وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

باب صفة القضاء .
إذا حضر عند القاضي خصمان وادعى أحدهما على الآخر حقا يصح فيه دعواه وسأل القاضي مطالبة الخصم بالخروج من دعواه طالبه وإن لم يسأله مطالبة الخصم ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يجوز للقاضي مطالبته لأن ذلك حق للمدعي فلا يجوز استيفاؤه من غير إذنه والثاني وهو المذهب أنه يجوز له مطالبته لأن شاهد الحال يدل على الإذن في المطالبة فإن طولب لم يخل إما أن يقرأ أو ينكر أو لا يقر ولا ينكر فإن أقر لزمه الحق ولا يحكم به إلا بمطالبة المدعي لأن الحكم حق فلا يستوفيه من غير إذنه فإن طالبه بالحكم حكم له عليه وإن أنكر فإن كان المدعي لا يعلم أن له إقامة البينة قال له القاضي ألك بينة وإن كان يعمل فله أن يقول ذلك وله أن يسكت وإن لم تكن له بينة وكانت الدعوى في غير دم فله أن يحلف المدعى عليه ولا يجوز للقاضي إحلافه إلا بمطالبة المدعي لأنه حق له فلا يستوفيه من غير إذنه وإن أحلفه قبل المطالبة لم يعتد بها لأنها يمين قبل وقتها وللمدعي أن يطالب بإعادتها لأن اليمين الأولى لم تكن يمينه وإن أمسك المدعي عن إحلاف المدعى عليه ثم أراد أن يحلفه بالدعوى المتقدمة جاز لأنه لم يسقط حقه من اليمين وإنما أخرها وإن قال أبرأتك من اليمين سقط حقه منها في هذه الدعوى وله أن يستأنف الدعوى لأن حقه لم يسقط بالإبراء من اليمين فإن استأنف الدعوى فأنكر المدعى عليه فله أن يحلفه لأن هذه الدعوى غير الدعوى التي أبرأه فيها من اليمين فإن حلف سقطت الدعوى لما روى وائل بن حجر أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة أيتا رسول الله A فقال الحضرمي هذا غلبني على أرض ورثتها من أبي وقال الكندي : أرضي وفي يدي أزرعها لا حق له فيها فقال النبي A : [ شاهداك أو يمينه ] قال إنه لا يتورع عن شيء فقال : [ ليس له إلا ذلك ] فإن امتنع عن اليمين لم يسأل عن سبب امتناعه فإن ابتدأ وقال امتنعت لأنظر في الحساب أمهل ثلاثة أيام لأنها مدة قريبة ولا يمهل أكثر منها لأنها مدة كثيرة فإن لم يذكر عذرا لامتناعه جعله ناكلا ولا يقضى عليه بالحق بنكوله لأن الحق إنما يثبت بالإقرار أو البينة والنكول ليس بإقرار ولا بينة فإن بذلك اليمين بعد النكول لم يسمع لأن بنكوله ثبت للمدعي حق وهو اليمين فلم يجز إبطاله عليه فإن لم يعلم المدعي أن اليمين صارت إليه قال له القاضي أتحلف وتستحق وإن كان يعمل فله أن يقول ذلك وله أن يسكت وإن قال أحلف ردت اليمين عليه لما روى ابن عمر Bه أن النبي A رد اليمين على صاحب الحق وروي أن المقداد استقرض من عثمان مالا فتحاكما إلى عمر فقال المقداد هو أربعة آلاف وقال عثمان سبعة آلاف فقال المقداد لعثمان : احلف أنه سبعة آلاف فقال عمر : إنه أنصفك فلم يحلف عثمان فلما ولى المقداد قال عثمان : والله لقد أقرضته سبعة آلاف فقال عمر : لم لم تحلف فقال : خشيت أن يرافق ذلك به قدر بلاء فيقال بيمينه واختلف قول الشافعي C تعالى في نكول المدعي عليه مع يمين المدعي فقال في أحد القولين هما بمنزلة البينة لأنه حجة من جهة المدعي وقال في القول الآخر هما بمنزلة الإقرار وهو الصحيح لأن النكول صادر من جهة المدعى عليه واليمين ترتب عليه وله فصار كإقراره فإن نكل