109 - ـ فصل : في الفقر و أثره على العالم .
ليس في الدنيا أنفع للعلماء من جمع المال للإستغناء عن الناس فإنه إذا ضم إلى العلم حيز الكمال .
و إن جمهور العلماء شغلهم العلم عن الكسب فاحتاجوا إلى ما لا بد منه و قل الصبر فدخلوا مداخل شانتهم و إن تأولوا فيها إلا أن غيرها كان أحسن لهم فالزهري مع عبد الملك و أبو عبيدة مع طاهر بن الحسين و ابن أبي الدنيا مؤدب المعتضد و ابن قتيبة صدر كتابه بمدح الوزير و ما زال حلف من العلماء و الزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم .
و هؤلاء و إن كانوا سلكوا طريقا من التأويل فإنهم فقدوا من قلوبهم و كمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا .
و قد رأينا جماعة من المتصوفة و العلماء يغشون الولاة لأجل نيل ما في أيديهم فمنهم من يداهن و يرائي و منهم من يمدح بما لا يجوز و منهم من يسكت عن منكرات إلى غير ذلك من المداهنات و سببها الفقر .
فعلمنا أن كمال العز و بعد الرياء إنما يكون في البعد عن العمال الظلمة و لم نر من صح له هذا إلا في أحد رجلين : .
إما من كان له مال كسعيد بن المسيب كان يتجر في الزيت و غيره و سفيان الثوري كانت له بضائع و ابن المبارك .
و إما من كان شديد الصبر قنوعا بما رزق و إن لم يكفه كبشر الحافي و أحمد بن حنبل .
و متى لم يجد الإنسان كصبر هذين و لا كمال أولئك فالظاهر تقلبه في المحن و الآفات و ربما تلف دينه .
فعليك يا طالب العلم بالاجتهاد في جمع المال للغنى عن الناس فإنه يجمع لك دينك فما رأينا في الأغلب منافقا في التدين و التزهد و التخشع و لا آفة طرأت على عالم إلا يجب الدنيا و غالب ذلك الفقر فإن كان له مال يكفيه ثم يطلب بتلك المخالطة الزيادة فذلك معدود في أهل الشره خارج عن حيز العلماء نعوذ بالله من تلك الأحوال