أثر العولمة الثقافي على المجتمع الإسلامي
أثر العولمة الثقافي على المجتمع الإسلامي
الدكتور عمر جاه
بسم الله الرحمن الرحيم
العولمة، كما تطرحها البلدان المتقدمة اقتصادياً في الغالب، هي انعكاس للتيارات الحاليّة في العلوم والتكنولوجيا الحديثة. وقد كانت العولمة مدار نقاش واسع النطاق خلال العقدين الأخيرين كموضوع يغلب عليه الطابع الاقتصادي في جوهره، وإن كان يهدف بوضوح إلى خلق مجتمع عالمي واحد ذي ثقافة واحدة فقط. وفي هذا المجتمع «الجديد» المقترح لابدّ من التخلّي عن الثقافات التقليدية بما فيها الدين والعادات الاجتماعيّة وذلك من أجل إتاحة المجال أمام تطوير لا تعيقه عوائق لثقافة جديدة قائمة على مفاهيم المادية العلمانية الحديثة.
وتهدف هذه الورقة في المقام الأول إلى دراسة ما لهذه الثقافة العالميّة الواحدة المطروحة، والداخلة دخولاً سافراً أو مقنّعاً ضمن نطاق العَولْمة، من تأثير على العالم الإسلامي في شتى ثقافاته. والثقافة في الإسلام أحد عناصر الدين الذي يشكّل التوحيد الأساس له. أي الإيمان بالله ووحدانيّة صفاته بأنه القدير العليم الحاضر أپداً. ومن الواضح أنّ منظومة الإيمان هذه على طرفي نقيض مع الأهداف التي تحتوي عليها الماديّة العلمانيّة الحديثة.
وفي محاولنا لفت النظر على نطاق واسع إلى المظاهر المأساوية المحتملة الكامنة في العنصر الثقافي للعولمة ولاسيما التأثير السلبي الذي سيكون لها على الأمة الإسلاميّة، فإننا نأمل في استنباط وسيلة تمكّننا نحن كمسلمين من صدّ أخطار هذه الثقافة التي يجري فرضها من خلال هذه العولمة.
معنى العَوْلمة
يمكن تعريف العَوْلمة التي تتصور المجتمع الإنساني على أنه قرية كونية، بعبارات متنوعة لتدلّ على أشياء مختلفة لشعوب شتّى حول العالم. وقد أصبحت العَوْلمة في عالم سريع التغيّر وسيلة لتقدم وتكامل عالميين سريعي الخطى. كما تعوّدْنا في العقدين الماضيين، على الخطاب الذي يتحدث عن العَوْلمة والأثر الذي تُحدثه عملية العَوْلمة المكثقفة في العلاقات الإنسانيّة على صعيد العالم بأسره. وبلغ عالمنا اليوم درجة من الاعتماد المتبادل والترابط جعلتنا نبدأ في الحديث عن موت الجغرافيا وعن ضغط الزمان والمكان، وبعبارة أخرى لم تعد الحدود الفاصلة بين الحضارات والثقافات والقيم والأمراض والناس أموراً ذات موضوع في الحفاظ على التنوّع وأسلوب الحياة للإنسان. وبسبب القوى العاتية للعَوْلمة فإنّ من المقدَّر على مجتمعات العالم أن تصبح وحدة متكاملة كانت عبارة «القرية الكونية» خير الأوصاف لها، وقد ترابطت أجزاؤها معاً من خلال تكنولوجيا المعلومات. هذا وينبغي أن تقوم باتخاذ القرارات عالمية الطابع مؤسسات متخصصة تحكمها هيئات عالمية ذات صبغة جماعيّة. ومن ثم فإنّ مصطلحات «عولمة» و«تغريب»: بمعنى إعطاء السمات الغربْيّة و«المكدنة»: إضفاء طابع «مكودونالد» (McDonaldization) ، «وما بعد الحداثة أو العصرنة»: (PostModernization) و «الأمْركة» (Americanization) كلمات مترادفة تستخدم في وصف عملية العَوْلمة.
وبعبارة أخرى فإنّ الغرْب الذي يسيّر قوي العَوْلمة، يتلاعب ببقية العالم ويدير دفته وينظمّه من خلال «هيمنة فكرية عالمية».
ومن ناحية ثقافيّة يمكن تعريف العَوْلمة بأنها عملية خلق مجتمع عالمي واحد ذي ثقافة واحدة فقط. ويتمثّل الهدف الرئيس للثقافة الجديدة في تهميش الثقافات التقلييديّة بأن يُستبدل بها ما يقال إنه ثقافة دينامية عصرية تقوم على فلسفة للحياة علمانيّة ماديّة تتألف في معظمها من القيم الغربيّة للماديّة والفرديّة والعلمانيّة أو ثقافة الاستهلاكيّة.
وتكمن طبيعة هذه الثقافة الجديدة في الحقيقة القائلة إنّ نظرتها للعالم أحدُ مكوَّنات الماديّة العلمانيّة، ممّا يقلل دور الدين ويستبعد الحقائق الماورائيّة (الميتافيزيقيّة) في تشكيل الثقافة ويَنْزل بالإنسان إلى مرتبة كائن ملحد، همّه الأكبر في الحياة مقصور على الإنتاج والاستهلاك، وخلال الأشهر القليلة التي تلت أحداث الحادي عشر من شهر أيلول(سبتمبر) دأبت القوى الغربْيّة على المطالبة بتغييرات جذريّة في المناهج الدراسيّة في البلدان الإسلاميّة بغية تقليص دور الدين في تكوين الثقافة. وواضح أنّ هذه كلها تتعارض مع نظرة الإسلام للعالم. وعلى الرغم من أنّ العَوْلمة قد تتمخض عن بعض مكاسب اقتصاديّة فإنّ أكبر تحدّ للمجتمعات غير الصناعيّة في القرية الكونيّة يأتي من القوى الثقافيّة الاجتماعيّة والقيم الرمزيّة التي تحرّكها هذه القوى. حيث تحتوي النظرة الإسلاميّة العالميّة على سبيل المثال مبادئ مقدّسة وطيدة البنيان تعود إلى مرجعيّة دينيّة في خاتمة المطاف. ولا يعني ذلك أنّ المسلمين عاجزون عن التعلّم من الآخرين. بل على العكس من ذلك، فإنه إذا أريد للمسلمين أن يشاركوا مشاركة كاملة في العمليّة العالميّة الجديدة، فإنه لا معدى لهم عن اكتساب المعرفة والمهارات والمعلومات والتكنولوجيا والعلوم والقدرات الإداريّة من أجل تعزيز فهمهم وإدامة تطورهم وزيادة اندماجهم وتكاملهم . وتقوم العَوْلمة على إزالة الحواجز والحدود، ممّا يحتاج إلى مزيد من الاعتماد المتبادل عن طرق التجارة والأيديولوجيّا والجدل والمال والقيم والتزاوج والموارد البشريّة وما إلى ذلك. لكن على أن لاتشوّه القواعد الرئيسة المقرِّرة للتوازن الاجتماعي والقيم الدينيّة، كما تتجلّى هذه في نظرة الإسلام للعالم.
غير أنّ العامل المشترك فيها يتنقص من دور الحدود الجغرافيّة والقوميّة والدوليّة، التي تفصل من الناحية الماديّة بين المجتمعات الإنسانيّة. وقد جرى استخدام المصطَلَح للتّعبير عن تطوّر سريع في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
ويمكن تعريف العَوْلمة من ناحية اقتصاديّة بأنها عمليّة دمج للأسواق الوطنيّة المنفصلة في سوق عالميّة واحدة حيث تتم مركزة الإنتاج والتسويق ونقل السلع، ورؤوس الأموال والخدمات، وبذا يصار إلى استخدامها من جانب قلّة من الناس. وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (DECD)، فإنّ العَوْلمة الاقتصاديّة «عملية تصبح فيها الأسواق والإنتاج في شتى الأقطار معتمدة بصورة متزايدة على بعضها البعض وذلك بسبب الدينامية أو النشاط التجاري في السلع والخدمات والحركة في رؤوس الأموال والتكنولوجيا». وبناءً على ذلك فإنه بالرغم من وجود مظاهر ديناميّة إيجابيّة للعولمة، فإنها لا يتخلو كذلك من آثار سلبيّة وتعطيليّة وتهميشيّة تقع على الفقراء ([1])، إلى حد بعيد.
لكن العَوْلمة من الناحيّة السياسيّة، تعني ببساطة استعماراً بطريقة أو بأخرى؛ لأنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالتطور التاريخي لأوروبا الرأسماليّة أي محاولة أوروبا بالاستيلاء على العالم بأسره بهدف وضعه تحت سيطرة نظام سياسي واحد قائم على عقائديّة سياسيّة واحدة ألا وهي الرأسماليّة أو (الفاشيّة القوميّة). ويمكن العودة بالعَوْلمة السياسيّة إلى التّوسع الأوروبي الاستعماري الذي حدث في القرن الميلادي الخامس عشر الذي حصل في شتّى أرجاء المعمورة.
ابتداءً من(أ) الجهود الاستعماريّة الإسبانيّة البرتغاليّة الرامية إلى تنصير ما يسمّى بالشعوب المتوحشة، و(ب) بعوث التحضير البريطانيّة والفرنسيّة والهولنديّة التي يزعم فيها هؤلاء الاستعماريون الأوروبيون أنهم قاموا بتحضير ما يوصف بالسكّان البدائيين أو الشعوب المتخلفة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، (ج) الجهود المتضافرة التي تبذلها البلدان الرأسماليّة التي أرادت، من خلال التحديث والعَلْمَنة، تطوير الشعوب غير الغربْيّة في الشرقين الأقصى والأوسط ولاسيما تلك التي سبق أن جرت أسلمتها قبل قرون من ظهور العالم الرأسمالي الغربي «المتحضّر». وعلى حدّ قول ولترد د. مغنوليو يبدو أنّ العَوْلمة عبر عملياتها الثلاث تتجاهل وجود منظمات اجتماعية على مستوى رفيع من التقدّم كانت موجودة في العالم آنذاك كما هو الحال على سبيل المثال في الصين والعالم الإسلامي والمكسيك (وأجزاء من إفريقيا) وذلك قبل أن شرّعت عصبْة من المجتمعات البربريّة الصاعدة في جعل نفسها المركز الجديد للعالم ([2])، وإلى جانب التوسع الاستعماري في شتّى أصقاع الأرض، فقد انتشرت الثقافة الأوروبيّة ولاسيما اللغات الأوروبيّة انتشاراً سريعاً في البلدان التي تمّ الاستيلاء عليها.
