وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

- ( وأما المسألة الثالثة ) وهي اختلافهم في الحيوان المأمور بقتله في الحرم وهي الخمس المنصوص عليها : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور فإن قوما فهموا من الأمر بالقتل لها مع النهي عن قتل البهائم المباحة الأكل أن العلة في ذلك هو كونها محرمة وهو مذهب الشافعي وقوما فهموا من ذلك معنى التعدي لا معنى التحريم وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وجمهور أصحابهما . وأما الجنس الرابع وهو الذي تستخبثه النفوس كالحشرات والضفادع والسرطانات والسلحفات وما في معناها فإن الشافعي حرمها وأباحها الغير ومنهم من كرهها فقط . وسبب اختلافهم اختلافهم في مفهوم ما ينطلق عليه اسم الخبائث في قوله تعالى { ويحرم عليهم الخبائث } فمن رأى أنها المحرمات بنص الشرع لم يحرم من ذلك ما تستخبثه النفوس مما لم يرد فيه نص ومن رأى أن الخبائث هي ما تستخبثه النفوس قال : هي محرمة . وأما ما حكاه أبو حامد عن الشافعي في تحريمه الحيوان المنهي عن قتله كالخطاف والنحل زعم فإني لست أدري أين وقعت الآثار الواردة في ذلك ولعلها في غير الكتب المشهورة عندنا . وأما الحيوان البحري فإن العلماء أجمعوا على تحليل ما لم يكن منه موافقا بالاسم لحيوان في البر محرم فقال مالك : لا بأس بأكل جميع حيوان البحر إلا أنه كره خنزير الماء وقال : أنتم تسمونه خنزيرا وبه قال ابن أبي ليلى والأوزاعي ومجاهد وجمهور العلماء إلا أن منهم من يشترط في غير السمك التذكية وقد تقدم ذلك . وقال الليث بن سعد : أما إنسان الماء وخنزير الماء فلا يؤكلان على شيء من الحالات . وسبب اختلافهم هو هل يتناول لغة أو شرعا اسم الخنزير والإنسان خنزير الماء وإنسانه وعلى هذا يجب أن يتطرق الكلام إلى كل حيوان في البحر مشارك بالاسم في اللغة أو في العرف لحيوان محرم في البر مثل الكلب عند من يرى تحريمه والنظر في هذه المسألة يرجع إلى أمرين : أحدهما هل هذه الأسماء لغوية ؟ والثاني هل للاسم المشترك عموم أم ليس له ؟ فإن إنسان الماء وخنزيره يقالان مع خنزير البر وإنسانه باشتراك الاسم فمن سلم أن هذه الأسماء لغوية ورأى أن للاسم المشترك عموما لزمه أن يقول بتحريمها ولذلك توقف مالك في ذلك وقال : أنتم تسمونه خنزيرا .
فهذه حال الحيوان المحرم الأكل في الشرع والحيوان المباح الأكل . وأما النبات الذي هو غذاء فكله حلال إلا الخمر وسائر الأنبذة المتخذة من العصارات التي تتخمر ومن العسل نفسه . أما الخمر فإنهم اتفقوا على تحريم قليلها وكثيرها : أعني التي هي من عصير العنب . وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر وأجمعوا على أن المسكر منها حرام فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين : قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام . وقال العراقيون إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصرين : إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين . وسبب اختلافهم تعارض الآثار والأقيسة في هذا الباب فللحجازيين في تثبيت مذهبهم طريقتان : الطريقة الأولى الآثار الواردة في ذلك . والطريقة الثانية تسمية الأنبذة بأجمعها خمرا . فمن أشهر الآثار التي تمسك بها أهل الحجاز ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت " سئل رسول الله A عن البتع وعن نبيذ العسل ؟ فقال : كل شراب أسكر فهو حرام " خرجه البخاري . وقال يحيى بن معين : هذا أصح حديث روي عن النبي E في تحريم المسكر ومنها أيضا ما خرجه مسلم عن ابن عمر أن النبي E قال " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " فهذان حديثان صحيحان . أما الأول فاتفق الكل عليه . وأما الثاني فانفرد بتصحيحه مسلم . وخرج الترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله A قال " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وهو نص في موضع الخلاف . وأما الاستدلال الثاني من أن الأنبذة كلها تسمى خمرا فلهم في ذلك طريقتان : إحداهما من جهة إثبات الأسماء بطريق الاشتقاق والثاني من جهة السماع . فأما التي من جهة الاشتقاق فإنهم قالوا إنه معلوم عند أهل اللغة أن الخمر إنما سميت خمرا لمخامرتها العقل فوجب لذلك أن ينطلق اسم الخمر لغة على كل ما خامر العقل .