المدعي عن اليمين سئل عن سبب نكوله والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث لم يسأل عن سبب نكوله أن بنكول المدعى عليه وجب للمدعي حق في رد اليمين والقضاء له فلم يجز سؤال المدعى عليه وبنكول المدعي لم يجب لغيره حق فيسقط بسؤاله فإن سئل فذكر أنه امتنع من اليمين لأن له بينة يقيمها وحسابا ينظر فيه فهو على حقه من اليمين ولا يضيق عليه في المدة ويترك ما ترك المدعى عليه يتأخر حق المدعي في الحكم له وبترك المدعي لا يتأخر إلا حقه وإن قال امتنعت لأني لا أختار أن أحلف كم بنكوله فإن بذل اليمين بعد النكول لم يقبل في هذه الدعوى لأنه أسقط حقه منها فإن عاد في مجلس آخر واستأنف الدعوى وأنكر المدعى عليه وطلب يمينه حلف فإن حلف ترك وإن نكل ردت اليمين على المدعي فإذا حلف حكم له لأنها يمين في غير الدعوى التي حكم فيها بنكوله فإن كان له شاهد واختار أن يحلف المدعى عليه جاز وتنتقل اليمين إلى جنبة المدعى عليه فإن أراد أن يحلف مع شاهده لم يكن له في هذا المجلس لأن اليمين انتقلت عنه إلى جنبة غيره فلم تعد إليه فإن عاد في مجلس آخر واستأنف الدعوى جاز أن يقيم الشاهد ويحلف معه لأن حكم الدعوى الأولى قد سقط وإن حلف المدعى عليه في الدعوى الأولى سقطت عنه المطالبة وإن نكل عن اليمين لم يقض عليه بنكوله وشاهد المدعي لأن للشاهد معنى تقوى به جنبة المدعي فلم يقض به مع النكول من غير يمين كاللوث في القسامة وهل ترد اليمين على المدعي ليحلف مع الشاهد فيه قولان : أحدهما أنه لا ترد لأنها كانت في جنبته وقد أسقطت وصارت في جنبة غيره فلم تعد إليه كالمدعى عليه إذا نكل عن اليمين فردت إلى المدعي فنكل فإنها لا ترد على المدعى عليه والقول الثاني وهو الصحيح أنها ترد لأن هذه اليمين غير الأول لأن سبب الأولى قوت جنبة المدعي بالشاهد وسبب الثانية قوة جنبته بنكول المدعى عليه واليمين الأولى لا يحكم بها إلا في المال وما يقصد به المال والثانية يقضي بها في جميع الحقوق التي تسمع فيها الدعوى فلم يكن سقوط إحداهما موجبا لسقوط الأخرى فإن قلنا إنها لا ترد حبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر لأنه تعين عليه ذلك وإن قلنا إنها ترد حلف مع الشاهد واستحق .
فصل : وإن كانت الدعوى في موضع لا يمكن رد اليمين على المدعى بأن ادعى على رجل دينا ومات المدعي ولا وارث له غير المسلمين وأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين ففيه وجهان ذكرهما أبو سعيد الإصطخري : أحدهما أنه يقضي بنكوله لأنه لا يمكن لاد اليمين على الحاكم لأنه لا يجوز أن يحلف عن المسلمين لأن اليمين لا تدخلها النيابة ولا يمكن ردها على المسلمين لأنهم لا يتعينون فقضى بالنكول لموضع الضرورة والثاني وهو المذهب أنه يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر لأن الرد لا يمكن لما ذكرناه والقضاء بالنكول لا يجوز لما قدمناه لأنه إما أن يكون صادقا في إنكاره فلا ضرر عليه في اليمين أو كاذبا فيلزمه الإقرار وإن ادعى وصي دينا لطفل في حجره على رجل وأنكر الرجل ونكل عن اليمين وقف إلى أن يبلغ الطفل فيحلف لأنه لا يمكن رد اليمين على الوصي لأن اليمين لا تدخلها النيابة ولا على الطفل في الحال لأنه لا يصح يمينه فوجب التوقف إلى أن يبلغ .
