المشهد التعليمي الاسلامي في الغرب: مشكلات ومقترحات
المشهد التعليمي الاسلامي في الغرب: مشكلات ومقترحات
( بحث مقدم للمؤتمر الدولي التاسع عشر للوحدة الإسلامية)
د. حسن عزوزي
أستاذ في كلية الشريعة بفاس
تمهيد:
من الواضح أن المشهد الاجتماعي الإسلامي في الغرب قد تكونت وتشكلت بعض قسماته خلال العقدين الأخيرين وإن كانت أسسه قد انبعثت منذ استقرار طلائع المهاجرين المسلمين في الأقطار غير الإسلامية.
وعندما اشتد عود الصحوة الإسلامية العارمة خلال السنوات الماضية خاصة بعد بزوغ الثورة الإيرانية عام 1979 أضحى المشهد الاجتماعي الإسلامي في الغرب أكثر بروزا وأوسع قاعدة حيث توفرت من أسباب النهوض بالواقع الاجتماعي في هذه المرحلة ما لم يتوفر مثله في أية مرحلة سابقة.
ومهما اختلفت جنسيات الأقليات الأصلية والوافدة، ومهما تباينت مستويات الثقافة لديهم فإن المكون الثقافي الأساس والعامل المشترك بينها هو الإسلام الذي تتوحد حوله مختلف الأقليات والجاليات الإسلامية في الغرب وهو ما يفرض على جميع الفئات والشرائح المكونة لها نوعا من التآلف والتعاون والتكامل والوحدة الإسلامية. وهذه حقيقة ينبغي أن يعيها القائمون على توجيه الهياكل الاجتماعية الإسلامية (تعليمية وتربوية وإعلامية وغيرها) في المجتمعات الغربية.
ولا شك أن اعتبار المسلمين المقيمين في الأقطار غير الإسلامية أقليات يُكسِب وجودهم خصوصيات معينة ويجعل نشاطهم الثقافي والاجتماعي بالمقابل مقيدا بمحددات وضوابط، لذلك فإن أية محاولة لنسج خيوط المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب ينبغي أن تضع في الاعتبار أن العمل الاجتماعي الإسلامي بصفة عامة يتم تنفيذ آلياته وفق قوانين البلدان المضيفة وبحسب ما تمليه الإجراءات المعمول بها في التعبير عن حياة اجتماعية مختلفة عن الحياة الاجتماعية المحلية السائدة.
لماذا الاهتمام بالمشهد التعليمي الإسلامي في الغرب ؟
هناك ثمة دوافع وبواعث تدفع إلى الاهتمام بالمشهد التعليمي الإسلامي في الغرب، نذكر منها.
1- ضرورة إعادة النظر في أبرز مكونات العمل الثقافي والاجتماعي الإسلامي في الغرب من أجل تجاوز السلبيات والثغرات واقتراح خطط التغيير والتجديد في إطار رؤية شمولية وواقعية.
2- إن المتغيرات الدولية الراهنة والتحولات الاجتماعية العالمية تدفع بقوة إلى مراجعة شاملة لخطط العمل وقنوات "التدبير" التعليمي من أجل صيانة جديدة للبناء المستقبلي للمسلمين في الغرب تراعي الاستجابة المشروعة لضغوط المتغيرات والتحديات.
3- التطور الهائل للشأن الثقافي والاجتماعي للمسلمين في الأقطار غير الإسلامية المبني أساسا على تحول الوجود الكمي إلى تأثير كيفي بصورة متنامية ومثيرة تستدعي تصور المشهد أولا ثم العمل على تطويره وحسن أداء مكوناته واستشراف واقع تعليمي إسلامي ملائم ومتطور.
4- الحاجة إلى تحقيق تعليم متوازن لأبناء المسلمين في الغرب يأخذ بعين الاعتبار العناية بالتكوين الروحي والخلقي إلى جانب التكوين العلمي والمعرفي، وذلك تفاديا لوقوعهم في براثن الانحراف والانسياق وراء المعطيات السلبية للحضارة الغربية في الحقل التربوي والتعليمي وغيره.
وتعود أبرز معالم الاختلاف بين الدول الغربية في السماح بتفعيل العمل التعليمي الإسلامي في الغرب إلى عوامل عدة منها:
أ)الاعتراف الرسمي بالإسلام، فهناك دول تعترف بالإسلام مثل بلجيكا والنمسا وإسبانيا…
وهناك دول أخرى لا تسمح بذلك.
ب) السماح بتدريس اللغة العربية في المدارس.
ج) الموافقة على بناء المساجد والمدارس والمراكز الثقافية الإسلامية.
د) مستوى دعم الدولة الغربية للنشاط التعليمي الإسلامي ماديا ومعنويا.
هـ) مدى الإقرار بمبدأ التداخل الثقافي L’Intrercuturel في المناهج التعليمية المعتمدة في الدول
الغربية([1]).
وهكذا فإنه من الطبيعي أن تنجم عن الوجود الإسلامي في الغرب متطلبات وحاجيات فضلا عن المشاكل المتعلقة بتربية الأبناء وتعليمهم تعليما إسلاميا والسعي إلى المحافظة على هويتهم الدينية والثقافية والاجتماعية حيث إنهم لا يجدون المدرسة المناسبة التي يتلقون فيها تعليما متصلا بدينهم وثقافتهم، لذلك فإن واقع التعليم الإسلامي لأبناء المسلمين المقيمين في الأقطار الغربية يبدو محفوفا بكثير من المشاكل والعوائق التي تحول دون تفعيل وتطبيق أسس ومبادئ وتعاليم الإسلام في مجال تعليم الأبناء تعليما إسلاميا وتحصينهم من عوامل الذوبان والاندماج السلبي.
الفصل الأول: مشكلات وتحديات أمام المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب.
إن مما لا شك فيه أن مستقبل الحضور الإسلامي في الأقطار غير الإسلامية واستمراره وفعاليته يتوقف إلى حد كبير على عامل أساس يعود لطبيعة المركز الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي سوف يحتله المسلمون في المجتمع الغربي والأدوار التي سيتولون القيام بها، ومن الواضح ان عناصر التكوين والتربية والتعليم هي بمثابة الوسائل الفعالة لبناء ذلك المركز المنشود وتحسين تلك الأدوار المرتقبة. وقد وعى المسلمون هذه الحقيقة مبكرا فحرصوا على الاستفادة من المعارف والتقنيات التي تقدمها المدرسة الغربية للأطفال والشباب، لكن حصيلة تمدرس أبناء المسلمين في الغرب خلال العقود الأخيرة قد أثبتت تراكم العديد من العوائق والظواهر السلبية خاصة مشكل الفشل الدراسي الذي أضحى سمة بارزة في الواقع التربوي والتعليمي لأبناء المسلمين في الأقطار غير الإسلامية.
