ترتيبها . فإِنّ هذا الذي بينّاهُ يريهِ فسادَ هذا الظن . وذلك أنه لو كانتِ المعاني تكونُ تِبعاً للألفاظ في ترتيبها لكان مُحالاً أنْ تتغيَّرَ المعاني والألفاظُ بحالها لم تَزُل عن ترتيبها فلما رأينا المعاني قد جاز فيها التغيّر من غيرِ أن تتغيَّرَ الألفاظُ وتزولَ عن أماكِنها علمنا أن الألفاظَ هي التابعةُ والمعاني هي المَتْبوعةَ .
واعلمْ أنّه ليس من كلام يعمدُ واضعُهُ فيه إلى معرفتين فيجعلُهما مبتدأ وخبراً ثم يقدِّم الذي هو الخبرُ إِلاّ أشكلَ الأمرُ عليك فيه فَلَم تعلم أنَّ المقدَّم خبرٌ حتى ترجعَ إلى المعنى وتُحسِنَ التدبُّر . أنشدَ الشيخُ أبو علي في " التَّذكرة " - الخفيف - : .
( نَمْ وإنْ لم أنمْ كرايَ كراكا ... ) .
ثم قال : ينبغي أن يكونَ " كراي " خبراً مقدَّماً ويكونَ الأصلُ " كراكَ كرايَ " أي نَم وإن لم أنم فنومُك نومي . كما تقول : قُم وإن جلستَ فقيامُك قيامي . هذا هو عُرْفُ الاستعمال في نحوِه . ثم قال : وإِذا كان كذلك فقد قدَم الخبرَ وهو معرفةٌ وهو يَنوي به التأخير من حيث كان خبراً . قال : فهو كبيتِ الحماسةِ - الطويل - : .
( بَنونا بَنو أَبْنائِنا وبَناتُنا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجالِ الأَباعِدِ ) .
فقدَّم خبرَ المبتدأ وهو معرفة . وإنما دلَّ على أنه ينوي التأخيرَ المعنى ولولا ذلك لكانتِ المعرفةُ إذا قدِّمتْ هي المبتدأ لتقدُّمها فَافْهَمْ ذلك . هذا كلّه لفظُه