فصل : وإن كان للمدعي بينة عادلة قدمت على يمين المدعى عليه لأنها حجة لا تهمة فيها لأنها من جهة غيره واليمين حجة يتهم فيها لأنها من جهته ولا يجوز سماع البينة ولا الحكم بها إلا بمسألة المدعي لأنه حق له فلا يستوفي إلى بإذنه فإن قال المدعى عليه أحلفوه أنه يستحق ما شهدت به البينة لم يحلف لأن في ذلك طعنا في البينة العادلة وإن قال أبراني منه فحلفوه أنه لم يبرئني منه أو قضيته فحلفوه إني لم أقضه حلف لأنه ليس في ذلك قدح في البينة وما يدعيه محتمل فحلف عليه وإن كانت البينة غير عادلة قال له القاضي زدني في شهودك وإن قال المدعي لي بينة غائبة وطلب يمين المدعى عليه أحلف لأن الغائبة كالمعدومة لتعذر إقامتها فإن حلف المدعى عليه ثم حضرت البينة وطلب سماعها والحكم بها وجب سماعها والحكم بها لما روي عن عمر Bه أنه قال البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة ولأن البينة كالإقرار ثم يجب الحكم بالإقرار بعد اليمين فكذلك بالبينة وإن قال لي بينة حاضرة ولكني أريد أن أحلفه حلف لأنه قد يكونله غرض في إحلافه بأن يتورع عن اليمين فيقر وإثبات الحق بالإقرار أقوى وأسهل من إثباته بالبينة وإن قال ليس لي بينة حاضرة ولا غائبة أو قال كل بينة تشهد لي فهي كاذبة وطلب إحلافه فحلف ثم أقام البينة على الحق ففيه ثلاثة أوجه : أحدها أنها لا تسمع لأنه كذبه بقوله والثاني أنه إن كان هو الذي استوثق بالبينة لم تسمع لأنه كذبها وإن كان غيره المستوثق بالبينة سمعت لأنه لم يعلم بالبينة فرجع قوله لا بينة لي إلى ما عنده والثالث أنها تسمع بكل حال وهو الصحيح لأنه يجوز أن يكون ما علم وإن علم فلعله نسي فرجع قوله لا بينة لي إلى ما يعتقده .
فصل : وإن قال المدعي لي بينة بالحق لم يجز له ملازمة الخصم قبل حضورها لقوله A : [ شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك ] وإن شهد له شاهدان عدلان عند الحاكم وهو لا يعلم أن له دفع البينة بالجرح قال له قد شهد عليك فلان وفلان وقد ثبتت عدالتهما عندي وقد أطردتك جرحهما وإن كان يعلم فله أن يقول وله أن يسكت فإن قال المشهود عليه لي بينة بجرحهما نظر فإن لم يأت بها حكم عليه لما روي عن عمر Bه أنه قال في كتابه إلى أبي موسى الأشعري Bه واجعل لمن ادعى حقا غائبا أمدا ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت له حقه وإلا استحللت عليه القضية فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى ولا ينظر أكثر من ثلاثة أيام لأنه كثير وفيه إضرار بالمدعي وإن قال لي بينة بالقضاء أو الإبراء أمهل ثلاثة أيام فإن لم يأت بها حلف المدعي أنه لم يقضه ولم يبرئه ثم يقضي له لما ذكرناه وله أن يلازمه إلى أن يقيم البينة بالجرح أو القضاء لأن الحق قد ثبت له في الظاهر وإن شهد له شاهدان ولم تثبت عدالتهما في الباطن فسأل المدعي أن يحبس الخصم إلى أن يسأل عن عدالة الشهود ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي إسحاق وهو ظاهر المذهب أنه يحبس لأن الظاهر العدالة وعدم الفسق والثاني وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه لا يحبس لأن الأصل براءة ذمته وإن شهد له شاهد واحد وسأل أن يحبسه إلى أن يأتي بشاهد آخر ففيه قولان : أحدهما أنه يحبس كما يحبس إذا جهل عدالة الشهود والثاني أنه لا يحبس وهو الصحيح لأنه لم يأت بتمام البينة ويخالف إذا جهل عدالتهم لأن البينة تم عددها والظاهر عدالتها وقال أبو إسحاق : إن كان الحق مما يقضي فيه بالشاهد واليمين حبس قولا واحدا لأن الشاهد الواحد حجة فيه لأنه يحلف معه .
