دور وسائل الإعلام والصحافة... عامل مساعد للخروج من أزمات الأمة الإسلامية
دور وسائل الإعلام والصحافة...
عامل مساعد للخروج من أزمات الأمة الإسلامية
الدكتور خالد رمزي كريم (البزايعة )
مؤسسة الإذاعة والتفلزيون الأردني / عمان / الأردن
مدير مركز مسك للدراسات و الأبحاث
المقدمة
الحمد لله الذي أعطى الانعام جزيلاً, وقبل للشكر قليلاً, وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً , وصلى الله على سيدنا محمد الذي لم يجعل له من جنسه عديلاً , وعلى آله وصحبه بكرة وأصيلاً .
فهذه شريعة الله تعالى أنزلها لخلقه, لتؤخذ أحكامها وتطبق في شتى الميادين , فأن طلب أحد العباد السعادة بغيرها ضل وشقي وخرج منها صفر اليدين ملجوماً بالخسارة والذلة - والعياذ بالله تعالى أن نكون منهم – ومن أيقن أنها نعمة من الخالق الباري فوطن نفسه على عمل ما يحب الرب جلّ جلالة نال رضاه وأحبه وكان من الفائزين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله تعالى بقلب سليم ...وبعد
أتقدم من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب بجزيل الشكر والعرفان وأخص بذلك سماحة الأخ العالم محسن الأراكي القائم بأمره ,وذلك لما يقدمه للأمة الإسلامية في ميدان التقريب والوحدة في زمن بات الإقصاء والتكفير والخلاف والاقتتال شارة يعرف بها العالم الإسلامي , وحيث أنني شاركت في ثلاث مؤتمرات سابقة للمجمع وددت اليوم الكتابة عن دور الإعلام والصحافة كعامل مساعد في إخراج الأمة من أزماتها والنهوض بها ,مستعينا بما يلعبه الإعلام من دور باز في مجال التغيير والتخطيط والتأثير على عقل وفكر المتلقي , و منبها لما يلعبه الغرب من دور فاعل كبير في زج الكثير من الأفكار والمخططات والتي من شأنها إقامة أيديلوجيا تدعو لهدم عرى الأمة وإباحة الاقتتال فيما بينها ورسم حدود الفرقة و التباعد فيما بين أبناءها ,مما يستلزم أن نتنبه للدور العظيم الذي يلعبه الإعلام مسوعا أم مقروءا في مجال أن ننهض بالأمة فكرا وسلوكا ووحدة .
سائلا المولى عز وجل التوفيق والسداد للجهود الطيبة التي تبذل في سبيل بناء صف إسلامي متين قويم يقف سدا منيعا في مواجهة حملة التغريب والتفريق بين أبناء الأمة الواحدة .
والله ولي التوفيق .
دور وسائل الإعلام والصحافة في بناء فكر الأخوة والوحدة
من الوسائل المهمة في نهضة الأمة: الإعلام؛ فالإعلام هو المعبِّر عن رُوح الأمة وخصائصها وشكْلها؛ من ضَعفٍ أو قوة، أو تقدُّم أو تأخُّر.
تعريف الإعلام:
والإعلام الذي نقصده: هو ذلك الإعلام الذي يهتم بنشْر القِيم والأخلاقيات والسلوكيات، التي تغيِّر وعي أفراد المجتمع، وتأخذ بأيديهم إلى الرُّقي والتقدم في كل المجالات,وتنهي بينهم حالة التشذم والضياع والفرقة والإنشقاق.
والإعلام الذي نقصده: هو الإعلام المعبِّر عن قِيم العدل والحرية، والدعوة إلى سيادة القانون.
والإعلام المطلوب:
هو الذي ينحاز إلى الطبقات الفقيرة؛ يمدُّ إليها برامجه، ويَحمل كل مشكلاتها، ويضع لها الحلول والأفكار.
والإعلام الذي نقصده: هو إعلام الشعب المعبِّر عن قضاياه وهمومه ومشكلاته، لا إعلام السلطان الذي يتحدَّث باسمه ويُمجِّد مواقفه.
نحتاج لإعلام يبني ولا يهدم , يؤسس لوحدة ولايدعو لفرقة ...نحتاج لإعلام صادق متمكن , ينفق عليه لرسالة رحمة واعتدال وسلام ومحبة ,لا لرسالة كراهية وإرهاب و تكفير.
