عقبات وهزات أمام الوحدة الإسلامية يجب إزالتها
عقبات وهزات أمام الوحدة الإسلامية يجب إزالتها
الطيب عبد الرحيم الفلاتي
أستاذ جامعي ومدير معهد الإمام الهادي ـ السودان
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وأما بعد
فمساهمتي في مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي يعتبر من أهم الملتقيات لعلاج قضايا معاصرة مهمة تهم مسلمي اليوم وغدا وأنا أحدهم، وستكون مساهمتي بموضوع ارتضيت لـه عنوان:(هزات وعقبات أمام الوحدة الإسلامية يجب أزالتها).
فالهزات والعقبات كثيرة قد يتطرق لها اخوتي المؤتمرون ولكن حددت بعضها في التالي:
1 ـ التآمر العالمي في استغلال وتعميق الخلافات المذهبية والفكرية والسياسية بين المسلمين.
2 ـ قيادات جاهلة أو غير ورعة تهيمن على رقاب المجتمعات المسلمة.
3 ـ علماء فقراء أو غير ورعين يساهمون في تعميق ارتباك المسلمين.
4 ـ ربكة في مفهوم مقاصد الإسلام ساهمت في زعزعة وحدة المسلمين.
5 ـ ربكة في مفهوم معنى الحديث(تفترق أمتي) ساهمت في أضعاف مسيرة
ـ(612)ـ
الوحدة الإسلامية.
6 ـ ربكة في مفهوم القومية والقوميات وفهم الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى...﴾ ساهمت في فتح أبواب فتن المستشرقين وعملاء قوى الاستكبار لاضعاف تماسك المسلمين.
7 ـ ربكة في مفهوم معنى أهل السنة ومن هم أهل السنة؟، ساهمت في تعميق الخلافات بين الشيعة والسنة والمذاهب الأخرى.
8 ـ ربكة في مفهوم نتائج الأركان الإسلامية الخمسة والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
9 ـ ربكة في مفهوم المهدي والمهدية ومدى حاجة الناس لهذا المبدأ في القرن العشرين والقرون التي تليها، الربكة التي ساهمت في فتح أبواب يدخل منها الشريرون لإضعاف معنويات المسلمين.
10 ـ وسأعالج في ورقتي هذه حلول هذه العقبات والهزات.
11 ـ الختام.
12 ـ اقتراحات للمؤتمرين.
تفاصيل الهزات والعقبات
1 ـ عقبة التآمر العالمي ضد وحدة المسلمين:
فقد بدأت قوى الاستكبار تآمرها عبر تاريخ البشرية بدءاً بأبي البشر آدم عليه السلام والى خاتم الأنبياء والرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلم الذي قاومته القوى العالمية متمثلة في كفار قريش مقاومة شرسة دامت 23 سنة بقيادة أبي جهل وأبي لهب ومن معهم، مستخدمين كل وسائل أضعاف وحدة المسلمين وقوتهم آنذاك، بالضغط والتعذيب والتشريد والمقاطعة والتشويه والتخزيل ضد كل المستضعفين في صورة بلال وسمية
ـ(613)ـ
وغيرهما رضوان الله عليهم وسلامه.
ثم انتقلت الصراعات إلى المعارك الميدانية بدءا بالسرايا والغزوات، بما في ذلك المؤامرات اليهودية والوثنية والنصرانية متمثلة في غزوات بني النضير وبني قريظة والتخاذل والتآمر في غزوة الخندق، والحديبية وخيبر ومؤته وتبوك، وما جرى من اتفاقات ومراسلات بنوايا صادقة من أمة الإسلام وسوء نوايا أعداء الإسلام ما عدا النجاشي.
ولحكمة الله سبحانه وتعالى ان المحن تزيد المسلمين قوة. لقولـه سبحانه وتعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾(1).
كلما تآمر المتآمرون كلما زاد المسلمين منعة، ولكن هذا لم يمنع المتآمرين من الاستمرار في تآمرهم.. ﴿...وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾(2).
فقد وقفوا بل وشجعوا حركة الردة في الجزيرة العربية عقب انتقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى:(الردة التي ظهر فيها مسيلمة الكذاب) الذي شاركه أهل الكتاب من العرب الذين اعتنقوا اليهودية والنصرانية.
ـ وطليحة الاسدي الذي كان كاهنا واجتمعت عليه قطفان وهو ازن وطئ.
ـ وسجاح التي كانت راسخة في النصرانية أخذتها من خوالها نصارى تغلب.
ـ والأسود العنسي الذي دعمه يهود اليمن وغيرهم.
الحق المسلمون بهم الهزيمة النكراء وعلى الرغم من ذلك فقد تمادى المتآمرون في التآمر، وفي هذه المرة اتخذ التآمر حجما وخطا طابعة التصفيات الجسدية ظنا منهم بأن اغتيال القيادات المؤمنة تنهي الإسلام والمسلمين أو على الأقل تضعفهم استعدادا للضربة القاضية، فقاموا باغتيال:
ـ الخليفة الأول عمر بن الخطاب الذي اشترك في اغتياله عميل قوى
ـ(614)ـ
الاستكبار ابن سبأ. ونفذ المؤامرة فيروز الملقب(بأبي لؤلؤة).
ـ ودبروا اغتيال عثمان بن عفان.
ـ وأخيرا دبروا اغتيال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
ـ وفي رواية ان الخليفة الأول أبو بكر الصديق قد مات مسموما.
ـ وشارك المتآمرون في إثارة الفتن بين قادة المسلمين وظهر ذلك في معركة صفين والجمل؛ الفتنة المذهبية والفكرية، واستراتيجياتها وتكتيكاتها، وخططها، التي سماها أخيرا المتكلمون بالعقائد. فجعلوا من الفروع أصولا ومن الأصول فروعا مما زاد في ربكة المسلمين فأمرضتهم ولكنهم لم يموتوا ولن يموتوا.
