( 74 ) 3 ـ ومن المشهور الذي لا يجهل أن عمر بن الخطاب ( رض ) أقام من صلى التراويح بالناس في ليالي رمضان، وأمره أن يقرأ في الركعة الواحدة نحوا من عشرين آية، فكان يحيى القرآن في الشهر مرتين. ومعلوم أن ذلك لم يكن من المصحف الذي كتبه زيد، لأن المصاحف لم تنسخ منه (1). وهذا تصريح بوجود المصاحف المغايرة لما استنسخه زيد، وأن سيرة المسلمين عليها إذ لم يعمم مصحف زيد. وصاحب الرأي السابق يذهب صراحة أن القرآن كان منظوما ومجموعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2). *** وقد يقال بأن الكتابة كانت محدودة في عصر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقد يحول هذا دون تدوين القرآن، فيقال إن عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصر أبي بكر واحد، فما يقال هناك يقال هنا. على أن موضوع الكتابة لا يخلو من مبالغة، فهي وإن كانت محدودة النطاق، ومقتصرة على طبقة من الناس، فإننا نشكك كثيرا في تحديد الأرقام التي أوردها المؤرخون، ولنا عليها مؤاخذات ليس هذا موطن بحثها، ويزداد شكنا حينما نلمح البلاذري يقول: " دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا يكتب " (3). أو ما أورده ابن عبد ربه الأندلسي " لم يكن أحد يكتب بالعربية حين جاء الإسلام، إلا بضعة عشر رجلا " (4). لا ريب أن العرب كانت أمة أمية، إلا أن هذه الأرقام لا تتناسب مع ذكر القرآن للكتابة وأدواتها ومشتقاتها بهذه الكثرة. على أن للأمية دلالات أخرى لعل من أفضلها تعليلا ما رواه ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ( هو الذي بعث ____________ (1)، (2) المصدر نفسه: 31. (3) البلاذري، فتوح البلدان: 477. (4) ابن عبد ربه، العقد الفريد: 4 | 242.