الأمة الإسلاميةهي أمة واحدة
الأمة الإسلامية هي أمة واحدة
فاتنة عبد الرحيم يونس
باحثة ومفكرة اسلامية - فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
" إن هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون "، " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد ...
إن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة، وذلك على الرغم من وجود مذاهب مختلفة داخل هذه الأمة، إذ أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أكدوا على هذه المفهوم في العديد من الآيات القرآنية والروايات النبوية الشريفة، وذلك من خلال مجموعة كبيرة من العناصر والمكونات التي تجمع كل أبناء هذه الأمة، وإن وجود خلافات مذهبية سواء في فروع العقيدة الإسلامية أو في الفقه الإسلامي بين مختلف المذاهب لا يقدح في هذه الوحدة، ولا يجعل هذه الأمة أمتين أو أكثر، وذلك لأن العناصر المشتركة بين جميع هذه المذاهب أكثر من أن تحصى سواء التي ذكرها القرآن أو السنة أو أقرها الواقع والتاريخ، ونحن هنا بإذن الله سوف نحاول استقصاء عدد من هذه العناصر والمكونات التي تجمع جميع أبناء الأمة الإسلامية بداخلها، وتجعل منهم أمة واحدة، ذو هوية واحدة مهما تعددت المذاهب والقوميات والأعراق ومهما حاول الأعداء والمبغضين أن يفرقوا بين أبناء هذه الأمة ويجعلوا منهم فرق وطوائف متناحرة فيما بينهم.
أولا : أهم عناصر وحدة الأمة الإسلامية ومكونات هويتها الواحدة :-
1 - الرب الواحد، إن جميع أبناء هذه الأمة يعبدون ربا واحدا، وهو الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، الذي خلق السماوات والأرض، والذي بيده تدبير كل شيء، والذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
فهذا الإله بهذه المواصفات وغيرها مما ذكر في القرآن أو السنة أو وصل إليه العقل بعد طول تفكر وتدبر هو الإله الوحيد الذي تعبده كل المذاهب والطوائف الإسلامية على اختلاف قومياتها وعرقياتها، ولم يدعي أحد على مدار التاريخ وإلى الآن من أبناء هذه الأمة أومن أي مذهب كان أن له ربا آخر، أو أنه يعبد إلها آخر، وهذا يعتبر من أهم العناصر التي توحد الأمة الإسلامية ومن أهم المكونات لهويتها الإسلامية الواحدة رغم اختلافاتها الفكرية والثقافية والمذهبية، ولو أننا تدبرنا جيدا في هذا العنصر لوحدة الأمة والمكون الأساسي لوحدة هويتها لما كفر بعضنا البعض ولما أهدر بعضنا دم البعض لأسباب ومبررات واهية لا يقبلها عقل ولا يقرها دين .
2- النبي الواحد، إن هذه الأمة بكل مكوناتها الثقافية والفكرية والمذهبية تقر أن نبيها هو الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، ولم يختلف أحد من المسلمين في ذلك، ولم يدعي أحد من المسلمين غير ذلك، والجميع يقر على أن نبي هذه الأمة وقائدها وزعيمها هو هذا النبي الذي أرسله الله رحمة للعالمين، ليكون بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم، جاء على حين هجعة من الأمم، فهدى الله به الناس وأخرجهم من الظلمات إلى النور، ذلك هو النبي الأمي القرشي الهاشمي، والد الزهراء البتول، وجد الحسن والحسين، وابن عم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ليس بعده نبي، وليس بعد شريعته من شرائع، وليس بعد كتابه الذي جاء به من عند ربه كتاب، شريعته مهيمنة على كل الشرائع، وكتابه معجزة لكل البشر إلى يوم القيامة، ذو الخلق العظيم، الذي كان خلقه القرآن، وكان كأنه قرآن يمشي على الأرض، الذي طاعته طاعة لله، ومعصيته معصية لله، الذي من تبعه فاز ومن تخلف عنه هلك، الذي بمحبته ننال محبة الله وببغضه وسخطه ننال بغض وسخط الله، ذلك النبي الذي لم يختلف عليه اثنان من المسلمين الموحدين، سنة وشيعة، معتزلة وأشاعرة، ولم يدعي أحد من المسلمين أن له نبيا غيره، أو أنه سوف يجيئ نبي بعده، فأي دليل وبرهان على وحدة الأمة ووحدة هويتها أكبر من هذا الدليل والبرهان . اللهم إنا نعوذ بك من الزلل والخطأ ونبرأ إليك ممن بدلوا بعد نبيك تبديلا، ففرقوا أمته، وحرفوها عن الصراط المستقيم .
