وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب قسم الصدقات .
يجوز لرب المال أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه وهي : الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز لما روي عن عثمان Bه أنه قال في المحرم : هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقض دينه أو ليزك بقية ماله ويجوز أن يوكل من يفرق لأنه حق مال فجاز أن يوكل في أدائه كديون الآدميين ويجوز أن يدفع إلى الإمام لأنه نائب عن الفقر فجاز الدفع إليه كولي اليتيم وفي الأفضل ثلاثة أوجه : أحدها أن الأفضل أن يفرق بنفسه وهو ظاهر النص لأنه على ثقة من أدائه وليس على ثقة من أداء غيره والثاني أن الأفضل أن يدفع إلى الإمام عادلا كان أو جائرا لما روي أن المغيرة بن شعبة قال لمولى له وهو على أمواله بالطائف : كيف تصنع في صدقة مالي ؟ قال : منها ما أتصدق به ومنها ما أدفع إلى السلطان فقال : وفيم أنت من ذلك قال : إنهم يشترون بها الأراضي و يتزوجون بها النساء فقال : إن كان عادلا فالدفع إليه أفضل وإن كان جائرا فإن تفرقته بنفسه أفضل لقوله A [ فمن سألها على وجهها فليعطها ومن سأل فوقها فلا يعطه ] ولأنه على ثقة من أدائه إلى العادل وليس على ثقة من أدائه إلى الجائر لأنه ربما يصرفه في شهواته وأما الأموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار والمعادن ففي زكاتها قولان : قال في القديم يجب دفعها إلى الإمام فإن فرقها بنفسه لزمه الضمان لقوله D { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ التوبة : 103 ] ولأنه مال للإمام فيه حق المطالبة فوجب الدفع إليه كالخراج والجزية وقال في الجديد يجوز أن يفرقها بنفسه لأنها زكاة فجاز أن يفرقها بنفسه كزكاة المال الباطن .
فصل : ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لأخذ الصدقة لأن النبي A والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه وفيهم من يبخل فوجب أن يبعث من يأخذ ولا يبعث إلا حرا عدلا ثقة لأن هذا ولاية وأمانة والعبد والفاسق ليسا من أهل الأمانة والولاية ولا يبعث إلا فقيها لأنه يحتاج إلى معرفة ما يؤخذ وما لا يؤخذ ويحتاج إلى الاجتهاد فيما يعرض من مسائل الزكاة وأحكامها ولا يبعث هاشميا أو مطالبيا ومن أصحابنا من قال يجوز لأن ما يأخذه على وجه العوض والمذهب الأول لما روي أن الفضل بن عباس Bه سأل رسول الله A أن يوليه العمالة على الصدقة فلم يوله وقال : [ أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس ] وفي مواليهم وجهان : أحدهما لا يجوز لما روى أبو رافع قال : ولى رسول الله A رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال : إتبعني تصب منها فقلت : حتى أسأل رسول الله A فسألته فقال : [ إن موالي القوم من أنفسهم وإنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة ] والثاني أنه يجوز لأن الصدقة إنما حرمت على بني هاشم وبني المطلب للشرف بالنسب وهذا لا يوجد في مواليهم وهو بالخيار أن يستأجر العامل بأجرة معلومة ثم يعطيه ذلك من الزكاة وبين أن يبعثه من غير شرط ثم يعطيه أجرة المثل من الزكاة .
