ـ(463)ـ عن امتثاله، فيلجأ إلى التحايل على الشرع والتلاعب بأحكامه. صحيح إنّ الوظيفة الرئيسية للفقيه هي بيان الحكم الشرعي للمكلّف، وليس من وظيفته مراقبة امتثال المكلف للحكم الشرعي وعدمه، ولكن ليس من المعقول أن يتجرّد الفقيه لإصدار الأحكام الشرعية بحقّ المكلّفين من دون مراعاة لظروفهم الخاصّة، ومن دون تفهّم الإمكانيات المتاحة في الواقع لامتثال الحكم الشرعي من قبل المكلف. وممّا لـه دلالته الخاصّة في اعتراف الإسلام بالبعد المتغيّر في حياة الإنسان ومراعاته لهذا الأمر هو مبدأ الاجتهاد الذي حثّ الإسلام على ممارسته، حتّى أنّ فقهاء المسلمين اعتبروه واجباً كفائيّاً لا بدّ أن يتفرّغ للقيام به بعض المسلمين، شأنه شأن أيّ وظيفة حياتية لا يستغني الناس عمّن يقوم بها، وهذا الشأن الذي أُعطي لمهمّة الاجتهاد من قبل الإسلام ليس إلاّ لغرض جعل الشريعة حيّة فعّالة في حياة الناس وممارساتهم العملية، ومن أجل أن لا تتحوّل قوانين الشريعة إلى مقرّرات جامدة تفتقد الفاعلية والتأثير. وخلاصة ما يمكن قوله في هذه النقطة من البحث: أنّ إثبات أو نفي قابلية حكم من الأحكام للتغيّر مرهون بما يستفيده الفقيه من أدلّة إثبات الحكم المعني بالبحث، فهل ورد الحكم مورد التعبد المحض بحيث لا يمكن أن يّطلع الفقيه على ملاك تشريع الحكم؟ أم أنّ الحكم في تشريعه وإثباته خضع لمراعاة مصلحة آنيّة معيّنة بحيث يطمئنّ الفقيه بأنّ الحكم يدور مدارها نفياً وثبوتاً؟ فإن كان الحكم من قبيل الأوّل فلا يمكن للفقيه أن يُخضع هذا الحكم للتغيير، إلاّ بعنوان ثانوي آخر يدّعي الفقيه حكومته على العنوان المثبت للحكم الشرعي المنظور، كعناوين نفي العسر والحرج والضرر. وإن كان الحكم الشرعي من قبيل الثاني فإنّ الفقيه لا يمتنع عليه أن ينفي أو يغيّر