وامتد التآمر على المسلمين في العهد الأموي(40-132) والعهد العباسي الأول والثاني (132 هـ 656 هـ) لوقف تقدم المسلمين. وقد ظهرت في العهد العباسي الأول والثاني العديد من الدويلات الإسلامية داخل جسم الدولة العباسية، ساعدت في فتح أبواب ينفذ منها المتآمرون مستفيدين من الخلافات المذهبية، إلا أن آمالهم قد خيبت، لقيام شعوب وقيادات تلك الدويلات بمقاومة ميدانية، فألحقت بقوى الاستكبار العالمي هزائم كانت حاسمة، أضعفت فعالية مخططاتهم.
واهم هذه الدول:
ـ دولة الفاطميين التي امتدت حدودها إلى اليمن والبحرين والسند ومصر والمغرب، وتولى هذه الدولة 14 خليفة تفاوتت شخصياتهم بين الضعف والقوة.
ـ ودولة الزيدية بصنعاء (656-666 هـ) والأندلس (71 م - 1502 م) والدولة المملوكية عام (655 ـ 658 ) التي لعبت دورا بارزا في ترسيخ دعائم الدولة الإسلامية وصدالتتار والصليبيين ودحرهم.
ـ والدولة الأيوبية إذا جاز لي إعطاءها هذا الاسم. وغيرها وقد ظهرت قوة مسلمة أخرى لعبت أدوارا قوية إلا وهي: القوة التركية، وذلك في عهدي المتوكل والمعتصم من خلفاء العهد العباسي الثاني.
ـ(615)ـ
ـ وكذلك دولة بني بويهي والسلاجقة الذين مدوا نفوذهم إلى الصين شرقا والشام غربا واليمن جنوبا وغيرها.
فاجتمع الصليبيون وقرروا وقف هذا المد الإسلامي وذلك باستخدام القوة العسكرية واشتركت في هذه القوة إحدى عشر دولة أوروبية وصل عدد حملاتها إلى سبع حملات وكان أولها عام 1096 واستمرت قرابة القرنين من الزمان بقيادة قادة وملوك ورؤساء في الغرب الأوروبي فقتل منهم من قتل وأسر منهم من أسر.
ومن الأسرى كان سلتين الثاني عام 1150 م الذي ظل في الأسر لمدة تسع سنوات وريتشارد قلب الأسد. ومن الذين قتلوا بلدوين الثالث ملك بيت المقدس وروجرز قائد الصليبيين في دمشق.
ـ ولكن من هم الذين قادوا المقاومة؟
فقد قادها رؤساء الدويلات الصغيرة التي ظهرت في جسم الدولة العباسية فمثلا ساهم الفاطميون في تعطيل وإفشال أهداف العديد من الحملات.
ـ وساهم الأتراك بقيادة إيغازي التركماني في إفشال العديد من الحملات.
ـ وساهم الأيوبيون بقيادة زنكي الكردي عام 1135 في تعطيل مسار الصليبيين.
وواصل المقاومة أسد الدين شيركوا وابن أخيه صلاح الدين، وواصل صلاح الدين مقاومة وحملات عنيفة من قبل الصليبيين انتصر عليهم بمساعدة نور الدين الذي كان يقاتل ببسالة من جهة سوريا واستمر صلاح الدين في حربه ضد أعداء الإسلام إلى ان ألحق بهم الهزيمة في بيت المقدس.
وبعد وفاته عام 1193 م واصل المسلمون بالتعاون مع الأيوبيين المعارك على الرغم من ظهور بعض الاختلافات بين أبناء صلاح الدين وقادة جيوشه واستمرت هذه الخلافات إلى وصول التتار إلى ديار المسلمين؛ الفترة التي ظهر فيها الظاهر بيبرس
ـ(616)ـ
المملوكي الذي قاد المعركة الفاصلة بين جيوشه وجيوش التتار والحق بهم الهزيمة الفادحة.
فأجتمع الصليبيون مرة أخرى لمعرفة أسباب انتصارات المسلمين المستمرة على الرغم من ضعف عتادهم وعددهم في كثير من المعارك فتوصلوا إلى الأسباب التالية:
1 ـ ان المسلمين ينتصرون لتوفر فيهم عناصر:
أ ـ حب القيادة.
ب ـ حب الشهادة والاستشهاد.
ج ـ حب الإبداع والتجديد.
وبناء على ما توصلوا لـه من أسباب فقد غيروا خططهم وأساليبهم العسكرية متخذين وسائل فكرية وخلقية مع كل من يعمل لإضعاف وحدة المسلمين.
فراحوا يتعاونون مع اليهود بمنظماتهم السرية والوثنية واليسارية، ولكن ماذا يفعلون وللمسلمين خلافة إسلامية ترعاهم وترعى وحدتهم؟
إذا لابد من أضعافها استعدادا للقضاء عليها، ومن ثم القضاء على المسلمين، وجهلا منهم بأن إزالة الدولة لا تنهي الإسلام، بل قد تزيده انتشارا، ثم يعود أقوى مما كان عليه من قبل عملا بقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم:(بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء).
أي بدأ الإسلام غريبا بين مجتمع مكة وانطلق قويا وغطى العالم وسيعود غريبا كما انطلق أولا وستكون هذه المرة أقوى من سابقها.
فماذا فعل اليهود بالتعاون مع الصليبيين لإضعاف الخلافة الإسلامية في تركيا؟
فقد قرروا أضعافها مستخدمين وسيلة التسلل الخفي للوصول إلى قصر الخليفة فاخترقوا قصر الخليفة سليمان بتزويجه روكزيلات اليهودية الأصل وذلك في القرن الحادي عشر، فقامت هي بتزويج ابنتها(مهرماه) من اللقيط الكرواتي(رستم باشا) ثم
ـ(617)ـ
تمكنت من اغتيال إبراهيم باشا رئيس وزراء تركيا آنذاك وتنصيب صهرها رستم الكرواتي.
ثم قتلت ولي العهد مصطفى سليمان من زوجته الأولى بحجة أنه كان يرمي للإطاحة بوالده. ثم حصلت على اذن الخليفة سليمان بالسماح ليهود روسيا وأسبانيا بالهجرة إلى بلاد المسلمين. والمسلمون في غفلة عن خطط أعدائهم ومن ثم بدأ التسلل الخفي.