ويبعث لقبض ما سوى زكاة الزرع والثمار في المحرم لما روي عن عثمان Bه أنه قال في شهر المحرم : هذا شهر زكاتكم ولأنه أول السنة فكان البعث فيه أولى والمستحب للساعي أن يعد الماشية على أهلها على الماء إذا كانت الماشية ترد الماء وفي أفنيتهم إن لم ترد الماء لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي A قال : [ تؤخذ صدقات المسلمين عند مياههم وعند أفنيتهم ] فإن أخبره صاحب المال بالعدد وهو ثقة عدل قبل منه وإن بذل له الزكاة أخذها ويستحب أن يدعو لقوله D { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } [ التوبة : 103 ] والمستحب أن يقول اللهم صل على آل فلان لما روى عبد الله بن أبي أوفى قال : جاء أبي إلى رسول الله A بصدقة ماله فقال له A [ اللهم صل على آل أبي أوفى ] وبأي شيء دعا له جاز قال الشافعي : وأحب أن يقول آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت وإن ترك الدعاء جاز لما روي أن النبي A قال لمعاذ أعلمهم أن عليك صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ولم يأمره بالدعاء وإن منع الزكاة أو غل أخذ منه الفرض وعزره على المنع والغلول وقال في القديم : يأخذ منه الزكاة وشطر ماله وقد مضى توجيه القولين في أول الزكاة وإن وصل الساعي قبل وجوب الزكاة ورأى أن يتسلف فعل وإن لم يسلفه رب المال لم يجبره على ذلك لأنها لم تجب بعد فلا يجبر على أدائه وإن رأى أن يوكل من يقبض إذا حال الحول فعل وإن رأى أن يتركه حتى يأخذه مع زكاة القابل فعل وإن قال رب المال لم يحل الحول على المال فالقول قوله فإن رأى أن يحلفه حلفه احتياطا وإن قال بعته ثم اشتريته ولم يحل عليه الحول أو قال أخرجت الزكاة عنه وقلنا إنه يجوز أن يفرق بنفسه ففيه وجهان : أحدهما يجب تحليفه لأنه يدعى خلاف الظاهر فإن نكل عن اليمين أخذت منه الزكاة والثاني أنه يستحب تحليفه ولا تجب لأن الزكاة موضوعة على الرفق فلو أوجبنا اليمين خرجت عن باب الرفق ويبعث الساعي لزكاة الثمار والزروع في الوقت الذي يصادف فيه الإدراك ويبعث معه من يخرص الثمار فإن وصل قبل وقت الإدراك ورأى أن يخرص الثمار ويضمن رب المال زكاتها فعل وإن وصل وقد وجبت الزكاة وبذلها له أخذه ودعا له فإن كان الإمام أذن للساعي في تفرقتها فرقها وإن لم يأذن له حملها إلى الإمام والمستحب أن يسم الماشية التي يأخذها في الزكاة لما روى أنس Bه قال : كان رسول الله A يسم إبل الصدقة ولأن بالوسم تتميز عن غيره وإذا شردت ردت إلى موضعها ويستحب أن يسم التي يأخذها في زكاة الإبل والبقر في أفخاذها لأنه موضع صلب فيقل الألم بوسمه ويخف الشعر فيه فيظهر ويسم الغنم في أذنها ويستحب أن يكتب في ماشية الزكاة لله أو زكاة وفي ماشية الجزية جزية أو صغارا لأن ذلك أسهل ما يمكن ولا يجوز للساعي وللإمام أن يتصرف فيما يحصل عنده من الفرائض حتى يوصلها إلى أهلها لأن الفقراء أهل رشد لا يولى عليهم فلا يجوز التصرف في مالهم بغير إذنهم فإن أخذ نصف شاة أو وقف عليه شيء من المواشي وخاف هلاكه أو خاف أن يؤخذ في الطريق جاز له بيعه لأنه موضع ضرورة وإن لم يبعث الإمام الساعي وجب على رب المال أن يفرق الزكاة بنفسه على المنصوص لأنه حق للفقراء والإمام نائب وإذا ترك النائب لم يترك من عليه أداءه ومن أصحابنا من قال : إن قلنا إن الأموال الظاهر يجب دفع زكاتها إلى الأمام لم يجز أن يفرق بنفسه لأنه مال توجه حق القبض فيه إلى الأمام فإذا لم يطلب الإمام لم يفرق كالخراج والجزية .
فصل : ولا يصح أداء الزكاة إلا بالنية لقوله A [ إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ] ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة وفي وقت النية وجهان : .
