[5] وقوة في النفس لا يتمايل بها الهوى، وابن عمر كان يفقد كل هذه لما ذكرناه من صغر سنه يوم ذاك المانع عن كل ما ذكرناه، وروايته هذه أقوى شاهد على فقدانه تلكم الملكات الفاضلة، قال أبو غسان الدوري: كنت عند علي بن الجعد فذكروا عنده حديث ابن عمر: كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول: خير هذه الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر وعثمان فيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر. فقال علي بن الجعد: انظروا إلى هذا الصبي هو لم يحسن أن يطلق امرأته يقول: كنا نفاضل (1). ومن عرف ابن عمر وقرأ صحيفة تاريخه السوداء عرفه بضئولة الرأي، واتباع الهوى، وبفقدانه كل تلكم الخلل يوم بلغ أشده وكبر سنه فضلا عن عنفوان شبابه، وسيوافيك نزر من آرائه السخيفة. دع ابن عمر ومن لف لفه يختار ويتقول، وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة، وما كان لمؤمن ومؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (2). ودع البخاري ومن حذا حذوه يصحح الباطل، ولا يعرف الحي من اللي، واسمع لغواهم ولا تخف طغواهم، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، قد جئناك بآية من ربك، والسلام على من اتبع الهدى. قال أبو عمر في الاستيعاب في ترجمة علي عليه السلام ج 2: 467: من قال بحديث ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل، وهو الذي أنكر ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر أن عليا أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه، وهذا مما لم يختلفوا فيه وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضا في تفضيل علي وأبي بكر، وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحا. ه. وقال ابن حجر بعد ذكر محصل كلام أبي عمر هذا: وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من ________________________________________ (1) تاريخ الخطيب 11: 363. (2) سورة القصص: 68، الأحزاب: 36. ________________________________________