وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كتاب الأقضية .
الأقضية جمع قضاء بالمد كأغطية جمع لغطاء ككساء وأصل القضاء إحكام الشيء وفراغه قال الجوهري : قضى بمعنى أنهى وفرغ فالقاضي ينهي الأمر ويفرغ منه وقضى بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى : { وقضى ربك } والقاضي يوجب الحكم وقضى بمعنى أتم ومنه قوله تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم } فالقاضي يتم الأمر بحكمه ويكون بمعنى أدى وبمعنى قدر وسمي القضاء حكما لما فيه من منع الظالم مأخوذ من الحكمة التي توجب وضع الشيء في محله أو من إحكام الشيء مأخوذ من حكمة اللجام لمنعها الدابة والله أعلم .
ثم الأصل في ذلك الآيات والأخبار والإجماع قال الله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وقال الله تعالى : { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } وغير ذلك وفي السنة الشريفة أحاديث منها قوله A [ إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران ] رواه الشيخان ومنها قوله A [ إذا جلس القاضي في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه ويوفقانه ويراشدانه ما لم يجر فإذا جار عرجا وتركاه ] رواه البيهقي وفي رواية الطبراني [ ما لم يرد غيره ] أي غير الحق فإن أراد غيره وجار متعمدا تبرآ منه ووكلاه إلى نفسه وهذا كله في القاضي الذي هو بصفة القضاء وصفة القضاء تأتي أما من ليس أهلا له كالجهلة والفسقة كقضاة الرشا والبراطيل فهم بشهادة سيد الأولين والآخرين A في النار لقول E [ القضاة ثلاثة : قاض في الجنة وقاضيان في النار قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فحكم بخلافه فهو في النار وقاض قضى على جهل فهو في النار ] رواه أبو داود وغيره وقال E : [ من كان قاضيا فقضى بحق أو بعدل يسأل التفلت كفافا ] رواه ابن حبان في صحيحه والأحاديث في ذلك كثيرة قال العلماء : كل من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم فإن حكم فهو آثم ولا ينفذ حكمه وسواء وافق الحق أم لا لأن إصابة الحق اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا وأحكامه مردودة كلها ولا يعذر في شيء من ذلك وكذا جزم به النووي في شرح مسلم والله أعلم قال : .
ولا يجوز أن يلي القضاء إلا من استكملت فيه خمس عشرة خصلة : الاسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة والذكورة .
من لا يصلح للقضاء تحرم توليته ويحرم عليه أن يتولى ويحرم عليه أن يطلبه للخبر المتقدم فمن الصفات المعتبرة الإسلام فلا تجوز تولية القضاء للكافر لا على المسلمين ولا على غيره لأنه ولاية وسبيل وهو ليس أهلا لذلك وانتهر عمر Bه أبا موسى Bه حين استعمل كاتبا نصرانيا ثم قال : لا تدنوهم وقد أقصاهم الله ولا تكرموهم وقد أهانهم الله ولا تأمنوهم وقد خونهم الله وقد نهيتكم عن إستعمال أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرشا ومنها البلوغ والعقل لأن الصبي والمجنون إذا لم يتعلق بقولهما حكم على أنفسهما فعلى غيرهما أولى وقد ادعى الإجماع عليه في المجنون قال الماوردي ولا يكتفي بالعقل الذي يتعلق به التكليف حتى يكون صحيح التمييز جيد الفطنة بعيدا من السهو والغفلة ليتوصل إلى وضوح المشكل وذكر الإمام نحوه وكذا الغزالي : نعم قال الرافعي : يستحب كونه وافر العقل متثبتا ذا فطنة ويقظة ومنها الحرية لأن العبد ناقص عن ولاية نفسه فعن ولاية غيره أولى وبالقياس على الشهادة ومن لم تكمل فيه الحرية كالقن ومنها العدالة لأن الفسق إذا منع من النظر في مال الإبن مع عظيم شفقته فمنع ولاية القضاء التي بعضها حفظ مال اليتيم أولى وسواء كان فسقه مما لا شبهة له فيه أو بما فيه شبهة وفي وجه لا يضر ماله فيه شبهة وتأويل ومنها الذكورة لقوله تعالى : { الرجال قوامون على النساء } ولقوله A [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ] رواه البخاري وكذا الحاكم وقال : إنه على شرط الشيخين ولأن القاضي محتاج إلى مخاطبة الرجال والمرأة مأمورة بالتحرز عن ذلك والله أعلم قال : .
