يكونوا مخصوصينَ بها كما هو الغرضُ في الآية . بل كان يكونُ المعنى أنّ غيرَ العلماء يخشون اللهَ تعالى أيضاً إلاّ أنهم مع خشيتِهم اللهَ تعالى يخشَوْن معه غيرَه والعلماءُ لا يخشون غيرَ الله تعالى . وهذا المعنى وإن كانَ قد جاءَ في التنزيلِ في غيرِ هذه الآية كقولهِ تعالى : ( ولا يخْشَوْنَ أحداً إلاّ الله ) فليس هو الغرضَ في الآية ولا اللَّفظُ بمحتَمِلٍ له البتةَ . ومَنْ أجازَ حَملها عليه كان قد أبطلَ فائدةَ التقديمِ وسوَّى بينَ قولِهِ تعالى : ( إنّما يخشَى اللهَ مِنْ عبادِه العلماء ) وبين أن يقالَ : إنما يخشى العلماءُ اللهَ . وإذا سوَّى بينهُما لَزِمَه أن يُسَوِّيَ بينَ قولِنا : ما ضَرَبَ زيداً إلاّ عمرٌو وبَيْنَ : ما ضربَ عمرٌو إلاَّ زيداً . وذلك ما لا شُبْهَةَ في امتناعِه .
فهذه هيَ المسألةُ . وإذ قد عرفتَها فالأمرُ فيها بيِّنٌ أنّ الكلامَ بما وإلاّ قد يكونُ في معنى الكلامِ بإنما . ألا ترى إلى وضوحِ الصورةِ في قولك : ما ضربَ زيدا إلا عمرٌو وما ضربَ عمرٌو إلاّ زيداً أنه في الأولِ لبيانِ مَن الضارب . وفي الثاني لبيانِ مَنِ المضروبُ وإنْ كان تكلفاً أن تَحمله على نفي الشرِكة فتريدَ بما ضربَ زيداً إلاّ عمرو أنه لم يضرِبْه اثنان وبما ضربَ عمرٌو إلا زيداً أنه لم يضرِب اثنين .
ثم اعلمْ أن السببَ في أنْ لم يكن تقديم المفعولِ في هذا كتأخيرِه ولم يكنْ ما ضربَ زيداً إلا عمرٌو وما ضربَ عمرٌو إلا زيداً سواءٌ في المعنى أن الاختصاصَ يقعُ في واحدٍ من الفاعلِ والمفعولِ ولا يقع فيهما جميعاً . ثم إنَّه يقع في الذي يكونُ بعد " إلاّ " منهما دونَ الذي قبلَها لاستحالة أن يحدُثَ معنى الحرفِ في الكلمة قبلَ أن يجيءَ الحرفُ . وإذا كان الأمرُ كذلكَ وجبَ أن يفترِقَ الحالُ بينَ أن تقدِّم المفعولَ على " إلا " فتقولَ : ما ضربَ زيداً إلاّ عمرٌو وبين أن تقدم الفاعلَ فتقول : ما ضربَ عمرٌو إلاّ زيداً . لأنَّا إنْ زعمْنا أنَّ الحالَ لا يفترقُ جعلنا المتقدِّمَ كالمتأخِّر في جوازِ حدوثِه فيه . وذلك يقتضي المُحالَ الذي هو أن يَحْدثَ معنى " إلا " في الاسمِ من قبلِ أن تجيءَ بها فاعرِفْه .
وإذ قد عرفتَ أنَّ الاختصاصَ مع " إلا " يقعُ في الذي تؤخِّرُه من الفاعل والمفعول فكذلك يقعُ مع " إنما " في المؤخَّرِ منهما دونَ المقدَّم . فإذا قلتَ : إنما ضربَ زيداً عمرٌو كان الاختصاصُ في الضاربِ . وإذا قلتَ : إنما ضربَ عمرٌو زيداً كان الاختصاصُ في