الحقوق والواجبات الاجتماعية للمسلمين في الأقطار غير الإسلامية
الحقوق والواجبات الاجتماعية للمسلمين في الأقطار غير الإسلامية
الشيخ عبد الأمير قبلان
نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الذين اتبعوه باحسان إلى يوم الدين وعلى جميع أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أصحاب السماحة والفضيلة السادة العلماء الأجلاء والاخوة الكرام الأعزاء
نتوجه بالشكر الجزيل إلى إيران الثورة، إيران الإمام الراحل مفجر ثورتها الإمام الخميني قدس سره وإلى سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي مرشد الثورة وفخامة الرئيس محمود أحمدي نجاد على رعايتهم وعنايتهم واحتضانهم لهذه المؤتمرات وإلى شيخنا الجليل آية الله الشيخ محمد علي التسخيري ـ الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الذي ندعو له بطول العمر على ما يقوم به من أجل ترسيخ الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب.
أيها الاخوة
إن اختيار عنوان " المسلمون في الأقطار الإسلامية حقوقهم وواجباتهم، مشاكلهم وحلولها" للمؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية في دورته التاسعة عشر في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية من هجمة على الإسلام وعلى نبي الإسلام الرسول الأكرم (ص) تستدعي منا الرد عليها بالمزيد من الوحدة تأسياً بقوله تعالى " واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".
تمهيد
الإنسان في مهده أو مسرحه الكوني له حقوق حباه الله إياها دونما شريك معه أو ظهير له كما أنشأ سائر المخلوقات في الزمن الدنيوي وغير الدنيوي وأساس تلك الحقوق الحرية التي نشأت معه جزءاً من كينونته الإنسانية هذه الحرية تضبط مجرياتها الفطيرة الأصلية التي أودعها الله في الإنسان، والتي يتوجها العقل الذي تفتقر إليه بقية الكائنات على الأرض، ولا يحق لمخلوق بشري أن يسلب أخاه في البشرية تلك الهبة المقدسة لاستعباده.
ولقد كان من الله سبحانه وتعالى ثلاث مشيئات هي: الكون والإنسان والكتب السماوية: التوراة والإنجيل والقرآن. وهي مشيئات تختلف في الأشكال والهيئات والعَرَض ولكنها تتماثل وتتناغم في علاقات جدلية إيجابية، في سمات جواهرها وحركات تطلعاتها وخلجات ومضاتها وانشداد أشواقها وطموحاتها إلى البارئ تعالى أي نحو الخالق المطلق كونها نتاج أمره أي آياته أو كلماته، عنه صدرت وإليه الرجوع )قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) [1](... قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُون([2].
إذن وأمام هذا الواقع الجلي فإن الكون مسرح لكل الناس ولكلٍ منهم الحرية في إختيار المكان الملائم لعيش كريم وعمرٍ هادئٍ مطمئن دون أن يتجاوز حدود حريته إلى حرية الآخرين لاستلابها في تعدٍ غاشم ظالم، فالعدل والمحبة والسلام والرحمة وغيرها من القيم وما في الأرض كلها تشكل أمانة في أعناق جميع بني البشر على مختلف دياناتهم وصونها واجب مقدّس لا بدَّ من تمثُّله لعيش مجتمع إنساني مُصان الحقوق والحدود والواجبات والأمن والأمان.
ومهما تباينت المذاهب الفكرية والعقائدية والنظرات المختلفة إلى الإنسان والكون والحياة، على أبناء الإنسانية، بمختلف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم وعقائدهم أيضاً عليهم أن يسيروا على ميزان العدل والقسطاس المستقيم والسلام المتبادل التي تحترق في موقدها العامر شوائب الأحقاد والضغائن والاستئثار والاستكبار.
إن هذه القيم هي جزء من كينونة الأنوار التي أودعها الله في رسالات السماء: التوراة (هدى ونور) والإنجيل (هدى ونور) (قرآن كريم) والقرآن شامل لجميع تلك الرسالات منذ عهد سيدنا إبراهيم (u) حتى عهد السيد المسيح (u) المؤيد بروح القدس وتأسياً على ذلك يقول الإمام علي بن أبي طالب:"أما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم..... ولما اختلف في الأمر شيء" (نهج البلاغة).
من هنا وعبر هذا المنظور جاء تصدينا لموضوع:" المسلمون في الأقطار غير الإسلامية " وفي رأينا، هو موضوع بالغ الحساسية والدقة، والتصدي له يجب أن يأتي عبر دراسة علمية وموضوعية قدر المستطاع لكونهم أقليات إسلامية تعيش في مجتمعات مختلفة المشارب والمسارب والتقاطع ضمن أنظمة غير مسلمة، وعلينا كعلماء دين إسلاميين وكمؤسسات إسلامية أن نلتفت إليهم التفاتة رعاية وإحاطة ومؤازرة على المستويات كافة فكرية وثقافية واجتماعية وما قد تحتاجه.
إذن علينا أن نكون إلى جانبهم ونشد من أزرهم ليكونوا بدورهم أوان الحاجة إليهم، بجانبنا ويكونوا المرآة الصافية التي تعكس صورة الإسلام المشرقة.