النظرة الإسلاميّة للعالم
إنّ النظرة الإسلاميّة للعالم هي العقيدة الإسلاميّة ذاتها، فهي تطرح رؤية الصدق والحقيقة الواحدة. وتشمل كلاً من هذه الدنيا والآخرة التي لابدّ فيها على حد قول الأستاذ الدكتور العطّاس من ربط المظهر الدنيوي ربطاً وثيقاً لاانفصام له بالمظهر الأخروي، حيث سيكون فيه للمظهر الأخروي الكلمة العليا والنهائيّة. ويُنْظَر في الإسلام إلى المظهر الدنيوي على أنه إعداد للأخروي؛ إذ يتركز كل شيء في الإسلام على المظهر الأخروي دون أن ينطوي ذلك ضمناً على أي موقف ينمّ عن إهمال المظهر الدنيوي وتجاهله([3]).
وتتألف نظرة الإسلام العَوْلمة من:
(1) الإيمان بوحدانيّة الله على أنه القدير العليم دائم الحضور.
(2) الإيمان بأنّ الله هو خالق الكون.
(3) الإيمان بأنّ الله هو رازق العالمية.
(4) الإيمان بالحقائق الغيبيّة وبالحياة الأخرويّة.
(5) الإيمان پأنّ النبي الكريم محمداً (صلى الله عليه وسلم) رسول الله.
(6) الإيمان بملائكة الله والإقرار بأنّ القرآن كتاب الهدى الربّاني الحجّة التي تفصل بين الحق والباطل([4]).
وعلى النقيض من نظرة الإسلام للعالم، فإنه جرى تعريف النظرة الغربْيّة للعالم بأنها مجموعة متماسكة من المفاهيم والنظريات التي تمكّن البشر من إنشاء صورة عالميّة للدنيا التي يعيشون فيها. وعلى ذلك فإنه بينما تقوم نظرة الغرْب إلى العالم على الماديّة العلمانيّة فإنّ نظرة الإسلام للعالم تقوم على التوحيد والواقع. إنّ نظرة الإسلام للعالم تحدد وتعرّف الطريقة التي يجب أن تتخذها صلة الناس بخالقهم وهو الله سبحانه وتعالى في التسليم له وعبادته وإطاعته والطريقة التي ينبغي أن يسلكها في علاقاتهم ببعضهم وبالبيئة الماديّة والطبيعيّة ككل في تصرّف ينطوي على الاعتراف بالمشيئة الربّانيّة أي الأمر الربّاني الذي يوصف بأنه القانون الطبيعي. ويمثل الإسلام النهج الإسلامي في الحياة. ويتعين أن تسير الحياة الإسلاميّة على هدي من المعرفة اللائقة والتوجيه الخيّر كما يرسمه القرآن الكريم وكما يتمثل في الحياة العمليّة للنبي(صلى الله عليه وسلم) وسنّته. وعلى حد قول الدكتور العطّاس فإنّ الإنسان المسلم لديه القرآن الذي لم يتغيِّر ولا يتغيّر ولن يتغيّر. إنه كلام الله المنزّل بصورة مكتملة ونهائيّة. والمقصود بنظرة الإسلام للعالم هو رؤية الحقيقة والصدق الذي يظهر أمام عيون عقولنا مبيّناً لنا مغزى الوجود لأنّ عالم الوجود بكليته هو ما يطرحه الإسلام([5]). ويتصوّره.
وعلى العكس من نظرة الإسلام للعالم، فإنّ ثقافة العَوْلمة الجديدة هي النتيجة المباشرة للتوسع الأوروبي عبّر هذا لكوكب عن طريق الاستعمار والسيطرة الثقافيّة. وهي صورة تعكس وتبيّن بوضوح النظرة الغربْيّة للعالم، وهي نظرة تقوم كما ذكرنا سابقاً على الماديّة العلْمانيّة. إنها لا تعترف بوجود الله كخالق ورازق لهذا الكون ولا تؤمن بالحقيقة المطلقة ولا بالحقائق الغيبيّة ولذلك فإنها لا تعترف بالحقائق الميتافيزيقيّة ولا بالحساب في الحياة الآخرة. إنها عموماً تتصور هذا العالم الماديّ على أنه نظام أپدي، مستقل، موجود بذاته يتطوّر حسب قوانينه الخاصة به([6]). وفي نظام من هذا القبيل يُنْظَرُ إلى الإنسان على أنه سيّد ذاته ولا حاجة له لسلطة لتوجيهه وهداه. ولذا فإنّ له الحريّة لعمل مايريد، من هنا تأتي مشكلة الإنسان في هذه الحياة.
ولابدّ لكل مسلم من أن يعرف في قرارة نفسه أنّ تأثير الماديّة العلْمانيّة الغربيّة هو تأثير الشيطان. إنّ الماديّة الغربيّة العلْمانيّة تنتزعنا من صلواتنا، ومن ثقافتنا الإسلاميّة وتشوّه نظرتنا للعالم، وتأخذنا من نظامنا الاقتصادي الإسلامي ومن نظامنا التربوي الإسلامي ومن قيمنا الإسلاميّة وتصرف أذهاننا عن الله وتسلب من أطفالنا هويتهم الإسلاميّة كما وتعطينا الماديّة العلمانيّة الغربيّة مجتمعاً يقوم على الجريمة والعنف وتعاطي المخدرات والمسكرات والبغاء والصور الداعرة والانحراف الجنسي واستغلال البشر والموارد وتنحدر بالحياة إلى دَرَك من ممارسة العبثيّة مجردِ من كل مغزى. كذلك فإنّ الماديّة العلمانيّة الغربيّة تغرس في عقول أطفالنا الفكر الإلحادي وامتهاناً للتقاليد والوالدين والكبار وفقداناً للأمل، واستخفافاً بالمعرفة وهياماً بأسلوب حياة ذي طابع حيواني وضيع لا يُعنى إلا باللذات الجسديّة في أشد حالاتها فجاجة أو بعبارة أخرى النهج النفعي البحت الذي يرى الحياة على أنها مبدءان: اللذة والألم.
مفهوم الثقافة في الإسلام
كما هو مبيّن في هذه الورقة فإنّ الثقافة كما يعرّفها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا بأنها مجموع التجربة الإنسانيّة بما فيها الدين والتقالية والقواعد الأخلاقيّة والقيم الاجتماعيّة والعادات واللغة والقيم الأخلاقيّة والموسيقى والفن.. إلخ. وإذا ما نظرنا إلى الثقافة على أنها شيء يصل الناس ببعضهم إضافة إلى وصلهم ببيئتهم فإنّ بإمكان المرء تعريف الثقافة الإسلاميّة بأنها معرفة عمليّة مكتسبة يوجهها مبدأ معياريّ قررته وفسّرته الشريعة.. وتتجلّى هذه المعرفة في سلوك الإنسان الواعي في الحياة عندما يتعامل بصورة فرديّة أو جماعيّة مع الوجود (أي مع الله الخالق ومع مخلوقاته). وفي هذا الصدد فإنّ بالإمكان قسمة الثقافة إلى صنفين:
(أ) الثقافة الماديّة.
(ب) الثقافة غير الماديّة.
وتتعلق الأولى بالجانب المادّي من الحياة كما تدركه الحواس الخارجيّة بينما لا يتعاطى الآخر إلا مع الحواس الداخليّة للإنسان أي مع عقله ونفسه وذهنه وروحه. ويطلق على هذا الجانب المظهر الروحي للحياة الإنسانيّة. فليس الإنسان مجرد لحم ودم وعظم بل هناك جانباً أو جزءاً روحياً لهذا الإنسان أيضاً.
ويبيّن تحليل متأنِّ لمعنى الثقافة أن الثقافة ليست سوى بيئة جديدة أوجدها الإنسان في محاولته العيش براحة وسط البيئة الطبيعيّة التي خلقها الله بالنسبة لمن يؤمنون بالله أو أوجَدتْها «الطبيعة» في نظر أولئك الذين يعزون كل شيء إلى الطبيعة. وفي إيجاده لهذه البيئة أو المحيط الجديد يحاول الإنسان إعطاء شكل لحياته حسب حاجته وقدرته على التكيّف. وتنطوي هذه العمليّة على إيجاد موطن له وتطوير وسائل ينتقل بها، وإيجاد لغة للتخاطب وصنع أدوات لإنتاج الغذاء وأسلحة لحماية نفسه من الأعداء وفنون لأظهار مواهبه في تقدير جمال الطبيعة. وكلما ازداد الإنسان صعوداً في معارج التطوّر أصبح محيطُهُ أكثر ارتقاءاً. ولهذا السبب فإنّ الثقافة تتفاوت بين جماعة وأخرى بيد أنها تبقى مع ذلك الهويّة التي يتّصف بها الإنسان نفسه. ولنفس السبب كذلك، فإنّ باستطاعة المرء أن يرى أنه بالرغم من وحدة نظرة الإسلام إلى العالم فإنّ هناك تنوعاً في الثقافات الإسلاميّة في شتّى أنحاء الأرض.
وإذا نظر الإنسان بـإمعان إلى الحضارة الغربيّة فإنه يستطيع أن يرى بسهولة الأثر العميق للماديّة العلمانيّة الحديثة في طبيعة هذه الثقافة ذاتها وكذلك في تطوّرها. لقد مرّت الثقافة الغربيّة بتغيرات عديدة من الثقافة القديمة والكلاسيكيّة إلى الحداثة ومنها إلى مابعد الحداثة. أمّا الحالة الراهنة لذلك التغيّر فتتمثل في العَوْلمة. وفي الإسلام تنمو الثقافة لتبلغ درجة النضوج في ظلّ الهداية الدينيّة، إلاّ أنّ الدين ذاته كمصدر للثقافة جاء مكتملاً ولا يمكن تغييره أبداً([7]).
