أسس الحكومة الإسلامية وأصولها

أسس الحكومة الإسلامية وأصولها

 

 

أسس الحكومة الإسلامية وأصولها

 

مولانا محمد صلاح الدين ـ بنگلادش

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الإنسان خليفة لأرضه منتخبا من المخلوقين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أقام الحكومة الإسلامية أولاً للناس أجمعين وعلى آله الطيبين المكرمين وعلى أصحابه الطاهرين وعلى مع اتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد.

فإن الحكومة الإسلامية هي الحكومة التي تساق بحكم الله تعالى وتسلم العوام بها في أمورهم كلها سنعرض مبحثا ملخصا على «أسس الحكومة الإسلامية وأصولها» بضوء الدلائل المتداولة والله الموفق والمعين.

تعريف الحكومة الإسلامية:

هي الحكومة الخالصة في أمور الدين والدنيا نيابة عن سيدنا محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

قال ابن خلدون رحمه الله: الحكومة الإسلامية هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع

ـ(280)ـ

كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة والحكومة الإسلامية هي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به(مقدمة ابن خلدون ص 18).

وقال العلماء رحمهم الله: إنها خلافة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة(المواقف ـ ص 33).

وقال الفقهاء رحمهم الله: إنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا تحكم بالشريعة الإسلامية.

وقال الماوردي رحمه الله: الحكومة الإسلامية هي موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا،(الأحكام السلطانية ص 3 ).

في هذا الشأن قول ابن خلدون رحمه الله عنه ارجح.

سلسلة الحكومة الإسلامية بضوء القرآن

ان الله تبارك وتعالى خلق الإنسان خليفة لـه في الأرض كما أرشد: ﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...﴾(سورة البقرة: 30).

وجرت سلسلة النبوة مع خلافة الله في الأرض.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾(سورة آل عمران: 33).

وان الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء الكرام لإقامة أحكام الله تعالى وأهمها التوحيد كما أرشد.

﴿... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾(سورة الأنعام 57) وكذلك أهم الله تعالى على إقامة حكمه في كل عصر من بدى خلق الناس إلى شريعة رسولنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلم التي تقوم مادامت قائمة إلى يوم الدين. وأرسل الله تعالى رسلا وأنبياء عليهم السلام وأعزهم بأمر الله تعالى. كما أرشد:

ـ(281)ـ

﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾( سورة مريم 56 ـ 57).

وقال تعالى في بيان إبراهيم عليه السلام: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾(سورة الأنعام: 75).

وان نوحاً عليه السلام سعى لإقامة الدين كما أرشد تعالى:﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ...﴾(سورة الشورى: 13).

وانه تبارك وتعالى جعل الرسل عليهم السلام قضاة لأهل بلدهم وللعوام كما أرشد الله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾(سورة يونس: 47).

فنفهم ان الله تعالى بعث الرسل الكرام عليهم السلام لهداية القوم وهداية أممهم ولإصلاحها بإقامة القسط في القضاء وكذلك جرى حكم الله تعالى في الدنيا.

وأنزل معهم كتبا واضحة كما أرشد الله تعالى ﴿قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(سورة البقرة: 136).

وأرشد تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾(سورة الأنبياء: 23).

وقال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾(سورة الأنعام: 89 ـ90).

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً﴾(سورة الفرقان: 35).

ودعا موسى عليه السلام إلى الله تعالى ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي

ـ(282)ـ

اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾(سورة طه: 29 ـ 32)

وقال الله تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ...﴾(سورة ص: 26).

وكذلك أمر الله الرسل عليهم السلام إقامة حكم الله تعالى وأنه تعالى أحكم الحاكمين كما أرشد ﴿... وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾(سورة الأعراف: 87).

وقال الله تعالى﴿.. وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾(سورة الرعد: 41).

وان الله تعالى بعث الرسل الكرام عليهم السلام مترتبة من آدم عليه السلام إلى أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام وإبراهيم بإقامة حكم الله بين الناس وان بعثة سيدنا محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كانت بعد فترة من الرسل ولكن أقام الله بين الناس كتابا سماويا، دستورا لهم وكذلك لم يتم سلسلة خلافة الله قط حتى ان الرسول محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم أقام الحكومة الإسلامية نموذجية للمسلمين كلهم وبعثه كافة للناس إلى يوم القيامة بالقرآن الكريم دستورا دائماً.

وكذلك جرت سلسلة الحكومة الإسلامية خلافة بين الأنبياء الكرام عليهم السلام فأكملها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بأمر الله تعالى أثبت الأحكام بين الناس مكفية الشيء يوم الدين.

وان الله اختم النبوة، والرسالة بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم وبعثه كافة للناس جميعا كما أرشد ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾(سورة سبأ: 28).

وأسس النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الحكومة الإسلامية وأقامها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون معه بالمدينة المنورة.

وأنه صلّى الله عليه وآله وسلم بدأها من بيعتي العقبة، بين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ووفود المدينة المنورة وما تلاهما من الهجرة، والواقع ان هاتين البيعتين كانا

ـ(283)ـ

نقطة التحول في حياة الإسلام والمسلمين والنظرة الصحيحة إنها حجر الزاوية في بناء الحكومة الإسلامية. ومن ثم تتضح أهميتهما وما أشبههما العقود الاجتماعية التي بدأ لبعض فلاسفة السياسة في العصور الحديثة ان يفترضوا حدوثها معتبرين أنها الأساس الذي قامت عليه الدول والحكومات ـ فقد ولدت الحكومة الإسلامية إذن في وضح النهار وإذ بدأت عملها لم تكن هناك أية وظيفة من الوظائف التي يمكن ان يقال عنها إنها سياسية: من أعداد الأداة لتنفيذ العدالة، أو تنظيم للدفاع، أو بث للتعليم، أو جباية للمال، أو عقد معاهدات، أو إنقاذ سفارات إلا كانت هات الحكومة تؤديها.

وسعى بأعمال كثيرة لإقامة الحكومة الإسلامية ومنها.

(1) صالح بين الصحابة رضي الله عنهم وبين يهود المدينة المنورة.

(2) جاهد على الكفار والمشركين وصنع من الصحابة رضي الله عنهم مجاهدين وغزى ثمانين غزوة في عشر سنين.

(3) فملا سلمت المدينة من جانب الأعداء بدفاعهم، فنظر إلى الممالك وأرسل إليهم دعوة الإسلام كما أرسل إلى ملك الروم ومصر والحبشه والشام واليمن وغيرها.

وان الرسول صلى الله عليه وسلم أدى كل ما أمره الله تعالى.

وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

بعث الله محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته ومن عبودية عباده إلى عبوديته، ومن طاعة عباده إلى طاعته ومن ولاية عباده إلى ولايته.

والحكومة الإسلامية قد أصبحت مكملة بالرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلم واتبعها الخلفاء الراشدون وكذلك انتشر أمر الخلافة إلى نصف العالم تقريبا في خلافة عمر وكذلك جرت سلسلة الحكومة الإسلامية من العهد الماضي إلى الآن.

ـ(284)ـ

القرآن هو الوحي المنزل من عند الله على رسوله محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين المنقول عنه نقلا متواترا نظما ومعنا وهو آخر الكتب السماوية نزولا.

أنزل القرآن مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة تقريبا ومن حكمة إنزاله مفرقا أن يحفظه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ويعيه وأن يثبت الله به فؤاده كلما اشتدت معارضة المعارضين، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾(سورة الفرقان: 32).

الحكومة الإسلامية:

وقد كانت للأُمة العربية التي ظهر فيها التشريع الإسلامي ونزل القرآن عليها أولاً، أعراف يحكمون بها ويسيرون عليها وكان لهم ضوابط يرجعون إليها في خصوماتهم وقضائهم عرف ومعاملات، وأحكام ومعاملات وأحكام وعبادات فأقر القرآن كثيراً مما درجوا عليه في هذه الشؤون وهذّب فيها وعدّل والغى وبدّل وليس ذلك مما يصبر القرآن في تشريعه واستقلاله فما كان الإسلام إلا دينا يراد به تدبير مصالح العباد وتحقيق العدالة وحفظ الحقوق ولم يأت ليلغي كل ما كان عليه الناس، ليؤسس على أنقاضه بناءاً جديداً.

وان القرآن هو دستور للحكومة الإسلامية.

كما روى الإمام الترمذي، رحمة الله عليه حديثا قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: كتاب الله تعالى، فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم بينكم وهو فصل ليس بالهزل(الترمذي).

واعلم الله تعالى ان القرآن الكريم حكم الله كما قال للرسول صلّى الله عليه وآله وسلم:

ـ(285)ـ

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾(سورة الإنسان: 23ـ24)

ان الله تعالى أمر بتأسيس الحكومة الإسلامية وجعل الناس ملوكها كما أرشد الله تعالى ﴿...اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا...﴾(سورة المائدة:20).

ولم يأذن القرآن للناس أن يفعلوا ما يشاؤون في الحكومة الإسلامية بل حدد أمور، كما ارشد الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ...﴾(سورة الحج: 41).

فنرى الأمور الواجبة لعمال الحكومة الإسلامية وأهمها:

1ـ إقامة الصلاة.

2ـ أداء الزكاة.

3ـ الأمر بالمعروف.

4ـ والنهي عن المنكر.

الحديث أو السنة: والحكومة الإسلامية في نظر السنة.

هو الخبر أو المحادثة الدينية.

وهو ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل أو تقوى ويرادف الحديث السنة.

وقد أجمع المسلمون على: أن السنة والحديث متى ثبت وصح عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كان حجة في الدين، ودليلا من أدلة الأحكام وجب إتباعه والرجوع إليه والعمل بمقتضاه وقد نطق القرآن بذلك في كثير من آياته قال تعالى: ﴿... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا...﴾(سورة الحشر: 7).

فالحديث هو المصدر الثاني من مصادر الأحكام الشرعية العملية والاعتقادية وهو الذي تلي رتبته في الاعتبار رتبة القرآن الكريم. وللحديث أهمية كبرى في فهم معاني القرآن الكريم، والكشف عن الأحكام المنظومة في نصوصه العامة وقواعده الكلية والإرشاد إلى الكثير منها، ولولاه لبقى مجهولا خافيا علينا.