لذلك فإن بحثنا هذا، سيتناول مجموعة من المفاهيم والأسس التي تعرض لحقوق الإنسان من المنظور الغربي وكذلك من المنظور الإسلامي كما أننا سندرس أوضاع تلك الأقليات في بعض الأقطار على المستويات كافة في تأثيرها وما لها وما عليها وما يمكن أن تقدمه من دعم لقضايا العالم الإسلامي. وسوف نستعرض أيضاً التحديات التي تواجه تلك الأقليات خصوصاً بعد 11 أيلول 2001 وما جرَّ من مضاعفات عليها.
حقوق الإنسان من المنظور الغربي :
سنتطرق في هذا المحور إلى حقوق الإنسان من خلال المفهوم الغربي ، دون الغوص في شروحات وتفسيرات وسنستعرض هذه الحقوق والحريات من خلال ما تطرقت إليه وثيقة حقوق الإنسان العالمية .
إن أهم ما أعلنته وثيقة حقوق الإنسان العالمية هو :
1- المساواة.
2- الحق بالحريات :
أ ـ الحرية الجسمانية، حرية الحركة والانتقال.
ب ـ حرية الرأي والمعتقد الديني وحرية التعبير والنشر.
ج ـ حرية تأسيس العائلة.
د ـ حرية اختيار العمل.
هـ ـ الحرية السياسية ، على أساس المساواة وباعتبار أن مصدر السلطة العامة هو إرادة الشعب.
وـ حرية الانتساب الوطني.
زـ حرية الاشتراك في الاجتماعات وفي دخول الجمعيات المسالمة وفي عدم الدخول بجمعية ما.
3- الحق بالعدالة وباللجوء إلى المحاكم.
الحق بالأمن والطمأنينة.
الحق بالكرامة للشخص والمنزل.
حق الملكية.
الحق بالراحة اللازمة وبالعيش الكريم وبالحماية من البطالة مع رعاية خاصة للأمومة والطفولة.
الحق بقسط من الثقافة وبالمشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية وبحماية الملكية الأدبية والفكرية.
حق المضطهد في بلد ما بأن يلجأ الى بلد آخر.
الحق عند الضرورة القصوى بالثورة على الاستبداد والطغيان.
وقد نوهت بهذا الحق مقدمة وثيقة حقوق الإنسان العالمية فلذلك ينبغي اعتباره من الحقوق المعلنة وإن لم توضع له مادة خاصة[3].
وبعد استعراض للحقوق المعلنة في وثيقة حقوق الإنسان العالمية ، لا بد من الإشارة إلى أننا لن نتعرض لكل الحقوق تلك بل سنتطرق إلى ما يتعلق بموضوع بحثنا.
حقوق الإنسان في المفهوم الإسلامي :
أما عن الإسلام وحقوق الإنسان، فإن تاريخ الحقوق الطبيعية للإنسان ، وإن كان قد صور منهجياً كمفهوم غربي، إلا أن ذلك لا يعني أسبقيتهم وتفردهم في هذا المجال إذ إن حقائق تاريخية تؤكد اهتمام الفلسفات والثقافات الشرقية العريقة في الصين والهند وفارس (إيران) بالإنسان وحقوقه، وعلى أهمية المساواة بين الناس[4].
وإذا كانت جميع الفلسفات والديانات الغربية والشرقية قد اهتمت بفكرة حقوق الإنسان ، فإنه لا بُد لنا من إلقاء نظرة على الفكر الإسلامي في هذا المجال.
فالإسلام يؤكد بصورة لا لُبْسَ فيها على وجود حقوق ثابتة وطبيعية بل وضرورية[5] ولحرمة[6] الإنسان، وهي حقوق يتطابق العقل الإنساني والوحي الإلهي على توكيدها واحترامها منذ الأزل وهبها الله له بعد أن خلقه وفضّله على سائر مخلوقاته.
لقد اعترفت وأقرت الشريعة الإسلامية منذ فجرها بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في وقت لم يكن فيه للإنسان حقٌّ أو حرية أو كرامة في ذلك المحيط حيث التمايز بين الرجال والنساء والأحرار والعبيد بصورة تنتهك فيه حرمة الإنسان بالنسبة للمرأة والعبد، إضافة لعدم وجود أي احترام وحماية للملكية والمال بصورة عامة، إذ كان ديدن العرب في الجاهلية هو الاعتداء على أموال وممتلكات بعضهم البعض، بل كان ذلك من السمات المميزة للعرب قبل هداية الإسلام لهم.
ولما كان التحرر من العبودية ومن الخوف والفاقة هما العمود الفقري المقوم للكرامة الإنسانية، لذا نرى أنَّ مبدأ الحرية في الإسلام، وكما هو وثيق الارتباط بالعقيدة نفسها فإنه يستقيم مع فطرة العقل السليم التي فطر الله عليها الإنسان، وهي بذلك تدخل دائرة الحقوق الطبيعية حتى في الفكر الإسلامي "أنها عنصر جوهري في كيان الإنسان وظاهرة أساسية تشترك فيها الكائنات الحية بدرجات مختلفة تبعاً لمدى حيويتها، وهي الحرية الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان والتي تعتبر بحق أهم المقومات الجوهرية للإنسانية لأنها تعبر عن الطاقة الحيوية فيها فالإنسانية بدون هذه الحرية لفظٌ بدون معنى، وهي بهذا المعنى خارجة عن نطاق البحث العلمي"[7].