أما من الغرب فقد بدأ الهجوم على أطراف الخلافة، وذلك بغزو المغرب والجزائر وتونس والصومال وليبيا ومصر والسودان وغيرها من بلدان المسلمين.
وحركوا النعرات العنصرية والنزاعات بين السنة والشيعة في كل مكان بالتعاون مع العلماء غير الورعين.
وعقد ريفال اجتماعا، استهدف تمزيق الخلافة الإسلامية في تركيا، وذلك عقب اجتماع سياسي ضم ملك بريطانيا إدوارد السابع وملك روسيا نيقولا الثاني وإمبراطور ألمانيا كايرز، وإمبراطور النمسا والمجر وملك إيطاليا فكتور عموائيل ولم يمض زمن طويل حتى عقد مؤتمر الصهيونية العالمية عام 1898 في مدينة بأزل بسويسرا، بقصد الحصول على وطننا لليهود فوقع اختيار فلسطين لتكون جسما يفتت العالم الإسلامي.
ـ وفي عام 1908 بدأت المقاومة العربية ضد الخلافة الإسلامية في تركيا.
ـ وفي عام 1948 م قامت إسرائيل وذلك عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها العرب في صف القوات الأوربية وبالتحديد في صف بريطانيا.
ـ وفي حرب عام 1948 ظهرت قوة الأخوان المسلمين والحركة الإسلامية مما أدى إلى انزعاج الحكومات الغربية.
ـ فقامت حرب 1956 م الثلاثية(العدوان الثلاثي) الذي ضم إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ضد مصر.
ـ(618)ـ
ـ وفي عام 1956 م بدأت أمريكا البحث لها عن موقع في الشرق الأوسط لبث سمومها ضد المسلمين.
ـ ثم ظهرت كثير من المنظمات في العالم الإسلامي عامة وفي فلسطين خاصة منها المخلص ومنها المضطرب والعميل.
ـ وحرب رمضان التي قلبت وربكت حسابات قوى الاستكبار العالمي، وتأكد ان مؤامراته ساهمت في إعادة قوة المسلمين بدلا من تبديدها.
ـ وظهر حزب الله، ومنظمة حماس والجهاد وذلك عقب قيام الثورة الإسلامية.
العقبات التي أريد أزالتها هي:
1 ـ ان يتفهم المسلمون خطط أعدائهم ومكرهم.
2 ـ ان يلموا بأن التآمر عبر التاريخ لم يزد المسلمين إلا قوة ومتانة.
3 ـ ان يعلموا ان المسلمين يمرضون أو يمرون بفترات مرض ولكنهم لم يموتوا.
4 ـ ان يعلموا ان الله ينصر من ينصره.
5 ـ وان يعلموا ان ليس كل القيادات يمكن ان توصف بالعمالة ولكن يمكن ان نسميهم بالقيادات الجاهلة أو غير المؤدبة.
6 ـ وضررهم أخطر من ضرر جنكيز خان على المسلمين.
قيادات غير ورعة
ومن العقبات الخطيرة هيمنة قيادات مضطربة أو جاهلة أو غير ورعة على رقاب كثير من المسلمين، وهم كثيرون حيث الكتابة عنهم صعبة وشائكة ومربكة لصعوبة فهم ما يريدونه من شعوبهم وما يحملونه من مناهج غير صالحة لقواعدهم الشعبية، حتى يخال للإنسان أن معظم هؤلاء القادة جيئ بهم أصلا لتخريب بلدانهم بد لا من بنائها مما يخالف ظاهر أحاسيسهم المعلنة وبعض تضحياتهم الظاهرة، الأمر الذي جعلني في
ـ(619)ـ
حيرة مربكة في كيفية تصنيفهم.
ـ أهم عملاء لجهات أجنبية ضد شعوبهم التي ينتمون لها حقيقة أم مجازا.
ـ أم انهم وطنيون جهلاء برغبات وطبائع ومعتقدات شعوبهم.
ـ أم هم نتائج خطأ سياسي جرهم إليه أعداؤهم وهم لا يعلمون؟
والإسلام علمنا ان نظن بالناس خيرا سبعين مرة قبل ان تصل ظنوننا إلى السوء لذلك أفضل أن أبعد الاختيار الأول المتضمن العمالة إلا ما ندر وأبقى على الاختيارات الأخرى، لا لتحار الجماهير ولكن لتزول حيرتها(3).
فهم حقيقة عقبة، ولكن ما دور الاستكبار العالمي في أعداء هؤلاء القادة؟(4).
واعتمدت في إجابتي لهذا السؤال على خطة بريطانيا في أعداد قيادات العالم الثالث، وقد ظهر ذلك المخطط في تقرير ليثم وتملنسون الجاسوسيين البريطانيين اللذين جمعا التقرير من نيجيريا والكامرون والسودان واريتيريا والجزيرة العربية ومصر وليبيا والنيجر تنفيذا لرغبات قادة بريطانيا لمعرفة أسهل السبل للقضاء على قوة المسلمين وبالتحديد اتباع الإمام المهدي في تلك البقاع، ولتكون وسيلة للقضاء على كل تجمعات المسلمين في كل إنحاء العالم الذين بات خطرهم يهدد مصالح الاستكبار العالمي بإقامة دول موحدة كوسيلة لإقامة الدولة الإسلامية الكبرى التي يخشاها الاستغلاليون المستعمرون.
فاقترح توملنسون وليثم اقتراحات رأوا فيها خير وسائل تنهي الوجود الإسلامي المنظم والحركي والسياسي على الأمد البعيد إذا ما اهتمت الحكومة البريطانية به وبتنفيذه بالدقة المطلوبة.
وترى الصورة واضحة في التالي:
1 ـ ليس بالإمكان القضاء على الكيانات في الوقت الراهن(1923 ـ 1924 م).
