[ 128 ] قتل الخوارج قال: فرجع علي، فعبأ أصحابه فجعل على الميمنة حجر بن عدي، وعلى الميسرة شيث بن ربعي، وعلى الخيل أبا أيوب الانصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة، وعلى أهل المدينة وهم ثمان مئة رجل من الصحابة قيس بن سعد بن عبادة، ووقف علي في القلب في مضر. قال: ثم رفع لهم راية أمان مع أبي أيوب الانصاري، فناداهم أبو أيوب: من جاء منكم إلى هذه الراية فهو آمن، ومن دخل المصر فهو آمن، ومن انصرف إلى العراق، وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، فإنه لا حاجة لنا في سفك دمائكم. قال: وقدم الخيل دون الرجالة، وصف الناس صفين وراء الخيل، وصف الرماة صفا أمام صف، وقال لاصحابه: كفوا عنهم حتى يبدءوكم. قال: وأقبلت الخوارج حتى إذا دنوا من الناس نادوا: لا حكم إلا لله، ثم نادوا: الرواح الرواح إلى الجنة. قال: وشدوا على أصحاب علي شدة رجل واحد، والخيل أمام الرجال، فاستقبلت الرماة وجوههم بالنبل، فخمدوا. قال الثعلبي: لقد رأيت الخوارج حين استقبلتهم الرماح والنبل كأنهم معز اتقت المطر بقرونها، ثم عطفت الخيل عليهم من الميمنة والمبسرة، ونهض علي في القلب بالسيوف والرماح، فلا والله ما لبثوا فواقا (1) حتى صرعهم الله، كأنما قيل لهم موتوا فماتوا. قال: وأخذ على ما كان في عسكرهم من كل شئ، فأما السلاح والدواب فقسمه علي بيننا، وأما المتاع والعبيد والاماء فإنه حين قدم الكوفة رده على أهلها. قال: ولما أراد علي الانصراف من النهروان، قام خطيبا، فحمد الله ثم قال: أما بعد، فإن الله قد أحسن بلاءكم، وأعز نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى معاوية وأشياعه القاسطين (2)، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما شروا (3) به أنفسهم لو كانوا يعلمون. فقالوا: يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا، ________________________________________ (1) الفواق: مقدار حلب الناقة، أو البقرة، أو نحوهما. (2) القاسطون: الجائرون الخارجون على الحق. (3) شروا به أنفسهم: باعوا به أنفسهم، وشرى تأتى بمعنى باع وبمعنى اشترى ومن مجيئها بمعنى باع قوله تعالى " ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " ومن مجيئها بمعنى اشترى قول عنترة العبسى: حصاني كان دلال المنايا * فخاض غمارها وشرى وباعا فشرى في البيت بمعنى اشترى (*) ________________________________________