ومعرفة أحكام الكتاب والسنة وإجماع الأمة والاختلاف وطرق الاجتهاد وطرف من لسان العرب .
من صفات القاضي أن يكون أهلا للاجتهاد فلا يجوز تولية الجاهل بالأحكام الشرعية كالمقلد لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } ولقوله A [ القضاة ثلاثة ] فالمقلد في حكمه مقتف ما ليس له به علم وقاضي الجهل لا يدري طريقه وله لا يصلح للفتوى فالقضاء أولى لأن الافتاء اخبار غير ملزم والقضاء إخبار ملزم وإنما تحصل أهلية الاجتهاد بأمور : أحدها أن يعرف من القرآن آيات الأحكام وهي كما قيل خمسمائة فيعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والعام الذي أريد به الخصوص وعكسه والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه والمجمل والمفصل ولا يشترط حفظه على ظهر القلب قاله الروياني قال الرافعي : ومنهم من ينازع ظاهر كلامه فيه الثاني أن يعرف من السنة الأخبار المتعلقة بالأحكام ويعرف منهها ما ذكرناه في الكتاب العزيز ويعرف المتواتر والآحاد والمرسل والمسند والمنقطع والمتصل والجرح والتعديل الثالث أن يعرف أقاويل علماء الصحابة ومن بعدهم Bهم إجماعا واختلافا لئلا يحكم بما أجمعوا على خلافه أو بقول ثالث الرابع القياس فيعرف جليه وخفيه وتمييز الصحيح من الفاسد الخامس أن يعرف كلام العرب لغة وإعرابا وكصيغ الأمر والنهي والخبر والاستخبار والوعد والوعيد وغير ذلك مما لا بد منه في فهم الكتاب والسنة لأن الشرع ورد بالعربية وبها يعرف ما ذكرناه ويعرف إطلاقه وتقييده وإجماله وبيانه قال الأصحاب : ولا يشترط التبحر في هذه العلوم بل يكفي معرفة جمل منها قال الغزالي : واجتماع هذه الشروط متعذر في عصرنا لخلو العصر عن المجتهد المستقل فالوجه تنفيذ قضاء كل من ولاه سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلا أو فاسقا لئلا تتعطل مصالح المسلمين قال الرافعي : وهذا أحسن قال ابن الصلاح وابن أبي الدم : لا نعلم أحدا ذكر ما ذكره الغزالي والذي قطع به العراقيون والمراوزة أن الفاسق لا تنفذ أحكامه وقد ظهر بذلك بطلان ما قالاه والله أعلم قال : .
وأن يكون سمعيا بصيرا كاتبا متيقظا .
يشترط في القاضي السمع والبصر فإن الأصم لا يفرق بين الإقرار والإنكار والأعمى لا يعرف الطالب من المطلوب وقيل تصح ولاية الأعمى لأنه E استخلف ابن أم مكتوم على المدينة وكان أعمى والمذهب القطع بالمنع والخبر قيل بضعفه وبتقدير الصحة محمول على ولاية الصلاة دون الحكم وفي معنى الأعمى من يرى الأشباح ولا يعرف الصور ولا يشترط أن يكون متيقظا فلا يصح قضاء مغفل اختل رأيه ونظره بمرض أو كبر ونحوهما ويشترط أيضا كونه ناطقا متكلما فإن الأخرس لا يقدر على انفاذ الأحكام والله أعلم قال : .
ويستحب أن ينزل القاضي في وسط البلد ويجلس في موضع بارز للناس لا حاجب دونه ولا يقعد للقضاء في المسجد .