ومن خلال تشخيص بعض المتغيرات والتحولات التي طرأت في السنوات الأخيرة يتبين أن كثيرا منها تمثل تحديات خطيرة تعترض سبيل التعليم الإسلامي الهادف في الغرب وذلك نظرا لتأثيراتها وانعكاساتها السلبية. ولا شك أن وجود جملة من المعوقات والتحديات المؤثرة في العمل التربوي والتعليمي الإسلامي في الغرب من شأنها إضعاف أثر المجهود التربوي الإسلامي المبذول لفائدة أبناء المسلمين في الغرب مهما كان محدودا.
وقد اعتقد الغربيون لفترة طويلة أن المدرسة الغربية هي الإطار الملائم لاستيعاب أبناء المغتربين وإدماجهم اجتماعيا وثقافيا، فحرصوا على أن تستوعب المدرسة جميع الأطفال والشباب المنحدرين من الهجرة، لقد كان رهانهم قائما حول فعالية الآليات التربوية للمدرسة وقدرتها الكبيرة على التنشئة الاجتماعية بواسطة فرض النموذج الثقافي والقيمي الغربي عليهم([2]).
وبقدر ما كانت الحصيلة النهائية لتمدرس أبناء المسلمين في الغرب لا تستجيب لتطلعات الغربيين الرامية إلى تذويب شخصية هؤلاء وطمس هويتهم وإدماجهم في المجتمع الغربي إدماجا سلبيا كانت الحصيلة أيضا غير مرضية لطموحات الآباء الرامية إلى تحسين المراكز الاجتماعية لأبناء الجيلين الثاني والثالث عن طريق الاستفادة من الدراسة في المدارس الغربية عبر مختلف مراحلها.
ويمكن إجمال الحديث عن بعض المشكلات والتحديات القائمة أمام المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب من خلال ما يلي:
المبحث الأول: العولمة والاختراق الحضاري الغربي في مجال التربية والتعليم.
إذا كانت تحديات العولمة قد ألقت بظلالها على العالم الإسلامي وغيره فإن أبناء المسلمين المقيمين في الغرب هم أشد اكتواء بنارها وأكثر معاناة من شدة وطأتها، ونجد على المستوى التربوي والتعليمي ان المجتمعات الغربية التي تجري فيها عولمة القيم والأخلاق وأنماط العيش والسلوك تؤثر بقوة على أبناء المسلمين. وإذا كان التعليم الإسلامي المحدود في بلاد المهجر يسعى مع الأسرة المسلمة إلى إنتاج الوجدان الثقافي والتربوي في نفوس أبنائها عن طريق مجموع القيم والأخلاق الإسلامية فإنه يصطدم بتحديات العولمة في هذا المجال، مما ينتج عنه عجز مريع في مجال المقاومة والتصدي لعوامل زحف العولمة الكاسحة والجارفة التي ترمي إلى تحطيم القيود الأسرية ذات المنزع الديني والأخلاقي([3]).
إنه وفي ظل سيادة نظام ثقافة العولمة أصبح اليوم المصدر الجديد الأقوى لإنتاج القيم التربوية والتعليمية وصناعتها وتشكيل الوعي التربوي في صفوف أبناء المسلمين في الغرب يأتي عن طريق مجال الإعلام السمعي البصري المتدفق بقوة وكذا من البيئة الاجتماعية والمدرسة الغربية وغيرها، مما يستدعي من قادة العمل الإسلامي في الغرب والقائمين على شؤون وأمور التعليم الإسلامي بمختلف أنظمته الوعي بخطورة هذا التحدي والتفاعل معه من موقع الثقة بالنفس والإدراك العميق بأهمية التعامل مع المتغيرات والتحديات بوعي وانضباط من أجل القدرة على توجيه أبناء المسلمين إلى ما يصونهم ويحميهم من سلبيات العولمة الثقافية والتربوية وتأثيراتها السلبية وهو ما يتطلب الاهتمام بمجالات معينة تشكل بمجموعها الإطار العام الذي يغذي الهوية والخصوصيات الثقافية بما يكفل لها الثبات والاستمرارية والأصالة ويأتي على رأس هذه المجالات المجال التربوي والتعليمي الذي يكون هدفه المحافظة على الفطرة السليمة للناشئة والعمل على تنميتها وتزكيتها باستمرار بالإضافة إلى استهداف بناء أسس تعليم إسلامي هادف يمثل "ممانعة تربوية وثقافية "تتصدى للانعكاسات السلبية للعولمة الثقافية.
المبحث الثاني: التأثيرات السلبية على الهوية الإسلامية.
لقد بينت الكثير من الدراسات والأبحاث التي أنجزت حول أزمة الهوية والاغتراب الثقافي أن الأبناء المنحدرين من الهجرة يعيشون وضعية مأساوية تعود للاغتراب الثقافي وضياع الهوية الإسلامية وما ينتج عن ذلك من فقدان الثقة بالنفس والانعزال والتأخر الدراسي وسوء التكيف مع المحيط الخارجي وتتحمل المسؤولية في ذلك كل من الأنظمة التربوية والتعليمية الغربية التي ترفض التفتح على ثقافات الآخر، وكذلك المجتمع الذي يرفض من لا يتمثل القيم والثقافة الغربية([4]).
وإذا كانت الهوية الإسلامية هي نتاج ما تتميز به الأمة من مكونات ومقومات وخصائص فإن الحفاظ عليها في المجتمعات الغربية يبدو أمرا بالغ الصعوبة، وهو ما يضع التعليم الإسلامي في الغرب أمام تحد كبير، ذلك أن أبناء المسلمين في الغرب من الأطفال والشباب يجدون أنفسهم معرضين لإغراءات العولمة الثقافية والتربوية من جهة ومستلزمات الحفاظ على الهوية الإسلامية في الغرب خاصة عندما يكون لدى شريحة من الأبناء الذين استهواهم بريق وإغراء الحضارة الغربية في جانبها السلبي فراغ روحي وتشتت ثقافي تسهم المدرسة الغربية في تعميقهما.