ان عدد آيات القرآن يبلغ نحو ستة الآف ويصل المتعلق منها بالأحكام نحو مائتي

ـ(286)ـ

آية، أما مجموع أحاديث الأحكام فيقرب نحو أربعة آلاف حديث وقال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(سورة آل عمران: 31).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾(سورة آل عمران: 32).

السنة المقرونة بالكتاب، والتي يكون التمسك بها كالتمسك بالكتاب في الوقاية من الضلال، أمر الله بطاعة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم لأنه هو الذي يبين لنا أحكام الشرع ومقاصده التي وردت مجملة في القرآن فالسنة الصحيحة المنقولة نقلاً ثابتا عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في المكان الثاني بعد القرآن الكريم.

وان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أقام الحكومة الإسلامية والحكم فيها بالقرآن الكريم ودعا الناس إلى عبادة الله تعالى كما أنه أرسل إلى الملوك رسالات ومنها رسالة إلى ملك غسان واجد فكلمهما وخاطبهما:

سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوكم بدعاية الإسلام اسلما تسلما أني رسول الله إلى الناس كافة لا نذر من كان حيا. ويحق القول على الكافرين. أنكما أن أقررتما بالإسلام وليتكما وان أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي.

ولما بايع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في العقبة فدعا عبادة بن الصامت وأصحابه فافهمهم حكم الله كما قال عبادة بن الصامت «دعانا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا ان بايعنا على السمع والطاعة في حبنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وان لا تنازع الأمر وأهله إلا تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان. أو كما قال عليه الصلاة والسلام عن عبادة بن الصامت رواه البخاري.

ـ(287)ـ

وكذلك علم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ادفاع الظلم في الحكومة الإسلامية، كما ارشد. كلا والله لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطونه على الحق اطؤا ولنقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض رواه أبو داود عن عبدالله بن مسعود ونبه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم المسلمين بقوله: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه»(رواه مسلم).

وارشد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم: «إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث ولا تجسوا ولا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبعه الله عورته.(رواه مالك).

وارشد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال نفسه وهو مسئول عنه إلا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.(رواه البخاري ومسلم).

واهتم النبي للتراحم بين الرعاة والعوام كما ارشد:

«لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تجابوا ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء لا يرحم الله من لا يرحم الناس (راه الترمذي وأبو داود).

ورابط النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بين الأمير والمأمور برابطة الإيمان، كما ارشد: «المؤمنون كرجل واحد ان اشتكى عينه اشتكى كله وان اشتكى كله، ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى لـه سائر الجسد بالسهر والحمى(رواه عن نعمان بن بشير).

ـ(288)ـ

وقال الإمام علي كرم الله وجهه بذكر واجبات أمام الحكومة الإسلامية «أن الله فرض على أئمة العدل ان يقدروا معيشتهم على قدر ضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره.

 أسس الحكومة الإسلامية

توحيد الله تعالى(لا اله إلا الله).

جاء الإسلام فأبطل ما كان عليه العرب من عبادة غير الله تعالى، وقرر التوحيد المطلق لله في الذات والصفات، والتوجه لـه بالعبادة ومنه جاء في القرآن:

﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾(سورة البقرة: 163).

فالتوحيد هو القاعدة الأولى في الإسلام التي يجب ان يؤمن بها قلب المسلم، وينطق بها لسانه بقوله: أشهد أن لا اله إلا الله فكلمة «الله» هو الاسم الذي يطلق على الخالق، وكلمة لا اله استعملت للدلالة على المعبود أيا كان فكلمة لا اله نفي لكل معبود في الوجود وأبطالا لعبادته وكلمة إلا الله إثبات لعبادة المعبود بحق وهو الله سبحانه.

فشهادة المؤمن «لا اله إلا الله» هي اعترافه بلسانه مع اعتقاده بقلبه عن علم ويقين ان لا معبود إلا الله، والشهادة بهذا هي الشهادة بوجود الله وبوحدانيته.

القرآن يستهل خطابه بتبيان الفرق العظيم بين عبادة اله واحد يخضع الجميع لحكمه، وقال تعالى: ﴿أَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(سورة يوسف: 39 ـ 40).

فكلمة التوحيد ترسخ في قائلها: بأن لا معبود ولا محي ولا مميت ولا رزاق ولا نافع إلا الله هذا ويستفيد المؤمن من عقيدة التوحيد، الاستقلال والحرية فليس لأحد عليه سلطان ويرى ان ما طرأ على الناس من مصيبة الخضوع للملوك والزعماء المستبدين ورجال الدين سببه جهلهم بالمؤثر الأعلى وخضوعهم لقوتهم الوهمية التي

ـ(289)ـ

تربهم ان قادتهم من طينة أرقى من طينتهم ويأمر الله رسوله محمد صلّى الله عليه وآله وسلم بأن يخاطب قومه بقوله ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾(سورة الزمر ـ 38)

والتوحيد أصل من أصول الحكومة الإسلامية وفيه الشجاعة وعدم هيبة الموت لأن الذي يملكه هو الله وحده.

وقال الشاه ولي الله المحدث الدهلوي رحمه الله، أصل من أصول البر وعمدة أنواعه هو التوحيد وذلك لأنه يتوقف عليه الأخبار لرب العالمين الذي هو أعظم الأخلاق الكاسبة للسعادة وهو أصل التدبير العلمي الذي هو أفيد التدبيرين وبه يحصل للإنسان التوجه التام تلقاء الغيب ويستعد نفهس للحوق به بالوجه المقدس وقد نبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم على عظم أمره وكونه من أنواع البر بمنزلة القلب إذا صلح صلح الجميع وإذا فسد فسد الجميع حيث أطلق القول فيمن مات لا يشرك بالله شيئا أنه دخل الجنة أو حرمه الله على النار، وحكى عن ربه تبارك وتعالى من لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بالله شيئا لقيته بمثلها مغفرة(واعلم) ان للتوحيد أربع مراتب أحداها حصر وجوب الوجود فيه تعالى فلا يكون غيره واجبا والثانية حصر خلق العرش والسموات والأرض وسائر الجواهر فيه تعالى وهاتان المرتبتان لم تبحث الكتب الأهلية عنهما ولم يخالف فيهما مشركو الغرب ولا اليهود والنصارى بل القرآن العظيم ناصاً كما قال تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم(سورة الزخرف) والثالثة حصر تدبير السموات والأرض وما بينهما فيه تعالى والرابعة أنه لا يستحق غيره العبادة.

إن الله تعالى نبه المشركين والذين قالوا(ليقربنا إلى الله زلفى).

إن الحكم والملك لـه خاصة وتارة ببيان إنها جمادات

ـ(290)ـ

ورد الله النصارى بقوله الكريم كما فهمنا.

ان من أعظم أنواع البر، الإيمان بصفات الله تعالى واعتقاد اتصافه بها فانه يفتح بابا بين هذا العبد وبينه تعالى وبعده لانكشاف ما هنالك من المعبد والكبرياء.

ان الحق تعالى اجل من ان يقاس بمعقول أو محسوس أو يحل فيه صفات كحلول الأعراض في محالها أو تعالجه العقول العامية أو تتناوله الألفاظ العرفية ولابد من تعريفه إلى الناس ليكملوا كما لهم الممكن لهم فوجب أن تستعمل الصفات بمعنى وجود غاياتها لا بمعنى وجود مباديها.. فمعنى الرحمة إفاضة النعم لا انعطاف القلب والرقة وان تستعار ألفاظ تدل على تسخير الملك لمدينته لتسخيره لجميع الموجودات.

ان الله تعالى يلاحظ الإنسان التدبير الواحد الذي يجمع العالم ومن اعتقده على وجهه يصير طامح البصر ما عند الله يرى الدنيا وما فيها كالظل لـه ويرى اختبار العباد من قضاء الله كالصورة المنطبعة في المرأة وذلك يعدله لانكشاف ما هنالك من التدبير الوجداني وأنه تعالى متصف بالذات ـ كمال جلاله وجماله وتنزهه عن المماثلة لخلقه أو الحلول في شيء مما خلق وأوصد أمامه باب التطلع إلى معرفة حقيقة ذاته تعالى، وصرفه عن محاولة التفكير في هذا الجانب: ﴿ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(سورة الأنعام: 102 ـ 103)

وكل هاجز عن أدراك حقيقة الذات الأقدس عقيدة من عقائد الإيمان بالله تعالى.

التوحيد في الصفحات بضوء القرآن

ان الذي يجعل الإنسان في منأى عن الإشراك بالله هو الاعتقاد برابطة وصلة تجمعه بهذه القدرة الإلهية، فأي حاجز وأي وسيلة بينه وبين الذات الإلهية من الدواعي للإشراك به ولهذا نرى الإسلام يجعل بين الله والناس رابطة لا تلجئهم إلى الاستعانة بغيره.

ـ(291)ـ

قدرة الله تعالى

قدرة الله موجودة في كل شيء ـ وقدرته نافذة في إعزاز الأمم وإذ لإلها، قال الله تعالى ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(سورة آل عمران: 26).

وهذه الآية الكريمة تدل على قدرته في الملك كلها وتبديل الموالك كلهم فكم من الأمم بلغت منزلة عالية من السلطان والنفوذ ثم استذلت، وكم من الملوك والزعماء بلغوا أرفع منازل الجاه ثم وصلوا إلى نهاية مؤلمة من قتل وسجن ونفى وان المؤثر والموجه في مصائر الشعوب والأفراد هو الله وحده فلا حاجة للاتجاه إلى غيره.

ولكن في سبيل الحصول على حياة أفضل يصرح القرآن: ﴿... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...﴾(سورة الرعد: 11).

علم الله تعالى:

انه تعالى عليم لكل سر من الأسرار وارشد.

﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾(سورة الأنعام 59).

ليس كمثله شيء:

قولـه تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾(سورة طه: 110).

وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: «تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله»(رواه البيهقي)

وأرشد الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(سورة لقمان: 27)

قدم الله تعالى وبقاؤه وارشد ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ

ـ(292)ـ

هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(سورة القصص: 88).

