ورأت في من رأت بالمجلس أبا بكر، فأقبلت تقول له وكلماتها تقطر ضغينة: أين صاحبك؟ فدهش الرجل، كيف لا ترى الرسول وإنّه لفي جواره؟ وهل ترى الضياء مقلةٌ[423]حشوها ظلام؟ وأردفت المرأة تقول وفي كفّيها فِهْرَي[424] حجارة ثقيلين تلوّح بهما: ما شأنه ينشد فيَّ الشعر؟ لقد بلغني أنّه هجاني، ووالله لو أنّي وجدته لضربت فمه بهذين الفهرين! فلم يزد أبو بكر على أن قال: والله، ما صاحبي بشاعر. قالت: والثواقب إنّه لشاعر، وإنّي لشاعرة، ولأهجونّه، وأنشأت تهجو: مُذَمّماً عَصَيْنا *** وأمَرَهُ أَبَيْنا ودينَهُ قَلَيْنا فما أن برحت المكان وظلّها يدنّس الأرض أينما سارت، حتّى التفت أبو بكر إلى النبي يسأله: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ قال: «ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عنّي»[425]. وانكفأت حمّالة الحطب إلى حيث لقيت أخاها أبا سفيان بن حرب، تثور في وجهه، وتهيّج حفيظته، وتؤرّث نيران عداوته وبغضائه، قالت له ونظراتها شرر: ويحك! أما تغضب أن هجاني محمد؟ وقصّت الخبر. قال لها كبير بني أُمية بلهجة المستعزّ المستكبر: سأكفيكه، وحمل سيفه واشتدّ يسعى إلى غريمه. فإن هي إلاّ سُوَيْعة قطع فيها المسافة بين بيته وبين المسجد ذهاباً وعودةً حتّى ارتدّ إلى أخته مرعوباً يلهث، كأنّما كان يفرّ من جانّ.