اعلم أن للقضاء آدابا : منها أن ينزل في وسط البلد لأنه أقرب إلى التسوية وحصول العدل وهذا نص عليه الشافعي Bه ومنها أن يجلس في موضع فسيح لئلا يتأذى الحاضرون بضيقه وأن يكون بارزا ليس دونه حجاب ليهتدي إليه المتوطن والغريب ويصل إليه كل أحد ويستحب أن يكون خاليا من الحر والبرد والغبار والدخان فيجلس في الصيف حيث يليق به وكذا في الشتاء وكذا في زمن الرياح ومنها أن لا يتخذ حاجبا ولا بوابا لأنه ربما قدم المتأخر ومنع من له ظلامة فلو اتخذه كره إلا لحاجة قال الماوردي : تجب فيه العفة والعدالة والأمانة ويندب كونه حسن المنظر جميل المخبر عارفا بمقادير الناس بعيدا عن الهوى معتدل الأخلاق بين الشراسة واللين قال إمام الحرمين : إن كثرت الزحمة ورأى المصلحة في اتخاذه وإلا فلا وفي الروضة إذا جلس للقضاء ولا زحمة كره أن يتخذ حاجبا على الأصح ولا كراهة فيه في أوقات الخلوة على الصحيح وليحذر من الاحتجاب لقوله E [ من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره ] رواه أبو داود والترمذي ومنها أن لا يتخذ المسجد مجلسا للقضاء فإن اتخذه كره لأنه ينزه عن رفع الأصوات وحضور الحيض والكفار والمجانين وغيرهم وقد يحضرون بمجلس القضاء وقيل لا يكره الجلوس فيه كما لا يكره لقراءة القرآن وسائر العلوم الشرعية والإفتاء ولو اتفقت قضية أو قضايا وقت حضوره في المسجد لصلاة أو غيرها فلا بأس بفصلها فيه والله أعلم قال : .
ويسوي بين الخصمين في ثلاثة أشياء في المجلس واللفظ واللحظ .
لا شك أن منصب الحكم موضوع للعدل وميل القاضي عن ذلك جور وظلم فلهذا يسوي بين الخصمين مع ما ذكره الشيخ في الدخول عليه وفي القيام لهما وكذا في المجلس فلا يقرب أحدهما أكثر من الآخر بعد أن يسوي بينهما في جواب السلام فإن سلما أجابهما معا وإن سلم أحدهما قال الأصحاب : يصبر حتى يسلم الآخر فيجيبهما قال الرافعي : وقد يتوقف في هذا عند طول الفصل فإنه يمنع انتظامه جوابا فإذا انتهيا إلى المجلس أجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله والأولى على الإطلاق أن يكونا بين يديه وفي حديث [ ثم ليقبل عليهما بمجامع قلبه ] ولا يمازح أحدهما ولا يشير إليه ولا يسارره ولا يلقن المدعي بأن يقول : ادع عليه كذا ولا المدعى عليه الإقرار أو الإنكار .
وكذا يسوي بينهما في النظر إليهما والاستماع لهما وطلاقة الوجه وسائر وجوه الإكرام فلا يخص أحدهما بشيء من ذلك قال الله تعالى : { كونوا قوامين بالقسط } الآية ثم هذه الأمور التسوية فيها واجبة على الصحيح واقتصر ابن الصباغ على الاستحباب نعم يرفع المسلم على الكافر في المجلس على الصحيح الذي قطع به العراقيون وقيل يسوي بينهما فيه قال الرافعي : ويشبه أن يجري الوجهان في سائر وجوه الإكرام وما بحثه الرافعي صرح به الفوراني والله أعلم .
فرع لا يجوز أن يجلس الموكل إلى جانب القاضي ويقول : وكيلي جالس مع الخصم والله أعلم قال : .
ولا يجوز أن يقبل هدية من أهل عمله .