ولذلك فإنّ المظهر الوحيد للمجتمع الإسلامي القابل أو المعرّض للتغيّر والتطوير هو مانسمّيه الثقافة التي هي بيئة الإنسان المخلوقة بشطريها المادّي وغير المادّي. وبعبارة أخرى فإنّ ما يصوغه الإنسان نفسه ويشكّله ويطورّه ولكن بصورة تنسجم ومبادئ التوحيد، بما فيها بعض المعتقدات والممارسات الدينيّة هو الثقافة. ويدخل في هذا أمور من قبيل اللغة وفنّ اللباس، والعادات، وقواعد الأخلاق والأغاني والموسيقى والتصميم المعماري والعادات الاجتماعيّة. وقد تمرّ هذه جميعاً ببعض التغييرات غير أنّ هذه التغييرات ينبغي أن لا تتعارض مع التوحيد. وفي هذا المقام فإنّ الدين هو أساس الثقافة وليس أحد العناصر المكوّنة لها كما يريدنا علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة وأتباع المذهب الماديّ العلماني أن نعتقد.
وبوصفه ديناً شموليّاً (وكلمة دين هنا تعني ديناً مُنْزلا من عند الله كأسلوب حياة بالمعنى الجسدي الماديّ والعقلي والروحي) فإنّ الإسلام يعترف بالتنوّع في العنصر واللغة والعادات والتقاليد الاجتماعيّة. وفي هذا ما يكفي لتبيان طبيعة العالم وشموليته.
وفي الإسلام يُشجَّعُ الناسُ من مختلف العناصر وشتّى اللغات والثقافات على العيش معاً والتعارف فيما بينهم والتعارف واحترام ثقافة بعضهم بعضاً ضمن إطار التوحيد الذي لا يعترف فقط بالتنوّع الثقافي بل يرى في ذلك أيضا إحدى المعجزات من صنع الله عزوجل([8]).
والواقع أنّ الطابع العالمي للإسلام ينعكس بصورة أفضل في طقوسه وممارساته مثل الصلاة والصيام والحج. ففي كل من هذه العبادات يقوم المسلمون من مختلف العناصر والمشارب واللغات والتقاليد بأداء النوع نفسه من العبادة في الوقت عينه في جميع أنحاء العالم([9]).
وفي الإسلام يعني الوعي الثقافي معرفة الحقائق الطبيعيّة التي تقع وراء الطبيعة على أنها كلٌّ دينامي لا يتجزأ لا يقع وراءه شيء سوى الله سبحانه وتعالى. وعلى صعيد الوعي الإنساني فإنّ الحقيقة ليست نسبيّة كما هي الفلسفة الماديّة النسبيّة الغربيّة. والهدف من وراء خلق الإنسان هو أن يعرف خالقه الله ويعترف بوجوده ويخضع لمشيئته ويطيع أوامره([10]).
وهذا هو معنى الدين أي أنه وعي الإنسان بأنه مدين لخالقه وهو الله عزوجل([11]). ويبلغ وعي الإنسان بالإسلام ذروته في مفهوم الإحسان وهو يعني الشعور المتواصل والتام بأنّ الله موجود مع الإنسان، وبأنّ الله يعرف تمام المعرفة أفعال الإنسان وسلوكه في أي وقت يوجد فيه الإنسان وحيثما وجد. وبناءً عليه فإنّ المعرفة تحتلّ موقعاً مركزياً في النظرة الإسلاميّة إلى العالم والثقافة.
أهميّة المعرفة
المعرفة في الإسلام تعني اليقين بعكس الشّكّ والظـّن. وهناك مستويات ثلاثة لليقين:
(أ) علم اليقين ويعني ذلك المعرفة التي تمّ الحصول عليها من خلال الاستنباط السليم؛
(ب) عين اليقين وهو المعرفة التي أمكن التوصل إليها عن طريق الملاحظة؛
(ج) حق اليقين ويعني ذلك التجربة المباشرة أي المعرفة المُدْرَكة بالحسّ أو البديهيّة سواء كانت عن طريق التجربة العمليّة (الاكتشاف العلمي) أو التجربة الروحيّة (الإلهام) والتي تأتي بنعمة من الله سبحانه وتعالى الذي هو الحقيقة المطلقة([12]).
وتكمن الأهميّة المعرفيّة لليقين في الحقيقة القائلة إنه يتسامى على مجال الشّكّ والتخمين، وحسبما يحاجّ الدكتور العطـّاس فإنّ المنطق والتجربة كما عرفهما العلماء المعاصرون بأنهما المصدران الوحيدان للمعرفة، لا يمكن أن يؤديا إلى حقّ اليقين أو الحقيقة المطلقة التي لا تترك مجالاً للشّك أو الحدس والتخمين. وقد أكدّ القرآن الكريم ذلك في سورة يونس/ الآية 36. (إنّ الظّن لا يغني من الحقّ شيئاً) ولا يعني ذلك أنّ العلم والجدل المنطقي لا قيمة لهما، بل إنه إذا تمّ استخدامهما بصورة صحيحة فإنّ بإمكانهما تقديم أساس سليم للمعرفة الصحيحة. وفي وسع المرء أن يرى من التعريف الوارد أعلاه للمعرفة الصعوبة في استخدام فلسفة ماديّة نسبيّة في محاولة للوصول إلى معرفة حقيقيّة لليقين لمساعدة الإنسان في كيفيّة ممارسته لحريته في الاختيار. وهذا هو ما يميّز نظرة الإسلام للعالم عن نظرة الغرب العلمانيّة الحديثة لهذا العالم. إذ بينما تدرك الأولى هذه المصادر للمعرفة وهي التفكير السليم والتجربة السليمة وحجية القرآن وشخص النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنّ الثانية تتعرّف بصورة رئيسة على مصدرين للمعرفة.
وهما: المنطق والتجربة.
وطبقاً لهذه الفلسفة المادية فإنّ من المستحيل وجود حقيقة مطلقة أو يقين؛ ولذلك لايمكن إثبات حقيقة دون منطق أو تجربة. وبكلام آخر لابدّ وأن تكون الحقائق تجربيّة وقابلة للإثبات عن طريق المنطق والتجربة. وإذا تمّ تعريف المعرفة على أنها وصول الروح إلى معنى الأشياء كما يقول العطـّاس والقدرة على التعرّف على المكان الملائم للأشياء في نظام المخلوقات بحيث تؤدي إلى تبيّن المكان المناسب لله في منظومة الوجود. فإنّ تطبيق تلك المعرفة لابدّ وأن يعني وضع الأشياء في مكانها المناسب. أمّا وضع الأشياء في أماكنها المناسبة حسب ترتيبها في نظام الخَلْق، فيسمّى الأدب، وهو يمثل أساس العدل وهذه هي الحصيلة الطبيعيّة لحرية الاختيار. وتعني فقدان حرية الاختيار عدم القدرة على وضع الأشياء في أماكنها المناسبة في منظومة الخلق. ويسمّى هذا الجهل والظلم. وإذا ما سمحت عَوْلمة الثقافة للإنسان بتغيير الترتيب الإلهي في الخلق عن طريق إخفاق الإنسان في وضع الأشياء في مواضعها الصحيحة، فإنّ من شأن الثقافة الإسلاميّة بل من واجبها عدم التردد في رفض ذلك. ولا يعدو هذا التصور الخاطيء لحرية الإنسان كونه انحرافاً خطيراً عن تعاليم الإسلام كما أنزل في القرآن الكريم.
وحسب التعاليم الإسلاميّة فإنه لابدّ للإنسان بالاسترشاد في ممارسة حقه في حريّة الاختيار. وباستطاعة الإنسان من خلال حريّة الاختيار أن يختار – بفضل – الهداية الربّانيّة – ماهو مناسب. له أمّا اختيار ماهو غير مناسب للإنسان فيعني فقدان حريّة الاختيار([13]).
مصادر المعرفة
تأتي المعرفة الصحيحة في الإسلام من الله خالق الإنسان نفسه. وقد أشار العطـّاس إلى مصدرين من مصادر المعرفة معترف بهما من جانب العلماء العلمانيين المحدثين الغربيين على أنهما المنبع الموثوق الوحيد لاكتساب المعرفة لكنه أضاف مصدراً ثالثاً يسميّه الحجّة. أمّا المصدران الآخران فهما(أ) العقل، (ب) الخبرة أو التجربة. ويبيّن العطّاس أنّ هذين المصدرين يقْصران عن تزويد الإنسان بوسائل كافية لاكتساب المعرفة الصحيحة التي تمكّنه من وضع الأشياء في مواقعها الصحيحة في ترتيب الخليقة، لاسيما عندما يكون العلْماني نفسه ينكر وجود الخالق. وأمّا المصدر الثالث الذي يعترف به العطّاس فهو القرآن وشخص النبي (صلى الله عليه وسلّم) ([14]).
إنه يمثل معرفة اليقين الذي لولاه ستبقى المعرفة الإنسانيّة بالحقائق ملفوفة بالغموض الذي يرى فيه العلماء حقيقة نسبيّة. ويسمي القرآن الكريم الغموض أو انعدام اليقين «الظن» (التخمين) ويقول إنّ الظّنّ لايمكن أن يؤدي إلى الحقيقة (إنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئاً) ([15]).
ويشير هذا المصدر الذي يُعرف الحجّة إلى الله وإلى تعاليمه ورسله الذين يبلغون تعاليمه للبشر. وعن طريق هذه التعاليم يزودّ الله الإنسان بالهدى الربّاني لمعرفة خالقه ومعرفة نفسه ومحيطه والكون في مجموعه([16]).
ومن خلال تطبيق هذه المعرفة لليقين تطبيقاً سليماً يحصل الإنسان على الأدب والحكمة اللذين لابدّ منهما لتحقيق العدالة([17])، ولاشكّ في أنه لايمكن تحقيق السلام ولا الأمن ولا الاستقرار دون إقامة العدل.