والحرية كما يراها الإسلام هي الحرية اللائقة بالإنسان، الجديرة بشأنه ومكانته، فهي التي تكون ضمن قوانين وسنن وحدود وموازين معقولة تضمن نمو القوى البشرية، وتكامل المواهب الإنسانية وسيرها في الاتجاه الصحيح وبلوغها إلى كمالها الممكن عن طريق توفير الفرص المناسبة لنمو الاستعدادات والقابليات الإنسانية في الفرد والمجتمع[8].
ولم يكتف الإسلام بتحرير الإنسان من العبودية لغير الله وحفظ حريته، إنما أعطى للكيان المعنوي للإنسان المتعلق بكرامته حماية أيضاً، فتحريم القتل بغير حق هو تأكيد للحق في الحياة لقوله تعالى )وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ([9] وقوله تعالى )مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا([10].
ولن ندخل في بحث حقوق الإنسان في الإسلام بشكل شامل لكونها حقيقة ثابتة، ولكن سنعرض لمبدأ كرسه الإسلام وهو الحد اللائق لمعيشة الإنسان كجزء من حماية كرامته ، فجاء بمبدأ " الضمان الاجتماعي" ومؤداه، أن يتعين لكل فرد يعيش في المجتمع الإسلامي ضمان المستوى اللائق للمعيشة له ولأسرته، وهو يوفره لنفسه بجهده وعمله، فإن عجز عن ذلك بسبب خارج عن إرادته كمرض أو عجز أو شيخوخة فإن نفقته تكون واجبة في بيت مال المسلمين أيا كانت ديانة هذا الفرد[11].
لأن الضمان الاجتماعي ترجمة للعدل الاجتماعي، فإن قصَّر الضمان انعدم العدل وانتهك أهم حق للإنسان الأمر الذي يعطي للمسلم الحق في مساءلة الحاكم بل والناس، ومن هنا كان عجب الصحابي أبي ذر الغفاري وتعجبه عندما قال:"عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه".
وأمام هذا الاهتمام الإسلامي الواقعي بالإنسان والذي تسنده أحكام شرعية ملزمة بمقتضى نصوص قرآنية محكمة، أقرّت للإنسان في الإسلام حقوق تحفظ وتعزز من كرامته.
ولا مجال للمقارنة أو المقاربة بين موقف الإسلام وبين الفكر الوضعي وقوانينه في هذا الخصوص )أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ([12]، فالإسلام أعطى هذه الحقوق ابتداءً صفة الإلزام لا صفة الطواعية الأخلاقية.
وليست حقوق الإنسان التي قامت مع الإسلام أمنيات أو تمنيات ، فالإسلام يقرّ الحقوق الإنسانية كجزء من الشريعة وصيانتها وظيفة شرعية تدخل كأساس في التشريع الإسلامي والعمل واجب شرعي وعبادي يدخل في إطار العلم والعمل المكونين للإيمان بالله وبما أُنزِل من كتب سماوية وبحاملي تلك الرسالات التي هي شفاء في صدور المؤمنين الملتزمين بها.
يقول البروفسور ليك :" هناك حقيقة جديرة بالاعتبار والتقدير وهي أنه في الوقت الذي كان العالم يرزح تحت نير العبودية جاء الإسلام ينادي بالحرية والإخاء والمساواة في الحقوق والواجبات" [13]. وأن ما قام عليه الدين الإسلامي من مبادئ سامية شكّل العامود الفقري لوثيقة حقوق الإنسان وحمايته وحفظاً لحرية الانتقال والحركة والعيش بكرامة داخل المجتمعات التي يحل فيها. وقد ساهمت عوامل عديدة في انتقال المسلمين من أقطارهم إلى بلاد بعيدة نستعرضها في بحثنا.
ونذكر ما ورد في كتاب الله العزيز من آيات تدل وتؤكد على معاني الحرية والمساواة في الحقوق في قوله تعالى:
)هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا([14].
)لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا([15].
)وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا([16].
)مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ([17].
)وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ([18].
)وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[19](.
)وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ([20]
)أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ....([21].
مفهوم الأقليات والجاليات الإسلامية :
بدأت ظاهرة الأقليات الإسلامية في العصر الحديث، مع تصاعد الهجرة من البلدان الإسلامية إلى مختلف أقطار الأرض، خلال العقد الأول من القرن العشرين في مستواها الأول، وأما في مستواها الثاني فبرزت هذه الظاهرة ، مع نشوء الدول الحديثة في العديد من المناطق التي كانت تقع تحت حكم المسلمين، إلى أن أعيد رسم الخريطة الجغرافية والسياسية لهذه المناطق، بحيث تضاءل نفوذ المسلمين وتقلص حضورهم، ليصبحوا أقلية في المجتمعات التي كانوا يحكمونها .