لا شك أن الرشوة حرام لأنها من قبيل الأكل بالباطل وقد نهي الله عنه وهي صفة اليهود وقال E [ لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم ] رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه ولفظ ابن ماجه [ لعنة الله على الراشي والمرتشي ] وأما الهدية فالأولى سد بابها ثم إن كان للمهدي خصومة في الحال حرم قبول هديته في محل ولايته وإن كان له عادة بالهدية لصداقة أو قرابة وكذا لا يقبل هدية ما لم تكن له عادة قبل الولاية وإن لم تكن له حكومة قال رسول الله A : [ هدايا العمال غلال ] ويروي [ سحت ] رواه الإمام أحمد Bه وفي الصحيحن بمعناه واللفظ [ ما بال العامل نبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي هلا جلس في بيت أبيه وأمه ؟ والذي نفسي بيده وفي رواية : والذي نفس محمد بيده لا يأتي بشيء إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقر لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ألا هل بلغت ؟ ثلاثا ] وإذا كان هذا في العمال فالقاضي أولى وإن كان المهدي لا خصومة له وله عادة بالهدية وأهدى قدر عادته ومثله جاز أن يقبلها لخروج ذلك عن سبب الولاية وهذا هو الصحيح المنصوص وقيل لا يجوز لإطلاق الأخبار ولاحتمال حدوث محاكمة فلو أهدى أكثر من المعتاد أو أرفع منه مثل إن كان يهدي المآكل فأهدى الثياب لم يجز القبول صرح به الماوردي وتبعه البغوي وغيره قال الماوردي : ونزوله على أهل عمله ضيفا كقبول هديتهم والله أعلم ولو كانت الهدية في غير عمله من غير أهله فقيل يحرم والأصح المنصوص أنه لا يحرم ولو أهدى إليه في عمله من هو من غير عمله بإرسال الهدية وللمهدي حكومة حرم وكذا إن دخل بها بنفسه ولا حكومة له لأنه صار من عمله بالدخول وإن أرسلها ولا حكومة في جواز القبول وجهان قلت : ينبغي أن يكون جواز القبول حيث جاز إذا كان يثق من نفسه بعدم الميل والجور فإن لم يثق بذلك من نفسه فالوجه التحريم لأن القبول حينئذ سبب حامل على ترك العدل لا سيما في زماننا هذا الذي قد ظهرت فيه الرشوة فضلا عن الهدية واعلم أن الهدية لغير الحكام كهدايا الرعايا بعضهم لبعض إن كانت لطلب محرم أو إسقاط حق أو إعانة على ظلم حرم القبول والشفاعة والمتوسط بين المهدي والآخذ من قاض وغيره وكذا بين المرتشي والراشي حكمه حكم موكله فإن وكلاه معا وكان المهدي أو الراشي معذورا لأجل خلاص حقه حرم على المتوسط لأنه وكيل الآخذ وهو محرم عليه والله أعلم قال : .
ويجتنب القضاء في عشرة مواضع : عند الغضب وعند الجوع والعطش وشدة السهر والحزن والفرح المفرط وعند المرض ومدافعة الأخبثين وغلبة النعاس وشدة الحر والبرد .
الأصل في ذلك كله قوله E [ لا يقضي الحاكم بين اثنين وهو غضبان ] رواه الشيخان ومعلوم أنه E لم يرد الغضب نفسه بل الاضطراب الحاصل له به المغير للعقل والخلق وهو في هذه الأحوال التي ذكرها الشيخ مغير للعقل وإن تفاوتت فلا يتوفر الاجتهاد وهل المنع للكراهة ؟ الذي صرح به الرافعي وجماعة أنه يكره وكلام الماوردي يقتضي أنه الأولى فإن حكم في هذه الأحوال نفذ حكمه قال الإمام البغوي وجماعة : والغضب المنهي عن الحكم فيه إذا كان لغير الله تعالى أما إذا كان لله تعالى فليس منهيا عنه واستغربه الروياني وقال : المحذور هو عدم توفيره على الاجتهاد ولا يختلف الحال فيه بين الغضبين والله أعلم قال : .
ولا يسأل المدعى عليه إلا بعد كمال الدعوى .
إذا جلس الخصمان بين يدي القاضي فله أن يسكت حتى يتكلما وله أن يقول : ليتكلم المدعي منكما وأن يقول للمدعي إذا عرفه : تكلم وخطاب الأمين الواقف على رأسه أولى فإذا ادعى المدعي وفرغ من دعواه سأل حينئذ القاضي الخصم أن يجيب ويقول له : ما تقول وفي وجه لا يطالبه بالجواب حتى يسأله المدعي كما لا يطالب بالمال حتى يسأل المدعي والصحيح الأول لأن بسؤال القاضي تنفصل الخصومة ويظهر أثر الدعوى فإذا سأله نظر في الجواب إن أقر بالمدعي فللمدعي أن يطلب من القاضي الحكم وحينئذ يحكم بأن يقول : أخرج من حقه أو ألزمتك الخروج من حقه وما أشبه ذلك وهل يثبت الحق بمجرد الإقرار أم لا بد في ثبوته من قضاء القاضي كالبينة ؟ وجهان أصحهما يثبت بمجرد الإقرار بخلاف البينة والفرق أن دلالة الإقرار على وجوب الحق جلية والبينة تحتاج إلى نظر واجتهاد وإن أنكر المدعى عليه فللقاضي أن يسكت وله أن يقول للمدعي : ألك بينة هذا هو الصحيح وقيل لا يذكر شيئا لأنه كالتلقين فعلى الصحيح إن قال المدعي : لي بينة حاضرة وأقامها فلا كلام وإن قال : لا أقيمها وأريد يمينه مكن منه وإن قال : ليس لي بينة حاضرة فحلف المدعى عليه ثم جاء ببينة سمعت وإن قال : لا بينة لي لا حاضرة ولا غائبة سمعت أيضا على الأصح لأنه ربما لم يعرف أو نسى ثم عرف أو تذكر وقيل لا تسمع للمناقضة والله أعلم قال : .