خصائص إعلام النهضة:
أولاً: الصدق:
فللصدق مواطنُ عديدة، قد يُصْدَق فيها وقد يُشاع فيها الأكاذيب والشائعات، فلكلٍّ مجالٌ من الصدق يُوضع معناه من خلال مفهومه، فمنها:
1- صدق الخبر: وهو أمر مهم في ثقة الناس وكسْبها؛ أي: إن الخبر المذاع مُلتزم بالواقعة، فلا يغيِّر من الحقيقة شيئًا.
2- صدق الكلمة: فالكلمة الصادقة هي التي تَنقل معلوماتها بغير تقصيرٍ، وبغير دَلالات توحي بأهداف خبيثة، فيجب أن يكون اختيارها مراعًى فيه الأسلوب الإسلامي في الدعوة والإعلام، وهو بعيد عن اللفظة الرخيصة، واللغةِ الحادة المُبتذلة.
3- صدق الحكم: إذا كان الخبر صادقًا والكلمة أيضًا، فلا بدَّ للحكم أن يكون صادقًا، فالحكم يعني: اتخاذ موقف من الخبر رفضًا أو قَبولاً، فعلى إعلامي النهضة أن يتوخَّى التفسير الصحيح للوقائع بغير هوًى، وعرْض الوقائع بدقة، والدعوة إلى الصدق والقول السديد؛ وذلك تفاديًا لِما يترتَّب على ذلك من أضرار جسيمة، كأضرار اجتماعية وعقلية في عملية الاتصال؛ وذلك لأنه قد يؤدي إلى التفكير الأعوج، والمخاطبة غير السليمة في المجتمعات الإسلامية.
ثانيًا: الواقعية:
وقد قضى الإعلام بعدم الخضوع للواقع المُعوج، أو الأهواء المُنحرفة، وهذا هو الواقع الذي يختص به إعلام النهضة، فالواقعية تعني أنه لا تستقرُّ أحكامها ولا تُضبَط قواعدها، إلا بملاحظة المصالح المُطلقة، وهي بعيدة عن الأغراض والأهواء.
ومن هنا نستنتج أن الإعلام يبتعد عن الإثارة، فهو يؤثِّر لا يُثير، فعين "الكاميرا" تطوف في آفاق الدنيا؛ للتعبير عن قدرة الله وآثارها في الكون، ولكنها لا تُثير الشهوات بالصور الخليعة، وغيرها من المشاهد أو المسامع غير المرغوب فيها.
ثالثًا: المُرونة:
هي الخصيصة الثالثة لإعلام النهضة، فهي مستمرة وقادرة على مواجهة التطورات؛ سواء في كيفية المواجهة، أو في وسائلها، كما أنها قادرة على مواكبة الوقائع المتغيرة المتجدِّدة؛ بحيث تجد لكل واقعة حُكمًا، وتتَّسم المُرونة بالاستمرارية والثبات في أصولها، بينما ليس هناك جمود على رأي أو موقفٍ، فالحياة تتطلب تجديد الأفكار وتنويع المواقف.
نماذج من إعلام النهضة في القرآن والسنة:
قصة الأذان:
كان المسلمون في أول عهدهم بالإسلام، يجتمعون للصلاة في مواعيدها من غير دعوة، فلما كَثُروا وزاد عددهم، فكَّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في طريقة يدعو بها الناس إلى الصلاة، فاقتَرح عليه بعضُ المسلمين أن يرفع راية في موعد الصلاة، فإذا رآها المسلمون أقبلوا، فلم يُعجبه ذلك، فقال بعضهم: نَستعمل البوق؛ لننادي به إلى الصلاة كما تفعل اليهود، فلم يُعجبه ذلك أيضًا.
فقال آخرون: نستعمل ناقوسًا (الجرس)، فندقُّه؛ ليَعلم المسلمون أن موعد الصلاة قد حان
وكان أحد الصحابة وهو عبدالله بن زيد - رضي الله عنه - موجودًا بينهم، وكان مسلمًا مؤمنًا، يحب الله ورسوله، ويتَّقي الله في أعماله.