2 ـ نقل الكيانات من أمم إلى أسر على ان تبقى الكيانات تحمل ذات الأسماء التي
ـ(620)ـ
اشتهرت بها حفاظا على مشاعر ابتاع الكيانات وعدم إثارة المزيد من روح العداء والكراهية ضد الوجود البريطاني.
3 ـ ليسهل حصار هذه الأسر ثقافيا وتعليميا وأخلاقيا بقصد قطع الصلة بين القادة الذين يراد أعدادهم وبين ثقافة ومعتقدات قواعدهم.
4 ـ إطلاق عنان الحياة المترفة لكل قيادات يراد أعدادها.
5 ـ متابعة من يرون فيه أهلية القيادة متابعة دقيقة حتى لا يفلت من قبضة توجيههم الأخلاقي لتسليمه قيادة بلاده على ان ينهي كيان بلده بدون تدخل مباشر من قوى خارجية(5).
ـ فنفذت بريطانيا مع رفيقاتها هذه المقترحات بدقة متناهية فاعدوا قيادات متعمقة فيهم روح الانفصالية عن واقع جماهيرهم الفكري والعقائدي والاجتماعي والسياسي.
ـ قيادات يجيدون المنافقة السياسية والعقائدية والاجتماعية.
ـ قيادات شديدة الحماس للأفكار القومية العلمانية.
ـ قيادات مرتبكة يعيشون حياة فيها كثير من الازدواجية.
ـ قيادات ومفكرون ضعفاء الشخصية أمام النزوات والرغبات الذاتية يميلون إلى اتباع الهوى ويعمقون الخلافات بين المسلمين فأمرضوهم ولكنهم لم يموتوا ولن يموتوا وسيأتي الزمن الذي سينالون صحتهم كاملة.
ـ نفذوا عن طريقهم قاعدة فرق تسد ومازالت هذه الصورة مهيمنة على كثير من قادة العالم الإسلامي؛ مستخدمين عدة وسائل.
ـ الاختلافات العرقية والمذهبية وأخطرها الدق على طبول النزاعات غير المبررة عبر التاريخ بين السنة والشيعة.
ـ(621)ـ
عقبة فقراء العلماء أو غير الورعين
ومن العقبات وجود علماء فقراء أو غير ورعين، غير مؤدبين أو علماء مدسوسين. ويمكنني تفصيلهم في التالي:
1 ـ علماء فقراء يبحثون دائما عن من يمدهم بلقيمات من الخبز من الحكام أو حواشيهم الاثرياء أو يعتمدون على قطيرات المرتبات وأمثال هؤلاء(غالبا ما يعيشون تحت رحمة القيادات المتآمرة على مصائر الأمة ووحدتها فيبررن لهم قبح أعمالهم).
2 ـ علماء شهادات نالوا شهاداتهم ليتكسبوا بها في حياتهم اليومية بما في ذلك الشهرة التي تلفت لهم انظار الحكام وأثرياء السلاطين ومثل هؤلاء يسهل استغلالهم للقيام بأعمال ضد وحدة المسلمين وقوتهم إذا ما تركوا فريسة لصيادي الاستكبار العالمي.
3 ـ علماء عملاء لهم ارتباطات عرقية أو دينية خفية أو انتماءات سرية لمنظمات صهيونية أو صليبية وجهتهم لدراسة الإسلام لضربه من الداخل ويمكن ضم هؤلاء لفصيلة المستشرقين، مثل هؤلاء ينفذون دائماً خطط أعداء الإسلام والمسلمين وخطرهم عظيم على مسار وحدة العالم الإسلامي وخاصة إذا ما كانوا يسمون أنفسهم بأسماء إسلامية.
4 ـ علماء الجماهير(علماء الدهاليز) وهم العلماء الذين تعلموا لاداء رسالتهم الإسلامية، وهم قلة، فيفتح الله لم قلوب الناس، فتسهل لهم حياتهم وحياة جماعتهم فيؤدون رسالتهم بمنعزل عن ضغط المتآمرين، وهم قادة الجماهير الحقيقيين الذين يحسون بأحاسيسهم ويشاركونهم السراء والضراء.
فالفئة الأولى والثانية هما الفئنتان اللتان تساهمان بحسن نية وبعضها بسوء نية. في خدمة أغراض أعداء الوحدة الإسلامية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل لهاتين الفئتين دور في تفتيت أو أضعاف
ـ(622)ـ
الوحدة الإسلامية؟ والجواب بسيط وهو أنه بالإمكان إزالة أسباب الانحرافات ليثبت العكس.
وأكاد ان أجزم بأنه من الصعب ان يحرر العالم الإسلامي إذا لم يحرر هؤلاء العلماء من قبضة الحاجة والفاقة والفقراء.
أما كيف يكون ذلك؟
فسأترك الرد على المؤتمرين وعلماء المسلمين.
أما الفئة الثالثة فهي فئة العلماء العملاء، فخطرها وأضح ويسهل إقصاؤها من ساحة المسلمين إذا ما تحررت الفئة الأولى والثانية وتقوية الرابعة والأخيرة وإلا فالخطر ماثل وسيظل المصير غامضا ومضطربا.
أما الربكة في مفاهيم مقاصد الإسلام بين كثير من المسلمين فلأنهم لم يجهدوا أنفسهم للوصول إلى جواب؟
لماذا أرسل الله سبحانه وتعالى الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلم ولماذا أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم؟
فأخذت كل مجموعة تسترسل في الوصول إلى الأجوبة التي تخدم أغراض موجهيهم باختلاف نواياهم.
فمنهم من أجاب إجابة سلبية علمانية بان الله أنزل القرآن وأرسل الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلم لإسعاد الإنسان في الآخرة بمنعزل عن أدائه في هذه الدنيا، وان التدين ذاتي شخصي لا علاقة لـه بتنظيم الحكومات الإسلامية، والمحلية، والعالمية.
