وأَحْمَدْتَ أَنْ أَلْحَقْتَ بالأَمْسِ صِرْمَةً ... لَهَا غِدَرَاتٌ واللَّوَاحِقُ تَلْحَقُ انْتَهَى . وقال أَبو مَنْصُورٍ : واحِدَة الغِدَرِ غِدْرَةٌ وتُجْمَع غِدَراً وغِدَرَاتٍ . ورَوَى بيتَ الأَعْشَى . ففي كلام المُصَنّف نَظَرٌ مِن وُجُوهٍ . والغُدَرُ كصُرَدٍ القِطْعَةُ من الماءِ يُغادِرُهَا السَّيْلُ أَي يَتْرُكها ويُبْقِيهَا كالغَدِير هكذا في سائر الأُصول المُصَحَّحة . ولم أضجِدْ أَحَداً من الأَئمةِ ذَكَرَ الغُدَرَ بمعنَى الغَدِيرِ مع كَثْرَة مُرَاجَعَة الأُمّهاتِ اللُّغَوِيّة . ولم أَزَلْ أُجِيلُ قِدَاحَ النَّظَر في عِبَارَة المصنِّف ومَأْخَذها حَتّى فَتَحَ الله وَجْهَ الصَّواب فيها . وهُوَ أَنّا قَدَّمْنَا آنِفاً النَّقْلَ عن ابنِ السِكّيتِ وعن أَبي مَنْصُورٍ فجاءَ المُصَنّف أَخَذَ من عِبَارَتَيْهِما بطَرِيق المَزْجِ على عادَته فأَخَلَّ بالمَقْصُود ولم يَدُلّ على المُرَادِ عَلَى الوَجْه المَعْهُود . فالصَّوابُ في عِبَارَته أَن يَقُول : والغُدْرَة بالضَّمّ وكَعِنَبٍ : ما أُغْدِرَ من شئٍ كالغُدَارَةِ بالضَّمّ والغَدَرَةِ والغَدَرِ - مُحَرَّكَتَيْن - جمعُه غِدَرَات كعِنَبَاتٍ وبالضّمّ وكصُرَدٍ فيكونُ الجَمْعَانِ الأَخِيرَانِ للغُدْرَة بالضّمّ أَو الاقْتِصارُ على الجَمْع الأَوّل كما اقْتَصَرَ غيرُهُ ثم يقول : والغَدِيرُ : القِطْعَة من الماءِ يُغَادِرُهَا السَّيْلُ . هذا هو الصَّواب الذي تَقْتَضِيه نُقُول الأَئمة في هذا المَقَامِ . ومَن راجَعَ التَّكْمِلَةَ واللّسَانَ زالَ عنه الإِبْهام والله أَعلم . ثم قولُه ج كصُرَدٍ وتُمْرانٍ يَدُلّ على ما صوّبْناهُ ويُبَيِّنُ ما أَوْرَدْنَاه فإِنَّ الغَدِيَر جَمْعُه غُدْرَانٌ وغُدَرٌ كما ذَكَرَه على المَشهور صَحِيحٌ ثابِتٌ . فيُقَال : ما جَمْعُ غُدَرٍ كصُرَدٍ الذي أَوْرَدَه مُفْرَداً فيحتاج أَن يقولَ غِدْرانٌ بالكسر كصِرْدانٍ أَو يَقُولُ إِنّهُ يُسْتَعْمَل هكذا مُفْرَداً وجَمْعاً . وكُلّ ذلك لم يَصِحّ ولَمْ يَثْبُت فتأَمَّلْ . ثم ثَبَتَ في الأُصول المُصَحَّحَةِ من النِّهَايَة واللّسَان أَنَّ جَمْعَ الغَدِير غُدُرٌ بضمَّتَيْن كطَريق وطُرُق وسَبِيلٍ وسُبُل ونَجِيب ونُجُب وهو القِياسُ فيه وقد يُخَفَّف أَيضاً بالتَّسْكِين . ففي قولِ المُصَنّف كصُرَدٍ نَظَرٌ أَيضاً فَتَأَمَّلْ . وقولُه في مَعْنَى الغَدير : القِطْعَةُ من الماءِ يُغَادِرها السَّيْلُ قال ابنُ سِيدَه : هو قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ فهُوَ إِذاً فَعِيلٌ في معنَى مَفْعُولٍ على اطِّراح الزائد . وقد قِيلَ : إِنّه من الغَدْرِ لأَنّه يَخُون وُرّادَه فيَنْضُب عَنْهُم ويَغْدِرُ بأَهْلِه فَينْقَطِع عند شِدَّة الحاجَة إِلَيْه . ويُقوِّي ذلك قولُ الكُميت : .
ومِنْ غَدْرِه نَبَزَ الأَوَّلُونَ ... بأَنْ لَقَّبُوه الغَدِيرَ الغَدِيرَا