سمِع عبدالله بن زيد هذا الكلام، وانصرَف إلى بيته، ونام وهو يُفكِّر في حلٍّ لهذه المسألة، وفي منامه رأى رؤيا عجيبة، وعندما طلَع الصباح، أسرع إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقصَّ عليه تلك الرؤيا، وقال: إنه رأى رجلاً يَلبس ملابسَ خضراءَ، يحمل ناقوسًا في يده، فقال له:
هل تبيعني هذا الناقوس؟
فقال الرجل صاحب الملابس الخضراء: وماذا تصنع به؟
قال عبدالله بن زيد: ندعو به إلى الصلاة.
قال الرجل: هل أدلُّك على خيرٍ من ذلك؟
قال عبد الله بن زيد: وما هو؟
قال الرجل ذو الملابس الخضراء: تقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلمَّا سمِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الرؤيا، قال: إنها لرؤيا حق - إن شاء الله - وطلب الرسول من عبدالله بن زيد أن يقوم مع بلال - رضي الله عنه - ويُخبره بهذه الكلمات؛ ليؤذِّن بها، ففعَل.
ولنا في قصة الأذان دروس كثيرة، ومن أهمها: كيف يكون الإعلام خادمًا للأُمة، باعثًا على نهْضتها وتقدُّمها، فلنَقف مع كلمات الأذان؛ ففيها شفاءُ الغليل.
1- الله أكبر، الله أكبر:
أن نُكبِّر الله في كلماتنا المسموعة والمرئية والمكتوبة، فلا كبير إلا الله، ولا عظيم إلا الحق سبحانه، فالإعلام الهادف لا يُمجِّد السلطان ويُعظمه؛ إنما يُمجِّد الله وحده لا شريكَ له؛ بقول الحق والتزام الصدق...إذن الإعلام يخدم أمة جمعاء ولا يخدم كرسيا لسطان أو تابع ..إعلام المسلمين ينبغي أن يكون حرا نزيها ليخرجهم مما يقطع أوصالهم ويفتت وحدتهم و يفرق صفهم ...لذا ينبغي توخي الحيادية والنزاهة وأن يكون الإعلام صادقا بما يطرح ويخدم فكر الأمة جمعاء .
2- أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله:
فمن رضِي بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا، واستنَّ بسُنة نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122]، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
فلنجعل كلماتنا صادقة واقعية، حاملة الخيرَ للناس....وإعلام اليوم تدفع له مليارات الغرب وفق دراسات منظبطة مدروسة وخطط مستقبلية لأهداف مرسومة , ليجعل من دول الغرب المسيطر فكرا وسلوكا على الاتجاهات الفكرية لأمة الإسلام قاطبة ....حتى كاد يكون الغرب بكل فيه يمثل الحلم لكل أبناء أمة الإسلام ...وهنا ينبغي التنبيه على ضرورة أن ينفق المال وفق دراسات اقتصادية اجتماعيه في الإعلام , ليكن نافعا مؤثرا , ويمثل عنصر القدوة ليخرج الأمة من سباتها العظيم وأزمتها الراهنة ...وهذا يستدعي فرق إعلامية محترفة في التعامل في وسائل الإعلام للقيام بدورها على أكمل وجه .
3- حي على الصلاة:
فلا نهضة بدون الاعتماد على الله، والتوكُّل عليه في كل شؤوننا وأحوالنا، ولا حول ولا قوة لنا إلا به - سبحانه وتعالى.
عندما نجعل الدافع لنا في رسالتنا الإعلامية الهادفة مرضاة الله تعالى , لتكن أمتنا قوية موحدة فإن الرسالة الإعلامية سيختلف طرحها كاملا عما نراه الآن من قنوات فضائية هابطة تدعو للتطرف والتكفير والإرهاب المنظم والقتل المباشر وكله باسم الدين وتحت راية الرب ....لذا ينبغي لنا أن نعمل جاهدين بسلطة الدولة ونفوذ المال للقضاء على كل ما هو سلبي إعلاميا أو على الأقل النخفيف من أثره في حياتنا العملية , وذاك لأن الكثير من الشباب أصبح يبني فكره على ما يشاهد ويسمع ....و قنوات التطرف ما بين السنة والشيعة تعد العامل الأقوى في بناء التطرف والفرقة والتشرذم بحال الأمة الإسلامية ...فهي أبواق ينفق عليها للتدمير لا للبناء و للفرقة لا للوحدة .