ومن المؤسف أيضا أن يصطدم أبناء المسلمين في الغرب بالتنكر التام للغتهم وثقافتهم ودينهم، وهم عندما يلتفتون إلى آبائهم علهم يجدون لديهم البديل الثقافي القائم على معرفة سليمة بالإسلام عقيدة وشريعة فإنهم لا يجدون ما يشفي غليلهم نتيجة وضعية الأمية المتفشية خصوصا بالنسبة للجيل الأول، والشيء نفسه حاصل عندما يتعلق الأمر باكتساب الثقافة الغربية حيث إن السائد الغالب هو أن أبناء المسلمين المتمدرسين في المدارس الغربية لا يكادون يكتسبون سوى بعض المظاهر السطحية للثقافة الغربية وهو ما يعني وقوفهم موقفا متأرجحا بين قشور ثقافتين مختلفتين : الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية، مما يشكل خطورة واضحة على التمسك بالهوية الإسلامية. لكن هذا التمسك لا يعني قطعا التقوقع والانغلاق على الذات ولكنه تعبير متفتح وواعٍ عن الذات الحضارية باعتبارها الإطار المرجعي والروحي والأخلاقي، وهذا التعبير لا ينفي التعامل مع المجتمع الغربي تعاملا واعيا ومسؤولا.
إن الهوية الإسلامية في المجتمعات الغربية هي الأكثر تعرضا لسلبيات وانعكاسات العولمة لذلك تبرز الحاجة إلى مقاومتها قصد حماية الخصوصيات الثقافية والتربوية لأبناء المسلمين المقيمين في الغرب من الانحلال والتمييع.
المبحث الثالث: المناهج الدراسية ذات الطابع العلماني.
تشكل المناهج الدراسية والتربوية التي يتلقفها أبناء المهاجرين المسلمين في ديار المهجر جوهر المشكلة التربوية والتعليمية، فعندما يستوي الطفل أو الشاب المسلم مع غير المسلم في تلقي المنهج الدراسي الغربي المبني على ركائز علمانية وأسس لا دينية، فإن الطفل المسلم بعد أن يكون قد نهل من مختلف المناهج التربوية الغربية لا يستطيع الانفكاك من أثرها العميق في نفسه وروحه كما أن ثقافته الدينية والتربوية لا يمكن إلا أن تنحو المنحى الذي يتوافق مع المنهج الدراسي المتبع، لذلك فإن أطفال وشباب المسلمين في الغرب يتعرضون لمسلسل ممنهج يرمي إلى ترسيخ القيم الغربية وزرع أنماط التفكير والسلوك والعادات المرتبطة بها، ويبتدئ هذا المسلسل منذ مرحلة الروض، مرورا بمراحل التنشئة التربوية بالمدارس وتأثرا بضغوط الشارع ووسائل الإعلام وغيرها من المؤثرات الخارجية في المحيط الاجتماعي.
إن جل المناهج الدراسية المعتمدة في الدول الغربية لم تسع إلى دمج المقاربة التي تنادي بأهمية التداخل الثقافي L’Interculturel ،كما أن هذه المناهج لا تترك أي مجال لتعليم اللغة الأصلية لأبناء المسلمين، وكل ما أنجز في هذا المجال عبارة عن تجارب محدودة جدا في الزمان والمكان، وعلى الرغم مما تنصح به الدراسات النفسية التي تؤكد أهمية اللغة الأم ودورها أيضا في تفادي الفشل الدراسي، فإن المدارس الغربية مستمرة في رفضها إدماج اللغات الأصلية ضمن مناهجها وحصصها التعليمية([5]).
المبحث الرابع: ضعف التأهيل التعليمي لأبناء المسلمين في الغرب.
لا شك أن أبرز معوقات ومشكلات المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب ضعف المستوى الثقافي والتعليمي لأبناء الأقليات الإسلامية التي تحولت إلى مجتمعات استهلاكية منشغلة بالجوانب المادية من حياتها. وفضلا عن ذلك فقد كان للوضع الأسري أثره البالغ في رسم المسار التعليمي لأبناء المسلمين في الغرب، وقد أشارت كثير من الدراسات إلى تأثير نوع السكن وعدد أفراد الأسرة وفشو الأمية بين الآباء والأمهات إلى غير ذلك من العوامل([6]) التي جعلت أبناء الجيلين الثاني والثالث لا يستفيدون من أوضاعهم للدراسة في المدارس الغربية، ويمكن أن نذكر بجانب هذا غياب التأطير العام لاستراتيجية أسرية في عالم الاستثمار الاجتماعي وتعليم الأبناء وبناء مستقبلهم.
ويمكن إرجاع ضعف التأهيل التعليمي لأبناء المسلمين إلى الغرب في جملة من الأسباب منها:
* فشو الأمية في الوسط الذي ينحدر منه الأبناء المستهدفون في عملية التعليم، وهذا الأمر لا يساعد ولا يشجع على مواصلة التمدرس وارتياد المدارس ذات المستوى التعليمي الجيد.
* الرغبة في الكسب المادي السريع والمساهمة في الدخل الأسري مما وجه أغلب الشباب نحو التكوين المهني والبحث عن وظائف محدودة الآفاق.
* سوء الأوضاع والظروف الاجتماعية والمادية التي يعيش فيها معظم أبناء الجاليات الإسلامية مما ينعكس سلبا على مستوى التأهيل التربوي والتعليمي.
* عدم اكتراث كثير من الآباء بدراسة أبنائهم وعجزهم عن مراقبتهم ومساعدتهم على إتمام دراستهم.
* شيوع التمييز العنصري في الأوساط التعليمية الغربية من خلال اعتبار أبناء المهاجرين أجانب لا يستوون مع أبناء البلد المضيف مما يفرز نوعا من الإحباط وخيبة الأمل المفضي إلى الإخفاق في الدراسة.
* عدم ملاءمة المقررات والمناهج الدراسية الغربية لحاجيات ومتطلبات أبناء المهاجرين ويؤكد ذلك ظهور اتجاه داخل أوساط الأساتذة والمربين يدعو إلى تغيير السياسة التعليمية تجاه أبناء المهاجرين واعتماد تعليم أكثر تنوعا من الناحية الثقافية([7]).
* عدم كفاية البنيات المدرسية الغربية لاستقبال الطفل المسلم وعجزها عن إحداث تغييرات في أنظمتها التربوية وفي بعض مناهجها التعليمية لتلائم واقع أبناء المسلمين.