ولا يحلف إلا بعد سؤال المدعي .
لا يحلف القاضي المدعي عليه إلا بعد أن يطلب ذلك المدعي لأن استيفاء اليمين حقه فيتوقف على إذنه كالدين فإن حلفه قبل الطلب فلا يعتد بها على الصحيح فعلى هذا يقول القاضي للمدعي : حلفه إن شئت وإلا فاقطع طلبك عنه ولو حلف المدعى عليه بعد طلب المدعي يمينه وقبل إحلاف القاضي لم يعتد بها أيضا صرح به القاضي حسين ولو فوض القاضي إلى الحالف اليمين فاستوفاها على نفسه ففي الاعتداد بها وجهان والله أعلم .
فرع قال المدعي : أبرأتك عن اليمين سقط حقه في هذه الدعوى وله استئناف الدعوى وتحليفه قاله في التهذيب والمهذب وجزم به النووي في أصل الروضة قال ابن الرفعة : ويظهر أنه مبني على قول العراقيين أما على قول المراوزة فيظهر أن لا تسوغ الدعوى عليه ثانيا والله أعلم قال : .
ولا يلقن خصما حجة ولا يتعنت بالشهداء .
ليس للقاضي أن يلقن خصما دعوى ولا كيف يدعي على الأصح لما في ذلك من إظهار الميل وضابطه أن لا يلقن أحدهما ما يضر بالآخر ولا يهديه إليه مثل أن يقصد الإقرار فليقنه الإنكار أو يقصد النكول فيجرؤه على اليمين أو بالعكس وفي معنى ذلك أن يتوقف الشاهد فيجرؤه على الشهادة أو بالعكس إلا في الحدود التي تدرأ بالشبهات وقول الشيخ [ ولا يتعنت بالشهداء ] هذا نص عليه الشافعي C فقال : ولا يجوز أن يتعنت بالشاهد قال الماوردي : وذلك من أوجه : .
الأول أن يظهر التكبر عليه والاستهزاء به وهو طاهر الستر وافر العقل وكذا ذكره أبو الطيب وابن الصباغ الثاني أن يسأله من أين علمت هذا أو كيف تحملت أو لعلك سهوت ؟ الثالث أن يتبعه في ألفاظه ويعارضه لأن في ذلك ميلا على المشهود له وإفضاء إلى ترك الشهادة ولا يجوز أن يصرخ على الشاهد ولا ينهره والله أعلم قال : .
ولا تقبل الشهادة إلا ممن ثبتت عدالته .