أنواع الحكومة الإسلامية:

تنقسم الحكومة الإسلامية بثلاثة أقسام لرعاية الواجبات المهمة بالنظام العالمي:

أولها: قسم القانون.

ثانيها: قسم الإدارة.

ثالثها: قسم القضاء.

قسم القانون: ان القانون هو قانون الله تعالى واصل القانون هو القرآن الكريم كما ارشد الله تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾(سورة النساء: 105).

وقال تعالى ﴿... وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ...﴾(سورة الحديد: 25).

ولا القانون الجديد في الحكومة الإسلامية ولا يمكن صنع القانون غير القانون الإلهي الذي في القرآن الكريم وفي سنة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ويطلب قسم القانون الإسلامي يعمل بأربع طبقات وهي:

1ـ صنع القانون.. هو موجود من الله تعالى في القرآن الكريم.

2ـ طلب القانون وجمعه وتعيين وقوعه: عمل مجلس الشورى.

3ـ إنفاذ القانون في العمل: فعل الضابط المنفذ.

4ـ إصلاح المنازعين وعقاب المجرم: عمل قسم القضاء.

وان هذه الطبقات تقيم القانون وسأذكر شرحها في الآتية:

واضع قانون الحكومة الإسلامية هو الله تعالى:

ان أول أساس ارتكز عليه قانون الحكم هو: ان واضع الأحكام هو الله وحده فليس لبشر ان يشرع أصولا قانونية غير التي سنها الله أما في القضايا التي لم يره فيها

ـ(293)ـ

نص فقد فوضت الشريعة مهمة سن قوانينها إلى أولي الأمر من علماء المسلمين.

والدليل على اختصاص الله بالتشرع قولـه سبحانه ﴿... إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾(سورة يوسف: 40).

ويخاطب الله نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم بقوله: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ...﴾(سورة النساء: 105).

ويأمر الله تعالى المؤمنين اتباع الشريعة وينهي عن اتباع ما يخالفها بقوله:﴿ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾(سورة الأعراف: 3).

ويحرم الله تحريما قاطعا الخروج عن نصوص الشريعة ويعتبر العالم بغير الشريعة كافرا وظالما وفاسقا:

﴿... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾(سورة المائدة: 44).

﴿... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(سورة المائدة: 45).

﴿...وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾(سورة المائدة: 47).

ونفى الله الإيمان عن المؤمنين ويقسم بنفسه على ذلك حتى يحكموا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم فيما شجر بينهم، ولايكتفى بهذا بل يشترط باعتبارهم مؤمنين: أن ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق من قضاء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً ـ والرسول لا يحكم إلا بما أنزل الله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾(سورة النساء: 65).

والمؤمن الذي يختار من الأحكام غير ما اختاره فهو ضال ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾(سورة الأحزاب: 36).

ويترتب على كون الحكم لله نتيجتان هامتان: النتيجة الأولى: ثبوت القوانين

ـ(294)ـ

الشرعية واستمرارها ولو تغير الحكام وليس الأمر كذلك في القوانين الوضعية التي يشرعها الحكام لحماية المبادئ التي يعتنقونها وخدمة الأنظمة التي يقيمون فيها، وهي حين تضع القوانين تراعى مصلحتها دون غيرها من الفئات الجديدة، وهكذا تتغير القوانين بين حين وآخر مما يؤدي إلى عدم احترام القانون والثقة به.

النتيجة الثانية: احترام القوانين الشرعية والثقة بها لأنها من عند الله وهذا الاعتقاد بالذات يحمل على طاعة القوانين الشرعية لأن الطاعة تقرب من الله ولأن العصيان يؤدي إلى عقوبة الله الدنيوية والأخروية كما قرر بذلك القرآن في مواضع كثيرة فيه وكل شريعة في العالم تقدر قيمته بقدر ما لها في نفوس الأفراد من طاعة واحترام وثقة.

(مقتبس من كتاب الأستاذ عبد القادر، عوده الإسلام وأوضاعنا القانونية)

قال زعيم غربي موافقا لهذا الأمر: كما قيل:

(De Sanfillana the Legacy of lslam R.286)

الإسلام هو حكومة الله المباشرة يحكمها الله الذي يرعى شعبه دائما. فالدولة في الإسلام يمثلها الله حتى الموظفون العموميون هم موظفون عند الله. وهذا أيضا عبارته:

(lslam is the dnect govecrment of Allah. The rnie of Allah Whose

eyes a rc upon his people the statc in lslam is personmed by Allah

evcr the publtc function aries are the enployees of Allah

 

طلب القانون ووقوعه:

مجلس الشورى:

أما الشورى فهي أساس الحكم الصالح. وهي السبيل التي تبين الحق. ومعرفة الأداء الناضجة أمر بها القرآن الكريم، وجعلها عنصرا من العناصر التي تقوم عليها

ـ(295)ـ

الحكومة الإسلامية، ففي الكتاب الكريم سورة، عرفت باسم الشورى وقد سميت بذلك لأنها السورة الوحيدة التي قررت «الشورى» عنصراً من عناصر الشخصية الإيمانية الحقة ونظمتها في عقد، حبانة طهارة القلب بالإيمان والتوكل، وطهارة الجوارح من الإثم والفواحش، ومراقبة الله بإقامة الصلاة، وحسن التضامن بالشورى والأنفاق في سبيل الله، ثم عنصر العزة بالانتصار على البغي والعدوان، وذلك في قولـه تعالى من تلك السورة.

﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾(سورة الشورى 36 ـ 39)

وقد نزل بعد أن أصيب المسلمون في غزوة أحد بما أصيبوا أمر الله لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلم بمشاورة أصحابه فيما يطرأ لهم من شؤون ربطاً للقلوب وتقريراً لما يجب ان يكون بين المؤمنين من حسن التضامن في سياسة الأمور تدبير الشؤون، وذلك في قولـه تعالى في سورة آل عمران ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(سورة آل عمران: 159).

وفي تفسير هذه الآية قال صاحب الكشاف في الأمر أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي لتستظهر برأيهم. ولما فيه من تطيب نفوسهم. والرفع من أقدارهم وعن الإمام الحسن عليه السلام: قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ولكنه أراد أن يستن به من بعده، وعن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم وعن أبي هريرة: ما رأيت أحد أكثر مشاورة من أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.

وقال الرازي في تفسيره مثل هاذ ومما جاء في كلامه أن المشاورة مأخوذة من

ـ(296)ـ

قولهم: شرت العمل اشوره أخذته من موضعه واستخرجته ثم بين وجوه الفائدة من أمر الله سبحانه رسوله الكريم صلّى الله عليه وآله وسلم بالشورى ومن هذه الوجوه ما رواه الحسن وسفيان(رح) بن عينية إنهما قال إنّما أمر(أي الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم) بذلك ليقتدي به غيره في مشاورة وأشار إلى معنى دقيق، هو أن هذه الآية الكريمة نزلت عقب ما ابتلى به المسلمون يوم أحد. ومع أن ما وقع في ذلك اليوم قد أبان أن رأي من أشار على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بالخروج لم يكن صوابا فان الله سبحانه وتعالى قد إنزال الأمر بالعفو عنهم ومشاورتهم أيضاً، إلى أن الأمر هو أمر بالاستمرار في مشاورتهم بالرغم ما ظهر من خطأ رأيهم، وهذا يؤكد أهمية الشورى، وبيّن مقدار عناية الدين بها ومن الوجوه التي ذكرها المفسر أيضاً أن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أمر بالشورى لا لأنه محتاج إلى آراء من يستشير هم ولكن لأجل أنه إذ أشاورهم في الأمر اجتهد على واحد منهم في استخراج الوجه الأصلح فتصير الأرواح متطابقة متوافقة على تحصيل أصلح الوجوه فيها.

 

الشورى في عهد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

وقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يشاور أصحابه فيما لم ينزل عليه فيه الوحي وكان في بعض الأحيان يعدل عن رأيه ويأخذ برأي أصحابه رضي الله عنهم، وقد حدث أنه أخذ برأيه ورأي أبي بكر في حادثة أسرى بدر، ورفض العمل برأي عمر ومن وافقه فنزلت آيات على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في أنه لم يأخذ برأي الآخرين وقد كان هو الأوفق بحالتهم في هذا الوقت:

﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(سورة الأنفال: 67ـ 68).

ـ(297)ـ

ومن هذا كانت الشورى أصلاً في قسم القانون وكان تحرى الحق أو الموافقة في المصلحة من ألزم الواجبات على صاحب الأمر، وقد درج على ذلك أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بعده فكان أبو بكر يستشير الصحابة رضي اللهم عنهم فيما يعرض لـه من شئون القانون، وكان يأخذ رأي غيره متى بدت آيات الحق فيه وكان عمر يجمع كبار الصحابة رضي الله عنهم في عهده، وكان يمنعهم من الخروج من المدينة المنورة لمكان حاجته إلى استشارهم.

وكان الأساس في الاستشارة كفائة الحرية التامة في إبداء الآراء ما لم تمس أصلا من أصول العقيدة أو العبادة.

ولم يضع القرآن ولا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم للشورى نظاما خاصاً وإنّما هو النظام الفطري، تطرح على أعضائها مسألة، ويبدون آراءهم فيها ومتى اجمعوا على رأي أو ترجح عندهم رأي عن طريق الأغلبية، أو عن طريق قوة البرهان أخذ به وتقيد.

فالشورى من الأمور التي تركت نظامها دون تحديد، رحمة بالناس غير نسيان، توسعة عليهم، وتمكنا لهم من اختيار ما يتاح للعقول وتدركه البشرية الناضجة، ومادام المقصود هو أصل المشورة، والوصول بها إلى قوانين التنظيم العادل التي تجمع الأمة ولا تغرقها، والتي تعمر وتبنى ولا تخرب وتهدم، فالأمر في الوسيلة سهل ميسور.