ونتيجة كل هذه العوامل يبدو أن ظاهرة ضعف التأهيل التعليمي لأبناء المسلمين في الغرب وفشلهم وعدم قدرتهم على إتمام الدراسة سمة بارزة تطبع مجتمع أبناء المسلمين في الغرب حتى إن نسبة عالية منهم لا تصل إلى التعليم الثانوي وغالبا ما يتم توجيهها إلى التعليم المهني أو التقني القصير لسد احتياجات القطاعات الصناعية من اليد العاملة مما يكرس مرة أخرى إعادة إنتاج مهن ووظائف الآباء من الجيل الأول، أما التعليم الجامعي فلا يرتاده سوى أقلية وأحيانا تكون النسبة منعدمة في بعض التخصصات الجامعية ([8]).
المبحث الخامس: مشكل تعليم اللغة العربية في المجتمعات الغربية.
بالرغم من الجهود المحمودة التي تبذلها الجمعيات والمراكز الثقافية الإسلامية في الغرب في سبيل وضع بنيات قوية لتعليم أسس اللغة العربية ومبادئ التربية الإسلامية فإن ذلك لا يكاد يطال سوى فئة محدودة من أبناء الجالية الإسلامية في حين تبقى الفئة العريضة من الأطفال والشباب معرضة لتأثير المدرسة الغربية.
إن منشأ مبادرات الجمعيات والمراكز الثقافية الإسلامية يرجع في واقع الأمر إلى إدراكها بأن أبناء الجيلين الثاني والثالث فضلا عن الرابع الذي هو في طور النشوء([9])يعيشون وضعية ضياع وتمزق ويخشى أن ينسلخوا نهائيا عن هويتهم الثقافية، بحيث أضحت معرفتهم باللغة العربية تتدنى وتتناقص والبعض يجهلها جهلا تاما، وكل ذلك نتيجة تراجع دور الأسرة وانعدام التواصل بين الأجيال داخل الأسرة ذاتها بالإضافة إلى ضغوط المدرسة والشارع والبيئة الاجتماعية ووسائل الإعلام. ولسد الاحتياجات الكبيرة في المجال التعليمي تم تنظيم حصص للتعليم الموازي في المساجد والمراكز الثقافية بهدف تعليم الأطفال المسلمين أسس ومبادئ التربية الإسلامية واللغة العربية والثقافة الإسلامية عموما، وتنحصر أنظمة تعليم اللغة العربية بالدول الغربية فيما يلي:
1- التعليم الموازي المتمركز في المساجد والمراكز الثقافية خلال أوقات الفراغ (عطلة نهاية الأسبوع) ويتم التركيز على تجربة التعليم الموازي نظرا لكونه يعد في الظروف الحالية الأهم باعتباره يضم أكبر نسبة من التلاميذ الذين يستفيدون من تعليم اللغة العربية وتعاليم الإسلام، ويعاني هذا النوع من النظام التعليمي من غياب إطار مؤسسي للتنسيق، كما أن الجهات المتدخلة في هذا النوع من التعليم تتنوع وتتعارض أهدافها وطرقها البيداغوجية. ويشكو هذا القطاع أيضا من ضعف الموارد المادية فضلا عن قلة الأطر التعليمية المناسبة مما يعيق الاستجابة لكل الطلبات في المجال التربوي.
ومن عيوب هذا النظام التعليمي اعتماده على بعض المناهج الوطنية في البلدان الأصلية، وهي في معظمها غير ملائمة لخصوصية الأقطار غير الإسلامية كما أن هناك غيابا تاما لنظام التقويم الممنهج الذي يتيح تتبع مدى تقدم التلميذ في اكتساب المعرفة ومسايرة المناهج المقررة، ولا ينبغي إغفال ما يعانيه التلاميذ من إرهاق وتعب نظرا لكون التعليم الموازي ينظم في أوقات راحتهم([10]).
2- التعليم في بعض المدارس الرسمية التي تسمح بتخصيص حصص لتعليم مبادئ اللغة العربية والتربية الإسلامية (مثل فرنسا- بلجيكا-النمسا-هولندة..) ومعلوم أن مسألة تعليم الأديان بالمؤسسات الغربية تثير الكثير من الأسئلة، وذلك بسبب الحساسيات المرتبطة بها. وهناك بعض الدول التي صدرت بها قوانين (فرنسا مثلا) تمنع تعليم الأديان بالمدارس العامة، وذلك انسجاما مع مبدأ العلمانية، غير أن هناك دولا أخرى كبلجيكا مثلا تسمح بتعليم الأديان المعترف بها،ولذلك كانت هناك بعض المبادرات التربوية الهادفة إلى إدخال ثقافة ولغة أبناء المسلمين إلى المدارس العامة وذلك في إطار مشروع التداخل الثقافي الرامي إلى تحقيق أهداف التفتح على ثقافة الآخر([11]).
التعليم في المدارس الخاصة التي تتمتع بوضعية قانونية معترف بها، وهي نادرة ومعدودة في بعض البلدان الغربية حيث يجري التعليم فيها طوال أيام الأسبوع ويخصص فيها جانب لابأس به لتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية إلى جانب تدريس المقررات والبرامج الدراسية المتبعة في المدارس الحكومية باللغات المحلية.
ويعتبر التعليم في المدارس الإسلامية الخاصة الحل الأنجع للنهوض بمستوى تعليم أبناء المسلمين في الغرب، إذ أمام المشاكل التي تعترض سبيل تجربة التعليم الموازي تدعو الحاجة إلى التفكير في إقامة مزيد من المدارس الإسلامية الخاصة تسعى إلى تكريس تعليم إسلامي متميز يأخذ بعين الاعتبار العناية بالتكوين الروحي والخلقي إلى جانب التكوين العلمي والمعرفي.
الفصل الثاني : مقترحات وحلول في مجال المعالجة والتسديد
لاشك أن كل تقدم يحرز في المجال التعليمي من شأنه أن يساعد على تحسين نوعية حياة المسلمين في الغرب، كما من شأنه أن يساعد على حسن تكيفهم مع محيطهم وتمكينهم من إعطاء صورة إيجابية عن الإسلام. لكن مشكلة التعليم الإسلامي الأجيال الناشئة من أبناء المسلمين في الغرب تبدو معقدة، فنظم التعليم الآن في دول العالم تتصف بالعمومية والتخطيط القومي واستهدف غايات معينة في إعداد الفرد وتنشئته ليكون مواطنا، وهنا يكمن الخطر على أبناء المسلمين حيث يستهدف التعليم في الإسلام لهما أصولهما الذاتية بحيث يستهدف التعليم والتربية تنشئة (مسلم) في عقيدته وقيمه وخلقه وسلوكه في علاقاته بالناس وذلك على عكس بعض نظم التربية التي تستهدف تنشئة (مواطن) بكل ما يقتضيه ذلك من التركيز الشديد على النزعة القومية والوطنية التي تخدم هذا الغرض، وفي ظل هذا النظام العام يتلقى الطفل المسلم حقائق الحياة ويتأثر في صغره بكل ما يلقى إليه وتسود القيم التي يراد غرسها بحكم السن والاتصال والاختلاط. ولا يمكن للطفل في مرحلة متقدمة أن يغير من تأثير (التربية) التي تلقاها والتي تؤهله ليكون (مواطنا) فحسب، إذ يعد الدين غير مقصود لذاته في معظم نظم التعليم في العالم.