العدالة في الشهادة معتبرة بنص القرآن العظيم وصفتها تأتي إن شاء الله تعالى فإذا شهد عند القاضي شهود فإن عرف فسقهم رد شهادتهم ولم يحتج إلى بحث وإن عرف عدالتهم قبل شهادتهم ولا حاجة إلى التعديل وإن طلبه الخصم ولم يعرف حالهم لم يجز قبول شهادتهم والحكم بها إلا بعد الاستزكاء والتعديل سواء طعن الخصم فيهم أو سكت لأنه إذا قبلهم وسأل الحكم بشهادتهم لزمه ولا يجوز الحكم إلا بعد البحث عن شروط الشهادة ولا يجوز الاكتفاء بأن الظاهر من حال المسلم العدالة كما لا يجوز بأن الظاهر من حال من في دار الإسلام الإسلام اكتفاء بالدار فلو أقر الخصم بعدالتهم فهل يحكم بلا بحث ؟ وجهان : قيل نعم لأن البحث حقه وقد اعترف بعدالتهم والصحيح لا بد من البحث والتعديل من أجل حق الله تعالى ولهذا لا يجوز الحكم بشهادة فاسق وإن رضي الخصم ولأن الحكم بشهادته يتضمن تعديله والتعديل لا يثبت بقول واحد ويكفي في التعديل أن يقول : هو عدل لأنه أثبت العدالة التي اقتضاها ظاهر إطلاق الآية الكريمة في قوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وهذا هو الصحيح الذي نص عليه الشافعي Bه في كتاب حرملة ونص في موضع آخر منه أنه يقول : عدل رضي واشترطه بعض الأصحاب وقيل لا بد أن يقول : هو عدل علي ولي قال الإمام : وهو أبلغ عبارات التزكية ونص عليه الشافعي Bه في الأم والمختصر لأن قوله عدل لا يثبت العدالة على الإطلاق لجواز أن يكون عدلا في شيء دون شيء فبهذه الزيادة يزول الاحتمال كذا علله أبو إسحاق وعلله غيره بأن العدل قد يكون ممن لا تقبل شهادته له بأن يكون أباه أو ابنه أو لا تقبل عليه لعداوة فإذا قال : علي ولي زال الاحتمال فإن علم أنه لا نسب بينهما ولا عداوة لزم ذلك على التعليل الأول دون الثاني قاله الماوردي والله أعلم قال : .
ولا تقبل شهادة عدو على عدوه ولا شهادة والد لولده ولا ولد لوالده .
يشترط في الشاهد عدم التهمة ولها أسباب منها البعضية التي تشتمل على الأصول والفروع ومنها العداوة فلا تقبل شهادة العدو على عدوه إذا كانت لأمر دنيوي لقوله تعالى : { وأدنى أن لا ترتابوا } والعداوة أقوى الريب ولقوله A [ لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا ذي غمر ولا جنة ولا ظنين في قرابة ] رواه أبو داود ولم يضعفه نعم ضعفه الترمذي والغمر بكسر الغين المعجمة : الشحناء وقيل العداوة فإن قيل بم تعرف العداوة ؟ : فالجواب قال القاضي حسين : العدو هنا من يظهر من أقواله وأفعاله ما يظن به العداوة بحيث يشمت بمصائبه ويحزن بمساره ويتمنى له كل شر وكلام الرافعي قريب منه وعد الماوردي من أسباب العداوة القذف والغصب والسرقة والقتل وقطع الطريق فلا تقبل شهادة المغصوب منه على الغاصب ولا المسروق منه على السارق ولا ولي المقتول على القاتل وكذا المقذوف على القاذف ما ذكره الماوردي نص عليه الشافعي Bه والله أعلم ولا تقبل شهادة الوالد لولده وإن سفل ولا شهادة الولد لوالده وإن علا لقوله تعالى : { ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا } والربية هنا حاصلة لشدة الميل والمحبة وقد قال A [ فاطمة بضعة مني ] أي قطعة وإذا كان الولد جزءا أشبهت الشهادة له شهادة الشخص لنفسه وقد جاء زيادة من تتمة الحديث [ ولا شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ] وتكلم العلماء في هذه الزيادة فإن صحت وإلا ففي قوله [ ولا ظنين في قرابة ] دليل عليه وفي القديم أنها تقبل وبه قال المزني وأبو ثور وابن المنذر واحتجوا بأن الشخص لا يكون صادقا في شيء دون شيء والمذهب المعروف الأول وما ذكروه باطل يمنع شهادته لنفسه ويؤخذ من قول الشيخ أنه يقبل شهادة بعضهم على بعض وهو كذلك وفي مقالة لا تقبل شهادة الولد على والده مما يقتضي قصاصا أو حد قذف لأنه لما لم يقتل بقتله ولا يحد بقذفه لم يحد ولم يقتل بقوله والأول هو الصحيح والله أعلم .
فرع شهد الابن على أبيه أنه طلق ضرة أمه فهل يقبل ؟ قولان : قيل لا لأنه متهم يجر إلى أمه نفعا لا نفرادها به فهي شهادة لأمه والأصح القبول لأنها شهادة على أبيه لغير أمه ولو شهدا على أبيهما أنه قذف أمهما لم تسمع لأنها شهادة للأم والله أعلم قال : .
