[23] بيعة ابن عمر تارة وتقاعسه عنها أخرى هذه عقلية ابن عمر النابية عن إدراك الحقايق، وهي التي أرجأته عن بيعة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وحدته إلى بيعة عثمان ولم يتسلل عنه حتى يوم مقتله بعد ما نقم عليه الصحابة أجمع خلا شذاذا منهم، بل كان هو الذي أغرى عثمان بنفسه حتى قتل كما جاء في أنساب البلاذري 5: 76 عن نافع قال: حدثني عبد الله بن عمر قال قال عثمان وهو محصور: ما تقول فيما أشار به علي المغيرة بن الأخنس ؟ قال: قلت: وما هو ؟ قال: قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعك فإن فعلت وإلا قتلوك فدع أمرهم إليهم. قال: فقلت: أرأيت إن لم تخلع هل يزيدون على قتلك ؟ قال: لا. قال: فقلت: فلا أرى أن تسن هذه السنة في الاسلام فكلما سخط قوم أميرهم خلعوه لا تخلع قميصا قمصكه الله. وفي إثر هذا جاء في الأثر: إن عثمان لما أشرف على الناس فسمع بعضهم يقول: لا نقتله ولكن نعزله قال: أما عزلي فلا وأما قتلي فعسى. وهذا من أتفه ما ارتآه ابن عمر فإن أمره عثمان أن لا يخلع نفسه خيفة أن يطرد ذلك جار في صورة عدم الخلع المنتهي إلى القتل الذي هو أفظع من الخلع، وفي كل منهما سقوط هيبة السلطان وزوال أبهة الخلافة، غير أن البقاء مخلوعا أخف وطأة وأبعد عن مثار الفتن، ومن المشاهد الفتن الثائرة بعد قتل عثمان من قاتليه والحاضين عليه والمتخاذلين عنه فمن قائلة: اقتلوا نعثلا. قتل الله نعثلا. تطلب ثاره. ومألبين عليه أخذا بضبعي الهودج يحثان على الهتاف بثارات عثمان، وموها عليها نبح كلاب الحوأب، ومتقاعد عنه بالشام حتى إذا أودي به كتب الكتائب وخرج إلى صفين وأزلف إليه من كان يقول لما بلغه أنه محصور: أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار. ولما بلغه مقتله قال: أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع (1) قال هذا ثم طفق يثب مع معاوية ________________________________________ (1) راجع ما مر في الجزء الثاني ص 139، والجزء التاسع ص 137 - 140. ________________________________________