3- القرآن الكريم، حيث لا توجد أمة في هذا العصر ولا في العصور السابقة أجمعت على كتاب واحد غير هذه الأمة، فإن كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وعلى اختلاف جنسياتهم وقومياتهم وأعراقهم ومذاهبهم يتلون آيات هذا الكتاب آناء الليل وأطراف النهار، ويرتلونه في صلواتهم، ويخشعون به أنفسهم في الليل والنهار، فالأمة كل الأمة تؤمن أن كتابها المقدس والخالد والذي أنزله الله على قلب نبيها في ليلة هي خير من ألف شهر، وأنزله عليه منجما ليثبت به فؤاده، هو هذا القرآن الكريم، والذي يبدأ بسور الفاتحة وينتهي بسورة الناس، وعدد سوره 114 سورة، وهو تبيان للناس وهدى ورحمة للمؤمنين، وهو شفاء وموعظة من الله، وهو الذي لم يجعل الله له عوجا، ويهدي للتي هي أقوم، إنه القرآن الكريم والنور المبين، الذي لا ريب فيه هدى للمتقين، من عمل بآياته واعتصم به قاده إلى الجنة، ومن تركه ولم يعمل بآياته ولم يعتصم به ضل وانحرف عن جادة الطريق، ذلك الكتاب الذي هو مصدق لما قبله من الكتب ومهيمن عليها، فأي مصيبة أكبر من مصيبة هذه الأمة اليوم التي تتناحر فيما بينها وعندها هذا الكتاب وهذا النور والذي هو حبل ممدود بين السماء والأرض، اللهم احفظنا واعصمنا من أن نضل أو ننحرف عن هدي كتابك وصراطه المستقيم .
4- القبلة، إن كل المسلمين في الأرض قديما وحديثا وعلى اختلاف أماكنهم وثقافاتهم وقومياتهم ومذاهبهم إنما يتوجهون لقبلة واحدة في صلواتهم وعندما يمدون يد التضرع إلى الله العلي القدير، هذه القبلة هي الكعبة المشرفة وبيت الله الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، فيه آيات بينات ومن دخله كان آمنا، وهو أول بيت وضع للناس، والذي رفع إبراهيم وإسماعيل قواعده وهم يرددون ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . فتوجه المسلمين في صلواتهم إلى قبلة واحدة من أهم مكونات هوية هذه الأمة والتي تدل دلالة واضحة وقاطعة وغير قابلة للشك أنها أمة واحدة، وأنه مهما حاول الأعداء وبعض جهال هذه الأمة أن يفرقوا بين أبنائها تحت دعاوى الجهل والتحريف والتزييف فإنهم لن يستطيعوا، إذ أن القبلة الواحدة التي يتوجه إليها المسلمون تعبر دائما عن هويتهم الإسلامية الحنيفة السمحاء .
5- موسم الحج، لعل من أبرز مكونات وحدة هذه الأمة وأهم عناصر وحدتها والتي أكدتها الآيات القرآنية والسنة النبوية وشهد بها الواقع القديم والمعاصر هي عبادة الحج، وما فيه من شعائر واحدة يؤديها المسلمون جميعا وهم يأتون ملبين إلى بيت الله الحرام مرددين كلهم بصوت واحد، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، مرتدين زيا واحدا مجردا من كل شكل ولون يدل على ثقافة أو قومية أو عرق أو مذهب، إلا على شيء واحد، وهو التجرد من كل متاع هذه الدنيا والخضوع الكامل أمام الله العلي القدير . فكل موحد بالله توفرت عنده الاستطاعة لأداء هذه الفريضة يتوجه ليلبي دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام كما أمره ربه أن يؤذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، وفي هذا المكان تذوب كل الخلافات المذهبية سواء كانت عقائدية أو فقهية، ليؤدي المسلمون شعائر واحدة لا اختلاف فيها، فيطوفون حول البيت الحرام، ويصلون عند مقام إبراهيم، ويسعون بين الصفا والمروة، ويشربون من ماء زمزم، ويقفون بعرفات، ويبيتون بالمشعر الحرام، ويرجمون إبليس اللعين، ويبيتون في منى، ويذبحون هديهم، ويحلقون رؤوسهم، كل ذلك يؤدونه لربهم الواحد القهار، في مظهر لا يوجد على وجه الأرض كلها عند أي أمة أو ملة أو ديانة مظهر يدل على الوحدة والتلاحم أكثر منه، وإنه لو أبصر وتدبر أؤلئك الذين يكفرون ويقتلون ويستبيحون دماء المسلمين من أي مذهب كانوا هذا المشهد العظيم لأيقنوا أنه لا يوجد اختلاف بين مسلم ومسلم، وأن كل من يؤدي هذه العبادة ويقر بها هو في دائرة الإسلام العظيم، ولكنها لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور .
6- الصلاة، تلك العبادة التي يجمع جميع المسلمين على أنها عمود الدين، وأنها أكثر عبادة تقربنا إلى الله، وأن الذي بين المسلم والكافر هو هذه العبادة، وأنها معراج المؤمن إلى ربه، والصلة بين العبد ومولاه، هذه العبادة التي يؤديها المسلمون بأوقات واحدة، وبعدد ركعات واحدة، وبهيئة واحدة، وبأذكار وألفاظ واحدة، وبشروط وـأركان واحدة، متوجهين فيها إلى رب واحد، واضعين جباههم على الأرض أذلاء خاشعين غير متكبرين ولا مغرورين . إن الصلاة تعتبر من أبرز مكونات الهوية الواحدة لهذه الأمة، ولهذا نجد أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حثوا عليها كثيرا، وأكدوا على أدائها وإقامتها في كل وقت كل حين، وأنه لا يوجد تهاون في الإسلام مع من يتركها ولا يؤديها، وأنه جعلت الفاصل بين الإسلام والكفر، فالمسلمون كلهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يؤدون هذه الصلاة كما جاءت في القرآن والسنة، مع اختلاف بسيط في بعض هيئاتها التي لا تقدح في جوهرها ومضمونها، وهم يؤدونها إما فرادى في بيوتهم أو جماعات في المساجد، معبرين بذلك عن أهم مكون لهوية هذه الأمة الواحدة، وليت شعري بأي حجة أو برهان أو منطق يذهب البعض ليفجر نفسه داخل بيوت الله ليقتل المصلين والعابدين والركع السجود، وهو يعتقد أنه بقتلهم سوف يدخل الجنة، اللهم إنا نحسبه من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
7- شهر رمضان، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وكتب الله في علي جميع المسلمين الصيام، حيث يبدأ الصيام من الفجر حت الغروب، أو كما ذكر في القرآن، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل، ويبدأ الصيام مع بداية رؤية هلال شهر رمضان، وينتهي عند رؤية هلال شهر شوال، ويحيي المسلمون هذا الشهر بقيام الليل وتلاوة القرآن وإقامة الأذكار وصلة الأرحام وبعض الأعمال المتعلقة بأجواء هذا الشهر الكريم المبارك، ونحن في كل ما ذكر من أمور متعلقة بهذا الشهر لو أننا نظرنا نظرة سريعة ومتفحصة لوجدنا أن جميع المسلمين من ابناء هذه الأمة في مشارق الأرض ومغاربها وعلى اختلاف لغاتهم وألوانهم ومذاهبهم لوجدناهم متوحدون في كل أمر متعلق بهذا الشهر، ولا يختلف أحد عن أحد، ولو سألنا أي شخص من أي مكان في هذا العالم عن سبب صيامه وامتناعه عن الطعام والشراب وبعض المباحات الأخرى لأجاب بأن هذا العمل هو من أجل الله وتزكية لأنفسنا وتطهير لأرواحنا وقلوبنا، فواعجباه ممن يحاولون تجزئة هذه الأمة الواحدة التي تسير في هذه الحياة على نسق واحد وتتحرك باتجاه واحد وتريد أن تصل إلى هدف واحد، اللهم إنه الجهل والتعصب والعمى الذي اصاب البعض من ابناء هذه الأمة .