ـ ومنهم من أجاب إجابة شبه إيجابية ولكنها غير منظمة وغير وحدوية داخلة في غالبها في نطاق الفهم الانفصالي لمقاصد الإسلام وأركان الإسلام والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما أدى إلى ربكة في وحدة المسلمين فاستغل الاستكبار العالمي وأعوانه المحليين هذين التصورين فاعدوا العديد من الكوادر؛
ـ(623)ـ
ضاربي طبول الفرقة مؤكدين على استحالة الوحدة بين المسلمين مستدلين بقوله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم(تفترق أمتي إلى أثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وهي الفرقة الناجية. وآخرون يفسرونها بأنها هم أهل السنة. من غير ان يجهدوا أنفسهم لمعرفة عبارة واسم أهل السنة).
ـ هل هي اعتقاد واتباع الداء لمنهج الله أم هي مجرد فهم فلسفي جدلي؟
ـ وبماذا نسمي الاتجاهات والمذاهب والفرق الإسلامية الأخرى الذين يلتزمون بالإسلام في وسط هذه الربكة من المفاهيم.
ـ ولم يجهدوا أنفسهم في فهم عناصر الوحدة في الأركان الإسلامية الخمسة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظنا منهم بأن الفهم الانفصالي العلماني للإسلام هو الفهم الصحيح يجب ان يسود، ولو يؤدي ذلك إلى الاقتتال الشرس بين المسلمين بعضهم البعض.
ـ وأخيرا رفضوا أو اضعفوا أحاديث حقيقة مجيء أو ظهور الإمام المهدي، ورفضوا بذلك مبدأ الأمل والمقاومة والتطلع المستمر نحو الخلاص والحرية عند ظهور الشدائد والضغوط الباطشة جاعلين كثيرا من المسلمين أمما يائسة في أمل وجود منقذا وأمل لظهوره ليملأ الأرض عدلا بعد ان ملأت جورا وظلما، وكأنهم يريدون للاستكبار العالمي وربيبته إسرائيل الهيمنة العالمية.
ـ فما هي حلول هذه الربكة في المفاهيم وهذه العقبات القاتلة وكيف يتم إزالتها؟
حول العقبات والهزات
ابدأ عرض الحلول من غير الالتزام بترتيبها في المقدمة لحاجة تسلسل آراء المجتهدين والمجددين فأرجو المعذرة الأكاديمية، بدءا بعرض مفهوم مقاصد الإسلام التي يأتي توضيحها في الرد على السؤال:
ـ(624)ـ
ـ لماذا أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم ولماذا أرسل سبحانه وتعالى الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
ـ الرد الذي اعتبره وأرجو ان يوافقه المؤتمرون على اعتباره ميزانا سريعا يحتكم إليه قادة واتباع المذاهب والفرق والجماعات الإسلامية في اختلافاتهم.
فأقول: تكمن أهداف الرسالة الإسلامية بكتابها وسنتها في التالي:
1 ـ بناء الفرد المؤمن المسلم القوي العامل أسوة بمنهج بناء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم لنفسه بتوجيه من الله سبحانه وتعالى وبعبارة أخرى تتبعها للمراحل التربوية التي مر بها في حياته والله سبحانه وتعالى يعده لتحمل أعباء الرسالة الإسلامية.
2 ـ ليساهم ذاك الفرد في بناء الجماعة المؤمنة المسلمة القوية، أسوة بمنهج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم في بناء الجماعة المؤمنة في مكة وتعميقها بالمدينة بتوجيه من الله سبحانه وتعالى بالنصوص القرآنية.
3 ـ لتساهم هذه الجماعة في بناء الدولة الإسلامية الكبرى(الخلافة) بعد الخروج من المعانات والمواجهات ضد الجبابرة والهجرات المتكررة والمقاطعات الاقتصادية المصغرة في المدينة المنورة. واستقرارها استعداد للمواجهات العسكرية والفكرية، والمحلية المدعومة بقوى الاستكبار العالمي.
4 ـ لقيام الخلافة الإسلامية الكبرى والتي قادها خلفاء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم عبر تاريخهم الجهادي.
5 ـ لإسعاد الإنسان في الدنيا كوسيلة لإسعاده في الآخرة. وهذا أطلق عليه اسم «الميزان السريع» لوحدة المسلمين الذي يصلح ان تزن به كل مجموعة آراءها. فإذا وافقت الآراء للكتاب والسنة، وتكون بذلك موافقة لما أنزل القرآن وأرسل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم من أجله.
ما اختلف عن هذه النقاط من آراء قادة الجماعات يعاد تفسيره لصالح وحدة المسلمين.
ـ(625)ـ
ـ وهل يختلف المسلمون في هذه المقاصد؟
ـ وإذا اختلفوا فلماذا لا يعودون باستخدام هذا الميزان؟
وقد تقول مجموعة من المذاهب بعدم جدوى محاولة توحيد المسلمين لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث «تفترق أمتي» ولفظة ,افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة: وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة(6).
وقال ابن تيمية بأن الفرقة هم أهل السنة والجماعة وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم.
واستطرد قائلا أما الفرق الباقية فأنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولكن ابن تيمية رفض تحديد الفرقة الناجية قائلاً: أما تعيين هذه الفرقة فقد صنف الناس فيهم مصنفات وذكروهم في كتب، ولكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة إحدى الاثنين والسبعين. لابد لهم من دليل فأن الله حرم القول بلا علم عموما، وأيضاً فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى فيجعل طائفته المنتسبة إلى متبوعة الموالية لـه هم أهل السنة ويجعل من خالفها هم أهل البدع، وهذا ضلال مبين، فأن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: «ان هو إلا وحي يوحى»(7).
أما أنا فأرى ان الحديث لا يعني الفرق والمذاهب ولا الطرق الصوفية والمناهج الإصلاحية وإنّما يعني الفرق غير الإسلامية التي ارتدت بصورة واضحة عند الإسلام بأدائها واتبعت ذلك بالقول أو العكس.
والدليل على ذلك هو ان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم قد أرسل إلى الناس كافة
ـ(626)ـ
لقولـه تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾(سورة سبأ: 28).
وقولـه صلّى الله عليه وآله وسلم «بعثت إلى الناس كافة».
