@ 76 @ الآية في جميع المنافقين من عاهد وأخلف وغيرهم ، وخصتها فرقة بمن عاهد وأخلف . فقال الزمخشري : ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه ، وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين ، وتسمية الصدقة جزية ، وتدبير منعها . وقيل : أشار بسرهم إلى ما يخفونه من النفاق ، وبنجواهم إلى ما يفيضون به بينهم من تنقيص الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وتعييب المؤمنين . وقيل : سرهم ما يسار به بعضهم بعضاً ، ونجواهم ما تحدثوا به جهراً بينهم ، وهذه أقوال متقاربة متفقة في المعنى . .
{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ } : نزلت فيمن عاب المتصدقين . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) حث على الصدقة ، فتصدّق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف وأمسك مثلها ، فبارك له الرسول صلى الله عليه وسلم ) فيما أمسك وفيما أعطى . وتصدق عمر بنصف ماله ، وعاصم بن عدي بمائة وسق ، وعثمان بصدقة عظيمة ، وأبو عقيل الأرلشي بصاع تمر ، وترك لعياله صاعاً ، وكان آجر نفسه لسقي نخيل بهما ، ورجل بناقة عظيمة قال : هي وذو بطنها صدقة يا رسول الله ، وألقى إلى الرسول خطامها فقال المنافقون ما تصدق هؤلاء إلا رياء وسمعة ، وما تصدّق أبو عقيل إلا ليذكر مع الأكابر ، أو ليذكر بنفسه فيعطي من الصدقات ، والله غني عن صاعه . وقال بعضهم : تصدق بالناقة وهي خير منه . وكان الرجل أقصر الناس قامة وأشدهم سواداً ، فنظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ) وقال : قل هو خير منك ، ومنها يقولها ثلاثاً . وأصل المطوعين المتطوعين ، فأدغمت التاء في الطاء ، وهم المتبركون كعبد الرحمن وغيره . والذين لا يجدون إلا جهدهم هم مندرجون في المطوعين ، ذكروا تشريفاً لهم ، حيث ما فاتتهم الصدقة بل تصدقوا بالشيء ، وإن كانوا أشد الناس حاجة إليه ، وأتعبهم في تحصيل ما تصدقوا به كأبي عقيل ، وأبي خيثمة ، وكان قد لمز في التصدق بالقليل ونظر أيهما . وكان أبو علي الفارسي يذهب إلى أنّ المعطوف في هذا وشبهه لم يندرج فيما عطف عليه قال : لأنه لا يسوغ عطف الشيء على مثله . وكذلك كان يقول في وملائكته ورسله وجبريل وميكال ، وفي قوله : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } وإلى هذا كان يذهب تلميذه ابن جني ، وأكثر الناس على خلافهما . وتسمية بعضهم التجريد ، جردوا بالذكر على سبيل التشريف ، وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله : { وَمَلئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } . وقرأ ابن هرمز وجماعة : جهدهم بالفتح . فقيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقال القتبي بالضم الطاقة ، وبالفتح المشقة . وقال الشعبي : بالضم القوت ، وبالفتح في العمل . وقيل : بالضم شيء قليل يعاش به . والأحسن في الإعراب أن يكون الذين يلمزون مبتدأ ، وفي الصدقات متعلق بيلمزون ، والذين لا يجدون معطوف على المطوعين ، كأنه قيل : يلمزون الأغنياء وغيرهم . وفيسخرون معطوف على يلمزون ، وسخر الله منهم وما بعده خبر عن الذين يلمزون . وذكر أبو البقاء أن قوله : والذين لا يجدون ، معطوف على