أمام كل هذه المشاكل التي تم استعراضها والتي تعترض سبيل القيام بمهام التعليم الإسلامي في الغرب على أحسن وجه يبقى إحداث وإنشاء مزيد من المدارس الإسلامية الخاصة السبيل الأنجع لتحقيق المنشود وبلوغ المقصود في الحقل التعليمي المستهدف لأبناء المسلمين في الغرب.
المدرسة الإسلامية في الغرب : الحل الأمثل لمواجهة المشكلات التعليمية
إذا كانت تجربة المدرسة الإسلامية في الغرب لا تزال جد محدودة، حتى ان بعض الدول الغربية لا يوجد فيها أي نموذج للمدرسة الإسلامية،فإن قادة العمل الإسلامي في الغرب من دعاة ورؤساء الجمعيات والمراكز الثقافية الإسلامية يحذوهم جميعا أمل النهوض بتحقيق هذا الهدف وتأسيس مدارس إسلامية معترف بها تعبر عن صيغة تربوية وتعليمية ملائمة من حيث وفاؤها بالحاجات التربوية والتعليمية لأبناء المسلمين في الغرب ومن حيث قدرتها على ترجمة مبدأ التربية الإسلامية إلى واقع فعلي في المجتمع الغربي.
وإذا كانت هنالك تحديات وصعوبات قائمة في طريق تفعيل ودعم المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب من أجل تحقيق طموحات وتطلعات الأقليات والجاليات المسلمة في الغرب فإن معالجة ذلك وتسديده يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد والعمل وتوفير الإمكانات البشرية والمادية اللازمة، وإذا كانت معظم الهياكل التعليمية الإسلامية في البلدان الغربية لا تزال تقليدية (مساجد ومراكز ثقافية…) فإن تجربة إنشاء مدارس إسلامية قد أثبتت فاعليتها وجدواها فضلا عن أثرها البالغ في تطوير حقل التربية والتعليم الموجه لفائدة أطفال وشباب بلدان المهجر، ويمكن إجمال بعض الأهداف الخاصة للمدرسة الإسلامية في الغرب فيما يلي :
1- العمل على استيعاب جميع أطفال المهجر البالغين سن التمدرس والتخطيط من أجل أن ينالوا حدا مقبولا من التعليم والمهارات وأنماط التفكير والدراسة، وهذا الأمر يتطلب التعاون مع الهياكل التعليمية التقليدية الموجودة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والثقافية.
2- العمل على تقليص نسبة الانحراف لدى أبناء المسلمين في الغرب، إذ الشباب المنحدر من أوساط الهجرة الإسلامية غالبا ما يعيشون وضعية اجتماعية ونفسية قلقة ومضطربة.
3- ترسيخ الهوية الثقافية الإسلامية في نفوس التلاميذ وجعلهم متشبعين بالروح الإسلامية واعين ومطبقين لتعاليم دينهم، غيورين على ثقافتهم الإسلامية، معتزين بها ومدافعين عنها.
4- التحرر من التبعية والتقليد الأعمى والتشبث بالأصالة الإسلامية مع الانفتاح الإيجابي على معطيات الحضارة الغربية.
ومما لا شك فيه أن المدرسة الإسلامية في الغرب إذا توفرت فيها الشروط والمواصفات المطلوبة فإنها قمينة وكفيلة بأن تسهم في حل جل المشكلات والتحديات التي تواجه المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب.
ولا يمكن للمدرسة الإسلامية في الغرب أن تؤدي دورها كاملا وتحقق أهدافها المرسومة إلا إذا كانت هياكلها ومكوناتها التربوية وبرامجها التعليمية والأكاديمية مستجيبة لمجموعة من الشروط والضوابط تسهم جميعها في تحسين الأداء وتطوير العمل على الوجه الذي يتلاءم وظروف وجود المدرسة في محيط غربي.
فالمدرس مثلا والذي يعتبر الركيزة الأساسية في تحقيق مهمة تعليم التلاميذ وتربيتهم باعتباره البديل الحقيقي للوالدين في المجتمع الغربي يسهم بقوة في توفير تعليم إسلامي متكامل من خلال:
1- الوعي بالأبعاد الجديدة والمتجددة لثقافة المجتمع الغربي فهما جيدا من أجل التبصر بالأساليب التي يمكن أن تعتمد لإعداد أبناء الجاليات والأقليات المسلمة للتعامل مع هذا الواقع.
2- حسن التوجيه للثقافة الإسلامية الأصيلة والمعارف الإنسانية المعاصرة وتنقيتها مما فيها من أفكار غير سليمة على اعتبار أن البيئة الغربية تعج بالأفكار والتيارات الإسلامية المنحرفة.
3- امتلاك القدرة على إنتاج وتوليد رؤى ووسائل ومناهج تربوية قادرة على انتشال أبناء المهجر من واقع المجتمع الغربي بكل إحباطاته ومشاكله وإكراهاته وتخليصهم من الانشطار الثقافي الحاصل لديهم.
وإذا كان التلميذ يمثل محور العملية التعليمية والتربوية كلها فما لا شك فيه أن تكوينه العقلي والنفسي في ظل التعليم الإسلامي المقصود الذي تقدمه المدرسة الإسلامية في الغرب يحقق أهدافه إذا كانت هناك مدرسة جيدة ومدرس قادر ومنهج ملائم.
وينبغي في هذا السياق عدم إغفال الدور المهم والإيجابي الذي يمكن أن تقوم به العقول المهاجرة من أصحاب الكفاءات العلمية، وهنا لابد من التأكيد على أهمية اعتبار العقول المهاجرة مكونا من مكونات المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب لأنه إذا كان العالم الإسلامي قد فقد في هؤلاء من خلال هجرتهم إلى الغرب طاقات علمية جبارة واعتبر الظاهرة نزيفا للعقل العربي والإسلامي، فإن تواجدهم بالديار الغربية بين ظهراني إخوانهم أبناء الجاليات والأقليات المسلمة يعتبر مكتسبا ثقافيا ينبغي حسن استثماره واستغلاله في تفعيل ودعم المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب.