4- حي على الفلاح:
فالإعلام ينبغي أن يكون داعيًا إلى العمل، لا يَشغل الناس بالتوافه من الأمور، ولا يكون مُحبطًا لهم، كاسرًا لعزائمهم؛ بفعْل المواد الهابطة والأفعال التي تُغضب الله تعالى.
قصة الهدهد:
قال تعالى: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ، أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ،اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 20 - 27].
ففي هذه القصة القصيرة يَحكي لنا القرآن الكريم أمثلة للإعلام الهادف الصادق، من خلال هذا الكائن الضعيف (الهدهد)، وكيف كان حال المستمع لهذا الإعلام (سليمان - عليه السلام).
ونستطيع أن نُلخِّص هذه الدروس في:
1- التحري وبذْل الجهد في الحصول على المعلومات:
فكم قطَع هذا الكائن من المسافات؛ لكي يقف على حكاية هؤلاء القوم!
هكذا يكون الإعلام الهادف، فليس الإعلام مجرَّد معلومة عابرة بغرض السَّبق الصحفي أو الإعلامي، ولكن الإعلام الصادق جُهد وعرَق من أجل الوصول إلى الحقيقة، وتحرِّي الحق أينما كان.
2- التيقُّن من المعلومات:
فكم من الجهد المبذول الذي بذَله الهدهد للتأكد من صحة الخبر؛ ﴿ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ ﴾ [النمل: 22]، ليس مجرَّد شائعة من الشائعات، ولا خبر من الأخبار العابرة، ولكنه خبر سيُحيي الله به أُمَّة، ويُخرجها من الظلمات إلى النور، ومن الجاهلية إلى الإسلام.
3- توطين النفس على التمييز بين الصدق والكذب:
﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النمل: 27]، فيا لها من كلمات عظيمة من سليمان - عليه السلام - فالمسلم ليس إمَّعة مع الناس حيث ساروا، ولكنه مُوطِّن لنفسه؛ إن أحسَن الناس أحسَن، وإن أساؤوا فلا يَظلم.
هذه بعض النماذج الصادقة الهادفة من القرآن والسنة، نسأل الحقَّ - تبارك وتعالى - أن يُعلمنا ما يَنفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا؛ إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
رؤيتنا لدور الإعلام الذي نريد ...
في هذا المقام نرى أنه لا يخفى على أحدٍ دور وسائل الإعلام وخاصّةً في عصرنا الحاضر، فكلّنا يشاهد أثر وسائل الإعلام في المشهد السّياسي في العالم العربي والإسلامي، فقد ساهمت عددٌ من القنوات الفضائيّة في الثّورات العربيّة التي سمّيت بثورات الرّبيع العربي والتي حصلت في عددٍ من أقطار الوطن العربي مثل مصر وليبيا وتونس وغيرها، وعلى الرّغم من أنّ أهمّ وسائل الإعلام حاليّاً هي القنوات التّلفزيونيّة إلا أنّ هناك عددٌ من وسائل الإعلام التي تشترك معها في في بثّ الخبر ومنها الإعلام المسموع كالرّاديو والإعلام المقروء كالصّحف، وقد دخل حديثاً نوعٌ آخر من الإعلام وهو إعلام الإنترنت والشّبكات الإجتماعيّة التي نافست في كثيرٍ من الأحيان الخبر التّلفزيوني من حيث التّأثير والانتشار.
إنّ أهمّ دورٍ تتطلع به وسائل الإعلام هو نشر الخبر، فالخبر هو مادّة وسائل الإعلام، وقد يكون هذا الخبر مصوّراً أو مسموعاً أو مقروء، وإنّ وسائل الإعلام المختلفة لتتنافس فيما بينها على تقديم الأخبار بصورةٍ أكثر مهنيّة واحتراف، كما تشكّل الحياديّة والموضوعيّة في الخبر سمةً هامّةً في صناعة المادّة الإعلاميّة، وكلما كان الخبر موضوعيّاً كلّما كان أكثر قبولاً عند المتلقّي، كما أنّ من الأمور التي تميّز وسائل الإعلام عن بعض التّغطية في الخبر، بمعنى أنّه كلّما توسّعت التّغطية الإعلاميّة للأخبار عبر العالم كلّما أصبحت وسيلة الإعلام أكثر شهرةٍ وحضور.