أخطار العَوْلمة
إذا نظرنا إلى ما دار من نقاش أعلاه حول نظرة الإسلام إلى العالم، يمكن أن نرى أنّ العَوْلمة الثقافيّة القائمة على العقائديّة (الأيديولوجية) المادّيـّة العلْمانيّة أمر خطير وضارّ بالمجتمع الإنساني بعامّة والمجتمع الإسلامي بخاصّة. وفي وسع المرء أن يرى بسهولة أنّ الخطر الذي تشكّله العَوْلمة على المجتمع الإسلامي لا يكمن أصلاً في عملية العَوْلمة ذاتها. ويأتي الخطر من المحاولة الخفيّة والمنسّقة للتقليل من فعالية الإسلام في سعيه إلى إنشاء مجتمع يتّصف بالاستقامة والعدالة يسير وفق مشيئة الله. ولمّا كانت العَوْلمة تعرّف بأنها مجتمع واحد ذو ثقافة واحدة، فإنها (أي العَوْلمة) تعني فرض ثقافة واحدة على المجتمعات كافّة في شتّى بقاع الأرض.
وتتميّز هذه الثقافة الجديدة بأنها ثقافة استهلاكيّة استبدلت فيها أخلاقيات المنافــع والأربــاح أخلاقيـّات الأنبياء. إنها ثقافة نزعات ماديّة وفردية واستهلاكيّة وعلمانيّة وعصرانيّة. ومن الطبيعي أن يرفض الناس الذين يهمهم معتقـدهم الديني وممارساتهم الدينيّة، هذه الثقافة ويحاربوها إذا اقتضى الأمر ذلك.
ويتجلّى خطر العَوْلمة الثقافيّة على الشعوب الإسلاميّة بوضوح في فلسفتها القائمة على النزعة الماديّة العلمانيّة والفرديّة الضالّة. وبينما لا تعترف الماديّة العلمانيّة بأي وجود خارج نطاق هذا العالم الماديّ، فإنّ الفرديّة ترفض رفضاً قاطعاً السلطة الإلهيّة مهما كان شكلها، الأمر الذي قد يقيّد حريّة المرء في العمل الذي يريد. وينظر مبدأ الفرديّة إلى الإنسان على أنه فرد عصامي يكوّن ذاته بذاته مستقلّ تمام الاستقلال ولا يدين بالكثير أو لا يدين بشيء أبداً للآخرين أو للمجتمع. وتقف هذه الفلسفة على طرفي نقيض مع مبدأ التوحيد. ومع أنه قد يكون هناك بعض المزايا للعولَمة بوصفها نظاماً سياسياً واقتصادياً للتطور الإنساني، ولاسيما في ميادين النقل والاتصال وتكنولوجيا المعلومات، إلاّ أنها تشكّل تهديداً وشيكاً للحياة الاجتماعيّة الثقافيّة لغالبيّة سكّان العالم. ويتجلّى هذا التهديد بأوضح صورة في استخدام وسائل التسلية الضخمة وأجهزة الاتصال الهائلة من أجل إضفاء الكمال وتمجيد بعض من الممارسات المؤذية واللاأخلاقية في الغرب مثل ممارسة الجنس قبل الزواج والشذوذ الجنسي والاستهلاك غير المقيّد للمشروبات الكحوليّة. وكما سبق ذكره فإنّ القوى العالميّة ممثلة في هيئة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ما فتئت تستغلّ العَوْلمة في فرض وجهات نظرها على البلدان الصغيرة، وعادةً فإنّ القرارات تتخذ وتتم الموافقة عليها في الأمم المتحدة والهيئات الدوليّة ذات العلاقة لإرغام البلدان الصغيرة على تغيير التشريعات المحليّة التي تتصل بالتقّاليد مثل تعدد الزوجات والميراث وختان الإناث وغير ذلك. وقد بلغ هذا التهديد الموجّه للثقافة الإسلاميّة والتّقاليد الإسلاميّة درجة من الخطورة لا يمكن السماح له معها بالهيمنة.
ويكمن خطر الثقافة الجديدة للعَوْلمة في فلسفتها المادية وإفراطها في استخدام تكنولوجيا المعلومات بهدف التأثير على رأي عام عالمي معروف بسعة الاطلاع والاستقلاليّة، ويمكن محلاظة ذلك في افتقارها إلى الإيمان، ونزعتها الماديّة وطبيعتها الانتقائيّة وهيمنتها الفكريّة واتجهاهات العدواني وموقفها التمييزي بالنسبة للثقافات الأخرى. وكما ورد في تقرير البرنامج التنموي للأمم المتحدة: فإنه لا يوجد تأثير يذكر ولا صوت ذو شأن للبلدان والشعوب الفقيرة في منتديات هذه الأيام التي تصنع القرارات العالميّة. وأكثر الدول أهميّة وتأثيراً هي مجموعة السبعة G7 التي يتحكم أعضاؤها بمؤسسات برتن وودز (Bretton Woods) من خلال حقّ التصويت وبمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن طريق انشغال ثلاثة مقاعد فيه للدول دائمة العضويّة([18]).
وفي تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة تحت عنوان »تنوّعنا الخلاّق(OurCreative Diversity) الصادر عام 1994م جاء مايلي:
ثمّة خطر محتمل في انتشار هذه الثقافة الجماهيريّة الشعبيّة (العَوْلمة) يتمثل في الحجم والمدى اللذين تبلغهما اتصالات وسائل الإعلام وتسيطر على مايتم نشره وإذاعته وبذلك تضيع أذواق الأقليات ومصالحها([19]).
وقد أدّت هذه الثقافة الماديّة إلى جانب وسائل الإعلام والتحضير والتصنيع إلى تفكك نسيج الريف والقضاء على نظم الأسر الممتدة وتهميش ملايين الأشخاص. كما أنها تنحو نحو استبعاد الفقراء من التنمية الاقتصادية. ويقول عامر الربيعي مانصّه :
(تعمل السرعة غير العاديّة التي تنتقل فيها تكنولوجيا المعلومات على تقويض قدرة الدول القوميّة في ممارسة أية سيطرة على قيام مجتمعات تلك الدول بوظائفها)([20]).
إنّ تكنولوجيا المعلومات تحطم جميع الحواجز وتنقص الحدود القوميّة من أطرافها، وتخترق خصوصيّة الناس وتتسلل إلى عقولهم وتتحكم في أذواقهم وتربك إحساسهم بالأولويات. إنها أسوأ استعمار فكري شهده التاريخ البشري.
كما أنها تخلق ثقافات جديدة وتطوّر قواعد جديدة للسلوك الاجتماعي والقيم الاجتماعيّة ولاسيما عقول الناشئة والفئات غير المتعلمة التي تكون أكثر استعداداً للتأثـُّر بالدعايات. وربما كان خلق فجوة الأجيال واحداً من أخطر آثار هذه الثقافة. حيث أنها تفصل بين الآباء الذين يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بنظرة الإسلام للعالم من ناحية وأبنائهم الذين لا يكادون يعرفون شيئاً عن الإسلام ولا يكنّون أي احترام للتقاليد. والعَوْلمة عمليّة متحركة في جميع مظاهر الحياة الإنسانيّة وتقوم على فلسفة عَلْمَنة المجتمع وعصرنته (تدمير القيم التقليديّة). ويتمثل هدفها الرئيس في تقليص المعتقدات والممارسات الدينيّة إلى حدودها الدنيا والقضاء على التقاليد الثقافيّة والعادات الاجتماعية كما تحطّ من شأن القيم الأخلاقيّة، مؤدّية بذلك إلى إصابة المجتمع الإسلامي بالعجز وهو المجتمع الذي يزخر بالطاقات والإمكانيات الكامنة.
وتتمثل الميزة الرئيسة لثقافة العَوْلمة الجديدة كما سبقت الإشارة إليه في النزعات الماديّة والعلمانيّة والفرديّة. ويتجلّى الخطر هنا في أنّ العناصر الغربيّة لهذه الثقافة تفرض فرضاً على الناس عن طريق وسائل وأساليب إعلاميّة وتقنيات اتصال متقدّمة، ابتداءً من صناعة وسائل التسلية مروراً بالحاسوب والإنترنت والأفلام وأشرطه الفيديو وشبكات التلفزيون والموسيقى والأغاني الشبابيّة الصاخبة وأفلام الكرتون وإنتاج السلع الاستهلاكيّة (سقط المتاع) ، وطرق الإعلان المثيرة إن لم نقل الاستفزازيّة. وقد تمّ إبراز هذه العناصر بوضوح في مقالة الربيعي التي سبق الاستشهاد بها.
ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ العناصر المكوّنة لهذه الثقافة الجديدة تمثل نظرة الغرْب إلى العالم، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر بالطبع على موقف الفرد تجاه الحياة كما يتجلـّى ذلك في أسلوب الحياة واللباس وعادات الأكل والمواقف إزاء الناحية الجنسيّة، ومفهوم الزواج، والطلاق، والإجهاض وتعاطي المخدرات ومعاقرة الخمر وجميع ضروب المتعة الجسديّة الموديّة إلى أنواع السلوك اللاأخلاقيّة([21]).
ولـمّا كانت هذه الثقافة الجديدة تقوم على فلسفة ذات نزعة ماديّة علمانيّة، فإنها لا تستطيع أن تتقبّل أو تتحمّل أية ثقافة أخرى تقوم نظرتها إلى العالم على الدين – أي على الإيمان بالله بوصفه خالق الكون والاعتقاد بوجود حقائق ماورائية تتجاوز هذا العالم الظاهر للعيان. وفي الثقافة الجديدة نجد أنّ الإنسان – وليس الله – هو سيد الكون. ولذا فإنه لا حاجة للمرء لأي هدى الملهم إلا ما هداه إليه تفكيره العقلاني. وينبغي أن يكون الإنسان حراً في عمل مايريد عمله. هذا هو ما يصفونه بالحريّة وحقوق الإنسان أي أن يفعل المرء ما يشاء وليس بالضرورة ماهو صواب.