أهل الشورى

وأنهم الحرية التامة في أبدا الرأي من أهل الرأي ما لم يمس أصلا من أصول العقيدة الإسلامية أو العبادة المشهودة، وقد جاء في بيان المصادر التي يجب على المؤمنين اتباع الأحكام والنظم والأوامر الصادرة عنها، قولـه تعالى في سورة النساء، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ...﴾ وإذا كانت إطاعة الله هي العمل بما تضمنته أقواله التشريعية العامة الموثوق بنسبتها إليه، كان أولو الأمر هم

ـ(298)ـ

أهل النظر الذين عرفوا في الأمة بكمال الاختصاص في بحث الشؤون وإدراك المصالح والغيرة عليها، وكانت أطاعتهم هي الأخذ بما يتفقون عليه في المسألة ذات النظر والاجتهاد، أو بها يترجح فيها عن طريق الأغلبية أو قوة البرهان.

وليس من شك في أن شئون الأمة متعددة بتعدد عناصر الحياة، وأن الله قد وضع الاستعداد الإدراكي على الأفراد حسب تنوع الشئون، وصار لكل شأن بهذا التوزيع رجال، هم أهل معرفته ما يجب أن يكون عليه ففي الأمة جانب القوة التي تحمى حماها والتي تحفظ أمنها الداخلي، وفي الأمة جانب القضاء وفض المنازعات وحسم الخصومات، وفيها جانب المال والاقتصاد وفيها السياسة الخارجية وفيها غير ذلك من الجوانب ولكل جانب رجال عرفوا فيه بنضج الآراء وعظيم الآثار وطول الخبرة والمران. وهؤلاء الرجال هم أولو الأمر من الأمة وهم الذين يجب على الأمة ان تعرفهم بآثارهم وتمنحهم ثقتها، وتثيبهم عنها في نظمها وتشريعها والهيمنة السماوية الحاسمة وأخيراً هم أهل الإجماع الذي يكون اتفاقهم حجة يجب النزول عليها والعمل بمقتضاها ما دام الشأن هو الشأن والمصلحة، حتى إذا ما تبدل الشأن وتغير وجه المصلحة بتغير المقتضيات الحافة بموضوع النظر، كان عليهم أو على من يخلفهم إعادة النظر على ضوء ماجد من ظروف ومقتضيات وحل الاتفاق اللاحق، محل الاتفاق السابق، وكانت الأمة في الحالين خاضعة لما أمرها الله بطاعته فقد أقام من رحمته رأي أولي الأمر فيما ترك التشريع العيني فيه مقام تشريع كتابه، وتشريع رسوله فيما وردا فيه، وسوى بين الثلاثة، كل في دائرته في عموم وجوب الطاعة والامتثال.

إنفاذ القانون في العمل:

وإذا كانت الحكومة الإسلامية تسير حسب ما شرعه الله فلا يفهم من هذا إنها حكومة(تترجم عادة بالحكومة الدينية) ويقصد بها الدولة التي يستمد الحاكم فيها سلطته من عند الله سواء أكان فردا أم جماعة، وتشتمل الحكومة الإسلامية على

ـ(299)ـ

التشريع الذي جاء به القرآن والذي لا يستبد بالحكم فيه طبقة من رجال الدين بل يقوم على تنفيذه الشعب لأنه في نظر القرآن هو خليفة الله بمعنى إمضاء أحكامه وأوامره.

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾(سورة البقرة 30).

كما ان الشعب مصدر السلطات، ولهذا كان الله تعالى يخاطب المؤمنين كافة عندما يأمرهم بتنفيذ أحكامه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(سورة البقرة: 178).

ويقول سبحانه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(سورة المائدة: 38).

وهذا الاختيار من الأمة يقوم على الرضى وتوخي المصلحة العامة لا بقهر ولا بجبروت ولا خديعة، ومن تختارهم الأمة لقيادتها يخضعون لرقابتها ويجب عليها طاعتهم الذين سماهم الله(أولي الأمر) ـ وأمر الله بطاعته وهي تتحقق بالعمل بالقرآن لأنه هو الذي يحوي أوامر الله ونواهيه، هو المصدر المهم من مصادر التشريع لا يعدل عنه متى وجد نص للحادثة فيه.

والمراد هم جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين وهم الأمراء والحكام والعلماء والرؤساء والزعماء الذين ترجع إليهم الحاجات والمصالح العامة، وان يكونوا أمناء وان لا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم التي عرفت بالنواقب، وان يكونوا مختارين في بحثهم في الأمر واتفاقهم عليه.

وهؤلاء يتألف منهم شعبة(مجلس أعلى للأُمة) يسهر على مصالحها ويوجه سياستها في السلم والحرب.

وهم ينفذون القانون في العمل.

قسم الإدارة: والأجراء

ان القانون لما يعين بالوقوع فيرسل إلى قسم الإدارة والإجرائية لتصديقه بالعمل، وان الذي يستنبط من مجلس الشورى بضوء القانون الإسلامي فيأخذه قسم الإدارة لإنفاذه في الوقوع وهذا واجب قسم الإدارة.

ـ(300)ـ

وان هذا القسم مشمل بأهم الواجبات لأنه يصدق القانون في الوقوع وينبغي لهذا القسم أن يكون قوياً شديداً ولن يسهل لأحد خلاف الحكم الإسلامي كما قال الله تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(سورة الحديد: 25).

وان ضعف قسم الإدارة يضعف الحكومة كلها بل ينبغي لـه ان يكون قويا في إيقاع الحكم كما ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم يسمع شفاعة التي شفعت لمنع عن قطع يد امرأة سارقة بل قال «أتشفع في حد من حدود الله؟

فخاطب على المنبر وأرشد: «أيها الناس إنّما هلك الذي من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»(رواه مسلم).

كذلك كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أشد الحكام في اتباع حكم الله تعالى ومن واجبات قسم الإدارة والإجرائية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

ان أعضاء قسم الإدارة مكرمون ومشرفون في الحكومة الإسلامية وعليهم أمور مهمة مردة من جانب الله أيضا، وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عليهم وأرشد الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(سورة آل عمران: 104).

وواجب عليهم ان يصلحوا أنفسهم قبل الدعوة، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(سورة البقرة: 44).

وقال علي كرم الله وجهه: «من نصب نفسه للناس إماماً فليبد بتعليم نفسه قبل

ـ(301)ـ

تعليم غيره وليكن تأديبة بسيرته قبل تأديبة بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم...

وقال الله تعالى ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾(سورة الحج: 41).

وكذلك ينهون عن المنكر. كما أفهمنا الله بنصيحة لقمان ﴿... وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾(سورة لقمان:17).

وقال علي عليه السلام: «من ترك إنكار المنكر بقلبه ولسانه فهو ميت بين الأحياء».

وارشد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان(رواه البخاري).

وقال سيدنا الإمام الحسين سيد الشهداء عليه السلام: لما ضعف عن أدفاع الأعداء في كربلاء لشهادة أهله وأصحابه على يد عمال يزيد ابن معاوية.

«اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من خضول الحطام ولكن لرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيها من المظلومين من عبادك وتقام المعطلة من حدودك.

وان أعضاء، قسم الإدارية قوية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان كسلوا في أداء الواجبات فلم تقوى الحكومة الإسلامية بل يكون مثلها. كقول الله تعالى ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾(سورة المائدة 62 ـ 63).

وكذلك واجب عليهم ان يعرضوا عن الأعمال الفاسدة غير المفيدة ويرغبوا إلى

ـ(302)ـ

الأعمال المهمة كما ارشد الله تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾(سورة النساء: 114).

ومن واجبات كل منهم ان لا يظلم أحد.

بل يعين على النهي عن المنكر في كل ساعة كما أمر علي عليه السلام لأمير: «من الحق عليك حفظ نفسك والاحتساب على الرعية بجهدك فإن الذي يصل إليك من ذلك(أي من جانب الله) أفضل من الذي يصل بك(أي من جانب الناس).

ومن محتويات تقسيم الأعمال لقسم الإدارة والأجراء هي:

1ـ لرئيس الإدارة لوزارة البلدية أنه يمنع من المحرمات كأشياء الخمر والميسر ويدفع السراقة وقطاع الطرق، والفحشاء وينتبه كي لا تؤثر هذه في الاجتماع قط.

2ـ ولوزارة البلدية ان تراعي الذميين بالسلامة وتسلمهم عن إغارة غيرهم عليهم ويحرص على أعمالهم كي لا يوافقوا أعداء خارج البلاد.

3ـ وان وزارة الصحة تنتبه لصحة الرعاة وتحميهم من الذرات المرضية.

4ـ وان وزارة المال يوافق الرعاة بالتجارة والمعاونة ويمنع عن الربا والسحت.

5ـ وان وزارة عامة توافق للمصلحات وتبعد الناس عن الفساد والعداوة.

6ـ ووزارة الأطعمة توافق لتسهيل مطاعمهم وتمنع عن الأطعمة الرديئة.

7ـ وان الوزارة توافق على مراسلات الرعاة بالطرق السليمة وتعينهم في إرسال الأخبار وتحميل الأموال وتنقيلها إلى البلدان بالسلامة.

8ـ وان قسم الإدارة ينتبه للوزن الحق في المعاملات.

9ـ وان قسم الإدارة يدفع الظلم عن المالك على العمل ويوافق العمال بأداء حقوقهم بالقانون ويمنع التجار الفجار عن الاحتكار وجمع الأموال الضرورية لاغلاء أسعارها ويدافعهم بالشدة

ـ(303)ـ

10ـ ان ينتبه القسم لتوافق إنشاء العلوم الإسلامية بتأسيس المدارس وتوافق المعلمين والطلبة ويوافق لأئمة المساجد بأداء حقوقهم.

11ـ يدافع التعليم الردى ويعين لتربية الطفل والأمهات وتعليم الطفل وتسهيل أمورهم بحصول العلوم المهمة.

12ـ وعلاوة على ذلك أن هذا القسم ينتبه لتدافع أي معارضة الاجتماع وتوافق لأي معاونة بالرعاة لارتقائهم في كل زمان وفي كل مكان.

