[ 68 ] تعصر الامة الوكساء (1)، إذا أنا مت فاغسلني، وكفني، وصل علي وأسلمني إلى عمر بن عبد العزيز يدليني في حفرتي، وأخرج أنت إلى الناس، والبس لهم جلد نمر، واقعد على المنبر، وادع الناس إلى بيعتك، فمن مال بوجهه عنك كذا، فقل له بالسيف كذا (2)، تنكر للصديق والقريب، واسمع للبعيد، وأوصيك بالحجاج خيرا، فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وكفاكم تقحم تلك الجرائم. قال: فلما توفي عبد الملك، ومات من يومه ذلك، خرج الوليد إلى الناس، وقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: نعمة ما أجلها، ومصيبة ما أعظمها، وإنا لله وإنا إليه راجعون. نقل الخلافة، وفقد الخليفة (3)، ثم دعا الناس إلى البيعة، فلم يختلف عليه أحد، ثم كان أول ما ظهر من أمره، وتبين من حكمه، أن أمر بهدم كل دار ومنزل، من دار عبد الملك إلى قبره، فهدمت من ساعتها، وسويت بالارض، لئلا يعرج بسرير عبد الملك يمينا وشمالا، وليكون النهوض به إلى حفرته تلقاء منزله، ثم كتب ببيعته إلى الآفاق والامصار، وإلى الحجاج بالعراق فبايع له الناس ولم يختلف عليه أحد. فدخل عليه سليمان بن عبد الملك. فقال له: يا أمير المؤمنين، اعزل الحجاج بن يوسف عن العراقين فإن الذي أفسد الله به أكثر مما أصلح. فقال له الوليد: إن عبد الملك قد أوصاني به خيرا. فقال سليمان: عزل الحجاج والانتقام منه من طاعة الله، وتركه من معصية الله. فقال الوليد: سنرى في هذا الامر، وترون إن شاء الله، ثم كتب الحجاج إلى الوليد: أما بعد، فإن الله تعالى استقبلك يا أمير المؤمنين في حداثة سنك بما لا أعلمه استقبل به خليفة قبلك من التمكين في البلاد، والملك للعباد، والنصر على الاعداء، فعليك بالاسلام، فقوم أوده، وشرائعه وحدوده، ودع عنك محبة الناس وبغضهم وسخطهم، فإنه قل ما يؤتى الناس من خير أو شر، إلا أفشوه في ثلاثة أيام، والسلام. ________________________________________ (1) في الاخبار الطوال ص 325: الامة الورهاء (يعني الجارية الحمقاء) وفي البداية والنهاية 9 / 81: اتحن حنين الجارية والامة. والوكساء: الخسيسة. (2) في مروج الذهب: وضع سيفك على عاتقك، فمن أبدى ذات نفسك لك فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه. (3) قارن مع الطبري 6 / 423 وابن الاثير 3 / 183 البداية والنهاية 9 / 84. مروج الذهب 3 / 197. وفي هذه المصادر ذكرت له على المنبر خطبة أخرى وذلك بعد عودته من دفن والده عبد الملك. (*) ________________________________________