا.
ويجب أن يكون مؤتمر الدول الإسلامية تغيير وضعها من أن يكون صالة للمحاضرات والندوات والمناظرات والمشاتمات بين القادة والسادة الملوك والرؤساء إلى مستوى المنظمة الاسلامية العالمية التي تجمع الدول الإسلامية في التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، فإن الشعوب المسلمة ترضى الصبر على الظلم والفسوق والفجور الداخلية مع العمل المتواصل للإصلاح والتواصي بين ذات البين ولكنها لا ترضى أن تكون خدما لبوش الأمريكي وسياستها العولمية.
رابعا: الدعوة العالمية
فإن الرسالة الخاتمية العالمية التي حمل رايتها الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) لا تنتهي بوفاته، وإنما تجب مواصلتها على أمته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وفرض على العاملين في الحقل الإسلامي العمل به كاملا على نهج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، من دعوة الناس في كل مكان وزمان إلى هذا الدين وإلى إقامة دولته ليكون الإسلام ظاهرا على الدين كله.
فالرسالة الإسلامية العالمية تشمل الشعوب والحكومات، إما أن تدخل في دين الله باعتناقه وإما أن تعيش في حماية عدالته وإما أن تسالمه دون صد دعوته ومنع انتشاره. فالمواجهة السلمية أولى من الحرب ولا إكراه في الدين. ويجب على الحكومة تسهيلها وتنظيمها وحمايتها وحفظ أمنها وتقديم حسن الإسلام وعدالته بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع أمورها والتخلق بأخلاقه وآدابه واتخاذ الوسائل العصرية في نشر الدين في داخل البلاد والمجتمعات الدولية ومنها انتهاز المواضع الإيجابية من العولمة من وسائل العلاقات الدبلوماسية والإعلامية والتجارية والسياحة وغيرها.
فإن انهيار الإيديولوجيات من أمارات أن العولمة ستفشل مهما كانت طغيانها وجبروتها، وهذه فرصة الإسلام ومستقبله. ولقد حدث انتشار الإسلام في أوربا وأمريكا بدون دولة تحميها، وخلافة تحرسها، وهذا نور الله الذي لا ينطفئ (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
ولقد رأينا أزمات الثقات بين أهل الغرب بدينهم حتى أن الكنائس مهجورة أو مبيعة أو منقلبة إلى نشاطات لا دينية، والقوانين الوضعية ضعيفة جدا لمواجهة الجنايات حتى ازدادت بنسبة خطيرة، فهذه كلها تجعلنا أكثر أيمانا بضرورة الدعوة إلى الإسلام وإنقاذ الناس به من الهلاك والضلال.
والعولمة جاهلية العصر، تدفع الناس إلى أكثر غلو وفساد من الجاهلية الأولى فيجب دعوة العالم شعوبا وحكومات إلى الإسلام لإخراجهم من هذه الظلمات إلى النور، فحوار الحضارات التي تروجها وسائل الإعلام فرصة للدعوة العالمية، ونحن على يقين أن حجة الله البالغة ستظهر على الدين كله. فيجب على الأمة الإسلامية علماء وحكاما أداء هذا الواجب الديني لتكون خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله فإنها لكرامة هذه الأمة وعزتها تجاه العولمة.
ويجب الاستفادة من تكنولوجيات المعلومات الحديثة في نشر الدعوة الإسلامية بطريقة وسائل الإعلام المقروؤة والمنظورة ومنها القنوات الفضائية بشتى اللغات العالمية. ولا نستطيع الخروج من الاندماج بالعولمة ولكننا نقوم بالشخصية الإسلامية القوية حاملين الرسالة الإسلامية العالمية.
خامسا: الأخذ بأسباب القوة
لكي تصبح الأمة المسلمة ذات نفوذ وتأثير في مواجهة العولمة لا بدّ أن يتوافر لديها رصيد ضخم من القوة الروحية والمادية إذ أنهما يتكاملان في سياق إبراز مكانة الأمة في العالم، وإظهار كرامتها وعزتها، فلدينا عناصر القوة التي يجب إعادتها وجمعها وإحيائها وتحقيقها في جميع المجالات، ويجب بذل كل الجهود لتطبيقها.
فالقوة الروحية في العقيدة والإيمان والأخلاق وأداء الفرائض الدينية وفي مقدمتها فريضة الجهاد التي هي سنام الدين، ولقد عم البلاء لإهمال هذه الفريضة، ويجب فتح هذا الباب لأبناء أمتنا لكي يتسابقون إليه كما تسابق السابقون الأولون. سواء كان داخليا لمواجهة الحكام الفسقة الفجرة أو خارجيا لمواجهة الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر. فالمراجع غنية في السطور والصدور، لأن لدينا كتبا كثيرة في جميع المذاهب، وعلماء كثيرين في المنابر والمدارس والجامعات. ويجب على الحكومات ألا تخاف من هذه الفريضة لأنها تحميها وتعزها وتحفظها إن كانت مخلصة لوجه الله الذي يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وبيده الخير وإنه لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه وإنه على كل شيء قدير.
