وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( لَيسَ على الله بمستنكَر ... أن يَجْمَعَ العالَم في واحدِ ) .
ولكنَّ لحديث الجنسيةِ هاهُنا مأخذاً آخرَ غيرَ ذلك وهو أنك تَعمدُ بها إلى المصدِر المشتَقِّ منه الصفةُ وتوجِّهُها إليه لا إلى نفسِ الصِّفة . ثم لك في تَوجيهها إليه مسلَكٌ دقيقٌ وذلك أنَّه ليس القَصْدُ أن تأتَي إلى شجاعاتٍ كثيرةٍ فتجمَعَها له وتُوجدَها فيه ولا أن تقولَ : إنَّ الشجاعاتِ التي يُتوَهَّم وجودُها في الموصوفينَ بالشجاعة هي موجودةٌ فيه لا فيهم . هذا كلُّه مُحالٌ بل المعنى على أنك تقولُ : كنا قد عَقَلنا الشجاعَة وعرَفنا حقيقتَهَا وما هي وكيف ينبغي أن يكون الإنسانُ في إقدامِه وبَطْشهِ حتى يعلَمَ أنه شجاع على الكمال واسْتَقْرينا الناسَ فلم نجدْ في واحدٍ منهم حقيقةً ما عرفناهُ . حتى إذا صِرْنا إلى المخاطبِ وجدناهُ قِد استكملَ هذه الصفةَ واستجمعَ شرائطَها وأخلصَ جوهَرها ورسَخ فيه سِنْخُها . ويُبَيِّنُ لك أن الأمرَ كذلك اتفاقُ الجميع على تفسيِرهم له بمعنى الكامِل ولو كان المعنى على أنه استَغْرَقَ الشجاعات التي يُتوهَّم كونُها في الموصوفينَ بالشجاعة لما قالوا : إنَّه بمعنى الكامل في الشجاعِة لأن الكمالَ هو أن تكونَ الصفةُ على ما يَنْبغي أن تكونَ عليه وأن لا يخالَطها ما يقدحُ فيها . وليس الكمالُ أن تجتمعَ آحادُ الجنسِ وينَضَّم بعضُها إلى بعضٍ فالغرضُ إذاً بقولنا : أنتَ الشجاعُ هو الغرضُ بقولهم : هذه هيَ الشجاعةُ على الحقيقة وما عداها جُبْنٌ . وهكذا يكون العلمُ وما عداه تَخَيُّلٌ . وهذا هو الشِعّرُ وما سواهُ فليس بشيءٍ وذلك أظهرُ من أن يَخْفى .
وضربٌ آخرُ منَ الاستدلال في إبطالِ أن يكونَ : أنتَ الشجاعُ : بمعنى أنك كأنَّك جميعُ الشجعانِ على حَدِّ : أنت الخَلْقُ كلُّهم . وهو أنّك في قولك : أنتَ الخلقُ وأنتَ الناسُ كلُّهم وقد جُمِعَ العالمُ مِنْكَ في واحدٍ تدَّعي له جميعَ المعاني الشَّريفةِ المتفرقِة في الناس من غيرِ أن تُبْطلَ تلك المعاني وتَنفيَها عن الناس بل على أن تدَّعيَ له أمثالَها . ألا تَرى أنك إذا قلتَ في الرجلِ : إنه معدودٌ بألفِ رجلٍ فلستَ تعني أنه معدودٌ بألفِ رجل لا معنى فيهم ولا فضيلةَ لهم بوجه . بل تريدُ أنَّه يُعْطِيكَ من معاني الشجاعةِ أو العلم أو كذا أو كذا مجموعاً ما لا تجدُ مقدارَهُ مُفرَّقاً إلاًّ في ألفِ رجلٍ . وأمَّا في نحوِ : أنت الشجاعُ فإنك تدَّعي له أنه قد انفردَ بحقيقةِ الشجاعةِ وأنه قد أُوتَي فيها مزيَّةً وخاصيَّة لم يُؤتَها أحدٌ