وأنه خاتم الأنبياء والرسالات لكل الأمم، بمعنى ان اليهود والنصارى والأمم الأخرى من أمة محمد حتى يعمهم الإسلام وتصل عدد فرقهم المختلفة إلى ثلاث وسبعين فرقة.
ودليل آخر يظهر في نصوص معاهدة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم مع يهود المدينة المنورة ومن نصوصها: ان اليهود والمسلمين أمة واحدة: فهل يعني ان اليهود آمنوا برسالة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وصاروا مسلمين.
ودليل آخر هو ان بعض علماء المسلمين يرددون هذا الحديث ويشرحونه بحسن نية. وأحيانا بسوء نية بصورة تعارض نصوص القرآن منها: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(8).
فجعل المسلمين في حيرة من أمرهم في مفهوم من هم أهل السنة؟
أهل السنة
استمر التنازع الفكري والمذهبي في الإجابة على سؤال من هم أهل السنة؟
السؤال الذي أجاب عليه الشيخ عثمان بن فودي محددا بأن السنة قول وأداء والتزام. وان السنة تعني ملازمة مقاصد الإسلام الخمسة التي ورد ذكرها آنفا قائلا:
1 ـ انهم ـ أي ـ أهل السنة يسيرون على نهج الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلم في عبادته وجهاده وتوجيهاته في كل شؤون الحياة.
2 ـ انهم لا ينافقون حبا في رحمة المنافقين.
3 ـ انهم يحبون الاستشهاد في سبيل الله.
4 ـ أنهم يحبون لله ويكرهون لله.
ـ(627)ـ
5 ـ انهم يهجرون أهل البدع وأعمال أهل البدع.
6 ـ انهم لا يموتون إلا وفي عنقهم بيعة إمام(9).
معتبرا هؤلاء هم الفرقة الناجية. ويرى الشيخ عثمان بن فودي ان الطبيعة البشرية قائمة على الاختلافات غير الأصلية، ولكن يجب ردها إلى الكتاب والسنة لكي لا تخرج من دائرة الحق إلى دائرة المغالطة التي هي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة بهدف رمي كل فرقة غيرها في الغلط بما يشبه الصواب وليس بصواب(10).
وأورد شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت رأيا يؤيد رأي الشيخ عثمان نابذا الخلافت بين المسلمين(11).
وقد وقع خلاف بين الشيخ عثمان وشيخه جبريل وظهر ذلك في كتاب شفاء الغليل فيما أشكل بيننا وبين شيخ شيوخنا جبريل(12) والخلاف بين الشيخ محمد بيلو وعمه عبدالله بن فودي في أمر الإمامة فكتب عبدالله كتاب: سبل السلامة للإمامة. ورد عليه محمد بيلو في كتاب: الأنصاف في مسائل الخلاف(13) فحاول بعض أعداء الإسلام استغلال هذا الخلاف للقضاء على الدولة آنذاك(1804 ـ 1903).
فكتب محمد بيلو كتابا سماه: كف الأخوان عن التعرض بالإنكار لأهل الإيمان. محددا فيه القضايا التي يجب ان تنكر والقضايا التي يجب ان لا تنكر، حفاظا على وحدة المسلمين، واستطرد قائلا: ان هذه الخلافات داخلة في نطاق حديث اختلاف أمتي رحمة مدعماً رأيه بما أورده عبد العزيز في الدور الملتقطة.
قائلا: من كرم الله ان العلماء مختلفون فإذا شدد هذه سهل غيره.
واعتمد كذلك على رأي الشاطبي الذي قال الأولى عندي في كل نازلة يكون للعلماء فيها قولان فيعمل الناس على موافقة أحدها بدلا من جعلها سببا من أسباب الفرقة بين المسلمين.
وقال الشيخ عثمان «من وصل مقام الكشف علم ان جميع أقوال الأئمة المجتهدين
ـ(628)ـ
لم يخرجوا عن الكتاب والسنة لأن شواهدها من نور الشريعة ولأنهم على آثار الرسل فيجب عليك الإيمان بها والتصديق بصحة ما استنتجه المجتهدون واتفقوا عليه وان خالفا مذهب امامك(14) فلو فهم المسلمون هذا الفهم المتقدم لما اختلفوا.
ودعم هذا الخط الوحدوي الإمام محمد احمد المهدي(1845 ـ 1885) الذي قال: ما جاء من الكتاب فعلى رؤوسنا، وما جاء من السنة فعلى اكتافنا، وما جاء من غيرها فهم رجال ونحن رجال لهم الكتاب ولنا الكتاب، ولهم السنة ولنا السنة، جزاهم الله خيرا فقد وصلوا واوصلوا فلو حضرونا لا تبعونا نأخذ منهم ما نحتاجه لزماننا(15).
ويعني على المسلمين الالتزام بالكتاب والسنة والاستفادة من آراء المجتهدين والأئمة والمجددين مما يؤكد رأي في مفهوم مقاصد الإسلام التي مر ذكرها في هذه الورقة.
ودعم الشيخ محمد بن علي السنوسي في القرن الثامن عشر خط الوحدة الإسلامية، ويظهر ذلك في حصره لمشاكل المسلمين في النقاط التالية:
1 ـ تعدد الطرق الصوفية والاختلافات بينها.
2 ـ تعدد المناهج غير الصوفية والتي تطلق على نفسها اسم المناهج الإصلاحية، والخلافات بينها.
3 ـ الخلافات العنيفة بين المناهج الإصلاحية والطرق الصوفية.
4 ـ الاختلافات بين الشيعة والسنة.
5 ـ النعرات العصبية العرقية.
6 ـ الأفكار الشيطانية.