8- حب أهل البيت عليهم السلام، حيث لا يشك في وجوب حبهم أحد، وأنه فرض من الله عز وجل على كل مسلمة ومسلمة، وأن حبهم هو أجر الرسالة، والصلاة عليهم جزء من عمود ديننا، وأن حبهم هو حب لله ورسوله، وبغضهم هو بغض لله ورسوله، وهذا ما نصت عليه الآيات والأحاديث، وأن منهم سيدة نساء أهل الجنة، وسيدي شباب أهل الجنة ويعسوب المؤمنين وأخي رسول الله، وأننا بحبهم نتقرب إلى الله، وأنهم سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وأنهم أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، وأن منهم مهدي هذه الأمة، الذي سيملأ الأرض عدلا وقسطا بعد أن ملأت ظلما وجورا، وهذه أمور أجمعت عليها الأمة رغم اختلاف المذاهب، وجحود الجاحدين وإنكار المنكرين، إلا أن هذه حقائق ثابتة في القرآن والسنة، والتاريخ والواقع يثبتونها ويؤكدونها، فحتى النواصب من أبناء هذه الأمة قديما وحديثا لا يستطيعون إنكار هذه الحقائق، نعم هم يحاولون الإلتفاف عليها لأسباب عندهم ولكنهم لا يستطيعون إنكارها، وهذا الأمر هو من أهم الأمور التي يجب أن نلتفت إليها لتوحيد هذه الأمة، وإثبات هويتها الواحدة من خلالها، حيث لا توجد أمة غير أمة الإسلام ما زالت تقدس وتعظم أهل بيت نبيها وتحبهم وتعتبر أن حبهم جزء من عبادتها وطاعتها لله، وهذا شيء جدير بالإهتمام، ولعله من الأشياء التي تغيظ أعداء هذه الأمة، لأنهم مهما حاولوا أن يفرقوا بين أبنائها إلا أن ما هو متفق عليه في القرآن والسنة كاف لأن يبطل كل محاولاتهم ومؤامراتهم، ويجعل المسلمون يقفون في وجه هذه المؤامرات، إلا شرذمة قليلة ممن أعمتهم روح العصبية ورضوا بأن يكونوا في صف أعداء الإسلام والأمة .
9- الشريعة الإسلامية، إن شريعتنا الإسلامية الغراء هي أكبر شاهد على وحدة هذه الأمة، ووحدة هويتها، حيث أن كل ما جاء في هذه الشريعة يؤكد أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، وإن اختلفت مذاهبهم وآرائهم، فبنظرة دقيقة ومتدبرة في ما جاء في هذه الشريعة نجد أن كل المسلمين على وجه الأرض يدينون لله عز وجل بما جاء فيها من حلال وحرام، فلو ابتدأنا في الحديث حول العبادات لوجدنا أنها عبادة واحدة عند السنة والشيعة وكل المذاهب الأخرى، سوى اختلافات صغيرة لا تؤثر في تكوين هذه الأمة الواحدة، كما لا تؤثر بعض الاختلافات الصغيرة بين الزوجين وأولادهما داخل الأسرة في كون هذه الأسرة أسرة واحدة، وايضا لو نظرنا إلى الحلال والحرام فيما يتعلق بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق وخلع وغيرها من الأحكام لوجدناها أحكاما واحدة، وجوهرها جوهر واحد، ومضمونها مضمون واحد، وأهدافها أهداف واحدة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أحكام البيع والشراء والربح والكسب والعقود فإننا نجدها كلها في دائرة واحدة، لا اختلاف بين مذهب ومذهب بأن أكل لحم الخنزير حرام، وأن الزنا حرام، وأن قتل النفس البريئة حرام، وأن أكل مال اليتيم حرام، وأن الزواج الشرعي مباح حتى أربعة نساء، وأن أكل الطيبات من الطعام حلال، وأن البيع والشراء المستوفي للشروط التي نص عليها الشارع المقدس كلها حلال، فالشريعة هي شريعة واحدة عند كل المذاهب، وما يتمسك به أصحاب النفوس المريضة والهالكة ما هي إلا اختلافات صغيرة موجودة بين كل مذاهب الأمة، وليس بين السنة والشيعة وحدهم، فلو استقصينا الخلافات بين الشافعية والأحناف لوجدناها لا تختلف من حيث الكم والكيف بين الاختلافات بين مذهب الإمامية والحنفية، وهي اختلافات بسيطة ومحدودة ولا تؤثر في جوهر الشريعة عند أي طرف من الأطراف أو مذهب من المذاهب، وان الشريعة المقدسة عند الجميع تشكل خارطة طريق في الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، ونيل سعادة الدارين، والنجاة من عذاب جهنم، أعاذنا الله وجميع المسلمين منها ومن عذابها .