ومع نمو حركة الهجرة من العالم الإسلامي إلى شتى أقطار العالم ، وبخاصة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ثم إلى أميريكا الجنوبية وكندا واستراليا، نشأت ظاهرة الأقليات الإسلامية لأول مرة تقريباً في تاريخ الإسلام، حيث وصل المسلمون إلى هذه الدول يحملون ثقافتهم وحضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ليجدوا أنفسهم وسط مجتمعات لها أديانها ولغاتها وثقافاتها، ولها أنماط العيش وأساليب الحياة الخاصة بها والتي تختلف عما ألفوه ونشأوا عليه وعاشوا في كنفه في بلدانهم الأصلية.
وبالاحتكام إلى المقتضيات القانونية والدستورية المتعارف عليها دولياً، فإن الأقليات الإسلامية، هي إحدى الفئات الثلاث التالية :
أولاً : رعايا دولة غير إسلامية، ينتسبون إلى هذه الدولة بالأصل والمواطنة، عليهم ما على مواطني تلك الدولة من حقوق وواجبات. وتمثل هذه الفئة الكبيرة من الأقليات الإسلامية (مسلمي الهند، والصين، والفليبين، وروسيا الاتحادية) وينضم إلى هذه الفئة ، مواطنو الدول غير الإسلامية الذين اعتنقوا الإسلام في أوطانهم، فهم جزء لا يتجزأ من شعوبهم.
ثانياً: رعايا دولة إسلامية يقيمون في دولة غير إسلامية ويخضعون لمقتضيات القانون الدولي ولأحكام القانون المحلي، وتأتي هذه الفئة في الدرجة الثانية من حيث التعداد.(مثال المسلمين من دول منظمة المؤتمر الإسلامي المقيمين في شتى بلدان العالم).
ثالثاً : رعايا دولة غير إسلامية يقيمون في دولة أجنبية غير إسلامية، وتمثل هذه الفئة نسبة كبيرة من الجماعات والأقليات الإسلامية المقيمة في دول غربية وشرقية عديدة.ومن الواضح أن هذه الفروق التي نشير إليها هنا، إنما تخضع لمفهوم القانون الدولي، ولكن حينما يتعلق الأمر بالمفهوم الإسلامي للقضية بحد ذاتها، فإن هذه الفروق تتلاشى بصورة تلقائية، عملاً بمبدأ الأخوة الإسلامية، طبقاً لقوله تعالى )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ([22].
حقوق وواجبات المسلمين في الأقطار غير الإسلامية :
تشكل الجاليات الإسلامية المقيمة في الأقطار غير الإسلامية، جزءاً لا يتجزأ من العالم الإسلامي، باعتبار أن الأمة الإسلامية جمعاء، إنما تمثل مجموع المسلمين في أي مكان من العالم، وأن العالم الإسلامي بمفهومه العام، هو الإطار الشامل الجامع الذي تنتظم فيه الأمة الإسلامية قاطبة.
إن المسلم الذي يعيش في البلدان غير الإسلامية يعيش في مجتمع له قيمه وأساليبه ووسائله في العيش وهنا فإن الحاجة ضرورية إلى إبراز حقائق الإسلام بالشكل الصحيح وبالأسلوب السليم، إلى جانب وجوب دحض الأباطيل التي يروجها أعداء الإسلام، كما تتسع الحملات العدائية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين والتي يخرق القائمون بها أحكام القانون الدولي والحقوق الإنسانية، كما يسعون لتأجيج نار الصراع بين الأديان والصدام بين الحضارات والخصام بين الثقافات لاسيما ما يصرح به وعلى لسان قادة المجتمع الدولي من تسمية لحروبها بين الحين والآخر بالحروب الصليبية ومن ثم يسمون ذلك زلة لسان ولكنها في الواقع تعبّر عن ما في داخل عقولهم وقلوبهم. مما يشكل تهديداً لاستقرار المجتمعات، ويخلق حالات من القلق والاضطراب التي تشيع جواً من سوء الظن والشك وعدم الثقة بين المسلمين والسكان الأصليين في بعض هذه البلدان.
ولذلك تعيش الجاليات الإسلامية تجاه الأحداث حالاً من الضياع والانغلاق على الذات، وذلك يجعلها في موقف المنزوي والمنغلق عن التفاعل مع هذه المجتمعات، مما يشكل جواً من النفور والخوف والعداء غير المبرر بينها وبين هذه المجتمعات. وتجد الأقليات الإسلامية نفسها عاجزة عن التعبير عن ذاتها ومكوناتها الثقافية وقيمها الاجتماعية، وخاصة القيم الإسلامية الصحيحة والتي تحمل الشفاء لكثير من الأمراض والآفات الاجتماعية التي تعيشها تلك المجتمعات غير الإسلامية. وحتى لا نكون مجحفين بحق بعض المجتمعات، فقد استطاع المسلمون أن يمارسوا دورهم الرسالي في بعضها، لكننا لا نزال بحاجة إلى جهود أكثر وفعالية أفضل لإيصال صورة الإسلام الصحيح إلى هذه المجتمعات، ذلك أن الموقف الذي تتخذه بعض الدوائر في الأقطار غير الإسلامية إزاء الإسلام ديناً وثقافةً وحضارةً، وتجاه المسلمين شعوباً ودولاً وحكومات، يبرز بصورة مطردة، ليس على العالم الإسلامي والجاليات المسلمة فحسب، وإنما على العالم كله، لأنه موقف سلبي، ومخالف لأبسط مبادئ وقواعد القانون الدولي، ومناهض لروح الحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات والمؤمنين بالأديان التوحيدية السماوية جميعاً، وهذا من شأنه أن يهدد الأمن والسلام الدوليين. ويزعزع استقرار المجتمع الدولي . في وقت تمر فيه الإنسانية بمرحلة حرجة وغير مستقرة، تبحث فيها عن ملاذ أمين، وتتطلع إلى الخلاص من الهيمنة التي يفرضها النظام العالمي الاحادي الذي تقوده الولايات المتحدة، بغير سند من القانون الدولي.
