[ 113 ] اختلاف أهل العراق في الحكمين قال: وذكروا أن عليا لما استقام رأيه على أن يرسل عبد الله بن عباس مع عمرو بن العاص، قام إليه الاشعث بن قيس، وشريح بن هانئ، وعدي ابن حاتم، وقيس بن سعد، ومعهم أبو موسى الاشعري، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا أبو موسى الاشعري وافد أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب مغانم أبي بكر، وعامل عمر بن الخطاب، وقد عرضنا على القوم ابن عباس فزعموا أنه قريب القرابة منك، ضنين في أمرك، وايم الله لو لقيت به عمرا لاخذ بصره، وغم صدره. ولكن الناس قد رضوا برجل يثق أهل العراق وأهل الشام بتقيته. فتكلم شبيب بن ربعي، فقال إنا والله وإن خفنا على أبي موسى من عمرو ما لا يخافه أهل الشام على عمرو من أبي موسى، فلعل ما خفناه لا يضرنا، ولعل ما رجوا لا ينفعهم، فإن قلت في أبي موسى ضعف فضعفه وتقاه خير من قوة عمرو وفجوره، فأغلق به البلاء، وافتح به العافية. ثم تكلم ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أجبت الله وأجبناك، ولكنا نقول: الله بيننا وبينك، إن كنت تخشى من أبي موسى عجزا فشر من أرسلت الخائن العاجز، ولست تحتاج من عقله إلا إلى حرف واحد، أن لا يجعل حقك لغيرك، فيدرك حاجته منك. ثم قال لابي موسى: اعلم أن معاوية طليق الاسلام، وأن أباه رأس الاحزاب، وأنه ادعى الخلافة من غير مشورة، فإن صدقك فقد حل خلعه، وإن كذبك فقد حرم عليك كلامه، وإن ادعى أن عمر وعثمان استعملاه، فلقد صدق، استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب من المريض، يحميه ما يشتهى، ويوجره (1) ما يكره، ثم استعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة، واعلم أن لعمرو مع كل شئ يسرك خبرا يسوؤك، ومهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وأنها بيعة هدى، وأنه لم يقاتل إلا عاصيا أو ناكثا. فقال أبو موسى: رحمك الله، أما والله ما لي إمام غير علي، وإني لواقف عندما رأى، ولرضاء الله تعالى إلى من رضاء الناس، وما أنا وأنت إلا بالله تعالى. ما قال أهل الشام لاهل العراق قال: وذكروا أن أهل الشام قالوا لاهل العراق: أعطونا رجالا نسميهم لكم، يكونوا شهودا على ما يقوله صاحبنا وصاحبكم، بيننا وبينكم صحيفة، فقال علي: سموا من أحببتم، ________________________________________ (1) يوجره: يسقيه، والمراد هنا يحمله على ما يكره. (*) ________________________________________