وينتبه كل أعضاء لأداء الواجبات كما خاطب عمر بعد حصول الخلافة: «يا أيها الناس إي والله ما أرسل إليهم عمالا لضربوا ابشاركم ولا ليأخذوا من أموالكم ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم فمن فعل به شيء من ذلك فليرفعه اليّ فوالذي نفس عمر بيده لاقضننه منه(الإسلام، سيد حوى 3: 2 ص 165).

وقال الإمام سيدنا علي كرم الله وجه: لأمير مصر مالك الأشتر «ان شرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الأثام فلا يكونن لك بطانة فانهم أعوان الأئمة واخوان الظلمة(نهج البلاغة: 53).

تعريف الخلافة أو الإمامة:

الخلافة في اللغة النيابة عن الغير والخليفة السلطان الأعظم والخلافة في الإسلام وتراد فيها الإمامة، وإمارة المؤمنين: هي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.

وسمي القائم بذلك خليفة وإماما، وأما تسميته إماما فتشبيهاً بإمام الصلوة في إتباعه والاقتداء به، وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في أمته، فيقال بإطلاق: خليفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

وخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي، في مصالحهم الأخروية

ـ(304)ـ

والدنيوية الراجعة إليها، إذا أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به. من ينصب الخليفة ويعزله.

اتفاق أهل السنة على أن نصب الخليفة فرض كفاية وان المطالب به هم أهل الحل والعقد في الأمة، وهم: زعماؤها ورؤساؤها العالمون بشريعتها ومصالحها السياسية والاجتماعية والقضائية والإدارية.

وهذه الرياسة العليا مكانتها من الحكومة الإسلامية مكانة الرياسة العليا من أية حكومة دستورية، لأن الخليفة إنّما يستمد سلطانه من الأمة الممثلة في أولى الحل والعقد، ويمتد في بقاء هذه الولاية على ثقتهم به ونظره في مصالح المسلمين ولهذا قرر علماء المسلمين ان للأُمة خلع الخليفة لسبب يوجه وان أدى ذلك إلى الفتنة احتمل أدنى المضرتين. وتختلف الخلافة عن سائر الرياسات العليا في الحكومة الدستورية في ان الخلافة الرياسة عامة في أمور الدين والدنيا.

الشروط المعتبرة في الخليفة:

اشترط العلماء شروطا فيمن يولي الخلافة نذكر ما قاله أبو الحسن الماوردي رحمه الله في «الأحكام السلطانية» وأما أهل الإمامة فالشروط المعتبرة فيهم سبعة:

أحدها: العدالة على شروطها الجامعة.

الثاني: العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام.

والثالث: سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة ما يدرك بها.

والرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض.

والخامس: الرأي المفضى إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.

والسادس: الشجاعة والجدة إلى حماية البيضة، وجهاد العدو.

ـ(305)ـ

والسابع: النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه.

وأما الشرط السابع ما ذكره الماوردي رحمه الله. فمختلف فيه ومنشأ الخلاف عدم القطع بصحة النص الوارد فيه ومعارضته للنصوص الكثيرة التي وردت بإلغاء، اعتبار الأنساب والاعتماد على الأعمال، والنعي على من دعا إلى عصبية والنسب القرشي ان كان مشروطا وخصوصاً قرب عهد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم فسببه ما كان لقبيلة قريش من المنعة والقوة التي يستعين بها الخليفة على أداء واجبه وجمع الكلمة حوله، فهو شرط زمني مآله اشتراط ان يكون الخليفة من قوم أولى عصبية غالبة، ولا اطراد الاشتراط القرشية.

يجب على الخليفة إقامة الإسلام وإقامة ميزان العدل وحماية الدين من الاعتداء والبدع والمشاورة في كل ما ليس فيه نص، هو مسئول عن عمله يراجعه كل واحد من الأمة فبما يراه اخطأ فيه، ويحاسبه عليه أهل الحل والعقد، يقول صلّى الله عليه وآله وسلم:(الإمام راع وهو مسئول عن رعيته).

ويقول سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ...﴾(سورة النساء: 58) والأمانة: كل ما يجب حفظه وتأديته إلى مستحقيه، فالمناصب العامة أمانة في عنق الإمام يجب ان يضعها في أهلها، وأموال الدولة أمانة يجب صرفها في وجوهها، وما للأفراد والجماعات من حقوق مشروعة أمانة يجب تمكينهم منها والعدل المنصوص هو: الحكم بما أنزل الله وإيصال الحق إلى مستحقه في أقرب وقت.

وطالب الولاية والإمارة الأجل الجاه والثروة لا يولى في الإسلام فقد قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لرجلين طلبا منه ان يؤمرهما.

«أننا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه(رواه البخاري).

ـ(306)ـ

الخلافة فرض أو ركن (مكانها)

ان إقامة الإمامة أو الخلافة الشرعية الصحيحة فرض أساسي من فروض الدين، بل هو الفرض الأعظم الذي يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض، لأنه كما يقول السيد الجرجاني رحمة الله عليه.

«من أهم مصالح المسلمين وأعظم مقاصد الدين».

فهذا هو مذهب أهل السنة جميعاً. والمرجئة وجمهور المعتزلة والخوارج أيضا.

وهؤلاء هم الأغلبية العظمى للأُمة فهذا الرأي إذن هو الرأي المعتمد الذي يمثل الإسلام ولم يشذ عن ذلك لو أمكن ان يتفق الناس على العدل وينفذوه ويمتنعوا عن الظلم، لما كانت هناك ضرورة لوجود أمام وان إقامة الشريعة وتنفيذ أحكامها أحب في جميع الحالات. ولأئمة ينقلون الوجوب إذن من إيجاد والإمامة إلى إقامة الشريعة.

وقرر ابن خلدون(المقدمة: الفصل السادس والعشرون) ان هذه الحالة افتراضية وانه من المستحيل عمليا أو في الواقع ان يتفق الناس جميعا على إقامة العدل وتنفيذ الأحكام الشرعية من تلقاء أنفسهم، وبدون سلطة حاكمة ـ ان من هذه الواجبات الجهاد والدفاع وحماية الوطن واستقرار الأمن، فكيف يتم كل ذلك بدون نظام؟ فكيف يكون النظام بدون قيادة أو رئاسة أو السلطة؟ هذه القيادة أو الرئاسة هي الإمامة الإسلامية الشرعية التي تكون مهمتها تنفيذ أحكام شرع الإسلام، وحماية الإسلام وأهله وأوطانه والقيام بكل الواجبات التي يأمر بها فإذا كان قد تقرر وجوب الإمامة أو الخلافة وإنها فرض أو ركن والإمامة هي الخلافة إذا كان يقصد بها الخلافة الشرعية الصحيحة، فهما لفظان متراد فإن في الفهم الفقهي أو النظري.

فما الحكم اذن على الخلافة التاريخية أي الخلافة التي أقيمت بالفعل في تاريخ الإسلام، وحكمت الأمة الإسلامية قرونا.

ـ(307)ـ

قسم القضاء

هو من أعظم الفرائض التي أهتم بها علماء المسلمين ونوهوا بجليل خطره، ووضعوا لمن يتولاه الشروط الدقيقة الخاصة، وكانوا يفرقون من تحمل مسئوليته خشية من الله، غايته إقامة العدل ورفع الخصومات وتنفيذ أحكام الشريعة وقد جاء في الكتاب المشهور الذي أرسله عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الاشعري حين ولاه القضاء بشأنه ما يأتي:

أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدى إليك، فإنه لا ينفع تلكم بحق لإنقاذ لـه، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، إلى آخر هذا الكتاب، الذي بين كثيراً من أسس القضاء العادل.

ومن فروع هذه الولاية: النظر في المظالم وهو نوع من القضاء العالي ابتكره الإسلام، تكون لـه سلطة أوسع ويمتزج بالرهبة، فيتولاه الخليفة نفسه أو كبار القضاة لأن الغاية منه ان يحاكم كبار أصحاب النفوذ في المجتمع أو الولاة أنفسهم، أو عمال الدولة، الموظفين. إذا اعتدوا على الناس(وهذا يشبه بعض اختصاصات مجلس الدولة الآن، أو المحاكم العالية التي تنشأ في ظروف خاصة، أو محاكم تؤلف للنظر في الشكاوي المتعلقة بأعماله رجال الإدارة) وهذا ما نص عليه الماوردي، بشأن اختصاص نظر المظالم، قال:

القسم الأول النظر في تعدي الولاة على الرعية، وأخذهم بالعسف في السيرة، فهذا من لوازم النظر في المظالم، فيكون لسيرة الولاة متصفحا فيكفهم ان عسفوا ويستبدل بهم ان لم ينصفوا وقال: القسم الثاني جور العمال فيما يحبونه من الأموال، فيرجع فيه إلى القوانين العادلة في دواوين الأئمة، وقال: والقسم الثالث: كتاب الدواوين لأنهم أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم ثم عقّب قائلاً: وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج

ـ(308)ـ

إلى المظالم في تصفحها إلى متظلم.

وقد قال ابن خلدون يصف طبيعة هذه الولاية: هي وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونصفة القضاء، وتحتاج إلى علويد، وعظيم رهبة، تقمع الظالم من الخصمين وتزجر المعتدي. وكان الخلفاء الأولون يباشرونها بأنفسهم إلى أيام المهتدي من بني العباس. وربما كانوا يجعلونها لقضائهم: كما فعل عمر مع قاضيه أبي إدريس الخولاني، وكما فعله المأمون ليحيى بن أكثم والمعتصم لأحمد بن أبي داود.

وان يكون القاضي ذا فكر حر كما روى الترمذي حديثاً، ان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن، قال: كيف تقضى بين الناس؟ قال أقضى بكتاب الله قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله قال اجتهد برأي قال: فضرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى به رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.

العدل:

العدل في القضاء.

أمر بالعدل في الحكم والقضاء، واعتبره نوع الله ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ...﴾(سورة النساء: 58).

وإذا كان شأن العدل في الشهادة ـ وهي إحدى طرق القضاء في بيان العدل في القضاء نفسه عن العدل وهي الأداة المهيمنة الفعالة في حفظ الحقوق وصيانتها، وهو القوة التي يلتجيء إليها الضعيف حتى يأخذ حقه والمتهم بري حتى ينصف هو السيف الذي يجرد في وجه القوى، حتى يؤخذ منه الحق، وفي وجه الباغي، حتى يعدل عن بغية.