وفي وجه هذا التهديد للحضارة الإنسانية في الصميم ، يتحمل العالم الإسلامي والمسلمين مسؤولية كبرى في التصدي لهذه الحملات، وذلك بالعودة إلى روح الإسلام، وقيمه الأصيلة، الإسلام الذي يدعو إلى السلام والتعايش والإخاء الإنساني وينبذ العنف والإكراه ويرفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله، والذي يدينه الإسلام ويَعدّه إفساداً في الأرض وعدواناً على الإنسانية والحضارة. إن على الأقليات المسلمة في الأقطار غير الإسلامية تقوية الذات والتعلم والدراسة والاستفادة من تجارب الأمم وخبرات الدول المتقدمة صناعياً وعلمياً، والمطلوب المشاركة بالحياة العامة في هذه الأقطار في ميادين التربية والتعليم والعلوم والثقافة والاتصال، وتعزيز التضامن والتكامل والتعاون بين بلدان إقامتهم وأوطانهم الأصلية، لاكتساب القوة والمناعة والقدرة على الدفاع عن الوجود وحماية المصالح والحفاظ على القيم والمقومات التي تشكل الأساس المتين للأمة الإسلامية.
إن العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تقيمها الأقليات الإسلامية مع غير المسلمين يجب أن تنبع من خصوصية الثقافة الإسلامية التي تنفتح على الآخر، والتي تتميز بالتسامح مع جميع أهل الأديان والعقائد والثقافات والحضارات، وتجنح نحو التعاون في إطار الأخوة الإنسانية التي تجمع بين البشر كافة، من دون التوقف عند الاختلاف في المعتقد والمذهب أو العرق والجنس، وهذا ما تقتضيه ضرورات التعايش الذي أصبح سمة العالم الحديث. كما تمليه متطلبات الحياة في المجتمعات المعاصرة وتفرضه المصلحة المؤكدة للمجتمعات الإسلامية الناشئة في البلدان غير الإسلامية لأن استمرار حياة الجاليات الإسلامية على هذا النحو يضمن لها الاستقرار ويكفل لها الجو الطبيعي السليم للرقي والتقدم، وذلك يتطلب إقامة أوثق علاقات التعاون مع جميع مكونات مجتمع الإقامة وعلى مختلف المستويات ويحقق لها الاندماج الفاعل والمؤثر في المحيط الواسع، وبالقدر الذي يجعلها فريقاً مشاركاً في الحياة العامة.
لكن يجب على المسلمين في أماكن تجمعهم خارج العالم الإسلامي أن تتوفر فيهم شروط موضوعية تتمثل في الإيمان والوعي بالقيم الإسلامية والتمثل بها والعمل بمقتضى التعاليم والأخلاق الإسلامية، وعليها حماية هويتها الثقافية والحضارية، ذلك أن تأثير الجاليات المسلمة يتوقف على مدى سلامة كيانها الفكري والثقافي، وعلى مناعتها الأخلاقية، كما يبرز هنا الدور الأساسي للمؤسسات الإسلامية في العمل ودعم ومساندة هذه الجاليات المسلمة أينما وجدت ، من خلال المتابعة والتنسيق وإيجاد وسائل وآليات للتفاعل والاتصال ، لإيصال قضايا العالم الإسلامي من خلال هذه الجاليات إلى شعوب وحكام العالم غير الإسلامي.
ونشدد هنا على دور منظمة مؤتمر العالم الإسلامي التي يجب أن تبرز فاعليتها ليس فقط في تشديد اللحمة بين دولها والدفاع عن مصالحها بل على اعتبار الجاليات الإسلامية جزءاً لا يتجزأ من سياساتها بحمايتها وحفظ حقوقها والدفاع عنها.
تحديات الجاليات الإسلامية في الأقطار غير الإسلامية بعد 11 أيلول/ سبتمبر:
منذ أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر عام 2001، التي هزت العالم كله، والتي رفضها وشجبها كل ذي دين وضمير حي، والعالم الإسلامي يتعرض لحملات ظالمة، وتوجه الاتهامات إلى الإسلام والمسلمين، ويتم تحريض العالم والمجتمع الدولي ضد الشعوب والحكومات الإسلامية، ويُعمل على إثارة روح العداء والكراهية وعلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين بشتى الأساليب المبتكرة.