أحدهما يجب أن ينوي حال الدفع لأنه عبادة يدخل فيها بفعله فوجبت النية في ابتدائها كالصلاة والثاني يجوز تقديم النية عليها لأنه يجوز التوكيل فيها ونيته غير مقارنة لأداء الوكيل فجاز تقديم النية عليها بخلاف الصلاة ويجب أن ينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال فإن نوى صدقة مطلقة لم تجزه لأن الصدقة قد تكون نفلا فلا تنصرف إلى الفرض إلا بالتعيين ولا يلزمه تعيين المال المزكى عنه وإن كان له نصاب حاضر ونصاب غائب فأخرج الفرض فقال هذا عن الحاضر أو الغائب أجزأه لأنه لو أطلق النية لكانت عن أحدهما فلم يضر تقييده بذلك فإن قال إن كان مالي الغائب سالما فهذا عن زكاته وإن لم يكن سالما فهو عن الحاضر فإن كان الغائب هالكا أجزأه لأنه لو أطلق وكان الغائب هالكا لكان هذا عن الحاضر وإن قال إن كان مالي الغائب سالما فهذا عن زكاته أو تطوع لم يجزه لأنه لم يخلص النية للفرض ولأنه لو أطلق النية لكان هذا مقتضاه فلم يضر التقييد وإن كان له من يرثه فأخرج مالا وقال إذا كان قد مات مورثي فهذا عن زكاة ما ورثته منه وكان قد مات لم يجزه لأنه لم يبن النية على أصل لأن الأصل بقاؤه وإن وكل من يؤدي الزكاة ونوى عند الدفع إلى الوكيل ونوى الوكيل عند الدفع إلى الفقراء أجزأه وإن نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجزه لأن الزكاة فرض على رب المال فلم تصح من غير نية وإن نوى رب المال ولم ينو الوكيل ففيه طريقان : من أصحابنا من قال يجوز قولا واحدا لأن الذي عليه الفرض قد نوى في وقت الدفع إلى الوكيل فتعين المدفوع للزكاة فلا يحتاج بعد ذلك إلى النية ومن أصحابنا من قال يبني على جواز تقديم النية فإن قلنا يجوز أجزأه وإن قلنا لا يجوز لم يجزه وإن دفعها إلى لإمام ولم ينو ففيه وجهان : أحدهما يجزئه وهو ظاهر النص لأن الإمام لا يدفع إليه إلا الفرض فاكتفى بهذا الظاهر عن النية ومن أصحابنا من قال لا يجزئه وهو الأظهر لأن الإمام وكيل للفقراء ولو دفع إلى الفقراء لم يجز إلا بالنية عند الدفع فكذلك إذا دفع إلى وكيلهم وتأول هذا القائل قول الشافعي C من امتنع من أداء الزكاة فأخذها الإمام منه قهرا فإنه يجزئه لأنه تعذرت النية من جهته فقامت نية الإمام مقام نيته .