وأكثر الفقهاء في هذا البيان حتى كاد يحكم الطبيعة البشرية التي ليس لها من سبيل

ـ(309)ـ

إلى معرفة بواطن الأمور ـ يتأثر بخداعهم وتلبيهم، فبادره الوحي من السماء في أول الحكومة الإسلامية زمان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ويكشف، حقيقة الأمر وينزل عليه فيه جملة من الآيات، جدير بكل من يتصدى للحكم بين الناس وجدير بالناس أجمعين أن يجعلوها نصب أعينهم، كلما أرادوا الحكم والقضاء ولما أرادوا أن يقتربوا من الخصوم وان يعاونوهم: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾(سورة النساء: 106).

ان الإسلام لا يعرف المجاملة ولا المحاياة في حكمه وقضائه فالأبيض والأسود والضعيف والقوي والمسلم وغير المسلم والحاكم والمحكوم، أمام حكم الله وعدله سواء.

تكون السعادة ويكون المسلم والاطمئنان في العالم بالعدل في القضاء فقط ومن الأحاديث الشريفة قولـه عليه الصلاة والسلام لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت وإذا حكمت عدلت وإذا استرحمت رحمت، وقولـه صلّى الله عليه وآله وسلم: أحب الخلق إلى الله أمام عادل وأبغضهم إليه أمام جائر.

فالعدل هو تنفيذ حكم الله: أي ان يحكم الناس، فقال ما جائت به الشرائع السماوية الحقة كما أوحى بها الله إلى أنبيائه الكرام ورسله الكرام عليهم الصلوات والسلام وكذلك هو التوبة في المعاملة والمساواة أمام القانون وقال عمر في عقب بيعته: آس بين الناس في وجهك، عدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك.

الحدود

وان قسم القضاء يقسم الحدود. وهي متعلقة بالمحافظة على الأمن والسلامة وهي تدفع الجرائم وان الجريمة أثر لفساد في نفس المجرم وان العقوبة إصلاح لـه وقاية للمجتمع من فساد. كما ارشد الله تعالى:

ـ(310)ـ

﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(سورة البقرة: 179) وان الله تبارك وتعالى أنزل أحكام الحدود لسلامة الأمم في الحكومة الإسلامية.

ـ كقتل القاتل قصاصاً.

ـ وقطع يد السارق والسارقة.

ـ عقاب الظالمين ونصر المظلومين.

ـ الرجم أو نفر البلاد بالزنا.

ـ الضرب بالسوط للمتهمين المكذبين.

وغيرها.

وان الحدود تكفر ذنب المذنب في الدنيا وان تاب غفر الله لـه، وهذه تسلم الأسرة والاجتماع عن الفساد والظلم وان الحدود هي مهمة ان تقيمها في الحكومة الإسلامية.

وان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم كان أشد في إقامة الحد من حدود الله تعالى حتى انه لم يسمع شفاعة التي شفعت لعفى السارقة وانه ارشد: اتشفع في حد من حدود الله؟

وان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم القى الحجر في الرجم أيضا كذلك ينبغي للقضاة ان يكونا متبعين لأمر الله وسنه رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.

خصوصيات الحكومة الإسلامية:

الشورى فمدح الله المؤمنين الذين اتخذوا المشورة قانونا لهم ولأعمالهم. قال الله سبحانه ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾(سورة الشورى: 38).

قرن الله في الآية نظام الشورى بالصلاة والصدقة على: الشورى بين ولاة الأمر من الأسس وان الاستبداد ليس من شأن المؤمنين، ويقول الله مخاطباً رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم: ﴿... فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...﴾(سورة آل عمران ـ 159).

ـ(311)ـ

وهذا يدل على أن الله سبحانه يريد أن تكون الحكومة الإسلامية قائمة على مبدأ الشورى، فإذا كانت الشورى واجبة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي يمتاز بكماله العقلي والروحي واتصاله بالوحي الإلهي، فهي على غيره واجب، وقد ثبت: ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم شاور أصحابه رضي الله عنهم في كثير من الشؤون التي لم ينص عليها القرآن وإنّما ترجع الشورى إلى أهل الرأي والحكمة بدليل قولـه تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ...﴾(سورة النساء: 83).

المساواة:

فقد قرر الإسلام: مساواة الناس أمام القانون، ومساواتهم في الحقوق العامة السياسية وغيرها، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، ولا لغني على فقير، ولا لوجيه على صعلوك، وبذلك قضى الإسلام على نظام الطوائف وأساليب التفرقة بين الطبقات في الحقوق والواجبات، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾( سورة الحجرات: 13).

ففي هذه الآية يدعو الناس بأصلهم الأول وهو آدم وحواء، وأنهم أن اختلفوا في الأجناس واللغات والألوان فإن تلك الخلافات لا تزيل عنهم صفة الاخوة، توجب عليهم ان يتعارفون والتعارف يدعو إلى التآلف والتوادد والتعاون على تذليل عقبات الحياة.

ويقول النبي في الدعوة إلى المساواة في حجة الوداع، «أيها الناس: ليس لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود فضلاً إلا بالتقوى»(رواه احمد).

هذا هو مبدأ المساواة الذي ولد قبل أربعة عشر قرنا على يد الإسلام في بلاد

ـ(312)ـ

العرب التي كانت تعود أشد تباهيا بالأنساب.

العدالة:

من المثل العليا في الإسلام تكليف متبعيه بأن يكونوا قائمين بالعدل بين الناس مع صرف النظر عن جميع الاعتبارات التي تحد من سلطانه، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾(سورة النساء: 135).

ففي الآية الأولى. أمر الله تعالى المؤمنين أن يكونوا مبالغين في تحرى العدل، وان يكونوا شهداء بالحق مطلقاً لوجه الله لا لغرض دنيوي ولو كانت هذه الشهادة على أنفسهم أو على والديهم وأقرب الناس إليهم، أن يكن المشهود عليه غنيا يرجى خيره ويخش بأسه، أو كان فقيراً يشفق عليه ويترحم، فلا تمتنعوا عن الشهادة على الغنى طلبا لرضاه أو على الفقير شفقة عليه، فإن الله أولى بهما وأعلم بمصالحهما، فعليكم ان تراعوا أمر الله، وتقوموا بالشهادة عليهم بما عندكم، وان الهوى هو الذي يميل بالنفس عن الحق فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا، وان تتولوا عن إقامة العدل أو تعرضوا على إقامته فإن الله مطلع على ذلك فيجازيك عليه.

ويبين الله ما بعث الرسول لأجله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾(سورة الحديد: 25).

فهذه الآية بينت ان الله أراد بإرسال الرسل إقامة العدالة الاجتماعية على أساس ما أنزله عليهم من الكتب المتضمنة للأحكام وشرائع الدين، وأمرهم به من استعمال الميزان، لأن به يتميز الحق من الباطل، وبه يحصل الناس على حقوقهم، هذه مبادئ القرآن لإقرار العدالة في الأرض، والتي يظهر لك من معناها وروحها بأنها ليست من كلام بشر بل من كلام الله للناس ما يسعدهم ويهديهم إلى السلام والطمأنينة في حياتهم.

ـ(313)ـ

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وإذا كان الإسلام قرر مبدأ الشورى، فنراه من جهة أخرى أوجب أن يكون في الحكومة الإسلامية جماعة من أولي الحل والعقد يمثلون الأمة ينوبون عنها ويراقبون سياستها ونظم حكمها، وهذه الجماعة هي التي قصدها الله سبحانه بقوله: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(سورة آل عمران: 104).

فهؤلاء الأمة وظيفتهم الاشراف على الحكام ليكونوا مرجعا لهم في تشريعهم، وليكونوا دعاة إلى الخير وناهين عن المنكر وناصحين للرعية.

وان الله وعد المؤمنين الذين يقومون بهذا الواجب بالرحمة وهي رعايته وتوفيقه لهم، وقال تعالى:

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(سورة التوبة 71) ويبين الله أهمية الأمر بالمعروف بقوله: ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾(سورة العصر:1 ـ3).

وللنبي صلّى الله عليه وآله وسلم وصايا هذا كمال قال صلّى الله عليه وآله وسلم(الدين النصيحة، فسأله أصحابه لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).

ويقول صلّى الله عليه وآله وسلم(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان)(رواه البخاري).

بهذا الأصل سعى الإسلام إلى تكريس رأي عام موحد نحو غاية سامية يستأصل

ـ(314)ـ

شافة الفساد إن وجد ولا يسكت عنه، وليس أضر على شعب من مجاهرة بعض أفراده بالاعتداء على حرمات الدين والدولة والحقوق العامة ثم لا يحرك أحد ساكنا للإنكار عليهم وإلزامهم الإقلاع عماهم فيه.

الفرق بين الحكومة الإسلامية وغيرها

نعود بعد ذلك لنبين أوجه الخلاف بين الحكومة الإسلامية والحكومة الديمقراطية وهي وجوه ذات أهمية كبرى، فبعد معرفتها يظهر أنه يكون من الخطأ الكبير ان يظن أنهما شيء واحد. أو ان نظاميها متطابقان، مع أن هناك فوارق عديدة إلا أنا نقتصر على أهمها:

فأهم الفوارق أذن بين الديمقراطية والإسلام هي الأمور الثلاثة التالية: الأمر الأول: ان المراد بكلمة شعب أو أمة في الديمقراطية الحديثة كما هي معروفة في علم الغرب، أنه شعب محصور في حدود جغرافية يعيش في إقليم واحد. تجمع بين أفراده روابط من الدم والجنس واللغة والعادات المشتركة: أي ان الديمقراطية مقترنة لا محالة بفكرة القومية أو العنصرية، وتسايرها نزعة التعصب أو العصبية، وكذلك الإسلام، فالأمة عنده أصلا ليست هي التي تربط بينها وحدة المكان، أو الدم، أو اللغة.