هذه الأساليب يطال أذاها المسلمين داخل المجتمعات التي حلّوا فيها وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب تمارس الضغوط على المسلمين وتحد من حرية حركتهم وتسن القوانين التي تجعل من المسلمين عرضة للملاحظة والمراقبة.
لذلك فعلى الجاليات المسلمة في الأقطار غير الإسلامية دور كبير كونهم الصورة الحضارية الأقرب إلى شعوب تلك الدول، فمن خلال إعطاء صورة حضارية متقدمة عن الإسلام وقيمه وأخلاقه، نكون قد بدأنا باختراق الحصار المفروض علينا، وكلما ابتعدت هذه الجاليات الإسلامية عن قيم الإسلام كنا عرضة للحصار أكثر، ولا يقتصر الدور الكبير فقط عليهم ، بل على دول العالم الإسلامي التي لها الدور الأكبر والأساس في دعم هذه الجاليات الإسلامية، وفتح باب التواصل معها من خلال الرعاية المستمرة والمساعدة على المطالبة بحقوقها، على غرار ما تفعله الدول غير الإسلامية التي تهتم برعاياها المقيمة في العالم الإسلامي وتطالب بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
الأقطار المسلمة وأقلياتها في العالم
إن الأقليات المسلمة في الاقطار غير المسلمة لا تبدو بحالة تجعلها كالبنيان المرصوص كما هو الحال بين المنظمات الصهيونية في جميع أرجاء العالم المتكافلة والمتضامنة والمتلاحمة إلى حدّ التفاني وكلها تعود إلى أحضان المنظمة الصهيونية الأم وتعمل بوصاياها، وبحيث باتت تشكل عاملاً مهماً في رسم السياسة العامة للدول التي يقيمون فيها وإدارة الدول بالشكل الذي يضمن لها السيطرة والعداء للعالم الإسلامي والسعي لإخضاعه ونهب ثرواته.
والمؤلم أيضاً هو أن الأقطار الإسلامية التي تنبثق عنها تلك الأقليات في العالم لا تولي أقلياتها ما ينبغي من الرعاية والاهتمام اللذين يُحسسانها ويُذكيان فيها الحنين إلى الوطن الأم والشعور بالقيام بواجب الابن نحو أمه من تكريم واعتبار وتأدية ما يستلزم، وما يجدر ذكره: ان الأقليات المسلمة في الأقطار غير المسلمة كأميركا وبريطانيا وفرنسا (وهي دول علمانية)، والأقليات في جميع الدول الأوروبية والأسيوية غير المسلمة وأفريقيا، تستطيع إذا ما تنادت وتلاقت بمندوبين عن كل منها أن تؤثر في السياسات الخارجية لدول الموطن الثاني وتصنع التاريخ الجديد المؤصل بأخلاق الإسلام وثقافته في مفاهيمه للإنسان والحياة والكون والحرية المستنيرة بمبدأ التوحيد، وسنتطرق لذلك في التوصيات التي سنرفعها لمؤتمركم.
الأقليات المسلمة وإمكانيات دعمها لقضايا العالم الإسلامي :
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع هذه الأقليات المسلمة في الأقطار غير الإسلامية أن تلعب دوراً في دعم قضايا العالم الإسلامي في مثل هكذا أوضاع ؟
الدور الذي يمكن أن تلعبه في دعم قضايا العالم الإسلامي السياسية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية محدود بعض الشيء ومحكوم بالآنية التي قد تكون عابرة وغير مجدية حسب الطموح والأمل المنشود. يقول أحد الدراسيين والناشطين إسلامياً، د. مراد هوفمان:" إن الفرصة متاحة أمام الإسلام اليوم ليصبح الديانة الأولى للقرن الجديد في العالم كله .. بوضع الأساس القوي لعمل تعاوني مخلص بين علماء الإسلام مهمته إحداث تغيرات رئيسية في المواقف والمداخل تبنى على أسس عقدية .. تزيل الصدأ الذي علاه من خارجه وبذلك يستعيد مكانته الأولى في العالم كله ".
أما في الحال التي هي عليه لن يكون دور تلك الأقليات مركزياً وأساسياً ولا مؤثراً في دعم قضايا العالم الإسلامي كما هو المطلوب والمرتجى.