10- الإيمان بالمعاد، إن قضية المعاد من أهم القضايا التي تشكل وحدة الأمة، وتوحد هويتها، فالإيمان بأن هناك حياة أخرى بعد الموت، وهذه الحياة سوف يحاسب فيها الإنسان على كل ما جناه وعمله في حياته الدنيا المحدودة، وأن هذه الحياة هي حياة أبدية خالدة، لا انتهاء لها، فالمؤمن يجازى على إيمانه، والكافر والفاسق يجازى على كفره وفسقه، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وأن هناك جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ونارا تلظى أعدت للكافرين والفاسقين، وأن هناك ميزان سوف توزن به أعمال العباد، وحشر لجميع الناس، وصراط مستقيم يسير عليه كل إنسان حسب عمله في هذه الدنيا المحدودة الأجل، وأن المعاد أحد أهم الأمور الرادعة للإنسان عن فعل السيئات في هذه الدنيا، ومن أهم الأمور التي تدفعه لعمل الخير، كل هذه الأمور أجمعت عليها الأمة جميعها، ولم يذكر أن أحدا اختلف أو أنكر شيئا منها، نعم هناك اختلافات محدودة جدا في بعض الفروع لهذه العقيدة الغراء، ولهذا المبدأ الأصيل، مثل كيف سيكون الميزان، وهل هو مثل موازين الدنيا أم شيء آخر، أو هل أننا سنرى الله بقلوبنا أم أننا نراه بأعيننا الحسية المادية، أو حول شفاعة الشافعين، من الذين ستشملهم هذه الشفاعة، ولمن ستكون هذه الشفاعة، ولكن أصل هذه الأمور كما وردت في القرآن والسنة كلها متفق عليها ولا اختلاف بين أي مذهب ومذهب عليها، ولكن الاختلافات كانت فيما لم يرد نص واضح في القرآن أو السنة حول كيفيته، وهذا من أكبر الأدلة وأوضحها على وحدة هذه الأمة، ووحدة هويتها الدينية .
11- الأخلاق الإسلامية، إن الأخلاق الإسلامية هي أخلاق واحدة، وهي تشكل واحدة من أهم المكونات الدالة على وحدة هوية هذه الأمة، فكل ما جاء في القرآن والسنة من حث على الأخلاق الحميدة والحسنة يقر به جميع المسلمين، وكل ما جاء من ذم لأخلاق سيئة ومذمومة في القرآن والسنة يقر به جميع المسلمين، ولا نجد اختلافا ولو صغيرا بين مذهب ومذهب حول هذه الأخلاق، فالصدق هو الصدق عند السنة والشيعة، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة والتعاون والإيثار ومساعدة المحتاجين كلها أخلاق متفق عليها، وهي واحدة ولا اختلاف حتى في تفاصيلها، وأيضا الأخلاق السيئة والمذمومة مثل الكذب والخيانة والغدر والأنانية والطمع والحسد والبغض للمؤمنين وغيرها من الأخلاق السيئة كلها أجمع المسلمون على ذمها، وأنها تورد صاحبها إلى المهالك، في الدنيا والآخرة، وأن صاحب الأخلاق الحسنة هو أثقل الناس ميزانا يوم القيامة، وصاحب الأخلاق السيئة هو من أخف الناس ميزانا يوم القيامة، فمنظومة الأخلاق عند المسلمين هي من أكبر الشواهد على وحدة الأمة، ووحدة هويتها، إذ أننا لا نجد مذهبا إسلاميا يبيح الغش أو الكذب من أجل الكسب كما هو الحال اليوم في الأنظمة الرأسمالية، ولا نجد مذهبا إسلاميا يبيح الغدر وخيانة الأمانة تحت أي مبرر أو ذريعة من الذرائع، وهناك إجماع عند كل المسلمين قديما وحديثا على هذه الأمور، ونحن نستغرب حقيقة من الذين يحاولون تشويه حقيقة هذه الأمة الواحدة من خلال تفاهات يوردونها من هنا وهناك، ولا ينظرون إلى الحقائق الكبرى التي اجتمعت حولها كلمة هذه الأمة، وتوحدت من أجلها هويتها، وأصبحوا جميعا من أجلها في زورق واحد، يسيرون باتجاه هدف واحد، ألا وهو لقاء الله سبحانه وتعالى .