فصل : ويجب صرف جميع الصدقات إلى ثمانية أصناف وهم : الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل وقال المزني و أبو حفص الباب شامي : يصرف خمس الركاز إلى من يصرف إليه خمس الفيء والغنيمة لأنه حق مقدر بالخمس فأشبه خمس الفيء والغنيمة وقال أبو سعيد الأصطخري : تصرف زكاة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء لأنه قدر قليل فإذا قسم على ثمانية أصناف لم يقع إلى ما يدفع إلى كل واحد منهم موقعا من الكفاية والمذهب الأول والدليل عليه قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل } [ التوبة : 60 ] فأضاف جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وأشرك بينهم بواو التشريك فدل على أنه مملوك لهم مشترك بينهم فإن كان الذي يفرق كالزكاة هو الإمام قسمها على ثمانية أسهم : سهم للعامل وهو أول ما يبدأ به لأنه يأخذه على وجه العوض وغيره يأخذه على وجه المواساة فإن كان السهم قدر أجرته دفعه إليه وإن كان أكثر من أجرته رد الفضل على الأصناف وقسمه على سهامهم وإن كان أقل من أجرته تمم ومن أين يتمم ؟ قال الشافعي : يتمم من سهم المصالح ولو قيل يتمم من حق سائر الأصناف لم يكن به بأس فمن أصحابنا من قال فيه قولان : أحدهما يتمم من سهم سائر الأصناف لأنه يعمل لهم فكانت أجرته عليهم والثاني يتمم من سهم المصالح لأن الله تعالى جعل لكل صنف سهما فلو قسمنا ذلك على الأصناف نقصنا حقهم وفضلنا العامل عليهم ومن أصحابنا من قال : الإمام بالخيار إن شاء تمم من سهم المصالح وإن شاء تمم من سهامهم لأنه يشبه الحاكم لأنه يستوفي به حق الغير على وجه الأمانة ويشبه الوكيل فخير بين حقيهما ومنهم من قال : إن كان قد بدأ بنصيبه فوجده ينقص تمم من سهامهم وإن كان قد بدأ بسهام الأصناف فأعطاهم ثم وجد سهم العامل ينقص تممه من سهم المصالح لأنه يشق استرجاع ما دفع إليهم ومنهم من قال إن فضل عن قدر حاجة الأصناف شيء تمم من الفضل وإن لم يفضل عنهم شيء تمم من سهم المصالح والصحيح هو الطريق الأول ويعطي الحاشر والعريف من سهم العامل لأنهم من جملة العمال وفي أجرة الكيال وجهان : قال أبو علي بن أبي هريرة : على رب المال لأنها تجب للإيفاء والإيفاء حق على رب المال فكانت أجرته عليه وقال أبو إسحاق : تكون من الصدقة لأنا لو أوجبنا ذلك على رب المال زدنا على الفرض الذي وجب عليه في الزكاة .
فصل : وسهم للفقراء والفقير هو الذي لا يجد ما يقع موقعا من كفايته فيدفع إليه ما تزول به حاجته من أداة يعمل بها إن كان فيه قوة أو بضاعة يتجر فيها حتى لو احتاج إلى مال كثير للبضاعة التي تصلح له ويحسن التجارة فيها وجب أن يدفع إليه فإن عرف لرجل مال وادعى أنه افتقر لم يقبل قوله إلا ببينة لأنه ثبت غناه فلا يقبل دعوى الفقر إلا بينة كما لو وجب عليه دين آدمي وعرف له مال فادعى الإعسار فإن كان قويا فادعى أنه لا كسب له أعطي لما روى عبيد الله بن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين سألا رسول الله A الصدقة فصعد بصره إليهما وصوب ثم قال [ أعطيكما بعد أن أعلمكما أنه لا حظ فيهما لغني ولا قوي مكتسب ] وهل يحلف ؟ فيه وجهان أحدهما لا يحلف لأن النبي A لم يحلف الرجلين والثاني يحلف لأن الظاهر أنه يقدر على الكسب مع القوة .
فصل : وسهم للمساكين والمسكين هو الذي يقدر على ما يقع موقعا من كفايته إلا أنه لا يكفيه وقال أبو إسحاق : المسكين هو الذي لا يجد ما يقع موقعا من كفايته فأما الذي يجد ما يقع موقعا من كفايته فهو الفقير والأول أظهر لأن الله تعالى بدأ بالفقراء والعرب لا تبدأ إلا بالأهم فالأهم فدل على أن الفقير أمس حاجة ولأن النبي A قال : [ اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ] وكان A يتعوذ من الفقر فدل على أن الفقر أشد .
فصل : ويدفع إلى المسكين تمام الكفاية فإن ادعى عيالا لم يقبل إلا ببينة لأنه يدعي خلاف الظاهر .