وباستطاعة المرء هنا بسهولة أن يرى الفهم والتصوّر الخاطيء للحريّة ذاتها. إذ يوجد هنا خلط بين حريّة الاختيار التي هي المنبع الحقيقي للسعادة من ناحية، وحريّة التصرّف على غير هدى ملائم وسليم. فعندما تتم ممارسة حريّة الاختيار بالصورة المناسبة، لابدّ وأن يقود خيار المرء إلى الخير والسعادة وليس إلى الشر والشقاء. وفي الثقافة الجديدة فإنّ الحريّة لا تؤدي في العادة إلى سعادة البشر كلهم بل إلى سعادة عابرة للقلـّة ولبؤس دائم للأكثريّة . ومعنى ذلك أنّ حريّة من هذا القبيل ليست حريّة أبداً؛ بل هي افتقار إلى حريّة الاختيار نابعة من همينة فكريّة عالميّة، وهي الصفة الرئيسة التي تتسم بها العَوْلمة الثقافيّة كما بيّن الأستاذ الدكتور العطـّاس بحق([22]).
وواقع الأمر أنّ حريّة معاقرة الخمر التي ربما تؤدي إلى الإدمان على المسكرات، وحريّة ممارسة الشذوذ الجنسي والبغاء التي قد تتمخض عن الأمراض التناسليّة، كما أنّ حريّة المقامرة التي تقود في العادة إلى خسارة الأموال وحرية التعاطي بالربا التي تكون عاقبتها الإفلاس في العادة، ليست هذه كلها من الحريّة في شيء. إذ لا يودّ أحد أن يكون مدمن خمرة ولا أن يكون مصاباً بمرض نقص المناعة المعروف بالإيدز، ولا يرغب في أن يسلب نقوده ولا أن تُمحَق مُدَّخراته التي قضى حياته في تجميعها. لقد أخفق المجتمع الغربي في التمييز والتفرقة بين الحريّة وإطلاق الحبل على الغارب. فالحريّة تمثل حقّ الاختيار بين الأمور التي أحلـّها الله، بينما يعني الانفلات ممارسة الحقّ في اختيار أي شيء مهما كان نوعه سواء كان حقاً أو باطلاً، خيراً أو شراً، عدلاً أو جوراً.
ولا مِراءَ في أنّ من شأن هذه النوازل التي تعزى إلى ما يسمّى الحريّات أن تحدث أثرها في أولئك الذين يسيئون الاختيار إمّا بدافع الجهل أو الحرمان من حريّة الاختيار. وبخلاف مفهوم الله كما تراه الفلسفة الأرسطوطاليّة([23])؛ فإنّ الله في الإسلام هو الخلق الكون ورازقه. ويشارك في كل مظهر من مظاهر هذا لخلق وإفناء جميع الكائنات وإعادة خلقها بما في ذلك الحياة البشريّة. والواقع أنّ الله يخلق العالم الماديّ ويُفْنيه ويعيده خلقاً جديداً في كل الأحوال والظروف([24]).
وتؤكد نظرة الإسلام إلى العالم على الإيمان بالنبوّة على أنها السبيل الذي يتّصل الله من خلاله بالإنسان الذي هو خليفته في الأرض. إنّ هذا الاعتقاد والممارسة الدينيّة هي ما يميّز الثقافة الإسلاميّة التي تحاول العَوْلمة الثقافيّة القضاء عليها من خلال تكنولوجيا الإعلام والاتصال وعدد غفير من الطرائق المتطورة القائمة على الفلسفة الماديّة للحياة.
وقد ألمحنا فيما سلف من مناقشة إلى الحقيقة التي مؤداها أنّ المنتجات الغربيّة الثقافيّة تحدث تأثيراً كبيراً في أنماط حياة الناس ومواقعهم تجاه ثقافتهم الخاصة. ولا مشاجّة في أنّ إمكانية الوصول على نطاق واسع لتكنولوجيا الإعلام والاتصال مكّنت الأمم الغربيّة من تصدير – فلسفتها العلْمانيّة إلى البلدان (النامية) وبخاصّة الأقطار الإسلاميّة منها. فثمّة أفكار مثل الحداثة والنزعة الاستهلاكيّة والفرديّة والتّصوّر الغربي لحقوق الإنسان والحريّة، وجدت سبيلها إلى عقول الناس بصرف النظر عن الأثر السلبي الذي قد تحدثه هذه المفاهيم في المجتمعات التي سبق أن اتخدت النظرة الإسلاميّة إلى العالم سبيلاً. أمّا وقد وضعنا ذلك نصب أعيننا، فلننتقل الآن إلى مناقشة العَوْلمة على الأمة الإسلاميّة.
أثر العَوْلمة في الأمّة الإسلاميّة
يكمن خطر الثقافة الجديدة للعَوْلمة في حقيقة أنّ خصائصها الأساسيّة تقوم على اختيار فعل أشياء يمكن أن تلحق أپلغ الأذى بالحياة الإنسانيّة؛ إمّا نتيجة فعل متعمَّد أو بمجرد المصادفة نتيجة للافتقار إلى المعرفة والهداية السليمين الآتيين من لدن سلطة عليا وهي الله (عن طريق القرآن الكريم) ثم النبي (صلى الله عليه وسلم). ودون الدين أو الهداية الربّانيّة فإنّ من شأن الإنسان أن يبقى عاجزاً عن ممارسة مشيئته الحرّة الحقيقية في اختيار ماهو صحيح وخير. وحسب نظرة الإسلام إلى العالم والمعرفة الحقّة والصحيحة فإنّ الهدى هبة من الله. وكما جاء في القرآن الكريم فإنّ الله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤْتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) ([25]).
أمّا الثقافة الجديدة التي جاءت بها العَوْلمة فترفض دور الدّين في تكوين الثقافة. إنّها تتفيّأ إنتاج ثقافة علمانيّة لن يكون للدين فيها دور يقوم به، وهو الدين السماوي الذي اختاره الله فأتقنه، وهو سبحانه خالق الإنسان وأفضل من يعرف ما هو الأفضل لهذا الإنسان. وينص القرآن صراحةً على أنّ الإسلام هو الدين الذي اختاره الله([26])، وأنّ لا إكراه في الدين([27])، وأنّ ذلك الدين قد أكمله الله وأتمّ نعمته به([28]).
ولهذا السبب فإنه ليس بالإمكان أن نستبدل الثقافة الإسلاميّة التي تستمد محتواها من الدين بثقافة نابعة من الماديّة العلمانيّة. ولمّا كان الإسلام ديناً للكافة فإنّ الثقافة أيضاً لابدّ وأن تكون كذلك، إنها تحترم الثقافات الأخرى وتستوعبها وتثريها ضمن إطار التوحيد. وقد مكّن انتشار الإسلام، ليطال إفريقيا وآسيا وأوروبا، الناس على اختلاف ثقافاتهم من تقاسم المعرفة والتمتع بضروب التنويع الثقافي والعيش إخواناً في الإنسانيّة. ومن الصحيح إلى حدّ بعيد أنّ التنوّع الثقافي أمر ضروري لضمان مستقبل دائم للجنس البشري. إنّها حريّة الاختيار في الإسلام التي تمثّل مصدر الثقافة، أي أنه لا يجوز فرض ثقافة معيّنة بالقوّة على ثقافات أخرى، كما هو الحال في الثقافة الجديدة للعَوْلمة. ولنستشهد مرّة أخرى بقول الربيعي:
(على المسلمين حماية المؤسسات (التقاليد) الثقافيّة ببذل الجهود في الحدّ من آثار الاتجاهات العلْمانيّة الغرْبيّة التي تقوم التقنيات الحديثة بنشرها وتعميمها. وهناك قدْر لا يستهان به من الأدبيات التي تظهر على صفحات الشبكات في وسائل الإعلام تمثّل انتهاكاً للتوجيهات الإسلاميّة أو التعاليم الإسلاميّة) ([29]).
وقد ثبت أنّ العَوْلمة سياسية كانت أو اقتصاديّة أو ثقافيّة هي نتاج للتقدّم في تكنولوجيا المعلومات التي تتحرّك متعجّلة وتخترق المجتمعات بقدر من السرعة لا تستطيع معه البلدان النامية السيطرة عليها أو على الأقل الحيلولة دون نقل أفكارها الخطرة إلى داخل مجتمعاتها.
وفي العادة فإنّ إعلاماً من هذا القبيل يتخطى السلطات ويصل إلى الناس بوسائل شتّى مثل التلفزيون والإذاعة والأقمار الصناعيّة وغير ذلك من الوسائل الالكترونيّة التي يطالها بصفة خاصّة صغار الناشئة والكبار الذين لم يؤتوا حظاً من الثقافة والتعليم. ومن خلال تحطيم الحواجز والتغلغل في أعماق عقول الناس، يمكن أن تسهم تكنولوجيا المعلومات في تحسين الاتصال بين الناس وتكشف عن محنة أولئك الذين حاق بهم القمع أو تمّ إنْكار حقوقهم الإنسانيّة الأساسيّة، لكنها لن تساعد في تحسين الظروف الاقتصاديّة الاجتماعيّة للفقراء. وعلى العكس من ذلك فإنّ التكنولوجيا الحديثة للعَوْلمة وسيلة لزيادة ثراء الأثرياء موسعة بذلك من الهوّة بين الموسرين والفقراء بحيث يصبح الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقراً. ويتربع هذا التفاوت المتزايد في توزيع الثروة تجديداً على قمّة أجندة العَوْلمة كما تطرحها البلدان الصناعيّة. ومن الجليّ أنه إذا أريد لمن (لا يملكون) أن يحصلوا على نصيب عادل، فإنّ (الذين يملكون) لابدّ وأن يخسروا. وتعدّ العَوْلمة بآمال عراض للقلّة ومستقبل قائم للأكثرية من بني الإنسان. وهو مستقبل لن يتيسر فيها لسواد الناس حظ أوفر من أن يكونوا أتباعاً للشركات الجبّارة متعددة الجنسيّات. وللتغيير السريع في تكنولوجيا المعلومات تأثير سلبي على الحياة الاجتماعية والثقافيّة والدينيّة للأمم الفقيرة([30])، ولاسيما المسلمين الذين جرى غزو نظرتهم الإسلاميّة إلى العالم في محاولة لعلمنتها.