فصل : وإذا علم القاضي عدالة الشاهد أو فسقه عمل بعمله في قبوله ورده وإن علم حال المحكوم فيه نظرت فإن كان ذلك في حق الآدمي ففيه قولان : أحدهما أنه لا يجوز أن يحكم فيه بعلمه لقوله E للحضرمي : [ شاهداك أو يمينه ليس له إلا ذلك ] ولأنه لو كان علمه كشهادة اثنين لانعقد النكاح به وحده والثاني وهو الصحيح وهو اختيار المزني C أنه يجوز أن يحكم بعلمه لما روى أبو سعيد الخدري أن النبي A قال : [ لا يمنع أحدكم هيبة الناس أن يقول في حق إذا رآه أو علمه أو سمعه ] ولأنه إذا جاز أن يحكم بما شهد به الشهود وهو من قولهم على ظن فلأن يجوز أن يحكم بما سمعه أو رآه وهو على علم أولى وإن كان ذلك في حق الله تعالى ففيه طريقان : أحدهما وهو قول أبي العباس و أبي علي بن أبي هريرة أنها على قولين كحقوق الآدميين والثاني وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يجوز أن يحكم فيه بعلمه قولا واحدا لما روي عن أبي بكر الصديق Bه أنه قال : لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم البينة عندي ولأنه مندوب إلى ستره ودرئه والدليل عليه قوله A : [ هلا سترته بثوبك يا هزال ] فلم يجز الحكم فيه بعلمه .
فصل : وإن سكت المدعى عليه ولم يقر ولم ينكر قال له الحاكم إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا والمستحب أن يقول له ذلك ثلاثا فإن لم يجب جعله ناكلا وحلف المدعي وقضى له لأنه لا يخلو إذا أجاب أن يقر أو ينكر فإن أقر فقد قضى عليه بما يجب على المقر وإن أنكر فقد وصل إنكاره بالنكول عن اليمين فقضينا عليه بما يجب على المنكر إذا نكل عن اليمين .
فصل : وإذا تحاكم إلى الحاكم أعجمي لا يعرف لسانة لم يقبل في الترجمة إلا عدلين لأنه إثبات قول يقف الحكم عليه فلم يقبل إلا من عدلين كالإقرار وإن كان الحق مما يثبت بالشاهد والمرأتين قبل ذلك في الترجمة وإن كان مما لا يقبل فيه إلا ذكرين لم يقبل في الترجمة إلا ذكرين فإن كان إقرارا بالزنا ففيه قولان : أحدهما أنه يثبت بشاهدين والثاني أنه لا يثبت إلا بأربعة .