ومن بين الأدوار التي تتطلع بها وسائل الإعلام نشر المعلومات وتثقيف المجتمع بما يهمّه في جميع جوانب حياته، فقد تكون المادة الإعلاميّة تتناول جانباً صحيّا في المجتمع لتوعية النّاس بمخاطر عددٍ من الأمراض مثلاً، كما تساهم وسائل الإعلام في محاربة الشّائعات التي تنتشر أحياناً بين المجتمع من خلال بيان المعلومة الصّحيحة والخبر اليقين، وتقوم بعض القنوات التلفزيونيّة ببث موادٍ تعليميّة في صلب تخصّص طلاب المدارس وتوفّر عليهم نفقات استقدام مدرّسين خصوصيّين .
وكذلك يستخدم بعض أصحاب الشّركات التّجاريّة وسائل الإعلام للتّرويج لمنتجاتهم المختلفة، حيث تساهم وسائل الإعلام في توصيل المادة الإعلانيّة إلى جمهورٍ عريضٍ من النّاس بصورة تنعكس إيجاباً على التّجار.
وأخيراً يبقى أن نقول أن وسائل الإعلام تبثّ أحياناً مواد تسليةٍ وترفيهٍ للنّاس، على الرغم من أنّ كثيراً منها تسيء إلى أخلاقيّات المجتمع أكثر ممّا تنفعه ....لذا ينبغي أن نولي مجال الإعلام في عالمنا الإسلامي أهيمة وعناية أكبر وأن نغدق عليه الكثير من المال استثمارا في حقل الإعلام وتوجيها لأبناء الأمة جمعاء وتخليصا للأمة من أزماتها المتتالية والتي تعصف بوحدتها وبنيان صفها وقوة تماسكها .
الدور المناط بوسائل الإعلام تجاه المجتمع والفرد معا في عالمنا الإسلامي
تميزت ثورة المعلومات في عالمنا الإسلامي بظهور قنوات اتصال جديدة لا تعرف حدوداً ولا حواجز، فظهور البث الفضائي والانترنت والاتصالات الفضائية، حولت العالم إلى ما يشبه القرية الصغيرة ومكنت أي شخص من معرفة ما يجري على بعد آلاف الأميال منه وهو جالس في غرفته المغلقة أمام شاشة التلفزيون أو جهاز الحاسوب.
هذه المستجدات جعلت العالم أمام صناعة جديدة، إنها صناعة الإعلام، ولما كان لكل صناعة "سواء أكانت تنتج سلعة مادية أم فكرية" أسس وعناصر، فإن صناعة الإعلام تركز على أسس ثلاث: الرسالة الإعلامية والتي قد تكون حدثاً أو خبراً أو موضوعاً أو فكرة، والعنصر البشري المتمثل في المرسل والمتلقي، وأخيراً الوسيلة التقنية التي سيتم من خلالها إيصال الرسالة الإعلامية من المرسل إلى المتلقي، وتهدف العملية الإعلامية إلى ترويج السلعة (المادية أو الفكرية) بهدف تحقيق منفعة المنتج وإشباع رغبات المستهلك(عرض وطلب ) .
من هنا يبرز دور الإعلام في مجتمعنا العربي الذي لم يقدم الكثير في ثورة المعلومات والاتصالات هذه، بقدر ما كان مستهلكاً ومستورداً لهذه التقنيات، مما يضعنا أمام واقع يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل، فهل كل ما وصلنا من الغرب كان سيئاً، هل أسأنا استخدام هذه التقنيات فصارت وبالاً عليناً بدل أن ننعم بها ونوظفها في خدمة التنمية البشرية والاقتصادية، هل نرفض الجديد ونتمسك بالماضي أم نطوع هذه التقنيات الحديثة بما يخدم قضايانا ويطرح رؤيتنا وفكرنا وحضارتنا إلى شتى أنحاء الأرض .
إن دور المؤسسات الإعلامية لا يقل عن دور المؤسسة التربوية في التنشئة الاجتماعية للفرد ، فالوقت الذي يقضيه الطفل أو الشاب في تعامله مع وسائل الإعلام لا يقل أهمية عن الوقت الذي يقضيه في المدرسة، ولا تتحقق وظيفة التنشئة إلا بتكامل عمل المؤسستين التربوية والإعلامية بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.
