[ 292 ] البحار، وما في لحاء الاشجار والمفاوز والقفار، وإفهام بعضها عن بعض منطقها، وما تفهم به أولادها عنها، ونقلها الغذاء إليها، ثم تأليف ألوانها حمزة مع صفرة، وبياضا مع حمرة علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف، وأن كل صانع شئ فمن شئ صنع، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لامن شئ قلت: جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: " تبارك الله أحسن الخالقين " فقد أخبر أن في عباده خالقين وغير خالقين، منهم عيسى خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فنفخ فيه فصار طائرا بإذن الله، والسامري خلق لهم عجلا جسدا له خوار. قلت: إن عيسى خلق من الطين طيرا دليلا على نبوته، والسامري خلق عجلا جسدا لنقض نبوة موسى وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ؟ إن هذا لهو العجب، فقال: ويحك يا فتح إن الله إرادتين ومشيتين: إرادة حتم، وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، أو ما رأيت أنه نهي آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة وهو شاء ذلك ؟ ولو لم يشأ لم يأكلا، ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله، (1) وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل وشاء أن لا يذبحه ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشية إبراهيم مشية الله عزوجل. قلت: فرجت عني فرج الله عنك غير أنك قلت: السميع البصير، سميع باذن، وبصير بالعين ؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لا تخفى عليه خافية (2) من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار، قلنا: بصير لا بمثل عين المخلوقين، وسميع بما لم تشتبه عليه ضروب اللغات، (3) ولم يشغله سمع عن سمع، قلنا: سميع لا بمثل السامعين. قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة. قال: هات لله أبوك. قلت: يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟ قال: ويحك إن مسائلك لصعبة، أما سمعت ________________________________________ (1) وفى نسخة: ولو لم يشأ أن يأكلا لغلبت مشيتهما مشية الله. (2) في التوحيد المطبوع: لكن لما لم يخف عليه خافية. (3) في التوحيد المطبوع: ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات إه. ________________________________________