ويتمثل خطر العَوْلمة الثقافيّة في أنّ العَوْلمة نفسها شكل آخر من أشكال الاستعمار الذي يتخطّى الجانب الماديّ من الحياة إلى لبّ الحياة ذاتها أي إلى العقل البشريّ والنفس الإنسانيّة. إنّ العَوْلمة تستهوي الشهوات بقوّة كما تثير الرغبات الجسديّة والرغبات الشبقة الجامحة. وتستهدف كل فرد في المجتمع سواء كان ذكراً أو أنثى، طفلاً أو راشداً، متعلماً أو غير متعلّم، بريئاً أو مجرماً، غنياً أو فقيراً. إنّ أدواتها القويّة في الاتصال وطرائقها المتطورة في نقل الأخبار وبثّ الأفكار عبر الحدود الوطنيّة والحواجز الماديّة، توفّر مجالاً سهلاً ومباشراً للوصول إلى العقول البشريّة عَپْرَ الطّيْف الاجتماعي بأسْره . أمّا ما يجعلها جذابة للإنسان الحديث فهو مقاربتها التحرريّة للحياة. فليس ثمّة من قيود على ما يستطيع المرء فعله (التحرريّة أو الليبراليّة) ، ولا من حدود لما يتمكن المرء من قوله (حريّة التعبير)، ولا من تجديد لما يقدر المرء على استهلاكه (النزعة الاستهلاكيّة) ولا من قيد على ما في وسع الإنسان أن يحوزه (الربا والميسر).
وبناءً على كون الإنسان سيّد مصيره وكائناً علمانياً، فإنه لابدّ لهذا الإنسان من أن يتمتع بحريّة وضع القوانين وتغيير القيم والقضاء على التقاليد الاجتماعية، واختراع الثقافة وتأديب الطبيعة وإعادة ترتيب النظام الطبيعي في الكون لا لشيء إلا لإرضاء احتياجاته وتلبي مطالب نفسه الحيوانيّة الأمّارة بالسوء. ولابدّ من أن نشير هنا إلى أنّ احتياجات الإنسان يمكن أن تتغيّر وتختلف من شخص إلى آخر ومن جيل إلى جيل. وقد لايمكن بالضرورة التوفيق بينها وبين احتياجات الآخرين. ويعمل الدين من جانبه على تزويد الإنسان بوسائل أفضل للحصول على معرفة حقيقيّة لليقين. وأفضل الطرق هو تطبيق المعرفة تطبيقاً سليماً. وقد سبق أن بيّنا في هذه الورقة أنّ استعمال الحكمة يؤدي باستمرار إلى إقامة العدل الذي يمثّل الأساس الوطيد لمجتمع منظّم حيث يمكن أن يخيّم السلام حيثما المجال لتحقق التقدّم والتطوّر من أجل فائدة الجميع بصرف النظر عن العنصر أو الثروة أو المكانة الاجتماعيّة. أمّا الثقافة الجديدة فتتناقض بصورة تامّة مع ذلك.
والعَوْلمة الثقافية فلسفة تستعين بالفلسفة المادية العلْمانيّة (فالمهم هو اللحظة العاجلة)([31]).
وهي لا تعترف بحقيقة مطلقة أو بواقع ميتافيزيقي. والدين والثقافة عندها من صنع الإنسان، ومن هنا فإنّ حريّة الإنسان في تغييرهما وفق مشيئته ستؤدي دائماً إلى تغيّر نحو الأسوأ. وينظر إلى حريّة الإنسان على أنها حقّه في استخدام جسده وثروته دون أيّ ضوابط أخلاقيّة أو حدود ترسمها قواعد الأخلاق بالطريقة التي يمليها الدين الإسلامي. وكنتاج لهذه الماديّة العلْمانيّة فإنّ الثقافة الجديدة تنادي بالعلْمنة وإكساب الحياة طابعاً عصرياً. وينطوي ذلك على تغيير مستمر وإعادة صياغة متواصلة للقواعد الاجتماعيّة والسلوك الإنساني. ولذا فإنّ الخصائص الرئيسة لهذه الثقافة هي العلْمانيّة والحداثة والفلسفة الماديّة والفرديّة والاستهلاكيّة. وقد تساعد هذه المظاهر في دفع التنمية إلى الأمام في البلدان الغنيّة الصناعيّة لكنها لا تجدي في هذا المجال في البلدان الفقيرة حيث تميل العلْمانيّة إلى تحرير العقل البشري من الإيمان بالله لكنها تخفق في تقديم بديل لإطفاء غليل التعطـّش الروحي.
وتنادي الثقافة الجديدة بالفرديّة والتحرريّة دون ضمان لحريّة الإنسان في اختيار ماهو مناسب وخير له. أمّا بالنسبة للنزعة الاستهلاكيّة فإنها تزيد من حدة شهيّة الإنسان النزّاعة إلى الاستهلاك دون أن توفّر سلعاً استهلاكيّة كافية في المجتمعات الفقيرة التي لايكاد الناس يقدرون فيها على نفقات ضروريات الحياة اليوميّة على أية حال.
وتعني الحداثة بالضرورة تغيير كل شيء في المجتمع بما في ذلك الدين واللغة والتقاليد والقيم الأخلاقيّة والعادات الاجتماعيّة التي تمثّل هويّة الإنسان وشخصيته الفرديّة. ويؤدي هذا بدوره إلى فقدان اتصاله بمحيطه أي الثقافة التي يصنعها ويطورها من أجل خيره بالذات.
وحسب تقرير البنك الدولي لعام 1998م فإنّ التطوّر الاجتماعي الاقتصادي في المجتمع الإنساني يبدأ بالتعليم قبل كل شيء. ويجب أن يأتي اكتساب المعرفة (المعرفة الصحيحة في الإسلام) قبل إنشاء المصانع ونقل التكنولوجيا والتصنيع وإنتاج السلع الرأسماليّة وتكديسها وغير ذلك. وتعتبر هذه حجارة البناء في صرح العَوْلمة. أمّا في الإسلام فيعني التعليم أكثر من مجرد تلقين الإنسان كيف يقهر الطبيعة وينتج الثروة الماديّة ويكدّسها. وتعطى الأولويّة في التربية الإسلاميّة لتنمية الوعي الإنساني من خلال تدريب صارم لحوّاسه الداخليّة من أجل مساعدته على اكتساب المعرفة السليمة بالله والتّحلّي بفهم أفضل لصحائف كتاب الطبيعة (آيات الله) كما هو مبيّن بوضوح في القرآن الكريم.
ولا يمكن للإنسان أن يقوم بواجبه كخليفة لله في الكون إلا عن طريق معرفة صحيحة بالله ومخلوقاته. وتعني المعرفة الصحيحة معرفة اليقين الذي يتمكن الإنسان عن طريقة من التعرّف على المكان الصحيح للأشياء في نظام المخلوقات. بما في ذلك الإنسان نفسه. ويعتبر الجهل أو العجز عن معرفة المكان الصحيح للأشياء في نظام المخلوقات، السبب الأهمّ في إخفاق الإنسان في إقامة العدالة الاجتماعيّة وإدامتها في مجتمع إنساني يمكن للناس أن يعيشوا فيه بسلام وأمن ووئام، وهي أمور تعدّ عناصر أسياسيّة في النمو الاجتماعي الاقتصادي والتنمية المستدامة. أمّا فصم روابط الإنسان مع خالقه فيعني تحويله إلى مخلوق مطواع لاحول له ولا طول.
العَوْلمة عملاً وفلسفة
ينبغي أن يكون هناك تمييز واضح بين العَوْلمة بمعنى العمل على عَوْلمة الناس أو الأشياء Globalization والعَوْلمة كمبدأ وفلسفة Globalism. بينما تعني الأخيرة تطابقاً مع الفلسفة العالميّة أو الشموليّة Universalism التي تميّز الإسلام فإنّ الأولى تمثّل فلسفة ماديّة تتَّسِم بها الماديّة العلْمانيّة الغربيّة. وكما يبيّن علي المزروعي مصيباً في مقالته التي سبق الحديث عنها، فقد تجلّت عالميّة الإسلام في عدد من طقوسه أو أركانه مثل صيام شهر رمضان وأداء الصلاة مع التوجّه إلى جهة واحدة هي الكعبة. وفي الحج حيث التجمّع في مكان واحد وتبليغ الدعوة دون إكراه. والحقيقة أنّ النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم)، وقد أرسله الله رحمة للعالمين كافّة، هو أفضل تجلّيات الطابع العالمي للإسلام. ولذا فإنّ من الواجب عدم الخلط بين العَوْلمة كفلسفة Globalism والعَوْلمة بمعنى إكساب الطابع العالمي للآخرين Globalization، وهي فعاليّة تنطوي على عمليات صارمة من التغيير الاجتماعي والتحوّل الثقافي بهدف إعادة بناء المجتمع الإنساني ليتخذ شكلاً جديداً خالياً من القيم والممارسات الأخلاقيّة والتقليديّة والدينيّة. وبوصفها فعالية أو نشاطاً فإنّ العَوْلمة تتجه إلى غرس تعاليم في العقول وإملاء تغييرات في الخصائص الأساسيّة للأمم النامية.
ومن هنا تأتي جهود الدول الكبرى متضافرة لإرغام البلدان الأصغر على تغيير القوانين، وتحرير القوانين المحليّة وتعديلها لتتلاءم مع فلسفة الغرْب المتعلّقة بالعَوْلمة.
ويمكن أن نشاهد ذلك في عدد من قرارات الأمم المتحدة أو الهيئات الدوليّة القائمة التابعة للأمم المتحدة، مثل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة الأمم المتحدة لحقوق المرأة والطفل وغيرها. وهذه الهيئات الدوليّة مفوّضة للعمل ككلاب حراسة تراقب سلوك الدول تجاه شعوبها بالذات؛ فتستطيع إصدار التوصيات بفرض العقوبات وتطبيقها على أيّة أمّة أو أيّ قطر لا يتواءم والمعايير الغربيّة للسلوك في هذه الناحية.