من هذا المنطلق تتضح أهمية الوسائل الإعلامية في أداء رسالتها الثقافية والتربوية،حتى لمن يجهل القراءة والكتابة، كما أن التعلم عبر وسائل الإعلام يقوم في جوهره على ترابط عضوي بين التعلم والترويح عن النفس، أي يمكن اعتبار المؤسسة الإعلامية مدرسة موازية، تساند المدرسة التقليدية وتكمل عملها.
إن هذه العلاقة المتكاملة بين الإعلام والتربية تضعنا أمام إشكالية نوعية المواد المقدمة عبر الوسائل الإعلامية، فأمام هذا الدفق الهائل من المعلومات عبر الأقمار الاصطناعية والانترنت، والذي تجاوز حدود ما تستطيع الدول والحكومات أن تتحكم به، هل تستطيع الدول العربية أن تواجه هذا الغزو الثقافي الأجنبي المؤسس والممنهج الذي بات مهدداً للثقافة الوطنية و للقيم الأخلاقية ؟ وهل استطاع المجتمع العربي الذي يتعرض يومياً ويتفاعل مع تيارات ثقافية ومذهبية وسياسية متصارعة، أن يحافظ على ثقافته المحلية ويستقي من الثقافات الأخرى ما يناسب قضاياه وأهدافه؟
من المؤسف القول بأن وسائلنا الإعلامية لم تتمكن من أداء دورها المطلوب في التربية والتنشئة، فباستثناء الوسائل التي تمولها الحكومات المحلية والتي عادة ما تحظى بأقل نسبة مشاهدة (نتيجة عوامل تتعلق بنوعية المادة الإعلامية وضعف التمويل وسوء الترويج والروتين الحكومي)، فإن الوسائل الخاصة قد طرحت قيماً وأفكاراً بعيدة عن بنية وثقافة المجتمع العربي التي تتميز بكونها عاطفية وأسرية ومتماسكة، وطرحت أنماطاً سلوكية واجتماعية لا تتناسب مع الواقع المحلي وخصوصية هذا المجتمع .
فكثيراً ما نسمع عن محطة فضائية جديدة موجهة لمعالجة قضايا الشباب والمجتمع، وتسعى إلى تحقيق رغبات الشباب العربي وطرح أفكاره ومشاكله، لكنها في الواقع ليست إلا منبراً لشركات الإنتاج الفني التي تبتغي الربح أولاً وأخراً، ولا تقدم في معظم الحالات مادة فنية جيدة، و تتحول شاشتها إلى مكان لتبادل الرسائل القصيرة والمحادثة الفورية التي تستنزف ساعات طويلة من الوقت، قبل أن تستنزف المبالغ الطائلة.
ولا يعد الأمر بالنسبة للصحافة المكتوبة أوفر حظاً ، فمعظم المجلات الموجهة إلى جيل الشباب، لا تؤدي رسالتها وهدفها الأساسي في التربية والتوعية لقضايا إنسانية واجتماعية وثقافية، وأكثر ما تفعله هو نشر أخبار وإشاعات وفضائح، أما ما تقدمه من مواد تتعلق بالصحة والأسرة ومشاكل المجتمع فلا يزيد عن كونه مادة إعلانية لأفراد أو شخصيات اجتماعية أو مؤسسات خدمية داعمة .
كذلك يقضي عدد لا بأس به من الشباب العربي ساعات طويلة في استخدام الانترنت، ورغم كون هذه الوسيلة جديدة نسبياً على مجتمعنا الإسلامي، فإن استثمارها في خدمة قضايا المجتمع من النواحي التربوية والتنموية لا ترقى إلى المستوى المطلوب..
بعد هذا الطرح نجد أن دور المؤسسات الإعلامية لا بد أن يتكامل مع دور المؤسسات التربوية والأسرية والمؤسسات الأهلية، في تنمية موارد المجتمع وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية،والتوعية لقضايا التنمية البشرية والصحية والاجتماعية، وتعزيز القيم الإنسانية، وتنمية شعور الفرد بالانتماء لمجتمعه، وهذه الجوانب تهم شرائح المجتمع بأكلمه، ممن هم في موقع اتخاذ القرار ورسم الخطط والسياسات، وكذلك بقية أفراد المجتمع وتنظيماته الأسرية والاجتماعية.