@ 44 @ .
وهذا الذي قاله أبو حنيفة بالبديهة لا يدركه أحدٌ بالروّية إلاّ العلماء .
فأما قصةُ عليّ فلا يدركها الشادي ولا يلحقها بعد التمرن في الأحكام إلاّ العاكف المتمادي .
وتحقيقُها أنّ هؤلاء الأربعة مقتولون خطأ بالتدافع على الحفرة من الحاضرين عليها فلهم الديات على من حفر على وجه الخطأ بيد أنَّ الأول مقتول بالمدافعة قاتلٌ ثلاثة بالمجاذبة فله الديةُ بما قتل وعليه ثلاثة أرباع الدية للثلاثة الذين قتلهم .
وأما الثاني فله ثلث الدية وعليه الثلثان للاثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة .
وأما الثالث فله نصفُ الدية وعليه النصف لأنه قتل واحداً بالمجاذبة فوقعت المحاصّة وغرمت العواقل هذا التقدير بعد القصاص الجاري فيه وهذا من بديع الاستنباط .
وأما أبو حنيفة فإنه نظر إلى المعاني المتعلّقة فرآها ستة .
الأول أن المجنون لا حدّ عليه لأن الجنون يُسقط التكليف هذا إذا كان القذف في حالة الجنون فأما إذا كان يجنّ مرة ويُفيق أخرى فإنه يحد بالقذف في حال إفاقته .
الثاني قولها يا بن الزانيين فجلدها حدَّين لكل أب حدّ فإنما خطأه أبو حنيفة فيه بناء على مذهبه في أن حدّ القذف يتداخل لأنه عنده حقٌّ لله تعالى كحد الخمر والزنى .
وأما الشافعي ومالك فإنهما يريان الحدَّ بالقذف حقاً للآدمي فيتعدد بتعدد المقذوف وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف .
الثالث أنه حد بغير مطالبة المقذوف ولا يجوز إقامة حد القذف بإجماع من الأمة إلا بعد المطالبة بإقامته ممن يقول إنه حقّ لله ومن يقول إنه حقّ للآدمي وبهذا المعنى