فصل : وإن حضر رجل عند القاضي وادعى على غائب عن البلد أو على حاضر فهرب أو على حاضر في البلد استتر وتعذر إحضاره فإن لم يكن بينة لم يسمع دعواه لأن استماعها لا يفيه وإن كانت معه بينة سمع دعواه وسمعت بينته لأنا لو لم نسمع جعلت الغيبة والاستتار طريقا إلى إسقاط الحقوق التي نصب الحاكم لحفظها ولا يحكم عليه إلا أن يحلف المدعي أنه لم يبرئ من الحق لأنه يجوز أن يكون قد حدث بعد ثبوته بالبينة إقراء أو قضاء أو حوالة ولهذا لو حضر من عليه الحق وادعى البراء بشيء من ذلك سمعت دعواه وحلف عليه المدعي فإذا تعذر حضوره وجب على الحاكم أن يحتاط له ويحلف عليه المدعي وإن ادعى على حاضر في البلد يمكن إحضاره ففيه وجهان : أحدهما أنه تسمع الدعوى والبينة ويقضى بها بعد ما يحلف المدعي لأنه غائب عن مجلس الحكم فجاز القضاء عليه كالغائب عن البلد المستتر في البلد والثاني أنه لا يجوز سماع البينة عليه ولا الحكم وهو المذهب لأنه يمكن سؤاله فيه يجوز القضاء عليه قبل السؤال كالحاضر في مجلس الحكم وإن ادعى على ميت سمعت البينة وقضى عليه فإن كان له واره كان إحلاف المدعي إليه وإن لم يكن له وارث فعلى الحاكم أن يحلفه ثم يقضي له وإن كان على صبي سمعت البينة وقضى عليه بعدما يحلف المدعي لأنه تعذر الرجوع إلى جوابه فقضى عليه مع يمين المدعي كالغائب والمستتر وإن حكم على الغائب ثم قدم أو على الصبي ثم بلغ كان على حجته في المدح في البينة والمعارضة بينة يقيمها على لا قضاء أو الإبراء .
فصل : ويجوز للقاضي أن يكتب إلى القاضي فيما ثبت عنده ليحكم به ويجوز أن يكتب إليه فيما حكم به لينفذه لما روى الضحاك ابن قيس قال كتب إلى رسول الله A أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها ولأن الحاجة تدعو إلى كتاب القاضي إلى القاضي فيما ثبت عنده ليحكم به وفيما حكم به لينفذه فإن كان الكتاب فيما حكم به جاز قبول ذلك في المسافة القريبة والبعيدة لأن ما حكم به يلزم كل أحد إمضاؤه وإن كان فيما ثبت عنده لم يجز قبوله إذا كان بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة ن لأن القاضي الكاتب فيما حمل شهود الكتاب كشاهد الأصل والشهود الذين يشهدون بما في الكتاب كشهود الفرع وشاهد الفرع لا يقبل مع قرب شاهد الأصل .
فصل : ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به شاهدان وقال أبو ثور يقبل من غير شهادة لأن النبي A كان يكتب ويعمل بكتبه من غير شهادة وقال أبو سعيد الإصطخري : إذا عرف المكتوب إليه خط القاضي الكاتب وختمه جاز قبوله وهذا خطأ لأن الخط يشبه الخط والختم يشبه الختم فلا يؤمن أن يزور على الخط والختم وإذا أراد إنفاذ الكتاب أحضر شاهدين ويقرأ الكتاب عليهما أو يقرأ غيره وهو يسمعه والمستحب أن ينظر الشاهدان في الكتاب حتى لا يحذف منه شيء وإن لم ينظرا جاز لأنهما يؤديان ما سمعا وإذا وصلا إلى القاضي المكتوب إليه قرآ الكتاب عليه وقالا تشهدان هذا الكتاب كتاب فلان إليك وسمعناه وأشهدنا أنه كتب إليك بما فيه وإن لم يقرآ الكتاب ولكنهما سلماه إليه وقالا نشهد أنه كتب إليك بهذا لم يجز لأنه ربما زور الكتاب عليهما وإن انكسر ختم الكتاب لم يضر لأن المعول على ما فيه وإن محى بعضه فإن كانا يحفظان ما فيه أو معهما نسخة أخرى شهدا وإن لم يحفظاه ولا معهما نسخة أخرى لم يشهدا لأنهما لا يعلمان ما امحى منه .