وحتى تتمكن تلك الأقليات في العالم أن تلعب دوراً مهماً ومركزياً في قضايا العالم الإسلامي عليها أن تعي أن وجودها في أماكن تواجدها لم يعد دخيلاً ولا طارئاً وإنما أصبح جزءاً أصيلاً من كينونة المجتمع التي هي فيه وتتكيف مع مجتمعها الجديد وتساهم في بنائه وتتفاعل وتتلاقى مع أبنائه وتضخ من قيمها الإسلامية في عقده وتنفث في أوصاله ريح أخلاقها: صدقاً وعدلاً وتسامحاً واستقامة لتكون له القدوة وتحرره من محدودية البعد الواحد: بُعْد يجسد التفاني في المادية وعبادة الذات. فالحياة ليست محض ملهاة أو لذة مادية صرفة وحسب وإنما هي شعور نبيل بوجوب الاندفاع في سبيل تحقيق الذات الإنسانية الجماعية والاجتماعية المشرقة والسبيل في إعلاء شأن الإنسانية جمعاء بالعدل والحب والإنصاف والسلام الذي يسعد الإنسانية ويُرضي خالق الإنسانية ومدبر الأكوان وبارئها جميعاً الله عزَّ وعلا، انطلاقاً من القول أنا حرّ فإذن أنا موجود وأنا أبدع فإذن أنا موجود وأنا أقوم بما يملي الواجب من إسعاد الآخرين دون النظر إلى لونهم أو فكرهم أو عقائدهم فإذن أنا موجود وأنا أعمل بالحق وأرسي دعائمه ودعائم العدل والتسامح والسلام فإذن أنا موجود. هذه تربية الإسلام تقى وعدالة وتسامح ومحبة واندماج لخير الإنسانية وإعلاء كلمة الحق وإخلاص للبشرية بشتى بنيوياتها وألوانها هذا كله يشكّل أمانة في عنق الإنسان المسلم الذي يقيم شعائر إسلامه بحق وإيمان وتقوى الله أينما وجد.
واجبات الدول الإسلامية تجاه أقلياتها في الخارج (من التوصيات)
إننا نرى ومن منطلق الحفاظ على الإسلام ورعاية أبنائنا المنتشرين في مختلف أقطار العالم أنه من واجب الدول الإسلامية التزام ما يلي:
أولاً: العمل بجدية على تشكيل "المجلس الاغترابي الإسلامي في العالم" تشارك فيه جاليات جميع الدول الإسلامية وتقوم باختيار عضو مندوب عنها ويكون مركز هذا المجلس في دولة يتفق عليها، ويقترح المجلس الحلول الناجعة لما تعانيه وسبل تعزيز تواجدها وتحديد الآليات للتنفيذ من قبل الدول وتكون توصياته لما فيه خير الأقليات المسلمة في العالم وقد خطا لبنان خطوة هامة في هذا المضمار بتشكيل الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وهي تجربة جديرة بالاهتمامُ مستفاد منها في هذا المضمار.
ثانياً: تسعى الدول الإسلامية لدى المجتمع الدولي بأن يتم الاعتراف به رسمياً كممثل ومسؤول عن جميع الأقليات الإسلامية في العالم وإبلاغ الدول التي استقبلت الأقليات وضمتهم إلى مجتمعاتها الاعتراف بشرعيته والتعاون معه بجدية في كل ما يتعلق بشؤونهم وشجونهم.
ثالثاً: يعمل المجلس على إحصاء الأقليات إحصاءً دقيقاً ودراسة أوضاعهم وأماكن تواجدهم وتحديد حاجاتهم وكل ما يتعلق بتواجدهم في بلاد الاغتراب وما يعترضهم من مشاكل واقتراح الحلول وكيفية الاستفادة من خبراتهم وتكون من مهام المجلس الاغترابي الإسلامي في العالم القيام بالمهام التالية:
1- تحسين أوضاع الأقليات ورفع مستواهم ومعنوياتهم الثقافية والدينية والعلمية والاقتصادية.
2- العمل على فتح المدارس التي تكفل تعليم أبناء الجاليات الإسلامية أحكام الدين الإسلامي الحنيف والسيرة النبوية الشريفة وحفظ القرآن الكريم واللغة العربية في مواطن تواجدهم مع التشديد على ممارسة الشعائر الدينية وإحياء المناسبات الإسلامية وتلقينهم أخلاق إسلامهم وقيمه وتربيتهم على المفاهيم الأساسية كالإيمان والتقوى والعدل علاوة على ما يتلقونه من علوم عصرية وبهذا يؤثرون في المجتمع الجديد وقد يكونون أسوة له في الممارسة والسلوك ويتعاون المجلس في ذلك مع الجمعيات والمنظمات الإسلامية في دول الاغتراب.
3- يساهم المجلس في دعوة الأقليات لعقد مؤتمرات دورية وتوصيتهم بأن لا ينعزلوا عن المجتمع الذي يعيشون فيه بل يندمجوا به انطلاقاً من محافظتهم والتزامهم بالقوانين الوضعية لهذه الدول والعمل على تطوير وطنهم الثاني كما سائر أفراد المجتمع ويكون التواصل طبيعياً مع مجتمعاتهم الثانية على المستوى الاجتماعي وكافة المستويات الأخرى مع الاحتفاظ والمحافظة على الهوية الإسلامية بكل تفاصيلها وقد كان للجاليات في بعض الدول أثر مهم في دخول المعتركات الاجتماعية والسياسية وتبوء المراكز المهمة.
