[ 186 ] والشام، والحجاز، وخراسان، ومصر، واليمن، ثار عليه عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقاتله فيما بين الكوفة وبغداد، ولقيه في جموع كثيرة، نحوا من عشرين ومئة ألف، فأقام أياما يقاتله في كل يوم، حتى هم أبو جعفر بالهزيمة، وركب فرسه ليهرب، ثم جعل يشجع أصحابه، ويعدهم بالعطايا الواسعة، والصلات الجزيلة، فقاتلوا، ثم إن أبا جعفر غلبته عيناه وهو على فرسه، فرأى في نومه أنه يمد يديه ورجليه على الارض. فاستيقظ ودعا عبارا كان معه، فأخبره بما رأى. فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن سلطانك ثابت، وسيليه بعدك جماعة من ولدك، وهذا الرجل منهزم، فما كان بأسرع من أن نظر إلى عيسى بن زيد منهزما. هروب مالك بن الهيثم وذكروا أن مالك بن الهيثم خرج هاربا حتى أتى همدان (1)، وعليها يومئذ زهير بن التركي مولى خزاعة، فكتب إليه أبو جعفر: إن الله مهرق دمك إن فاتك مالك، فجاء زهير بن التركي إلى مالك بن الهيثم، فقال له: جعلت فداك، قد أعددت لك طعاما، فلو أكرمتني بدخولك منزلي. فقال له: نعم، وكان قد هيأ له زهير أربعين رجلا، فلما دخل مالك قال لزهير: عجل طعامك، وقد توثق زهير من الباب وهيأ أصحابه، فخرج عليه الاربعون، فشدوه وثاقا، ثم وضعوا القيود في رجله، ثم قال: أبا نصر، جعلت فداك، والله ما عرفت هذه الدعوة حتى أدخلتني فيها ودعوتني إليها، فما الذي يخرجك منها، والله ما أخليك حتى تزور أبا جعفر، فبعث به إليه، فعفا عنه أبو جعفر، وولاه الموصل. قال الهيثم: وكان يقال: إن عبد الملك بن مروان كان أحزم بني أمية، وإن أبا جعفر كان أحزم بني العباس، وأشدهم بأسا، وأقواهم قلبا، ألا ترى أن عبد الملك قتل عمرو بن سعيد في داخل قصره، وأبوابه مغلقة، وأبو جعفر قتل أبا مسلم في داخل سرادقه، وليس بينه وبين أهل خراسان إلا خرقة ؟ ________________________________________ (1) وكان أبو جعفر قد كتب كتابا عن لسان أبي مسلم إلى أبي نصر يأمره فيه بحمل ثقله وما خلق عنده وأن يقدم. وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم، فلما رأى أبو نصر الخاتم تاما علم أن أبا مسلم لم يكتب الكتاب (وكان أبو مسلم قد اتفق مع أبي نصر أنه إن جاءه منه كتابا مختوما بنصف خاتم فأنا كتبته، وأن أتاك بالخاتم كله فلم أكتبه: الطبري 7 / 489) فقال: فعلتموها وانحدر إلى همدان يريد خراسان (الطبري 7 / 493). (*) ________________________________________