ثانيا : دور القضية الفلسطينية في توحيد الأمة :-
إن قضية فلسطين تشكل صمام أمان أمام كل محاولات تقسيم وتجزئة وتفرقة هذه الأمة الواحدة، وإن أعداءنا ومنذ عقود من الزمن يحاولون تفريق هذه الأمة تحت مبررات وذرائع مذهبية وطائفية إلا أن فلسطين كانت على الدوام حامية لهذه الأمة من التفرقة، كيف لا، وفيها المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، فإذا كانت الأمة كل الأمة تتوجه إلى قبلة واحدة في صلواتها، وتقصد بيتا واحدا في حجها، فإنها أيضا تتوحد نحو تحقيق هدف واحد، ألا وهو تحرير فلسطين، وإزالة الكيان الصهيوني الغاصب، وتطهير المسجد الأقصى المبارك من رجس الصهاينة، ولطالما حاول الأعداء أن يحرفوا الأمة عن هذا الهدف، ويشغلونها بقضايا أخرى، إلا أن مكانة فلسطين وموقعها في قلوب المسلمين كانت تمنع هذه المحاولات للأعداء من النجاح في تحقيق أهدافهم الخبيثة .
ولعل أكبر شاهد على هذا الأمر هو الحرب الأخير على غزة، ودعم جمهورية إيران الإسلامية معنويا وماديا، لقضية فلسطين، وللمقاومة الفلسطينية، فلطالما حاول الأعداء توجيه الأمة بأن إيران هي عدوهم، إلا أن فلسطين أثبتت لجميع المسلمين أن إيران هي الداعم الأكبر لأهم قضية تهم المسلمين اليوم، ألا وهي قضية فلسطين، وفي هذا السياق لا ننسى موقف الإمام الخميني رضوان الله عليه من فلسطين، وكيف أنه خصص يوما كل عام باسم القدس، وهذا اليوم هو الجمعة الأخيرة من رمضان، حيث تخرج ملايين المسلمين من كافة أنحاء العالم تضامنا مع فلسطين والقدس، وهم في أجواء روحانية عالية، ليؤكدوا على ضرورة تحرير فلسطين والقدس، وضرورة زوال هذا الكيان الغاصب، وضرورة توحد جميع المسلمين من أجل تحرير فلسطين، ونحن نرى أن كل عام يزداد عدد الذين يخرجون في هذا اليوم، وهذا كله بالرغم من المحاولات الحثيثة لأعدائنا لتصفية قضية فلسطين وإنهائها، وحرف الأمة عن أهم أهدافها .
إننا نعتقد جازمين أن فلسطين سوف تبقى البوصلة التي يتوحد عندها كل أبناء الأمة، على الاختلافات التي بينهم، قوميا وعرقيا ومذهبيا، وإننا لا نخاف من كل محاولات الأعداء في تفرقة هذه الأمة طالما أن فلسطين حاضرة وبقوة في وجدان أبناء هذه الأمة، وإنه لمن الواجب على كل العلماء في كل الأقطار العربية والإسلامية التأكيد باستمرار على أهمية فلسطين ودورها المحوري في توحيد هذه الأمة، والوقوف في وجه المؤامرات التي تحاول تجزئتها وتفرقتها، والتأكيد على أن عدوهم المركزي والوحيد هو هذا العدو الصهيوني الغاصب الذي ينتهك حرمة قدس الأقداس، ويقتل ويذبح أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم في كل وقت، وما حرب غزة الأخيرة عنا ببعيد .
نسأل الله سبحانه وتعالى لكم التوفيق دائما في جهادكم من أجل توحيد هذه الأمة .
ملاحظة / كنت أود أن أكتب في محاور أخرى ولكن دعوتكم وصلت إلي قبل ايام قليلة وأنا كنت مشغولة في أمور كثيرة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته