[ 111 ] عليه وسلم الشهباء، ثم تعصب بعمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم السوداء، ثم نادى: من يبع نفسه اليوم يربح غدا، يوم له ما بعده، وإن عدوكم قد قدح كما قدحتم. فانتدب له ما بين عشرة آلاف إلى إثنى عشر ألفا واضعى سيوفهم على عواتقهم وتقدموا، فحمل علي والناس حملة واحدة، فلم يبق لاهل الشام صف إلا أهمد، حتى أفضى الامر إلى معاوية، وعلي يضرب بسيفه، ولا يستقبل أحدا إلى ولى عنه. فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب نظر إلى عمرو بن العاص، فقال له: يا بن العاص، اليوم صبر، وغدا فخر، قال: صدقت، فترك الركوب، وصبر وصبر القوم معه إلى الليل، فبات الناس يتحارسون، وكرهوا القتال، وهو اليوم الذي فيه البلاء العظيم، يوم قتل عمار، وكل يظن أن الدائرة عليه، وأسرف الفريقان في القتل، ولم يكن في الاسلام بلاء ولا قتل أعظم منه في تلك الثلاثة الايام، وإن عليا نادى بالرحيل في جوف الليل، فلما سمع معاوية رضى الله عنه رغاء الابل، دعا عمرو بن العاص، فقال: ما ترى ها هنا ؟ قال عمرو: أظن الرجل هاربا، فلما أصبحوا إذا علي وأصحابه إلى جانبهم قد خالطوهم، فقال معاوية: كلا، زعمت يا عمرو أنه هارب، فضحك وقال: من فعلاته والله، فعندها أيقن معاوية بالهلكة، ونادي أهل الشام: كتاب الله بيننا وبينكم، ويومئذ استبان ذل أهل الشام، ورفعوا المصاحف، ثم ارتحلوا فاعتصموا بجبل منيف، وصاحوا: لا ترد كتاب الله يا أبا الحسن فإنك أولى به منا، وأحق من أخذ به. ما قال الاشعث بن قيس قال: فأقبل الاشعث بن قيس في أناس كثير من أهل اليمن، فقالوا لعلي: لا ترد ما دعاك القوم إليه، قد أنصفك القوم، والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء معك، ولا نرمى معك بسهم ولا حجر، ولا نقف معك موقفا. ما قال القراء قال: فلما سمع علي قول الاشعث ورأى حال الناس قبل القضية، وأجاب إلى الصلح، وقام إلى علي أناس، وهم القراء منهم عبد الله بن وهب الراسبي في أناس كثير قد اخترطوا سيوفهم، ووضعوها على عواتقهم، فقالوا لعلي: اتق الله، فإنك قد أعطيت العهد وأخذته منا، لنفنين أنفسنا أو لنفنين عدونا، أو يفئ إلى أمر الله، وإنا نراك قد ركبت إلى أمر فيه الفرقة والمعصية لله، والذل في الدنيا، فانهض بنا إلى عدونا، فلنحاكمه إلى الله بسيوفنا. حتى يحكم الله بيننا وبينهم، وهو خير الحاكمين، لا حكومة الناس. ________________________________________