ولا يقبل كتاب قاض إلى قاض في الأحكام إلا بعد شهادة شاهدين يشهدان بما فيه .
اعلم أن يجوز الدعوى على الميت الذي لا وارث له معين وعلى الصبي الذي لا نائب له بالاتفاق منا ومن أبي حنيفة C وكذا يجوز الدعوى على الغائب الذي لا وكيل له على المشهور المقطوع به واحتج بقوله تعالى : { فاحكم بين الناس بالحق } وما شهدت به البينة حق فوجب الحكم ولقوله E لزوجة أبي سفيان [ خذي ما يكفيك ] فإنه قضاء على غائب وقام علمه E بأنها زوجته مقام البينة وقوله A خذي دليل على أنه ليس بفتوى وإلا لقال : لا بأس به ونحوه وقال عمر Bه في قضية الأسيفع : [ من كان له دين فليأتنا غدا فإنا بايعو ماله وقاسموه بين غرمائه ] وكان غالبا رواه مالك في الموطأ وفي آخر الأثر [ وإياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب ] ولأن في الامتناع على الغائب إضاعة الحقوق إذ لا يعجز الممتنع من الوفاء عن الغيبة وألحق القاضي حسين بالغيبة ما إذا حضر المجلس فهرب قبل أن يسمع الحاكم البينة أو بعده وقبل الحكم فإنه يحكم عليه قطعا فإذا حكم حاكم على غائب بشهادة شاهدين أو بإقراره أو بنكوله ويمين المدعي والمحكوم به حق في ذمته أو قصاص إن جوزنا القضاء على الغائب به كما هو الصحيح أو عقار في يده فسأل المدعي أن يكتب إلى قاضي البلد الذي فيه الخصم لتعذر اجتماعهما أو خشية التأخير أو غير ذلك كتب إليه بما حكم به وهذا لا نزاع فيه لأنه حكمه لزم فلزم كل واحد تنفيذه بخلاف ما لو ثبت عنده ولم يحكم حيث يفصل بين قرب المسافة وبعدها لأن مع القرب يسهل إحضار الشهود ثم للإنهاء طريقان : أحدهما أن يشهد على حكمه عدلين يخرجان إلى ذلك البلد والأولى أن يكتب بذلك كتابا أولا ثم يشهد وصورة الكتاب : حضر فلان وادعى على فلان الغائب المقيم ببلد كذا وأقام عليه شاهدين وهما فلان وفلان وعدلا عندي وحلف المدعي وحكمت له بالمال فسألني أن أكتب إليك كتابا في ذلك فأجبته وأشهدت بذلك فلانا وفلانا ويجوز أن يقتصر على حكمت بكذا لحجة أوجبت الحكم لأنه قد يحكم بشاهد ويمين أو بعلمه إن جوزناه وهذه حيلة يدفع بها القاضي قدح الحنفية إذا حكم بشاهد ويمين فإذا كتب فينبغي أن يقرأ الكتاب أو يقرأ بين يديه عليهما ثم يقول لهما : اشهدا علي بما فيه أو على حكمي المبين فيه وفي الشامل لابن الصباغ : أنه لو اقتصر بعد القراءة على قوله : هذا كتابي إلى فلان أجزأ وفي وجه يكفي مجرد القراءة عليهما ولو لم يقرأ الكتاب عليهما ولم يعلما بما فيه وقال القاضي : أشهدكما على أن هذا كتاب وما فيه خطي لم يكف ولم يكن لهما أن يشهدا على حكمه لأن الشيء قد يكتب لا قصد تحقيقه ولو قال : أشهدكما على أن ما فيه حكمي أو على أني قضيت بمضمونه لم يكف على الصحيح حتى يفصل ما حكم به واعلم أن التعويل على الشهود والمقصود من الكتاب التذكرة ولهذا لو ضاع الكتاب أو انمحى وشهدا بمضمونه المضبوط عندهما قبلت شهادتهما وقضى بها ويشترط إشهاد رجلين عدلين فلا يقبل رجل وامرأتان وقيل يقبل إن تعلقت بمال والصحيح الأول والله أعلم قال :