-4 يعمل المجلس على المحافظة على قنوات الاتصال الدائم والتبادل بين الأقليات وبين أقطارها والتفاعل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
-5 يعمل المجلس على إذابة جميع المذاهب والمشارب والألوان وتوحيدها في وحدة متراصة نابذة لكل أسباب التفرق والتمذهب والسير صفاً واحداً في قناة واحدة هي قناة مبدأ التوحيد الإسلامي الذي أتى به القرآن (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
6- يشجع المجلس بأن يكون لكل أقلية إعلام مرئي ومسموع ومكتوب باللغات الثلات: العربية والإنكليزية والفرنسية ولغة الدولة التي يقيمون فيها للتصدي للإعلام المعادي من جهة والتعريف بالإسلام من جهة ثانية وأن يكون للأقلية في كل قطر من العالم مساحة في صحيفة أو مجلة مشهورة يُرد فيها على شبهات الكتابات المعادية للإسلام ونشر شروحات دقيقة عن الإسلام ومعتقداته بلغة سهلة ومفهومة وذلك لتلافي حصول الإساءة كما حصل من قبل إحدى الصحف الدانمركية وأصابت الرسول الأعظم محمد (ص) وتبعتها في ذلك بعض الدول الأوروبية وشكّل ذلك اعتداءً صارخاً على الدين الإسلامي وإهانة ما يُقارب للمليار ونصف المليار من المسلمين في العالم وخرق لميثاق الأمم المتحدة.
بعد هذه التوصيات التي ارتأيناها وهي قابلة للمناقشة حسبما يرى الإخوة المؤتمرون يمكننا أن نقول بأن الأقليات سيصبحون: خط الدفاع الأول عن العالم الإسلامي والرصيد المذخور في لحظات المواقف السياسية المصيرية والاجتماعية والاقتصادية.
وستصبح بذلك كل أقلية نافذة لوطنها الأم وستصبح مجتمعاتها صورة مشرقة للإسلام الحقيقي ووجهه الساطع والناصع لكل من يتأسى بالحق والخير والجمال الروحي والأخلاقي والمرآة التي تعكس وجه السماء، وجه الرحمة والعفو والتقوى وترى فيها السماء بعض نبلها وسموها وأنوارها كون الإنسان مادةً وروحاً وأهل السماء أرواحاً أو أنواراً محضة.
فحينما تأتلف الأقليات وتذوب الألوان وتتلاشى الفوارق فيما بينها كل واحد فيها يصبح ظهيراً للآخر في تلاحم اجتماعي متفانٍ مصيري وتتلاحم جميعاً مع أهل الديانات الأخرى لا تشذ في حقيقة أمرها عن لحمة الحق لأن مصدر جميع الديانات السماوية هو الله تبارك وتعالى.
بعد ذلك فإن هذه الأقليات لن تتوانى ولن تألو جهداً في نجدة العالم الإسلامي بعامة وأوطانها بخاصة حال التعرض لخطر داهم والوقوف ضد الدولة المعتدية والقيام بالاحتجاج الصارخ والتظاهر المنظم والاعتصامات استنكارا لما يجري على أوطانهم (كما حصل قبل غزو العراق وغيره من الأحداث التي يواجهها العام الإسلامي).
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا وإياكم من العاملين لما فيه خير أمتنا الإسلامية وخير شعوبنا في جميع أصقاع الأرض مواطنين ومغتربين، مجددين الدعوة إلى المزيد من الوحدة والتلاحم لمواجهة الخطر الحقيقي للهجمة على الإسلام ورسوله الأكرم (ص).
كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى القيادة الإيرانية الحكيمة التي يقع على عاتقها وزر نهضة هذه الأمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1) سورة الملك : الآية : 23
(2) سورة الملك : الآية : 24
([3]) حقوق الانسان الشخصية والسياسية، عبدالله لحود وجوزف مغيزل ، منشورات عويدات ، ط2، 1985، ص 16.
([4]) قضايا الفكر السياسي : القانون الطبيعي، د. ملحم قربان ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، ط1، بيروت 1982، ص 22 وما بعدها.
([5]) الإسلام وحقوق الانسان، ضرورات لا حقوق، د. محمد عمارة ، سلسلة عالم المعرفة ، رقم 89، الكويت، 1985، ص 13 وما بعدها.
([6]) حرمات لا حقوق، د. علي جريشه ، دار الاعتصام، القاهرة / 1986، ص 35 وما بعدها.
([7])اقتصادنا، السيد محمد باقر الصدر ، دار التعارف للمطبوعات، بيروت 1982، ص 282.
([8])معالم الحكومة الإسلامية، جعفر السبحاني ، منشورات مكتبة أمير المؤمنين ، أصبهان، 1401 هـ ، ص 36.
([9]) سورة الأنعام : آية : 151.
[10]) ) سورة المائدة : الآية : 32.
([11] ) حقوق الانسان بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي ، د. محمد الحسيني مصيلحي ، دار النهضة العربية، القاهرة 1988، ص 193- 194.
([12] ) سورة الملك : الآية : 14
([13])حقوق الإنسان في الإسلام، عدنان الخطيب ، دمشق دار طلاس 1992.
([14]) سورة الملك : الآية : 15
([15]) سورة النور : الآية : 27
([16]) سورة البقرة : الآية : 189
([17] ) سورة النحل : الآية : 97
([18]) سورة الأنعام : الآية : 98
([19]) سورة فصلت : الآية : 34
([20]) سورة العنكبوت : الآية : 46
([21]) سورة الطلاق : الآية 6
([22] ) سورة الحجرات : الآية : 10