إن إشراك العقول المهاجرة في إعداد برامج التعليم الإسلامي والإشراف على المدارس الإسلامية في الغرب يعتبر خطوة رائدة في سبيل تنمية المشهد التعليمي الإسلامي في الغرب وتعزيزه بما يتواءم مع المتغيرات والتحولات الثقافية والحضارية الراهنة([12]). ومن المؤمل أيضا أن يكون للعقول المهاجرة التي تتبوأ عادة مناصب ووظائف مهمة في الغرب دور فعال في الإسهام في تفعيل جسور الحوار مع الغرب خاصة على مستوى التمكين لتعليم إسلامي خاص ملائم لأبناء المسلمين والدفاع عن مشروع تعميم المدارس الإسلامية في الدول الغربية.
وهكذا فإن الدور الأساسي للمدرسة الإسلامية هو تربية أبناء المسلمين ليكونوا مسلمين صالحين ومحصنين من كل عوامل الذوبان والانصهار في المجتمع الغربي، والمفروض فيها أن تصحح وتُقوم ما عسى أن يكون البيت المسلم قد فرط فيه أو لم يحسن توجيهه وتصويبه.إن عمل البيئة المدرسية ينبغي أن يتوجه إلى حذف كل ما هو غير ملائم من البيئة الخارجية كي لا يؤثر في عادات التلاميذ واتجاهاتهم ويكون ذلك بإقامة وسط مدرسي نقي يسهم في تعليمهم وتنشئتهم وتكوين شخصياتهم تكوينا متفتحا يمكن من التفاعل والتكيف إيجابا مع المجتمع الغربي.
بناء على هذا يمكن للمدرسة الإسلامية في الغرب أن تستأثر بالدور الأكبر والأنجع في سبيل دعم وبلورة مستوى أفضل للمشهد التعليمي الإسلامي في الغرب وذلك من خلال ما يلي:
أولا : مواجهة التأثيرات السلبية على الهوية الإسلامية.
ولا شك أن قدرة المدرسة الإسلامية على مواجهة هذا التحدي يستلزم أمورا منها:
1)بث روح المقاومة ورد الفعل في نفوس التلاميذ حماية للهوية والشخصية الإسلامية من الذوبان.
2) التأكيد على بث القيم الروحية والدينية التي تسهم في تبديد الفراغ الروحي والتشتت الثقافي لدى أبناء الجاليات والأقليات المسلمة مع العمل على ترسيخ قيم التحصين والالتزام بالثوابت المميزة للهوية الإسلامية ([13]).
3) العمل على تفعيل برامج مختلفة للتوجيه التربوي والتعليمي والثقافي تكون هادفة وقمينة بإيجاد مناعة ثقافية وتربوية لدى أبناء المسلمين في الغرب.
ثانيا: تفادي مشكل الاندماج السلبي.
إذ من الطبيعي أن يتعرض أبناء المسلمين في الغرب لحملات تغريبية متنوعة تسعى إلى ترسيخ القيم الغربية وزرع أنماط التفكير والسلوك والعيش ومحاولة إدماجهم في المجتمعات الغربية إدماجا سلبيا يرمي إلى فصلهم عن أصولهم الدينية ومحو هويتهم الثقافية، وهذا المشكل الذي يواجه عمل المدرسة الإسلامية في الغرب يمكن احتواؤه عن طريق مراقبة تربوية دائمة تدفع بكافة العاملين بالمؤسسة من إداريين وأساتذة إلى متابعة الإشراف التربوي بصورة مستمرة تحول دون هيمنة التأثير الغربي الرامي إلى الاندماج السلبي أو الوقوع –على الأقل- في الموقف المتأرجح بين دافع الاحتفاظ بالهوية الإسلامية والميل إلى الانعتاق والانصهار في المجتمع الغربي، وهذا التحدي المقلق يقتضي من المدرسة الإسلامية معالجة محكمة وتسديدا سليما.
ثالثا: العمل في إطار اجتماعي متفتح على المحيط الغربي
إن المطلوب ونحن نعيش في عصر انفتاح ثقافي عالمي تتعايش فيه الأمم وتتلاقح فيه الثقافات على صعيد الإنسانية أن تمارس المدرسة الإسلامية في الغرب مهمتها في إطار اجتماعي في المحيط الغربي يعمل على التماسك والتجانس الثقافي، وهو ما من شأنه أن يخدم مسألة تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب مستقبلا، وهذا ما يتطلب من القائمين على المدرسة الإسلامية في الغرب العمل بحزم وروية على تعزيز مكانة المدرسة في محيطها كمؤسسة تعليمية وتربوية يطبعها الانفتاح على البيئة الاجتماعية وتوثيق الصلات والتعاون مع مختلف الجهات والمؤسسات التعليمية الغربية وتعزيز جسور الحوار والتبادل الثقافي والتعليمي، وبهذا تكون المدرسة الإسلامية في الغرب ثلاثية الأبعاد :ترتبط بتراث وتجارب الماضي للأمة الإسلامية وبمبادئ وقيم وتعاليم الدين الإسلامي وتستند إلى إمكانات الحاضر وتتعامل مع متغيرات المجتمع الغربي ومستجداته وتعالج مشكلاته وتتطلع إلى آفاق المستقبل وتعد نفسها لتحقيق متطلبات وتطلعات أبنائها.
رابعا: إدماج القيم الإسلامية في مناهج التعليم.
إن المنهاج الدراسي كما ينبغي أن يقرر في المدرسة الإسلامية في الغرب لا يعني الاقتصار على المقررات والمواد الدراسية بل يشمل أيضا إدماج القيم وتنمية المهارات وأنواع السلوك في طرق التدريس المسلوكة، ومن المعلوم أن المحيط الغربي الذي تتواجد المدرسة الإسلامية في رحابه يعمل كثيرا على إضعاف روح الاعتزاز الديني والأخلاقي لدى أبناء الأقليات والجاليات المسلمة ويحل محلها الشعور بالنقص والحيرة والاضطراب، ولا مخرج من ذلك إلا عن طريق بث روح القيم الإسلامية الصحيحة وإدماجها في مناهج التعليم بالمدرسة الإسلامية في الغرب التي يقتضي استثمار النظام التعليمي بها في نقل وتمرير القيم الإسلامية وإدماجها جملة من الأمور منها.