فهو رابطه صناعية أو عارضة أو ثانوية، ولكن الرابطة أصلا ـ هي الوحدة في العقيدة: أي في الفكرة والوجدان ـ كل من اعتنق فكرة الإسلام من أي جنس أو لون أو وطن فهو عضو في الحكومة الإسلامية فنظرة الإسلام إنسانية، وافقها عالمي، وان كان هذا لا يمنع بل ان ذلك قد يكون ضروريا تحقيقا للصالح العالم، ويكون إذن واجبا شرعياً. ان يوجد في داخل تلك الدائرة العامة دوائر خاصة: إقليمية أو قومية، من أجل التنظيم، أو تحقيق أغراض وطنية أو محلية، لا تتعارض مع الأغراض، وإذا وجدت الروابط الأخرى: وهي وحدة الوطن والأصل واللغة وغيرها، إلى جانب الرابطة الأساسية وهي وحدة العقيدة، كان هذا أقوى تأكيدا لوجود الأمة وظهور الدولة ودليل

ـ(315)ـ

ما تقدم أي عمومية الرسالة.

قولـه تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا....﴾(سورة سبأ: 28) وكذلك ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا....﴾(سورة الأعراف: 158).

وقولـه تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(سورة الأنبياء: 107).

الأمر الثاني: أن أهداف الديمقراطية الغربية الحديثة أو أي ديمقراطية كانت في الأزمنة القديمة ـ هي أغراض دنيوية أو مادية. فهي ترمي إلى تحقيق سعادة أمة أو شعب بعينة، من حيث تحقيق مطالبها في هذه الحياة الدنيا ترمي إلى إنّما الشر، أو رفع الأجر مثلا، أو كسب حربي(ولكن أغراض الحكومة الإسلامية) أن صح هذا التعبير، تشمل مثل هذه الأغراض في الدنيا وتعطيها ما يجب لها من أهمية، مع أبعاد فكرة التحيز القومي. تجمع إلى جانبها أغراض روحية، بل أن الأغراض الروحية وهي الأولى وهي الأساس، وهي الأسمى، قال ابن خلدون: في تعريف الإمامة. إنها لتحقيق مصالح الناس الأخروية والدنيوية الراجعة إليها. إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة:

فالحكومة الإسلامية يجب أن تنظر في أعمالها إلى الآخرة على أنها الغاية وتقوم بكل أعمال الخير التي يأمر بها الدين والتي تؤدي إلى رضوان الله تعالى، وتحقيق المطالب الروحية للإنسان، كما أنها تجعل الدين أو القانون الأخلاقي المقياس الذي تقيس منه بأعمالها، والتي تصرفتها.

الأمر الثالث: ان سلطة الأمة في الديمقراطية الغربية مطلقة فالأمة حقا وعلى الإطلاق هي صاحبة السيادة، هي ـ أو بالمجلس الذي تنتخبه ـ التي تضع القانون أو تلغيه، والقرارات التي يصدرها هذا المجلس تصبح قانونا واجب النفاذ وتجب لـه الطاعة.

ولكن في الإسلام ليست سلطة الأمة مطلقة بكذا، وإنّما هي مقيدة بالشريعة: بدين

ـ(316)ـ

 

الله، الدين الذي اعتنقه والتزم به كل فرد منها، فهي لا تستطيع ان تتصرف إلا في حدود هذا القانون، وهذا القانون هو الذي يحتويه الكتاب والسنة، وإذا كان قد اعترف بأن إدارة الأمة الكلية أحد مصادر القانون، فالمهم ان هذه الإدارة تعتمد على ما جاء في الكتاب والسنة أيضا في صورة ما، وقد خولت هذا الحق نفسه بمقتض أمر منهما وان كان فرض ان من خصائص إرادة هذه الأمة انها لن تحيد عن الحق، أي لن تنحرف عن المنهج الذي رسمه هذا، المصدران، فالأمة في الإسلام ـ أو إذا شئت في الديمقراطية الإسلامية ملتزمة بالقانون الأخلاقي، ومقيدة بمبادئه، وقد فرض الدين عليها واجبات وكلفها بمسئوليات.

الحكومة الإسلامية:

هذه ـ إذن هي الفرق بين الديمقراطية والنظام الإسلامي وهنا نستطيع ان نجيب على السؤال الذي طال انتظاره لنا، والذي طلبنا الإجابة عليه(في بداية البحث) وما كان يمكن الإجابة عليه قبل الآن وهو: أين أذن مقر السيادة، أو من هو صاحب السيادة، بالمعنى الدستوري الحديث في الحكومة الإسلامية؟

فمادمنا قد أثبتنا ان الإسلام لا يتطابق مع أي من النظم السابقة التي عددناها، فليس الحاكم أذن هو صاحب السيادة، لأن الإسلام ليس أو توقراطية ولا رجال الدين أو الإلهة لأنه ليس نوموقراطية ولا الأمة وحدها، لأنه ليس ديمقراطية بهذا المعنى الضيق وإنّما الجواب الصحيح ان السيادة فيه مزدوجة: وهما أمران مجتمعين، ينبغي ان يظلا متلازمين، ولا يتصور قيام الدولة وبقاؤها إلا بوجود هذا التلازم، هذان الأمران هما(1) الأمة(2) القانون أو شريعة الإسلام فلأمة والشريعة معا هما صاحبا السيادة في الحكومة الإسلامية.

فالحكومة الإسلامية إذن على هذه الصورة نظام فريد خاص بالإسلام، لا يصح القول بأنه يتطابق مع أي من النظم المعروفة، ولذا فإنه ينبغي ان يوضع لها اصطلاح

ـ(317)ـ

خاص، تسمى باسم يمثل حقيقتها. وما دام مثل هذا الاسم لم يوضع، أو لم يهتد إليه بعد، فيكتفي الآن بأن يشار إليها بصفة مجملة، على أنها النظام الإسلامي.

أوصاف الإمام:

1ـ ان يكون مؤمنا مخلصا كما ارشد الله تعالى: ﴿... وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾(سورة النساء: 141).

2ـ أن يكون مستحقا لأداء الواجبات. كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لا تصلح الأمانة إلا لرجل فيه ثلاث خصال.

1ـ ورع يحجزه عن معاصي الله.

2ـ وحلم يملك به غضبه.

3ـ وحسن الولاية على من يلي حتى يكون كالوالد.

قال تعالى في بيانه:

ان خير من استأجرت القوي الأمين(القصاص)

ان يكون اقدم الناس في الحذاقة والفراسة.

4ـ ان يكون عادلا ومنصفا.

كما روى في الحديث: ان المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلت بيديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا(أخرجه مسلم).

5 ـ ان يكدن رجلاً وليس امرأة :

كما ارشد الله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ...﴾(سورة النساء: 34).

كما ارشد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: إذا كان أمرائكم شراركم وأغنياءكم بخلائكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهورها(الترمذي).

6ـ ان يكون عالما للأحكام الشرعية وقوانينها.

ـ(318)ـ

7ـ ان يكون حرا الذي يدعو الناس إلى الحرية بعبادة الله تعالى.

كما ارشد الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ﴾.

8ـ ان يكون متقيا مكرما وان يكون مبعدا عن الطمع الهالك.

كما ارشد الله تعالى: ﴿... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...﴾(سورة الحجرات: 13).

قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: أنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرض عليه.

واجبات الإمام:

ان يطيع الله ورسوله ولا يخالف أمر الدين قط ويؤدي الامانات ويقيم عدل كما وغيرها كما نرى قولـه تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾(سورة الحج: 41).

﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾(سورة النساء: 58).

أمر الله لداود عليه السلام:

أنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق(ص 26) وقال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ... ﴾(سورة الحديد: 25).

وقام أبو بكر الصديق بعد قبول أمر الخلافة خطيباً، أن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقصوني، قال: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عليه عصيت فلا طاعة لي عليكم(البخاري عن عائشة).

وقال علي عليه السلام: أنكم مسئولون حتى عن البقاء والبهائم وأمر علي عليه السلام الأمر ان عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة وأنت مسترعى بما فوقك

ـ(319)ـ

ليس لك ان تفانات في رعية وقال أيضاً: الإمام علي عليه السلام عنه(نهج البلاغة الرسالة رقم 5).

حق على الإمام ان يحكم بما أنزل الله وان يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الناس ان يسمعوا لـه وان يطيعوه وان يجيبوه إذا دعوا.

الدعوة إلى احترام العمران وعدم الفساد:

ان الإسلام حذر عن الفساد في الحكومة بعبارات مؤثرة وألوان من البيان، فاقتلع جذور هذه الرذيلة من قلوب أهله. وأحل محلها إنسانية لا تعدو عليها الاعتبارات العدائية.

اعتبر الله الفساد من الجنايات الاجتماعية، وحذر منه في آيات كثيرة، فقال تشنيعا على المفسد:

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قولـه فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾(سورة البقرة 204 ـ 206).

وحذر الله المسلمين من معاملة الشعوب بالقسوة، والجبروت وتخريب العامر من مدنهم، لأن هذه تقضي بهم إلى عدم النجاح في شئونهم الخاصة، ويعرف الذين درسوا تاريخ الأمم، بأن أكثر ما آتاها الانحلال من الشعوب التي كانت في حوزتها والتي سأمتها سوء العذاب.

فقد أوجز الله تعالى هذا الأصل في قولـه: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾(سورة الأنبياء: 105).

والمعنى: ولقد كتبنا في الزبور من بعد التوراة إن الأرض يرثها عبادي الصالحون لعمارتها وتيسير أسباب الحياة الطيبة

ـ(320)ـ

ومن العجب ان يكون هذا الأمر محلا للشك أو يكون مما يخفي على العاقلين من الناس قال الله تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾(سورة ص: 28).

ومما شدد الله التحذير منه هو: إفساد مأتم اصلاحة في العالم: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾(سورة الأعراف: 56)

وزاد التنبيه ـ بعدم الفساد في الأرض ـ قوة بأن جعل النجاة في الآخرة وقفا على المتأدبين بهذا الأدب الإلهي وهو عدم الفساد، قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾(سورة القصص: 83).

ان هذه الوصايا الداعية إلى احترام العمران وعدم الفساد في الأرض صادرة من بلاد العرب إلى العالم كله، وفي هذا دلائل أيضاً على ان الإسلام هو الدين العالمي الذي يسع الناس جميعاً.