فهو يرى ان الفئات 1 ـ 5 فئات مسلمة ولكنها تختلف اختلافات مذهبية وفكرية وسياسية، قد تصل هذه الخلافات إلى ان يكفر بعضهم بعضا فيجد أعداء الإسلام فرجة يدخلون منها لإضعاف المسلمين لذلك لابد من تقريب وجهات نظر اتجاهاتهم
ـ(629)ـ
المختلفة لتتوحد تصوراتهم، لمواجهة قوى أصحاب الأفكار الشيطانية(16)، معتمدا في رأيه هذا على أن كل الأقسام الخمسة تنطلق من الأصول الإسلامية وهي الأركان الإسلامية بالإضافة إلى الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحقيقة ظهور الإمام المهدي باعث الأمل والتطلع للحرية والتحرر عند وصول المحن والفتن إلى ذروتها.
وكل هذه الأصول والأركان الإسلامية لا تعني إلا الوحدة الإسلامية في الأهداف والحركة والأداء، ووسائلها، والمظهر عبر تاريخ الإنسان بأنبيائهم ورسلهم بدءا بآدم عليه السلام وانتهاء بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم، بالإضافة إلى فريضة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحفاظ على وحدة المسلمين بدولتهم الإسلامية الكبرى قوية.
وآراء علماء السنة والشيعة ذات الطابع الوحدوي خير دليل على ضرورة ابتعاد المسلمين عن الاختلافات المذهبية والفكرية والسياسية التي تعاني منها مجتمعاتهم بنظمهم وجماعاتهم منعا لمؤثرات ومؤامرات قوى الاستكبار العالمي التي لا تهدف إلا إلى القضاء التام ـ ان استطاعت ـ على الأمة المسلمة باختلاف مذاهبهم وطرقهم وفرقهم، فما هي هذه الآراء.
آراء بعض علماء السنة والشيعة الوحدوية:
1 ـ اصدر شيخ الإسلام شيخ الأزهر محمود شلتوت فتوى قال فيها: ان المذهب الجعفري المعروف بمذهب الشيعة الاثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة فينبغي للمسلمين العمل به(17).
2 ـ وقال الشيخ محمود شلتوت أيضا: لقد رجحت مذهب الشيعة الجعفرية والزيدية خضوعا لقوة الدليل في كثير من المسائل وأخص منها: ما تضمن قانون
ـ(630)ـ
الأحوال الشخصيات في طلاق الثلاثة، والطلاق المعلق وغيرها ثم أعلن اعترافه بضرورة تدريس المذهب الشيعي في الأزهر الشريف وبالتحديد في كلية الشريعة.
3 ـ وقال أبو زهرة: ان من ناقلة القول ان المسلمين أمة واحدة، ولأنه معلوم من الدين بالضرورة لا يمارى فيه مؤمن، وان أهملنا في الماضي وتمادينا في الخلافات فلماذا نظل مهملين؟ ولقد صرنا وقوداً نؤكل فيها ولا نأكل؟ لماذا لا نستجيب إلى نداء الله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ النداء الذي يضبط التنافس ويقنن وجود الأسر والقبائل والشعوب من أجل أعمار الأرض عن طريق التنافس الجماعي؛ النداء الذي يوجه نشاط الإنسان وتنافسه من عرقي فقط إلى التنافس في العطاء. تحت إطار ﴿... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ...﴾ (18).
4 ـ وقال الشيخ محمد الغزالي: ان الاختلافات بيننا في هذا العصر واهية ولكن أعداء الإسلام ضخموها وتبعهم في ذلك عملاؤهم وخاصة الخلافات بين الشيعة والسنة(19).
5 ـ قام الشيخ الباقوري بطبع كتاب المختصر النافع في فقه الإمامية ووزعه مجانا على المسلمين، كما قام الشيخ شلتوت بطبع كتاب مجمع البيان وهو لكاتب شيعي وهو الإمام السعيد أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي وأمر بتوزيعه على العالم الإسلامي.
6 ـ وقال الإمام الخميني: نحن في رحاب أرض جميع مسلمي العالم ـ يعني مكة ـ حيث تتفاهم كل المذاهب الإسلامية لإنقاذ بلدانهم من براثن القوى الكبرى القذرة. اليوم نحن في رحاب انقطاع أيدي طغاة الشرق والغرب عن إيران والعالم الإسلامي بوحدة الكلمة والاتكال على الله تعالى والتجمع تحت لواء الإسلام والتوحيد(20).
7 ـ وقال أيضاً: فالاختلاف بين أهل السنة والشيعة هو لصالح الذين لا يؤمنون بالسنة ولا بالشيعة ولا المذهب الحنفي ولا بسائر الفرق الإسلامية، وهؤلاء يريدون
ـ(631)ـ
القضاء على هذا وذاك(21).
8 ـ ودعا الشيخ المنتظري المسلمين قائلا: تعالوا نعود إلى الإسلام بعد أربعة عشر قرنا ونلقي خلافاتنا جانبا على أساس الإيمان بالله وبرسوله محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.
9 ـ وقد: آية الله السيد محمد باقر الصدر: فأنا معك يا ولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي، أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام. أريد ان أقول لكم يا أبناء علي والحسين وأبناء أبي بكر وعمر ان المعركة ليست بين السنة والشيعة وإنّما بين أعداء الإسلام وأعداء السنة والشيعة.
10 ـ وقال محمد محمد المدني: ليس من غايتنا ان يترك السني والشيعي مذهبه وإنّما نريد ان يتحد الجميع حول الأصول المتفق عليها ويعذر بعضهم بعضا فيما وراء ذلك مما ليس شرطا من شروط الإيمان ولا ركنا من أركان الإسلام ولا إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة.
11 ـ وردا على تهمة أهل السنة ان أهل الشيعة يرون جواز المس من كرامة الخلفاء والطعن فيهم وقد يتجاوز ذلك إلى السب والقدح مما يسيء للفريق الآخر فيشتد العداء بينهم فيستغلها الأعداء.
ويقول محمد الحسن آل كاشف الغطاء في رده:
أولا: ليس هذا من رأي جميع الشيعة وإنّما هو رأي فردي من بعضهم لا يوافق عليه الأكثرية. وفي أخبار أئمة الشيعة النهي عن ذلك. فلا يصح معاداة الشيعة أجمع لإساءة بعض المتطرفين منهم.