فصل : وسهم للمؤلفة وهم ضربان : مسلمون وكفار فأما الكفار فضربان : ضرب يرجى خيره وضرب يخاف شره وقد كان النبي A يعطيهم وهل يعطون بعده ؟ فيه قولان : أحدهما يعطون لأن المعنى الذي أعطاهم به رسول الله A قد يوجد بعده والثاني لا يعطون لأن الخلفاء Bهم بعد رسول الله A لم يعطوهم قال عمر Bه : إنا لا نعطي على الإسلام شيئا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فإذا قلنا إنهم يعطون فإنهم لا يعطون من الزكاة لأن الزكاة لا حق فيها لكافر وإنما يعطون من سهم المصالح وأما المسلمون فهم أربعة أضرب : أحدها قوم لهم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم في الإسلام لأن النبي A أعطى أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن لكل واحد منهم مائة من الإبل وهل يعطي هذان الفريقان بعد النبي A ؟ فيه قولان : أحدهما لا يعطون لأن الله تعالى أعز الإسلام فأغنى من التألف بالمال والثاني يعطون لأن المعنى الذي به أعطوا قد يوجد بعد النبي A ومن أين يعطون ؟ فيه قولان : أحدهما من الصدقات للآية والثاني من خمس الخمس لأن ذلك مصلحة فكان من سهم المصالح والضرب الثالث قوم يليهم قوم من الكفار إن أعطوا قاتلوهم والضرب الرابع قوم يليهم قوم من أهل الصدقات إن أعطوا جلبوا الصدقات وفي هذين الضربين أربعة أقوال : أحدها يعطون من سهم المصالح لأن ذلك مصلحة والثاني من سهم المؤلفة من الصدقات للآية والثالث من سهم الغزاة لأنهم يغزون والرابع وهو الصحيح أنهم يعطون من سهم الغزاة ومن سهم المؤلفة لأنهم جمعوا معنى الفريقين .
فصل : وسهم للرقاب وهم المكاتبون فإذا لم يكن مع المكاتب ما يؤدي في الكتابة وقد حل عليه نجم أعطى ما يؤديه وإن كان معه ما يؤديه لم يعط لأنه غير محتاج إليه فإن لم يكن معه شيء ولا حل عليه نجم ففيه وجهان : أحدهما لا يعطى لأنه لا حاجة به إليه قبل حلول النجم والثاني يعطى لأنه يحل عليه النجم والأصل أنه ليس معه ما يؤدي فإن دفع إليه ثم أعتقه المولى أو أبرأه من المال أو عجز نفسه قبل أن يؤدي المال إلى المولى رجع عليه لأنه دفع إليه ليصرفه في دينه ولم يفعل فإن سلمه إلى المولى وبقيت عليه بقية فعجزه المولى ففيه وجهان : أحدهما لا يسترجع من المولى لأنه صرفه فيما عليه والثاني يسترجع لأنه إنما دفع إليه ذلك إقرارا على نفسه والثاني لا يقيل لأنه متهم لأنه ربما واطأه حتى يأخذ الزكاة .
فصل : وسهم للغارمين وهم ضربان : غرم لإصلاح ذات البين وضرب غرم لمصلحة نفسه فأما الأول فضربان : أحدهما من تحمل دية مقتول فيعطى مع الفقر والغنى لقوله A [ لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة الغازي في سبيل الله أو العامل عليها أو الغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إليه ] والثاني من حمل مالا في غير قتل لتسكين فتنة ففيه وجهان : أحدهما يعطى مع الغنى لأنه غرم لإصلاح ذات البين فأشبه إذا غرم دية مقتول والثاني لا يعطي مع الغنى لأنه مال حمله في غير قتل فأشبه إذا ضمر ثمنا في بيع وأما من غرم لمصلحة نفسه فإن كان قد أنفق في غير معصية دفع إليه مع الفقر وهل يعطى مع الغنى فيه قولان : قال في الأم : لا يعطى لأنه يأخذ لحاجته إلينا فلم يعط مع الغني كغير الغارم وقال في القديم والصدقات من الأم : يعطى لأنه غارم في غير معصية فأشبه إذا غرم لإصلاح ذات البين فإن غرم في معصية لم يعط مع الغنى وهل يعطى مع الفقر ؟ ينظر فيه فإن كان مقيما على المعصية لم يعط لأنه يستعين به على المعصية وإن تاب ففيه وجهان : أحدهما يعطى لأن المعصية قد زالت والثاني لا يعطى لأنه لا يؤمن أن يرجع إلى المعصية ولا يعطى الغارم إلا ما يقضي به الدين فإن أخذ ولم يقض به الدين أو أبرئ منه أو قضي عنه قبل تسليم المال استرجع منه وإن ادعى أنه غارم لم يقبل إلا ببينة فإن صدقه غريمه فعلى الوجهين كما ذكرنا في المكاتب إذا ادعى الكتابة وصدقة المولى .
