[ 101 ] خطبة علي كرم الله وجهه قال: وذكروا أن عليا قام خطيبا فقال: أيها الناس، ألا إن هذا القدر ينزل من السماء كقطر المطر، على كل نفس بما كسبت من زيادة أو نقصان، في أهل أو مال، فمن أصابه نقصان في أهل أو مال فلا يغش نفسه، ألا وإنما المال حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لاقوام، وقد دخل في هذا العسكر طمع من معاوية، فضعوا عنكم هم الدنيا بفراقها، وشدة ما اشتد منها، برجاء ما بعدها، فإن نازعتكم أنفسكم إلى غير ذلك فردوها إلى الصبر، ووطنوها على العزاء، فو الله إن أرجى ما أرجوه الرزق من الله، حيث لا نحتسب، وقد فارقكم مصقلة بن هبيرة، فآثر الدنيا على الآخرة، وفارقكم بشر بن أرطاة فأصبح ثقيل الظهر من الدماء، مفتضح البطن من المال، وفارقكم زيد بن عدي بن حاتم، فأصبح يسأل الرجعة. وايم الله لودت رجال مع معاوية أنهم معي، فباعوا الدنيا بالآخرة، ولودت رجال معي أنهم مع معاوية، فباعوا الآخرة بالدنيا. قدوم ابن أبي محجن على معاوية قال: وذكروا أن عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية. فقال: يا أمير المؤمنين، إني أتيتك من عند الغبى الجبان البخيل ابن أبي طالب. فقال معاوية: لله أنت ! أتدرى ما قلت ؟ أما قولك الغبي، فو الله لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان علي، وأما قولك إنه جبان، فثكلتك أمك، هل رأيت أحدا قط بارزه إلا قتله ؟ وأما قولك إنه بخيل، فو الله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن، لانفد تبره قبل تبنه. فقال الثقفي: فعلام تقاتله إذا ؟ قال: على دم عثمان، وعلى هذا الخاتم، الذى من جعله في يده جادت طينته، وأطعم عياله، وادخر لاهله. فضحك الثقفي ثم لحق بعلي، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي يدي بجرمي، لا دنيا أصبت ولا آخرة. فضحك علي، ثم قال: أنت منها على رأس أمرك، وإنما يأخذ الله العباد بأحد الامرين. رفع أهل الشام المصاحف قال: وذكروا أن أهل العسكرين باتوا بشدة من الالم، ونادى علي أصحابه، فأصبحوا على راياتهم ومصافهم، فلما رآهم معاوية وقد برزوا للقتال، قال لعمرو بن العاص: يا عمرو، ألم تزعم أنك ما وقعت في أمر قط إلا خرجت منه ؟ قال: بلى، قال: أفلا تخرج مما ترى ؟ قال: والله لادعونهم إن شئت إلى أمر أفرق به جمعهم، ويزداد جمعك إليك اجتماعا، إن أعطوكه اختلفوا، وإن منعوكه اختلفوا. قال معاوية: وما ذلك ؟ قال عمروا: تأمر بالمصاحف فترفع ثم تدعوهم إلى ما فيها، فو الله لئن قبله لتفترقن عنه جماعته، ولئن رده ليكفرنه أصحابه. فدعا معاوية ________________________________________