وكما سبق تبيانه فإنّ أحد المبادئ التي تقوم عليها العَوْلمة الثقافية يتمثّل في حريّة النشاطات والفعاليات البشريّة: مثل حريّة الكلام وحريّة التّعبير وحريّة المعتقدات وحريّة الاجتماع وحرية الحركة وحرية التملك وحريّة الصحافة والحريّة في الإلحاد والحريّة في التغيّر دون حدود. وطبقاً لهذه الفلسفة فإنّ التغيّر يعني التقدّم والتطوّر. أمّا الإسلام ونظرة الإسلام للعالم فلا يتعارضان مع التغيير من أجل بلوغ وضع أفضل، بيد أنّ هذا التغيير يجب أن يلبّي شروطاً معيّنة أهمها هو التوافق مع مبدأ التوحيد، وحريّة الاختيار. وحريّة الاختيار في الإسلام أمر أساسي حيث جاء في القرآن الكريم أنْ لا إكراه في الدين (سورة البقرة آية / 256). غير أنّ حريّة الاختيار خاضعة بدورها لمبدأين أساسيين: (أ) القدرة على ممارسة الحريّة في الاختيار، و(ب) التمتّع بالمعرفة الصحيحة للمواقع الصحيحة للأشياء في ترتيب الخليقة. ومعنى ذلك التمتّع بمعرفة كيفية الاختيار والتحرّر من الضغط والإكراه والتهديد والتلاعب. ويتطلب ذلك هداية خيّرة تأتي من التعليم بالتأديب الذي يعني التعليم الخيّر.
والتعليم في الإسلام إجباري. إذ يروي عن النبي (صلى الله عليه وسلّم) أنه قال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». وقال في حديث آخر ما معناه: «اطلبوا العلم ولو في الصين»، بيد أنه لابدّ من الإشارة إلى أنّ الغرض من التعليم في الإسلام يتمثّل في المقام الأوّل بغرس الخير وحسّ العدالة في الناس أي تدريب الناس وتعويدهم على اكتساب المعرفة السليمة وبالتالي القدرة على معرفة المواقع المناسبة في منظومة المخلوقات. وكما سبق بيانه أيضاً فإنّ المعرفة هي توصّل الروح الفكر إلى المقصود بالهدف من المعرفة. أمّا السبيل أو المصادر التي يمكن للمرء من خلالها التوصّل إلى هذه المعاني فهي:
(1) الإدراك بالحواس المعروفة بالحواس الخارجية.
(2) العقل السليم.
(3) الخبر الصادق أي المرجع الثقة. أمّا المقصود بالمعنى الذي هو حجارة البناء في صرح المعرفة فيتألف من التصورات والإدراكات الحسية والفكر. وتتوقف الوظيفة الحقّة لعناصر المعرفة هذه على الهداية (الإلهية) والتوفيق (فضل الله). وجاء في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى: (من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا). ومن ثمّ فإنه لا مناص من أن يقوم الدين الإسلامي بأداء دور حاسم في تنمية ثقافة صحيحة سليمة وفي توجيه التغيّر الاجتماعي في هذا العالم الموغل في جنونه حيث يخفق الإنسان العلماني الحديث في الاعتراف بالله على أنه خالق الكون ورازقه([32]).
أمّا التطبيق السليم للمعرفة الصحيحة فهو أدب الحكمة وهي موهبة منحها الله (أنظر سورة البقرة – رقم 2 – الآية 269) . ويعني الأدب هنا أيضاً الخُلُق. ويقول النبي (صلى الله عليه وسلّم) (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) كما حدّد أبو حامد الغزالي أربعة عناصر يتكوّن منها الخلق الحسن ودعاها أمهات الفضائل وهي الحكمة والشجاعة والعفّة والعدالة([33]).
وبالتحلّي بالخلق الحسن يستطيع المرء أن يكون عادلاً مع نفسه، وتجاه الله خالقه، وإزاء محيطه بمن فيه أمثاله من المخلوقات وكذلك التعاطي مع المجتمع ككلّ. وهذا هو ما يعنيه الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه ما معناه أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك . ويؤدي العدل بدوره إلى التناغم الاجتماعي حيث يسود السلام والأمن المؤديان إلى حالة من الاستقرار الاجتماعي الذي تصبح فيه التنمية الاجتماعيّة الاقتصاديّة أو التطوّر الاقتصادي من الأمور الممكنة. وتمكّن العدالة الحقّة الناس من احترام بعضهم بعضاً. والعدل هو معرفة المواقع الصحيحة للأشياء في نظام الخليقة. أمّا الإخفاق في ممارسة ذلك فهو الظلم الذي يقود بدوره إلى الاضطراب المدني والصراع الاجتماعي وفقدان الأمن وهي أمور تسم (أو إن شئت تصم) المجتمع الإنساني هذه الأيّام([34]).
وممّا لاشكّ فيه أنّ الإسلام لا يمكنه قبول هذه الفلسفة المادة العلْمانيّة الضالة التي فرضت بالقوّة على الأمم الضعيفة ولاسيما المسلمين الذين سبق أن طوّروا بنجاح تقاليد ثقافيّة ونُظُماً اجتماعيّة تقوم على مبدأ التوحيد والأخوّة بين جميع بني الإنسان وذلك قبل زمن طويل من مجيء الحضارة الغربيّة. ولا يمكن للمسلمين كما أنه لا يحلّ لهم تأييد العَوْلمة الثقافيّة، ونظرة إلى العالم تتغاضى عن إساءة استخدام السلوك الجنسيّ مثل الشذوذ الجنسي وممارسة الجنس قبل الزواج والتعصّب القومي الثقافي العدواني والتمييز العنصري والتطهير العرقي والاستغلال الاقتصادي. وتشكّل هذه كلها خطراً جسيماً يهدد البقاء الإنساني برمّته.
قد تعدّ العَوْلمة ملايين الناس في شتّى بقاع المعمورة بالأمن، لكنها لن تحلّ أبداً المعضلة المتمثلة فيما دعاه المهاتما غاندي بالخطايا السبع القاتلة في عالم هذه الأيام وهي:
(1) الثروة بدون عمل.
(2) الاستمتاع المفتقر إلى وازع من ضمير.
(3) المعرفة المجرّدة من الأخلاق.
(4) الأعمال من غير قواعد أخلاقيّة.
(5) العلم دون تناسق.
(6) الدين بلا تضحية.
(7) السياسة العارية عن المبادئ.
خاتمة
في هذه الورقة محاولة لمناقشة تأثير العَوْلمة في المجتمع الإنساني بعامّة والعالم الإسلامي بخاصّة. وقد ذكرنا بوضوح أنّ تأثير العَوْلمة في العالم مازال ينتظر التقويم الصحيح. وتمثّل هذه الورقة محاولة متواضعة لإبراز بعض نواحي لهذه الهيمنة الفكريّة العالميّة الجديدة التي حظيت بتكريس على نطاق واسع على الصعيد العالمي من خلال تكنولوجيا المعلومات. ورد أكثر من مرّة في هذا البحث أنّ العَوْلمة والاستعمار وجهان لعملة واحدة. أمّا الشيء الجدي في العَوْلمة فهو الاستخدام القويّ والمتطور لتكنولوجيا المعلومات من أجل السيطرة على عقول الشعوب وتغيير إحساسها بالقيم وتدمير ثقافتها وتحويل حياتها الاجتماعيّة الاقتصاديّة إلى نزعة ماديّة علمانيّة من خلال أشد الوسائل الدعائيّة والتأثير الدعائي التي شهدها العالم على الإطلاق. ويتمّ هذا الشكل عن غسل الأدمغة من خلال وسائل الإعلام والتلفزيون والسينما والموسيقى الشعبيّة الصاخبة وعالم الأزياء. ونتيجة لاستخدام هذه الوسائل القويّة، ومن خلال هذا الاستخدام فقد خلقت العَوْلمة أزمة هويّة وفجوة بين الأجيال لاسيما بين شباب المسلمين في عدد كبير من البلدان الإسلاميّة. وبعبارة أخرى فإنّ العمليات العالميّة الجديدة أحدثت تأثيراً في عقول الشباب وحرفت مسارات هذه العقول مرغمة أصحابها على الافتتان بتلك الثقافة الغربيّة الفاسقة وكيل المديح لها والمشاركة فيها.
توصيات لمواجهة تحدّي العَوْلمة
1- تعزيز الوعي الجماهيري بالاتجاهات العالميّة الجديدة وتأثيرها المحتمل على المجتمع ويمكن تحقيق ذلك عن طريق استخدام وسائل الإعلام والندوات والمؤتمرات والمدارس.
2- لا يمكن إيقاف نمو تكنولوجيا المعلومات وقوّتها ولذا لا مفرّ لنا من القيام بأمرين لحماية الإسلام من أضرار إساءة استعمالها وهما:
أ. أن نخلق داخل العقل الإسلامي نظرة للعالم تقاوم الآثار الضارّة المحتملة في العَوْلمة بوصفها (شبكة من الإمبرباليّة الثقافيّة).
ب. من واجب المسلمين أنفسهم أن يتعلموا الاستخدام الفعّال لتكنولوجيّا المعلومات لضمان عدم الاستخدام الخاطئ لها.
3- يجب إدخال النظرة الإسلاميّة للعالم كموضوع أساسي في المناهج المدرسيّة في إرجاء العالم الإسلامي كافّة. وفي السعي نحو تعزيز هذه النظرة للعالم لا معدى عن إظهار اهتمام خاص باللغة العربية وهي اللغة التي يمكن من خلالها نشر هذه النظرة للعالم بصورة أكثر فعاليّة.
4- يتحتم تعليم حُسن الخلق المبني على الحياة العملية للنبي (صلى الله عليه وسلّم) في مدارسنا ومؤسسات التعليم العالي عندنا.