ثانياً: ان هذا على فرضه لا يكون موجبا للكفر والخروج عن الإسلام، بل هو أقصى ما هناك ان يكون معصية؛ وما أكثر العصاة من الطائفتين، ومعصية المسلم لا تستوجب قطع رابطة الاخوة الإسلامية معه قطعا.
ـ(632)ـ
وفي الختام لقد بدأ المتآمرون مخططاتهم التآمرية بدءا بأبي البشرية آدم عليه السلام واستمر إلى يومنا هذا، مستخدمين كل وسائل الأضعاف بما في ذلك التصفيات الجسدية، لإضعاف المسلمين والقضاء عليهم نهائيا، ولحكمة الله فقد زادت هذه المسلمين قوة ومنعة واستمرارية في حالات متفاوتة بين القوة والضعف.
وكثيراً ما تظهر قيادات بين الفترات والأخرى تعمق في المسلمين القوة وتوقف مد اعداء الإسلام. ومازال العطاء مستمرا إلى قيام الثورة الإسلامية في إيران والثورات التي تقاوم إسرائيل الآن، وثورة الإنقاذ في السودان؛ الثورات التي زادت الإسلام والمسلمين منعة، مما زاد أعداء الإسلام حنقا فزادوا في مؤامراتهم عن طريق ربيبتهم إسرائيل في تفتيت وحدة المسلمين مستخدمين الخلافات المذهبية والسياسية والفكرية والتاريخية ولكن علماء مسلمي السنة والشيعة لم يفقوا مكتوفي الأيدي ومازالوا يعالجون قضايا المسلمين المعاصرة وخير مثال لذلك هذا المؤتمر الذي أشارك فيه نرجو لـه وإيانا التوفيق...
الاقتراحات:
1 ـ ضرورة قيام مجلس اسلامي يعمل لتحقيق التالي:
ألف ـ البحث عن وسائل تزيل الخلافات بين المسلمين.
ب ـ توحيد الرؤى للتقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية.
ج ـ البحث عن وسائل تحرير العلماء من قبضة الاستكبار العالمي وعملائهم ومن قبضة ذلة المرتبات وعطاءات عملاء الاستعمار المدمرة.
د ـ إعادة هيئة التقريب بين المذاهب بعد أعداد آليات (كوادر) في كل دول العالم الإسلامي التي ترضى بإقامة مثل هذه الهيئة.
وبالله التوفيق
ـ(633)ـ
الهوامش:
-------------------
1 ـ سورة البقرة: 216.
2 ـ سورة الأنفال: 30.
3 ـ محمد الخضري بك: محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية، الدولة العباسية ص 483.
4 ـ سلك المتآمرون خطوطا إرهابية وتشويهية يرهبونهم بها وفي نفس الوقت يشوهون صورة الإسلاميين في نظر المواطنين خاصة والمسلمين عامة، وذلك بالاعدامات الجماعية والاعتقالات الطويلة الأمد، والتفجيرات في المناطق الفقيرة أو المأهولة بالسكان.
5 ـ كتاب مقدم الورقة: أنصار السودان بين مطرقة العلمانية ونور المهدية. ط 1- دار ماجد للطباعة، القاهرة. ص 3- 4.
6 ـ ليس بالضرورة ان يكون كل القادة قد أعدهم الاستكبار العالمي مباشرة، ولكن بعضهم تأثر بمنهج المستعمر العلماني.
7 – G.L. Lethem and tomlinson: Ajourney from Borno. Nigenia to the
Anglo ـEyptian, Jeddah and Cairo: History of lslamic Politicsl Propaganda in
Nigeria
8 ـ وهؤلاء قد تكون مؤهلات ورقية شهادات وقد يكون غير حملة الشهادات ولكنهم تحصلوا على العلم بمجهودهم الشخصي.
9 ـ مجموعة فتاوى ابن تيمية ج 3 ص 416 ـ 345، ط 2 عام 1381 هـ.
10 ـ سورة آل عمران: 101
11 ـ الشيخ عثمان بن فودي: تمييز المسلمين من الكافرين. مخطوط، معهد الإمام الهادي ودنو باوي ـ امدرمان ـ السودان، وكذلك كتاب مقدم هذه الورقة: بعض مخطوطات الفوديين في نيجيريا الاتحادية ج 1 ص 13.
12 ـ محمد بيلو: التحرير في قواعد التبصير للسياسات، مخطوط ـ معهد الإمام الهادي. وكذلك عثمان بن فودي: نجم الاخوان، مخطوط معهد الإمام الهادي.
13 ـ رسالة الإسلام للتقريب بين المذاهب الإسلامية ـ القاهرة ـ العدد 2 ص 217 السنة 11.
ـ(634)ـ
14 ـ الشيخ عثمان بن فودي: حصن الإفهام من جيوش الاوهام. تحقيق العصمة لجميع طبقات هذه الأمة. مخطوطات معهد الإمام الهادي.
15 ـ مخطوط في جامعة بايرو ـ كانو.
16 ـ الشيخ عثمان بن فودي: نفس المصدر السابق.
17 ـ محمد احمد المهدي: منشورة التوحيد ـ معهد الإمام الهادي.
18 ـ من تصورات عامة في منهج الإمام محمد بن علي السنوسي في كتابه المسائل العشرة. وكذلك راجع كتاب مقدم هذه الورقة: واقع العالم الإسلامي ج 1 ص 85 تحت الطبع.
19 ـ فتاوى الشيخ محمود شلتوت.
20 ـ كتاب مقدم هذه الورقة: الفلانة في أفريقيا ومساهماتهم الإسلامية والتنموية في السودان ص 8 ط 1، دار الكتاب الحديث الكويت عام 1994 م.
21 ـ الشيخ محمد الغزالي: دفاع عن العقيدة ص 253.
22 ـ خطابه بمناسبة الحج عام 1399 هـ.
23 ـ نفس المرجع.
24 ـ محمد محمد المدني: دعوة التقريب ص 704 المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ـ القاهرة عام 1966 م.