فأخذهم الطوفان وهم ظالمون أي ومع هذه المدة الطويلة فما آمن به إلا القليل منهم وكان كل ما نقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الإيمان به ومحاربته ومخالفته وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه وصاه فيما بينه وبينه أن لا يؤمن بنوح أبدا ما عاش ودائما ما بقي وكانت سجاياهم تأبى الإيمان واتباع الحق ولهذا قال ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ولهذا قالوا قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين أي إنما يقدر على ذلك الله D فإنه الذي لا يعجزه شيء ولا يكترثه أمر بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون أي من يرد الله فتنته فلن يملك أحد هدايته هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الفعال لما يريد وهو العزيز الحكيم العليم بمن يستحق الهداية ومن يستحق الغواية وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن تسلية له عما كان منهم إليه فلا تبتئس بما كانوا يفعلون وهذه تعزية لنوح عليه السلام في قومه أنه لن يؤمن منهم إلامن قد آمن أي لا يسوأنك ما جرى فإن النصر قريب والنبأ عجيب واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون وذلك أن نوحا عليه السلام لما يئس من صلاحهم وفلاحهم ورأى أنهم لا خير فيهم وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته وتكذيبه بكل طريق من فعال ومقال دعا عليهم دعوة غضب فلبى الله دعوته وأجاب طلبته قال الله تعالى ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وقومه من الكرب العظيم وقال تعالى ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم وقال تعالى قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين وقال تعالى فدعا ربه أني مغلوب فانتصر وقال تعالى قال رب انصرني بما كذبون وقال تعالى مما خطيآتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفار فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم وفجورهم ودعوة نبيهم عليهم فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها ولا يكون بعدها مثلها وقدم الله تعالى إليه أنه إذا جاء أمره وحل بهم بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين أنه لا يعاوده فيهم ولا يراجعه فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم فإنه ليس الخبر كالمعاينة ولهذا قال ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه أي يستهزئون به استعباد الوقوع ما توعدهم به قال إن تسخورا منا فانا نسخر منكم كما تسخرون أي نحن الذين نسخر منكم ونتعجب منكم في استمراركم على كفركم وعنادكم الذي يقتضي وقوع العذاب بكم وحلوله عليكم فسوف تعلمون من يأتيه