فصل : وسهم في سبيل الله وهم الغزاة الذين إذا انشطوا غزوا فأما من كان مرتبا في ديوان السلطان من جيوش المسلمين فإنهم لا يعطون من الصدقة بسهم الغزاة لأنهم يأخذون أرزاقهم وكفايتهم من الفيء ويعطى الغازي مع الفقر والغنى للخبر الذي ذكرناه في الغارم ويعطى ما يستعين به على الغزو من نفقة الطريق وما يشتري به السلاح والفرس إن كان فارسا وما يعطى السائس وحمولة تحمله إن كان راجلا والمسافة مما يقصر فيها الصلاة فإن أخذ ولم يغز استرجع منه .
فصل : وسهم لابن السبيل وهو المسافر أو من ينشئ السفر وهو محتاج في سفره فإن كان سفره في طاعة أعطي ما يبلغ به مقصده وإن كان في معصية لم يعط لأن ذلك إعانة على معصية وإن كان سفره في مباح ففيه وجهان : أحدهما لا يعطى لأنه غير محتاج إلى هذا السفر والثاني يعطى لأن ما جعل رفقا بالمسافر في طاعة الله جعل رفقا بالمسافر في مباح كالفطر والقصر .
فصل : ويجب أن يسوى بين الأصناف في السهام ولا يفضل صنفا على صنف لأن الله تعالى سوى بينهم والمستحب أن يعم كل صنف إن أمكن وأقل ما يجزى أن يدفع إلى ثلاثة من كل صنف لأن الله تعالى أضاف إليهم بلفظ الجمع وأقل الجمع ثلاثة فإن دفع لاثنين ضمن نصيب الثالث وفي قدر الضمان قولان : أحدهما القدر المستحب وهو الثلث والثاني أقل جزء من السهم لأنه هذا القدر هو الواجب فلا يلزمه ضمان ما زاد وإن اجتمع في شخص واحد سببان ففيه ثلاثة طرق : من أصحابنا من قال لا يعطى بالسببين بل يقال له اختر أيهما شئت فنعطيك به ومنهم من قال إن كانا سببين متجانسين مثل أن يستحق بكل واحد منهما إلا بسبب واحد وإن كانا سببين مختلفين مثل أن يكون بأحدهما يستحق لحاجتنا إليه وبالآخر يستحق لحاجته إلينا أعطي بالسببين كما قلنا في الميراث إذا اجتمع في شخص واحد جهتا فرض لم يعط بهما وإن اجتمع فيه جهة فرض وجهة تعصيب أعطي بهما ومنهم من قال فيه قولان أحدهما يعطى بالسببين لأن الله تعالى جعل للفقير سهما وللغارم سهما وهذا فقير غارم والثاني يعطى بسبب واحد لأنه شخص واحد فلا يأخذ سهمين كما لو انفرد بمعنى واحد .
فصل : وإن كان الذي يفرق الزكاة رب المال سقط سهم العامل لأنه لا عمل له فيقسم الصدقة على سبعة أصناف لكل صنف سهم على ما بيناه وإن كان في الأصناف أقارب له لا تلزمه نفقتهم فالمستحب أن يخص الأقارب لما روت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت : سمعت رسول الله A يقول : [ الصدقة على المسلم صدقة وهي على ذي القرابة صدقة وصلة ] .