واجبات الرعاة في الحكومة الإسلامية(الف).

1ـ ان يطيع الرعاة أميرهم في الأمور الخيرية.

قولـه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ...﴾(سورة النساء: 59) وقال عبادة بن الصامت .

بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وان لا ننازع الأمر أهله إلا ان تروا كفرا بواحاً عندكم فيه من الله برهان.

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ـ(321)ـ

وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة(بخاري ومسلم) وقال الله تعالى ﴿... وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾(سورة الدهر: 24) النبي صلّى الله عليه وآله وسلم اسمعوا أو أطيعوا وان استعمل وان استعمل عليكم عبد حبشي كان رأسه زوبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى(البخاري).

2ـ ان يعينوا في أمور خيرية:

كما أمر الله تعالى وقال: ﴿... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...﴾(سورة المائدة: 2).

3ـ ان يمنوا ارتقاء الحكومة ويعملوا بموافقاتها.

4ـ ان يشتركوا في المعاونة والحماية.

كما ارشد الله تعالى: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(سورة التوبة: 41).

وقال تعالى: ﴿... وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(سورة الأعراف: 85).

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(سورة المائدة: 33).

حقوق الرعاة في الحكومة الإسلامية(ب)

1ـ ان تسلم أموالهم وأعراضهم وأنفسهم كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم:

فذلك المسلم الذي لـه ذمة الله ورسوله فلا تحفر الله في ذمته(البخاري).

وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه(مسلم).

وقال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ...﴾(سورة الإسراء: 33).

ـ(322)ـ

وقال الإمام أبو يوسف رحمه الله عليه وليس للإمام ان يخرج شيئاً من أحد إلا بحق ثابت معروف.

2ـ ان لا تهلك حريته النفسية الفردية:

كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(سورة النور: 27). وقال تعالى ﴿... وَلَا تَجَسَّسُوا...﴾(سورة الحجرات: 12).

وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى...﴾(سورة فاطر: 18).

3ـ ان تسهل أمورهم ولا تشدد عليهم في المعيشة ولو كانوا غير المسلم: كما قال الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...﴾(سورة البقرة: 256).

وقال تعالى: ﴿... أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ...﴾(سورة يونس: 99).

وقال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ....﴾(سورة العنكبوت: 46).

وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ...﴾(سورة الأنعام: 108).

وقال علي كرم الله وجهه للخوارج.

لا نبدأكم بقتال ما لم تحدثوا فساداً.

4ـ ان تحسب كلهم ساوسيتاً في الحكم من غير ميل للغني أو القوي.

5ـ ان تحكم بين متنازعين بالسهلة غير إدعاء النفقة.

6ـ ان تأمن في المعيشة والجلسة أمنا تاما.

7ـ ان يستحقوا المنح والنقد على إساءة الحكومة وإيرادها.

8ـ ان تشهد الأمور في تسليم أحوالهم الاقتصادية.

ما ارشد الله تعالى للأغنياء: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾(سورة الذاريات: 19).

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ

ـ(323)ـ

وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(سورة التوبة: 60).

وقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في أموال الزكوة: توخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم(بخاري ومسلم).

حقوق غير المسلم في الحكومة الإسلامية:

ان الرعاة الذين لم يعدوا من المسلمين أنهم يقسمون بنوعين وهما:

1ـ أهل النوى: الذين حملوا الصلاح على المسلمين وحكومتهم فغلبوا وأطاعوا بعد ذلك أحكام الحكومة وهم أهل النوى.

2ـ أهل الصلح... هم الذين صلحوا المسلمين غير جمال الصلاح. وقيل في اصطلاح الحكومة الإسلامية أن كل أهل النوى والصلح ذمي، أو كمعاهد.

وحقوقهم

1ـ ان تسلم أنفسهم وأموالهم.

2ـ ان يستطيعوا أتباع دينهم.

3ـ ان يستحقوا الإقامة بالحرية الإنسانية.

4ـ ان يعاونوا في شدائدهم.

5ـ ان يملك أهل الصلح في أرض الحكومة.

خطوط عدم الحكومة الإسلامية في العالم:

ان الإسلام هو دين السلام وأنه يسلم في كل من أسلم أن أسلم الإنسان بسلمه الإسلام عن المضرات الدنيوية والأخروية وكذلك ان تحكم الحكومة بأحكام الإسلام تسلمها عن المفسدات السياسية وتنظمها بالحفاظات القوية ولكنا ان نرى في العالم المعاصر نرى في ممالكها ودولها إفساد جارية من الطبقة العالية إلى الطبقة السفلي من أقوى البلدان إلى أضعفها وليست الإسلامية فيها ولم؟ وسببها المهمة أبعاد الناس عن

ـ(324)ـ

الأحكام الإسلامية من جانب حياته الشخصية إلى الحكومة السياسية ومن الرعاة إلى الحكماء كلهم كمرض السيلان بجرى الفساد.

ولكن الإسلام حرم الفساد في الأرض.

كما قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا...﴾(سورة الأعراف 56 و85).

ونرى في العالم ان أمريكا قد صارت كأنها رئيسة الحكومات، ولكن في أميركا أنواع القتل منتشرة والمفسدة جارية وكثيرة من كل بلدان العالم وإنها أراد إصلاح العالم بإغارة وإعانة الإغارة كما ظلموا أهل فلسطين بإسرائيل ظلما وان المسلمين لم يجتمعوا في رابطة واحدة متبعين بقول الله واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.

فهذه فرصة ذهبية لأعداء الإسلام والمسلمين وصار المسلمون مظلومين كما يظلم عليهم في بوسنة وشيشان وفلسطين وكشمير وأركان وعبرها وأهم أسباب هذا الظلم تفرق المسلمين وبعدهم عن إقامة الحكومة الإسلامية وعدم قوتهم على دفع إغارة الكفار والمخالفين.

ومن ناحية أخرى أن دستور الدول ليس لواحد بل صنع رؤساء البلدان بإرادتهم حتى بدل بعضهم دستور بعض بعد زمان. كما بدل دستور السوسوليجم في روسيا ومن بلدان أخرى لإنفاذ حاجته، ولكن دستور الحكومة الإسلامية حكم الله القرآن وتفسيره السنة الإجماع والقياس وهذا دستور دائم وأمر قائم لكل الحكومة الإسلامية.

نتائج الحكومة الإسلامية الشعبية الحديثة في إيران:

ان إقامة الحكومة الإسلامية الشعبية في إيران بعد سنة 1979، بقيادة الإمام الخميني رحمه الله هي أهم أسباب حصول نتائج وافره في العالم الإسلامي، وان إيران قد قامت بثورات كافية وقوات موجودة وشهرت في العالم كلها باعتبارها بلد الإسلام.

وان إيران قد ارتقت إلى دار الفلاح في كل شئون السياسة وصارت قوية على

ـ(325)ـ

الدفاع مقابل إغارة خارجية وإقامة تعاليم الإسلام الكاملة في الأمور الإدارية كلها كما نرى نتائجها في ثورة إيران الجديدة.

ولم تقم هذه السلامة بيوم بدأ بعد إنقاذ النفوس بالشهادات، كما استشهد كثير من الحكماء والزعماء والعلماء لإقامة الحكومة الإسلامية والدفاع قوانين الحكومة الضالة وحصل أهلها الفلاح الوافر وهذا فتح كل رعاة إيران وعضوها حتى أقامت إيران قوانين مهمة وانتشرت ثقافتها في إنحاء العالم ودولها وأقيمت ههنا حقوق المرآة وعمل مع الرجال بالحجاب التام الأحكام الإسلامية وارتقت إيران في الصناعة والتكنولوجية حتى حدثت منها طائرات حربية وأسلحة ذرية وهذه سبب خوف أميركا وإسرائيل أيضا ولكن امكارهما قد ضلت بفضل الله تعالى بل عجز الأعداء عن إيقاع العداوة في هذه الحكومة الإسلامية الشعبية.

فنرجوا ان يرغب مسلمو العالم بهذه الحكومة الإسلامية وان يقيموا في بلدانهم قوانين إلهية ضد قوانين نصرانية ويسلموا أنفسهم وأموالهم بإقامة الحكومة الإسلامية.

في الجملة نحن نقول إيران الإسلامي في هذا المد.

أم القرى للإسلام والمسلمين ندعوا الله سبحانه وتعالى ان يوفق قيادته في العالم الإسلامي.

في السياسة والقيادة.

الخاتمة:

فيظهر فينا ان الحكومة الإسلامية هي الحكومة الخاصة التي تحكم بحكم الله وان التوحيد أهم أسسها وان الشرعية الإسلامية هي أهم أصولها وإطاعة أمر الله يديم وجودها، فنفهم إنها هي منيبتة السلامة في العالم والحكومة الإسلامية مهمة في عصرنا الجاري ويمكن حصول السلامة من الحياة الشخصية والاسرتية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدولية بإقامة الحكومة الإسلامية فقط فنرجو الله تبارك

ـ(326)ـ

تعالى ان يوفق لنا أداء واجباتنا لإقامة الحكومة الإسلامية وإطاعة أمر الله تعالى في كل شئون حياتنا كي نفلح في الدنيا والآخرة.

والله الموفق والمعين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

المراجع

القرآن الكرمي

نهج البلاغة للإمام سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام.

الجامع الصحيح للإمام البخاري.

الجامع للترمذي.

الصحيح لمسلم.

سنن أبي داود.

سن ابن ماجة.

سنن النسائي.

كتاب الخراج للإمام أبي يوسف.

الكشاف حقائق التنزيل ـ للزمخشري.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي.

أحكام القرى، للجصاص.

مفاتيح الغيب للإمام الرازي.

المقدمة لابن خلدون.

عقائد النسفي ـ احمد النسفي

حجة الله البالغة للشاه ولي الله المحدث الدهلوى رحمه الله النظريات السياسية الإسلامية الدكتور محمد ضياء الدين

الإسلام الأستاذ عبد القادر عوده

روح الدين الإسلامي عفيف عبد الفتاح طباره