فصل : وإن مات القاضي الكاتب أو عزل جاز للمكتوب إليه قبول الكتاب والعمل به لأنه إن كان الكتاب بما حكم به وجب على كل من بلغه أن ينفذه في كل حال وإن كان الكتاب بما ثبت عنده فالكاتب كشاهد الأصل وشهود الكتاب كشاهد الفرع وموت شاهد الأصل لا يمنع من قبول شهادة شهود الفرع إن فسق الكاتب ثم وصل كتابه فإن كان ذلك فيما حكم به لم يؤثر فسقه لأن الحكم لا يبطل بالفسق الحارث بعده وإن كان فيما ثبت عنده لم يجز الحكم به لأنه كشاهد الأصل وشاهد الأصل إذا فسق قبل الحكم لم يحكم بشهادة شاهد الفرع وإن مات القاضي المكتوب إليه أو عزل أو ولي غيره قبل الكتاب لأن المعول على ما حفظه شهود الكتاب وتحملوه ومن تحمل شهادة وجب على كل قاض أن يحكم بشهادته .
فصل : فإن وصل الكتاب إلى المكتوب إليه فحضر الخصم وقال لست فلان ابن فلان فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل أنه لا مطالبة عليه فإن أقام المدعي بينة أنه فلان ابن فلان فقال أنا فلان بن فلان إلا أني غير المحكوم عليه لم يقبل قوله إلا أن يقيم البينة أن له من يشاركه في جميع ما وصف به لأن الأصل عدم من يشاركه فلم يقبل قوله من غير بينة وإن أقام بينة أن له من يشاركه في جميع ما وصف به توقف عن الحكم حتى يعرف من المحكوم عليه منهما وإذا حكم المكتوب إليه على المدعى عليه بالحق فقال المحكوم عليه اكتب إلى الحاكم الكاتب إنك حكمت علي حتى لا يدعي علي ثانيا ففيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري C أنه يلزمه لأنه لا يأمن أن يدعي ثانيا ويقيم عليه البينة فيقضي عليه ثانيا والثاني أنه لا يلزمه لأن الحاكم إنما يكتب ما حكم به أو ثبت عنده والكاتب هو الذي حكم أو ثبت عنده دون المكتوب إليه .
فصل : إذا ثبت عند القاضي حق بالإقرار فسأله المقر له أن يشهد على نفسه بما ثبت عنده من الإقرار لزمه ذلك لأنه لا يؤمن أن ينكر المقر فلزمه الإشهاد ليكون حجة له إذا أنكر وإن ثبت عنده الحق بيمين المدعي غير الإشهاد وإن ثبت عنده الحق بالبينة فسأله المدعي الإشهاد ففيه وجهان : أحدهما أنه لا يجب لأن له بالحق بينة فلم يلزم القاضي تجديد بينة أخرى والثاني أنه يلزمه لأن في إشهاده على نفسه تعديلا لبينته وإثباتا لحقه وإلزاما لخصمه فإن ادعى عليه حقا فأنكره وحلف عليه وسأله الحالف أن يشهد على براءته لزمه ليكون حجة له في سقوط الدعوى حتى لا يطالبه بالحق مرة أخرى وإن سأله أن يكتب له محضرا في هذه المسائل كلها وهو أن يكتب ما جرى وما ثبت به الحق فإن لم يكن عنده قرطاس من بيت المال ولم يأته المحكوم له بقرطاس لم يلزمه أن يكتب لأن عليه أن يكتب وليس عليه أن يغرم وإن كان عنده قرطاس من بيت المال أو أتاه صاحب الحق بقرطاس فهل يلزمه أن يكتب المحضر فيه وجهان : أحدهما أنه يلزمه لأنه وثيقة بالحق فلزمه كالإشهاد على نفسه والثاني أنه لا يلزمه لأن الحق يثبت باليمين أو بالبينة دون المحضر وإن سأله أن يسجل له وهو أن يذكر ما يكتبه في المحضر ويشهد على إنفاذه ويسجل له فهل يلزم ذلك أم لا على ما ذكرناه في كتب المحضر وما يكتب من المحاضر والسجلات يكتب في نسختين إحداهما تسلم إلى المحكوم له والأخرى تكون في ديوان الحكم فإن حضر عند القاضي رجلان لا يعرفهما وحكم بينهما ثم سأل المحكوم له كتب محضر أو سجل كتب حضر إلي رجلان قال أحدهما : أنا فلان بن فلان وقال الآخر : أنا فلان بن فلان ويحليهما ويذكر ما جرى بينهما ويشهد على ذلك .