فصل : ويجب صرف الزكاة إلى الأصناف في البلد الذي فيه المال لما روي أن النبي A بعث معاذا إلى اليمن فقال : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم فإن نقل إلى الأصناف في بلد آخر ففيه قولان : أحدهما يجزئه لأنهم من أهل الصدقة فأشبه أصناف البلد الذي فيه المال والثاني لا يجزئه لأنه حق واجب لأصناف بلد ومن أصحابنا من قال القولان في جواز النقل ففي أحدهما يجوز وفي الثاني لا يجوز فأما إذا نقل فإنه يجزئه قولا واحدا والأول هو الصحيح فإن كان له أربعون شاة عشرون في بلد وعشرون في بلد آخر قال الشافعي : إذا أخرج الشاة في أحد البلدين كرهت وأجزأه فمن أصحابنا من قال إنما أجاز ذلك على القول الذي يقول يجوز نقل الصدقة فأما على القول الآخر فلا يجوز حتى يخرج في كل بلد نصف شاة ومنهم من قال يجزئه ذلك قولا واحدا لأن في إخراج نصف الشاة في كل بلد ضررا في التشريك بينه وبين الفقراء والصحيح هو الأول لأنه قال كرهت وأجزأه فدل على أنه أحد القولين ولو كان قولا واحدا لم يقل كرهت وفي الموضع الذي تنقل إليه طريقان : من أصحابنا من قال القولان فيه إذا نقل إلى مسافة تقصر فيها الصلاة فأما إذا نقل إلى مسافة لا تقصر فيها الصلاة فإنه يجوز قولا واحدا لأن ذلك في حكم البلد بدليل أنه لا يجوز فيه القصر والفطر والمسح على الخفين ومنهم من قال القولان في الجميع وهو الأظهر وإن وجبت عليه الزكاة وهو من أهل الخيم الذين ينتجعون لطلب الماء والكلأ فإنه ينظر فيه فإن كانوا متفرقين كان موضع الصدقة من عند المال إلى حيث تقصر فيه الصلاة فإذا بلغ حدا تقصر فيه الصلاة لم يكن ذلك موضع الصدقة وإن كان في حال مجتمعة ففيه وجهان : أحدهما أنه كالقسم قبله والثاني أن كل حلة كالبلد وإن وجبت الزكاة وليس في البلد الذي فيه المال أحد من الأصناف نقلها إلى أقرب البلاد إليه لأنهم أقرب إلى المال وإن وجد فيه بعض الأصناف فيدفع إلى من في بلد المال من الأصناف سهمهم وينقل الباقي إلى بقية الأصناف في غير بلد المال وهو الصحيح لأن استحقاق الأصناف أقوى لأنه ثبت بنص الكتاب واعتبار البلد ثبت بخير الواحد فقدم من ثبت حقه بنص الكتاب .
فصل : فإن قسم الصدقة على الأصناف فنقص نصيب بعضهم عن كفايتهم ونصيب الباقين على قدر كفايتهم دفع إلى كل واحد منهم ما قسم له ولا يدفع إلى من نقص سهمه عن كفايته من نصيب الباقين شيء لأن كل صنف منهم ملك سهمه فلا ينقص حقه لحاجة غيره وإن كان نصيب بعضهم ينقص عن كفايته ونصيب البعض يفضل عن كفايته فإن قلنا إن المغلب اعتبار البلد الذي فيه المال صرف ما فضل إلى بقية الأصناف في البلد وإن قلنا إن المغلب اعتبار الأصناف صرف الفاضل إلى ذلك الصنف الذي فضل عنهم بأقرب البلاد .
فصل : وإن وجبت عليه الفطرة وهو في بلد وماله فيه وجب إخراجها إلى الأصناف في البلد وإن مصرفها مصرف سائر الزكوات وإن كل ماله في بلد وهو في بلد آخر ففيه وجهان : أحدهما أن الاعتبار بالبلد الذي فيه المال والثاني أن الاعتبار بالبلد الذي هو فيه لأن الزكاة تتعلق بعينه فاعتبر الموضع الذي هو فيه كالمال في سائر الزكوات .