ضرورة بناء المناهج التعليمية المقررة في مختلف المواد الدراسية انطلاقا من القيم الإسلامية وتنمية كفايات التلاميذ بناء عليها.
العمل على تنزيل القيم الإسلامية على الواقع الذي يعيش فيه تلاميذ المدرسة الإسلامية في الغرب وذلك من خلال وضع البرامج والمناهج والوسائل التربوية المتطورة بحسب حال المجتمع ومشكلاته.
السعي إلى دفع الافتتان بالقيم التربوية الغربية غير الملائمة عن طريق إظهار تميز القيم الإسلامية والتأكيد على صلاحيتها لكل زمان ومكان.
ولا شك أن نجاح كل هذا مرهون بمدى قدرة القائمين على المدرسة الإسلامية في الغرب على اختيار نوعية القيم التربوية الملائمة للفئات العمرية المستهدفة من جهة وللمجتمع الغربي الذي يعيش في ظلاله التلاميذ من جهة أخرى، وهو ما يكفل إدماج منظومة متكاملة من القيم المناسبة تتمتع بالإيجابية وتحقيق المراد بصورة تجعلها حافزة وضابطة للسلوك الاجتماعي للتلاميذ ([14]).
خامسا: تفعيل أسس ومتطلبات التنشئة الاجتماعية لأبناء المهجر.
إن المدرسة الإسلامية التي من وظائفها العمل على تحديد المناشط الاجتماعية وتنظيمها وفق أنماط فكرية وسلوكية لتصل بها إلى التكيف المنشود بين التلميذ والمجتمع تتحمل مسؤولية انتقاء الملامح الأساسية للبيئة الاجتماعية الخارجية وتكييفها إسلاميا لكي تتمثلها في البيئة المدرسية ويتمكن التلاميذ من الاستجابة لها والتفاعل معها، ومما يرتبط بهذا المجال:
1)ترسيخ العلاقة بين المدرسة وأسر التلاميذ.
إذ ينتظر من المدرسة الإسلامية في الغرب التي يتم الاعتماد عليها باعتبارها البيئة المتخصصة في تربية الأبناء وتعليمهم أن تتعاون مع أسر التلاميذ تعاونا مثمرا يقوم على العمل من أجل تكيف التلاميذ مع التغيرات الاجتماعية والثقافية الحاصلة في المجتمعات الغربية، ولما كانت معظم الأسر تقليدية في توجهاتها ومتمسكة بالقديم ومتخوفة من الجديد فإن المدرسة الإسلامية بطبيعتها المتفتحة أكثر قدرة على معايشة حركة التغير الاجتماعي في المجتمعات الغربية والتكيف معها.
2)تفعيل العلاقة بين المدرسة والمجتمع الخارجي.
فالمدرسة الإسلامية في الغرب تعتبر جزءا من نظام اجتماعي أكبر هو المجتمع المحيط، ووجود مثل هذه العلاقة يعني –بطبيعة الحال- أن حركة التغير الاجتماعي والثقافي التي تحدث في المجتمع الغربي ستؤثر حتما في أهداف المدرسة مما يفرض إنشاء علاقات مع المجتمع المحيط تعود بالنفع على المدرسة وتلاميذها وهو ما يمكن استهدافه من خلال توثيق الصلة والاتصال المباشر بين المدرسة كمركز إشعاع وتثقيف بالبيئة المحلية بما تشتمل عليه من مؤسسات وهيئات يرجى الاستفادة منها، فضلا عن ربط جسور التواصل والتعاون مع وسائط تعليمية إسلامية تقع في محيط المدرسة مثل المسجد والمركز الثقافي والإسلامي اللذين يكثر تردد أبناء المسلمين في الغرب عليهما، ولا شك أن تعاون المدرسة الإسلامية معها وتعزيز العلاقة بها ستكون له آثار إيجابية واضحة على التلاميذ.
سادسا: الاهتمام بتنمية رصيد اللغة العربية لدى التلاميذ.
إذا كانت علاقة أبناء المسلمين في الغرب باللغة العربية تكاد تكون ضعيفة لا تسمح بالتواصل التام بها مع الآخرين سواء داخل الأسرة أو خارجها فإن المدرسة الإسلامية في الغرب تعتبر مسؤولة عن تنمية الرصيد اللغوي لروادها سواء على مستوى القراءة أو الكتابة أو التواصل، وهو ما يكفل للتلاميذ القدرة على اكتساب الاتجاهات والقيم الإسلامية الرفيعة واتخاذها أساسا لأداء الأعمال وتوجيه السلوك وإقامة العلاقات كما أنه يحيي في نفوس أبناء المسلمين في الغرب الرغبة في الحفاظ على اللغة الأم والحرص على نشرها وتنميتها، فضلا عن تعزيز الولاء للثقافة الإسلامية والقدرة على فهم الإسلام فهما صحيحا وسليما([15])، وإذا كان لابد من أن نضع في الاعتبار أن التلميذ يتعلم اللغة العربية في مجتمع غير مجتمعها وفي بيئة غير بيئتها وفي خضم ثقافة سائدة غريبة عنها، فإن هذا يستوجب من القائمين على المدرسة الإسلامية في الغرب ابتكار الوسائل والأساليب القمينة بتفعيل أسس تعليم اللغة العربية لأبناء المسلمين وذلك من خلال ما يلي:
العمل على إيجاد وتوفير جو ملائم لتعليم اللغة العربية كلغة ثانية واستثارة دوافع التلاميذ لتعلمها وبذل الجهد لاكتسابها واستيعاب قواعدها حتى يتمكنوا من ممارستها قراءة وكتابة وتحدثا.
تزويد التلاميذ بمهارات لغوية وأنماط التحدث والتعبير جديدة ومبتكرة تناسب واقعهم وظرفهم مما يجعلهم قادرين على فهم طبيعة اللغة العربية والقواعد التي تضبطها، وهذا الأمر يستدعي من القائمين على المدرسة الإسلامية في الغرب الحرص على أن يتحدث التلاميذ داخل المدرسة باللغة العربية ما وسعهم الجهد، مع العمل على توجيه الآباء وأولياء الأمور إلى تكريس هذا الأمر داخل الأسر، وتكمن أهمية هذا الأمر في كون اللغة العربية يتم تعليمها في مجتمع لا يستخدم اللغة العربية لغة للتفاهم أو أسلوبا للاتصال، ومن ثم يقتصر التعلم على سويعات معدودة لا تساعد –بشكل تلقائي-على التحدث بها خارج فصول الدراسة.
