[ 130 ] أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهى الصم (1)، وفعلكم يطمع فيكم عدوكم، إذا أمرتكم بالمسير قلتم كيت وكيت، أعاليل (2) بأضاليل، هيهات، لا يدرك الحق إلا بالجد والصبر، أي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الاخيب (3)، أصبحت لا أطمع في نصرتكم، ولا أصدق قولكم، فرق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي، وأعقبكم بعدي من هو شر لكم مني، أما إنكم ستلقون بعدي ذلا شاملا. وسيفا قاتلا. وأثرة يتخذها الظالمون بعدي عليكم سنة. تفرق جماعتكم. وتبكي عيونكم. وتدخل الفقر بيوتكم. تمنون والله عندها أن لو رأيتموني ونصرتموني. وستعرفون ما أقول لكم عما قليل. استنفرتكم فلم تنفروا. ونصحت لكم فلم تقبلوا، وأسمعتكم فلم تعوا، فأنتم شهود كأغياب، وصم ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة، وأعظكم بالموعظة النافعة، وأحثكم على جهاد المحلين (4)، الظلمة الباغين، فما آتى على آخر قولي حتى أراكم متفرقين، إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين (5)، تضربون الامثال، وتناشدون الاشعار، تربت أيديكم، وقد نسيتم الحرب واستعدادها، وأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها، وشغلتموها بالاباطيل والاضاليل، ويحكم ! اغزوا عدوكم قبل أن يغزوكم، فو الله ما غزى قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، وايم الله ما أظنكم تفعلون حتي يفعل بكم ! وايم الله لوددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على نيتي وبصيرتي، فاسترحت من مقاساتكم ومداراتكم، ويحكم ! ما أنتم إلا كإبل جامحة ضل عنها رعاؤها (6)، فكلما ضمت من جانب، انتشرت من جانب، والله لكأني أنظر إليكم وقد حمى الوطيس، لقد انفرجتم عن علي انفراج الرأس، وانفراج المرأة عن قبلها. فقام إليه الاشعث بن قيس الكندي، فقال: يا أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل عثمان ؟ ________________________________________ (1) الصم: جمع أصم: والمراد الجبال الصم وهي الشديدة الصلابة، ويوهى يضعف. (2) أعاليل: تعللات، بأضاليل، بأسباب زائفة ضالة. (3) السهم الاخيب. أي السهم الذي لا يصيب مرماه. (4) المحلين: الذين أحلوا أنفسهم من بيعة الامام علي بعد أن وجبب عليهم ولزمتهم. (5) عزين: جمع عزة وهي الجماعة والفرقة، والحلق جمع حلقة وهي الجماعة المستديرة كالحلقة. (6) رعاؤها: جمع راع: أي رعاتها. (*) ________________________________________