فصل : وإن اجتمعت عنده محاضر وسجلات كتب على كل محضر اسم المتداعيين ويضم ما اجتمع منها في كل شهر أو في كل سنة على قدر قلتها وكثرتها وضم بعضها إلى بعض ويكتب عليها محاضر شهر كذا وكذا من سنة كذا ليسهل عليه طلبته إذا احتاج إليه وإن حضر رجلان عند القاضي فادعى أحدهما أن له في ديوان الحكم حجة على خصمه فوجدها فإن كان حكما حكم به غيره لم يشمل به إلا أن يشهد به شاهدان أن هذا حكم به فلان القاضي ولا يرجع في ذلك إلى الخط والختم فإنه يحتمل التزوير في الخط والختم وإن كان حكما حكم هو به فإن كان ذاكرا للحكم به عالما به عمل به وألزم الخصم حكمه وإن كان غير ذاكر لم يعمل به لأنه يجوز أن يكون قد زور على خطه وختمه وإن شهد اثنان عليه أنه حكم به لم يرجع إلى شهادتهما لأنه يشك في فعله فلا يرجع فيه إلى قول غيره ما لو شك في فرض من فروض صلاته فإن شهد الشاهدان على حكمه عند حاكم آخر أنفذ ما شهدا به فإن شهد شاهدان أن الأول توقف في شهادتهما لم يجز للثاني أن ينفذ الحكم الذي شهدا به لأن الشهود فرع للحاكم الأول فإذا توقف الأصل لم يجز الحكم بشهادة الفرع كما لو شهد شاهدان على شهادة شاهد الأصل ثم شهد شاهدان أن شاهد الأصل توقف في الشهادة .
فصل : إذا اتضح الحكم للقاضي بين الخصمين فالمستحب أن يأمرهما بالصلح فإن لم يفعلا لم يجز تردادهما لأن الحكم لازم فلا يجوز تأخيره من غير رضا من له الحكم .
فصل : إذا قال القاضي حكمت لفلان بكذا قبل قوله لأنه يملك الحكم فقبل الإقرار به كالزوج لما ملك الطلاق قبل إقراره به وإن عزل ثم قال حكمت لفلان بكذا لم يقبل إقراره لأنه لا يملك الحكم فلم يملك الإقرار به وهل يكون شاهدا في ذلك فيه وجهان : أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه يكون شاهدا لأنه ليس فيه أكثر من أنه يشهد على فعل نفسه وذلك لا يوجب رد شهادته كما لو قالت امرأة أرضعت هذا الصبي والثاني وهو المذهب أنه لا يكون شاهدا لأن شهادته بالحكم تثبت لنفسه العدالة لأن الحكم لا يكون إلا من عدل فتلحقه التهمة في هذه الهادة فلم تقبل وخالف المرضعة لأن شهادتها بالرضاع لا تثبت عدالة لنفسها لأن الرضاع يصح من غير عدل ولأن المغلب في الرضاع فعل المرتضع ولهذا يصح به دونها والمغلب في الحكم فعل الحاكم فيكون شهادته على فعله فلم يقبل وبالله التوفيق