سابعا: العمل على تصحيح المعلومات الخاطئة عن الإسلام في مناهج الكتب الدراسية الغربية
من الواضح أنه لا يمكن أن تنشأ علاقة طبيعية للجاليات والأقليات المسلمة مع البلدان الغربية التي ينشأ ويشب أبناء المسلمين في مدارسها على تحصيل واستيعاب كتب مدرسية تزخر بازدراء عقيدة المسلمين وتتهمهم بأسوأ الاتهامات وتبالغ في الحط من شأن الإسلام والمسلمين في الحياة الإنسانية، كل ذلك في إطار أحكام مسبقة مغرضة وصور نمطية ثابتة تطفح بالتعميمات المتحيزة والنعوت القدحية.
ولا يخفى الأثر السيئ لذلك في تلقين التلاميذ المسلمين أخطاء فادحة عن الإسلام وحضارته حيث تصطدم المفاهيم المغلوطة المبثوثة في الكتب الدراسية بالمسلمات العقدية والتشريعية التي يؤمنون بها (1) لذلك فإنه لا يمكن للمشهد التعليمي الإسلامي في الغرب أن تتأسس معالمه وتكتمل جوانبه إلا إذا كان هناك رصد ومتابعة لما يقال ويكتب عن الإسلام والمسلمين في مناهج الكتب الدراسية الغربية التي ينهل منها الأطفال المسلمون وغير المسلمين، ويمكن العمل على معالجة هذا الأمر من خلال اقتراح ما يلي:
1- العمل على رصد مجموع الأخطاء والمغالطات في مناهج التعليم الغربية وإعداد تصحيح وتقويم لها تتكفل وزارات التربية والتعليم بالدول الإسلامية بتقديمها إلى الجهات التعليمية المسؤولة بالدول الغربية التي تربطها بها اتفاقيات تعاون.
2- نهج أسلوب الإنكار والاحتجاج لدى الوزارات المعنية بالدول الغربية عن طريق سفارات الدول الإسلامية بتلك البلدان ([16]).
3- مطالبة الجهات المختصة بقضايا التربية والتعليم في الدول الغربية بالسماح للطرف الإسلامي بتصحيح ومراجعة ومعاينة ما يتم تقديمه من مادة دراسية حول الإسلام والمسلمين في الكتب والمناهج الدراسية الغربية.
4- المطالبة بتخصيص حيز ملائم ومناسب لموقع ومكانة الحضارة الإسلامية أثناء عرض المادة المخصصة للإسلام في كتب المناهج الدراسية الغربية إذ إن عدم تخصيص أكثر من صفحة أو صفحتين لذلك يعتبر انتقاصا وتهوينا من شأن الحضارة الإسلامية قد يشكل عامل احتقار للإسلام من طرف التلاميذ والطلاب غير المسلمين.
لائحة المراجـع.
* الإيسيسكو : استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب، منشورات المنظمة 1997.
* الإيسيسكو : الواقع الثقافي الإسلامي في الغرب ( لم ينشر بعد).
* أكاديمية المملكة المغربية : العولمة والهوية، الرباط 1997.
* سيد عبد المجيد : الأقليات المسلمة في أوروبا، كتاب دعوة الحق عدد 43 شوال 1405، نشر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
* شوقي محمود أحمد : الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية، دار الفكر العربي 1998.
* الشيباني ( د عمر التومي) : فلسفة التربية الإسلامية طرابلس – ليبيا 1985.
* عزوزي (د حسن) : الإسلام والغرب : قضايا ومواقف طبع فاس 1998.
* القباج ( محمد مصطفى) : التربية والثقافة في زمن العولمة، سلسلة المعرفة للجميع عدد 24، الدار البيضاء 2002.
* الكيلاني (د ماجد عرسان) : مناهج التربية الإسلامية، مؤسسة الريان 1998.
* الندوة العالمية للشباب الإسلامي : الأقليات المسلمة في العالم، نشر دار الندوة، الرياض 1999.
* وثائق ندوة "صورة الإسلام في الغرب من خلال المناهج الدراسية" نشر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة 1421هـ.
* وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط : الإسلام والمسلمون بأوروبا، الدورة الرابعة لجامعة الصحوة الإسلامية الدار البيضاء 1997.
* Hichem Djait ; L’Europe et l’Islam, seuil – Paris 1974.
* Sadek sellam : L’Islam et les musulmans en France, Paris 1987.
* L’Annuaire de l’Immigration Rabat 1994.
([1])هذه العوامل المذكورة تختلف مرونة مواقف الدول الغربية في التعامل معها،ويعتبر الاعتراف الرسمي بالإسلام مدخلا إلى التسامح وإعطاء الحرية للمسلمين للتعبير عن قناعاتهم الدينية والثقافية والاجتماعية.
([2])الإيسيسكو: استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب، منشورات الإيسيسكو 2001 ص 89.
([3])البيضاء،2002 ص 66.
([4])استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب ص 101.
([5])رابطة العالم الإسلامي، وثائق ندوة: صورة الإسلام في الغرب من خلال المناهج الدراسية، مكة المكرمة 1421 ص 112.
([6])وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط:جامعة الصحوة الإسلامية، الدورة الرابعة، الإسلام والمسلمون بأوروبا، الدار البيضاء 1997 ص 285.
)[7] (Ahmed Medhoune, la lutte contre l'echec scolaire chez les enfants d'immigres, In I'annuaire de l'Immigration, Rabat 1994 p40.
([8])استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي في الغرب ص 90.
([9])نؤكد على الجيلين الثالث والرابع على اعتبار أن ما كان يعرف بالجيل الثاني منذ عقدين من الزمن قد حل محل الجيل الأول، كما أن ثمة جيلا رابعا (أحفاد الجيل الثاني) قد أخذ يبرز وينمو.
([10]) الإيسيسكو: الواقع الثقافي الإسلامي في الغرب، بحث غير منشور ص 26.
([11])إستراتيجية العمل الثقافي ص 104.
([12])الإيسيسكو: مشروع استراتيجية التعامل مع ظاهرة العقول المهاجرة ص 22..
([13])أكاديمية المملكة المغربية: العولمة والهوية، الرباط 1997 ص 130..
([14])د محمد أحمد شوقي: الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية. دار الفكر العربي ببيروت 1998 ص402..
([15]) سيد غنيم: اللغة والفكر عند الطفل، مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني، العدد الأول أبريل 1971 ص 102.
([16]) د. حسن عزوزي: من أجل تصحيح صورة الإسلام في الغرب، كتيب المجلة العربية، العدد 63، الرياض 2002 ص 27.