والقوة المادية من القوة الاقتصادية والعسكرية وغيرها، فلدينا عناصر هذه القوة، من الثروات والموارد والطاقات البشرية التي يجب الانتفاع بها وتخطيطها تخطيطا جيدا بالتعاون والتعاضد بين المسلمين وحكوماتهم، استجابة لأمر الله (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) ([23]).
وهذا أمر إلهي موجه إلى الأمة جمعاء لاسيما أولياء الأمور لكي لايخفوا استطاعتهم وراء المصالح الدنيوية، وبعد ذلك نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين.
سادسا: نهضة علمية شاملة
وبعد تميزنا بالإسلام في تعاليمه الكامل فإن الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها وهو أحق بها، فقاعدتنا أقوى من اليابان وألمانيا اللتين نهضتا نهضة علمية بعد الدمار الشامل الذي أصاب كلتيهما في الحرب العالمية الثانية، لأن نهضتنا العلمية ستكون على أساس الإيمان والإسلام والإحسان. ولا يمكن أن نستفيد من طاقتنا البشرية ومواردنا إلا بالنهضة العلمية الشاملة تشمل الدين والحياة.
ويجب فتح المجال للمؤسسات التربوية والتعليمية مسايرة التطورات العلمية مع الصحوة الإسلامية المباركة، ويجب على الحكومات إزالة الحواجز التي بنتها لصد التوعية الإسلامية بين الطلبة في الداخل والخارج. فإن الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا وبين الدين والسياسة وبين الدين والعلوم النافعة.
خاتمة
فالإسلام دين الله الذي لا يأتيه الباطل ويعلو ولا يعلى عليه، فالعولمة الأمريكية التي تمتد من الجاهلية الأولى لا تستطيع أن تقف أمام الإسلام مهما كانت قوتها واستكبارها، وإنما هو من وظيفة الإسلام أن تدخل العالم الذي هو هدف رسالته، كما قال عقبة بن نافع حينما وصل الشاطئ الغربي من شمال أفريقيا متوجها إلى المحيط الاطلنطي في تلك الفترة التي لا تكتشف فيها القارة الاميركية إنه يريد خوض هذا المحيط ليصل إلى تلك الأرض وليبلغ في أهلها الإسلام وليرفع على ارضها رايته. فنحن على دربه إن شاء الله.
فهذا نظر سريع موجز من المستضعفين الذين يحملون أملا عظيما لمستقبل الأمة بإسلامها ويأسفون على تقصير أولياء الأمور.
فإن المسيرة لا تنتهى مهما كانت التحديات وعظمها لأن الله اكبر واجل واعظم، ويحفظ دينه كما وعده (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع
1- الوحدة الإسلامي، الشيخ محمّد أبو زهرة.
2- العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي، الأستاذ أنور الجندي.
3- حوار مع الأستاذ نجم الدين أربكان، تركيا.
4- الحلول المستوردة، شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي.
5- العولمة والثقافة، الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي (قناة الجزيرة).
6- الإسلام والعولمة، الشيخ محمّد حسين فضل الله (قناة الجزيرة).
7- العولمة ومستقبل العالم، الدكتور فتحي يكن ورامز طنبور.
8- النظام الدولي الجديد، ياسر أپو شبانة.
9- أسرار الماسونية، أتلخان.
10- نشأة العولمة: الدكتور عبد الحي زلوم (قناة الجزيرة).
11- ثورة الغرب على العولمة، محمّد المقدادي وصبري سعيد (قناة الجزيرة).
12- العولمة والتجارة والعلاقات الأمركية العربية، توماس فريد من (قناة الجزيرة).
13- العولمة بعد أحداث أمريكا، محمّد وجدي عبد الحكيم دياب ومجدي خليل.
14- النظام العالمي الأمة العربية والصهيونية، الدكتور عادل سمارة ويعقوب دواني (قناة الجزيرة).
15- العولمة والشرق الأوسط، الدكتور ناصف حتى وندمي شحادة.
الهوامش:
([1]). الذاريات : 56.
([2]). البقرة : 30.
([3]). الأحزاب : 72.
([4]). طه : 120.
([5]). الحجرات : 13.
([6]). الروم : 22.
([7]). المائدة : 8.
([8]). البقرة : 171.
([9]). المائدة : 50.
([10]). البقرة : 23.
([11]). الفجر : 1 – 8.
([12]). البقرة : 132 – 133.
([13]). الأعراف : 158.
([14]). سبأ : 28.
([15]). الأنبياء : 107.
([16]). التكوير : 27 – 28.
([17]). البخاري ومسلم وغيرهما.
([18]). البخاري ومسلم.
([19]). آل عمران : 110.
([20]). محمّد : 38.
([21]). البقرة : 208 – 209.
([22]). آل عمران : 103.
([23]). الأنفال : 60.