5- يتعيّن بذل جهد جماعي من جانب الأمّة الإسلاميّة لتطوير قنوات المجتمع الإسلامي.
6- ينبغي القيام بحملات نشطة من جانب الأمة ضد (الهيمنة الفكريّة العالميّة) التي تسم الطابع الحقيقي للعَوْلمة و(أجندتها) الخفيّة. ويمكن تنفيذ هذه الحملات في الصحف والإذاعة ومحطّات التلفزيون المحليّة وكذلك عن طريق شبكة الإنترنت.
المراجع
1ـ العطاس، سيد محمد النقيب: مفهوم التربية في الإسلام، إطار لفلسفة تربويّة إسلاميّة، كوالالمبور، المعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلاميّة ISTAC))، 1991م.
2ـ العطـّاس، تعليق حول حجّة الصّدّيق لنور الدين الرانيري، وهو عرض للمعالم الرئيسيّة في التمييز بين اللاهوتيين والفلاسفة و.. وما يتعلق بذلك من مسائل، كوالالمبور، وزارة الثقافة ، 1986م.
3ـ العطـّاس، الإسلام: مفهوم الدين وأساس علم الأخلاق والدروس الأخلاقيّة، كوالالمبور، المعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلاميّة، 1992م.
4ـ العطّاس، الإسلام والعلمانيّة، كوالالمبور، المعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلاميّة، 1993م.
5ـ العطّاس، الإسلام وفلسفة العلم، كوالالمبور، المعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلاميّة، 1989م والحضارة الإسلاميّة، 1995م.
6ـ الباقلاني، كتاب التمهيد، القاهرة، 1984م.
7ـ كونغ، هانز، مبدأ أخلاقي للسياسة والاقتصاد العالميين، نيويورك، مطبعة جامعة أكسفورد، 1998م.
8ـ ماغنولو، ولترد، العولمة والحضارة ونقل اللغة والثقافة إلى مكان جديد، جامعة ديوك، 1998م.
9ـ مكغرو، (العولمة: التصور المفاهيمي للهدف وتحريكه) في: فهم العَولمة: الدولة القوميّة والديموغرافيّة والسياسة الاقتصاديّة في الحقبة الجديدة، السويد، وزارة الخارجيّة السويديّة، 1989م.
10ـ مهدي ، محمد (نظريّة الوجود الموحدّة) في مخطوط غير منشور عن مفهوم التطور الارتقائي.
11ـ مجيد أبو ماجد في: الأحيانية الإسلاميّة ونقدها، لندن، شركة جورج ألن، وأنوين المحدودة، دار رسْكن ، 1958م.
12ـ المزروعي، علي، (الإسلام ونهاية التاريخ)، بحث في المجلة الأمريكيّة للعلوم الاجتماعيّة ، شتاء 1993م.
13ـ الربيعي عامر، العولمة وإدارة الدولة القوميّة أو الدولة الأمة، مجلة الإدارة INTAN مجلد 5، عدد 1، 2000م.
14ـ الربيعي عامر، (عصر العولمة: تطبيق على التغيّر المجتمعي في المجتمعات الإسلاميّة)، في مجلة Al-Shjara مجلد 1، 1998م.
15ـ الربيعي عامر، العولمة والعالم الإسلامي، كوالالمبور، ماليتاجايا، 2002.
16ـ برنامج الأمم المتحدة للإنماء، تقرير التنمية البشريّة، 1999م.
17ـ اليونسكو: تنوّعنا الخلاّق، نشرة اليونسكو، 1998م، 1995م.
18ـ وان، محمد نوروان داوود، الفلسفة التربويّة والعمليّة لسيد محمد نقيب العطّاس، كوالالمبور، ISTAC 1998 م.
الهوامش:
([1]). هانزكونغ، مبدأ أخلاقي للسياسة والإقتصاد العالميين (نيويورك، مطبعة جامعة أكسفورد، 1998م)، ص160، (بالانجليزية)
([2]). في مقالة بعنوان العولمة والحضارة ونقل اللغة والثقافة إلى مكان جديد، تحرير فردريك جيمسُنْ ومابوسني، جامعة ديوك، ص 32 – 52، يذكر ولير د. مغنوليو ذلك على الصورة التالية تطورت العولمة السياسيّة التي بدأت في القرن الخامس عشر في المراحل التالية: (أ) حملات التنصير الإسبانيّة/ البرتغاليّة (ب) البعثات أو الإرساليات التحضيرية البريطانية والفرنسيّة والبلجيكيّة والهولنديّة لتحضير ما يسمّى بأكلمة لحوم البشر لامتوحشين (ج) الحملات التي تشن برعاية أمريكية لعلمنة العالم القديم غير الأوروبي وتحضيره. وجاءت هذه المرحلة الأخيرة للحلول محل بعثات التنصير الإسبانيّة بالإنجليزيّة/ البرتغاليّة وحملات الاستعمار البريطانية والفرنسيّة والهولندية.
([3]). سيد محمد النقيب العطـّاس، اللقاء الإسلامي مع الحضارة الغربيّة الحديثة: العولمة وأزمة الهوية. ورقة غير منشورة قدمت للمؤتمر العلمي العاشر للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، الأردن، تموز (يوليو) 1995م، ص 23.
([4]). أنظر القرآن الكريم، سورة يونس، آية 32. أنظر كذلك سيد محمد نقيب العطـّاس في كتابه: مقدم ةإلى ميتافيزيقيا الإسلام. عرض للعناصر الأساسيّة لنظرة الإسلام للعالم، كوالالمبور، المعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلاميّة ISTAC 1995م، ص 78 (بالإنجليزيّة).
([5]). سيد محمد النقيب العطاس، مقدمة إلى ميتافيزيقا الإسلام: عرض للعناصر الأساسية لنظرة الإسلام للعالم، ص 78.
([6]). سيد محمد نقيب العطـّاس: تعليق حول حجّة الصديق لنور الدين الرانيري: وهو عرض للمعالم الرئيسيّة في التمييز بين رجال الدين والفلاسفة وما يتعلق بذلك من مسائل كوالالمبور 1986م)، ص 461 (بالإنجليزيّة).
([7]). انظر سورة المائدة، آخر الآية 3. كذلك العطـّاس (مقدمة لما ورائيّات الإسلام) نفس المصدر.
([8]). سورة الحجرات/ الآية 13 .
([9]). علي المزروعي: الإسلامي ونهاية التاريخ، بحث في المجلة الأمريكيّة للعلوم الاجتماعيّة شتاء 1993م، ص 533 (بالإنجليزيّة).
([10]). سورة الذارايات، آية 56 .
([11]). سيد محمد نقيب العطـّاس: مفهوم التربية في الإسلام، (كوالالمبور ISTAC 1994م) (بالإنجليزيّة).
([12]). العطـّاس: تعليق، مصدر سابق.
([13]). انظر العطـّاس الذي يؤكد أنّ اختيار ماليس فيه خير للإنسان يعني إمّا الجهل أو فقدان الحريّة في الاختيار. وفي كلا الحالتين لا تتوفر للإنسان المعرفة الصحيحة بالأشياء ولذلك فإنّه لا يعرف مكانها الملائم في نظام المخلوقات. العطـّاس: الإسلام والعملانية، (كوالالمبور ISTAC 1993)، ص 105 (بالإنجليزية).
([14]). العطـّاس: تعليق، نفس مصدر.
([15]). سورة يونس/ آية 36.
([16]). سورة البقرة/ آية 164.
([17]). العطّاس، الإسلام والعلمانية، نفس المصدر.
([18]). برنامج الأمم المتحدة للإنماء: تقرير التنمية البشريّة 1991، (نيويورك : مطبعة جامعة أكسفورد)، ص 11 (بالأنجليزيّة).
([19]). منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ، تنوّعنا الخلاق، (باريس للنشر، اليونسكو 1995) ، ص 25 (بالإنجليزيّة).
([20]). عامر الربيعي: العولمة وإدارة الدولة القوميّة (الدولة الأمة) ، مجلة INTAN للإدارة، مجلد 5، عدد 1، 2000. انظر أيضاً أنتوني ج. مكغرو: العولمة: التصوّر المفاهيمي للهدف وتحريكه في: فهم العولمة: الدولة القوميّة والديموغرافيّة والسياسة الاقتصاديّة (السويد: وزارة الخارجيّة السويديّة 1998)، ص 27 (بالإنجليزية).
([21]). انظر ص 7 – 8 أعلاه.
([22]). العطـّاس، المصدر نفسه.
([23]). ترى الفلسفة الأرسطوطاليّة أنّ الله هو المحرّك الأوّل الذي لا يمكن أن ينخرط في الحركة ذاتها، بل هو في معزل عنها ولا يتأمل إلاّ ذاته.
([24]). الباقلاني، كتاب التمهيد، القاهرة، 1984م، ص 44 – 45؛ ماجد فخري أو مجيد فخري الأحيانيّة الإسلاميّة وانتقاداتها، الناشر جورج ألن المحدودة، رسكن هاوس، شارع المتحف ، لندن (1958)، ص 22 – 43، العطـّاس، مقدمة.
([25]). البقرة/ 269 .
([26]). آل عمران/ 19 .
([27]). البقرة/ 256 .
([28]). المائدة/ 3 .
([29]). الربيعي، نفس المصدر.
([30]). عامر الربيعي، ملاحظة 20 .
([31]). العطـّاس، الإسلام والعلمانيّة، نفس المصدر.
([32]). انظر أ.د. سيد محمد نقيب العطـّاس، مفهوم التربية في الإسلام، مصدر سابق، ص 13.
وانظر أيضاً أ.د. وان محمد نور وان داود: الفلسفة التربويّة والعملية لسيد محمد نقيب العطـّاس (كوالالمبور ISTAC 1998) ، ص 131. وكذلك وان داود، نفس المصدر، ص 115، أنظر أيضاً محمد مهدي: نظرية الوجود الموحدة، مجلد 1، مخطوط غير منشور حول مفهوم التطور الارتقائي.
([33]). حجّة الإسلام أپو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، مجلد 3، ص 47 .
([34]). محمد مهدي، نفس المصدر.