فصل : وإذا وجبت الزكاة لقوم معينين في بلد فلم يدفع إليهم حتى مات بعضهم انتقل حقه إلى ورثته لأنه تعين حقه في حال الحياة فانتقل بالموت إلى ورثته .
فصل : ولا يجوز دفع الزكاة إلى هاشمي لقوله A [ نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة ] ولا يجوز دفعها إلى مطلبي لقوله A [ إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد ] وشبك بين أصابعه ولأنه حكم متعلق بذوي القربى فاستوى فيه الهاشمي والمطلبي كاستحقاق الخمس وقال أبو سعيد الاصطخري : إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم لأنهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم والمذهب الأول لأن الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله A وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس وفي مواليهم وجهان : أحدهما يدفع إليهم والثاني لا يدفع وقد بينا وجه المذهبين في سهم العامل .
فصل : ولا يجوز دفعها إلى كافر لقوله E [ أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم ] .
فصل : ولا يجوز دفعها إلى غني من سهم الفقراء لقوله A [ لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ] .
فصل : ولا يجوز دفعها إلى من يقدر على كفايته بالكسب للخبر ولأن غناه بالكسب كغناه بالمال .
فصل : ولا يجوز دفعها إلى من تلزمه نفقته من الأقارب والزوجات من سهم الفقراء لأن ذلك إنما جعل للحاجة ولا حاجة بهم مع وجوب النفقة .
فصل : فإن دفع الإمام الزكاة إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه غني لم يجزه ذلك عن الفرض فإن كان باقيا استرجع منه ودفع إلى فقير وإن كان فائتا أخذ للبدل وصرف إلى فقير فإن لم يكن للمدفوع إليه مال لم يجب على رب المال ضمانه لأنه قد سقط الفرض عنه بالدفع إلى الإمام ولا يجب على الإمام لأنه أمين غير مفرط فهو كالمال الذي يتلف في يد الوكيل وإن كان الذي دفع إليه رب المال فإن لم يبين عند الدفع أنه زكاة واجبة لم يكن له أن يرجع لأنه قد يدفع عن زكاة واجبة وعن تطوع فإذا ادعى الزكاة كان متهما فلم يقبل قوله ويخالف الإمام فإن الظاهر من حاله أنه لا يدفع إلا الزكاة فثبت له الرجوع وإن كان قد بين أنها زكاة رجع فيها إن كانت باقية وفي بدلها إن كانت فائتة فإن لم يكن له للمدفوع إليه مال فهل يضمن رب المال الزكاة ؟ فيه قولان : أحدهما لا يضمن لأنه دفع إليه بالاجتهاد كالإمام والثاني يضمن لأنه كان يمكنه أن يسقط الفرض بيقين بأن يدفعها إلى الإمام فإذا فرط بنفسه فقد فرط فلزمه الضمان بخلاف الإمام وإن دفع الزكاة إلى رجل ظنه مسلما وكان كافرا أو إلى رجل ظنه حرا فكان عبدا فالمذهب أن حكمه حكم ما لو دفع إلى رجل ظنه فقيرا فكان غنيا ومن أصحابنا من قال يجب الضمان ههنا قولا واحدا لأن حال الكافر والعبد الكافر لا يخفى فكان مفرطا في الدفع إليهما وحال الغني قد يخفى فلم يكن مفرطا .
فصل : ومن وجبت عليه الزكاة وتمكن من أدائها فلم يفعل حتى مات وجب قضاء ذلك من تركته لأنه حق مال لزمه في حال الحياة فلم يسقط بالموت كدين الآدمي فإن اجتمع مع الزكاة دين آدمي ولم يتسع المال للجميع ففيه ثلاثة أقوال : أحدها يقدم دين الآدمي لأنه مبناه على التشديد والتأكيد وحق الله تعالى مبني على التخفيف ولهذا لو وجب عليه قتل قصاص وقتل ردة فدم قتل القصاص والثاني تقدم الزكاة لقوله A في الحج [ فدين الله D أحق أن يقضى ] والثالث أنه يقسم بينهما لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء وبالله التوفيق