وهذه هي الطريقة من إثبات الأسماء فيها اختلاف بين الأصوليين وهي غير مرضية عند الخراسانيين . وأما الطريقة الثانية التي من جهة السماع فإنهم قالوا إنه وإن لم يسلم لنا أن الأنبذة تسمى في اللغة خمرا شرعا واحتجوا في ذلك بحديث ابن عمر المتقدم وبما روي أيضا عن أبي هريرة أن رسول الله A قال " الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة " وما روي أيضا عن ابن عمر أن رسول الله A قال " إن من العنب خمرا وإن من العسل خمرا ومن الزبيب خمرا ومن الحنطة خمرا وأنا أنهاكم عن كل مسكر " فهذه هي عمدة الحجازيين في تحريم الأنبذة . وأما الكوفيون فإنهم تمسكوا لمذهبهم بظاهر قوله تعالى { ومن ثمر النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } وبآثار رووها في هذا الباب وبالقياس المعنوي .
أما احتجاجهم بالآية فإنهم قالوا : السكر هو المسكر ولو كان محرم العين لما سماه الله رزقا حسنا .
وأما الآثار التي اعتمدوها في هذا الباب فمن أشهرها عندهم حديث أبي عون الثقفي عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس عن النبي E قال " حرمت عليكم الخمر لعينها " والسكر من غيرها وقالوا : هذا نص لا يحتمل التأويل وضعفه أهل الحجاز لأن بعض رواته روى " والمسكر من غيرها " ومنها حديث شريك عن سماك بن حرب بإسناده عن أبي بردة بن نيار قال : قال رسول الله A " إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية فاشربوا فيما بدا لكم ولا تسكروا " خرجها الطحاوي . ورووا عن ابن مسعود أنه قال : شهدت تحريم النبيذ كما شهدتم ثم شهدت تحليله فحفظت ونسيتم . ورووا عن أبي موسى قال " بعثني رسول الله A أنا ومعاذا إلى اليمن فقلنا : يا رسول الله إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير : أحدهما يقال له المزر والآخر يقال له البتع فما نشرب ؟ فقال E : اشربا ولا تسكرا " خرجه الطحاوي أيضا إلى غير ذلك من الآثار التي ذكروها في هذا الباب .
وأما احتجاجهم من جهة النظر فإنهم قالوا : قد نص القرآن أن علة التحريم في الخمر إنما هي الصد عن ذكر الله ووقوع العداوة والبغضاء كما قال تعالى { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة } وهذه العلة توجد في القدر المسكر لا فيما دون ذلك فوجب أن يكون ذلك القدر هو الحرام إلا ما انعقد عليه الإجماع من تحريم قليل الخمر وكثيرها قالوا : وهذا النوع من القياس يلحق بالنص وهو القياس الذي ينبه الشرع على العلة فيه .
وقال المتأخرون من أهل النظر : حجة الحجازيين من طريق السمع أقوى وحجة العراقيين من طريق القياس أظهر . وإذا كان هذا كما قالوا فيرجع الخلاف إلى اختلافهم في تغليب الأثر على القياس أو تغليب القياس على الأثر إذا تعارضا وهي مسألة مختلف فيها لكن الحق أن الأثر إذا كان نصا ثابتا فالواجب أن يغلب على القياس . وأما إذا كان ظاهر اللفظ محتملا للتأويل فهنا يتردد النظر هل يجمع بينهما بأن يتأول اللفظ أو يغلب ظاهر اللفظ على مقتضى القياس ؟ وذلك مختلف بحسب قوة لفظ من الألفاظ الظاهرة وقوة قياس من القياسات التي تقابلها ولا يدرك الفرق بينهما إلا بالذوق العقلي كما يدرك الموزون من الكلام من غير الموزون وربما كان الذوقان على التساوي ولذلك كثر الاختلاف في هذا النوع حتى قال كثير من الناس : كل مجتهد مصيب .
قال القاضي : والذي يظهر لي والله أعلم أن قوله E " كل مسكر حرام " وإن كان يحتمل أن يراد به القدر المسكر لا الجنس المسكر فإن ظهوره في تعليق التحريم بالجنس أغلب على الظن من تعليقه بالقدر لمكان معارضة ذلك القياس له على ما تأوله الكوفيون فإنه لا يبعد أن يحرم الشارع قليل المسكر وكثيره سدا للذريعة وتغليظا مع أن الضرر إنما يوجد في الكثير وقد ثبت من حال الشرع بالإجماع أنه اعتبر في الخمر الجنس دون القدر الواجب فوجب كل ما وجدت فيه علة الخمر أن يلحق بالخمر وأن يكون على من زعم وجود الفرق إقامة الدليل على ذلك هذا إن لم يسلموا لنا صحة قوله E " ما أسكر كثيره فقليله حرام " فإنهم إن سلموه لم يجدوا انفكاكا فإنه نص في موضع الخلاف ولا يصح أن تعارض النصوص بالمقاييس وأيضا فإن الشرع قد أخبر أن في الخمر مضرة ومنفعة فقال تعالى { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } وكان القياس إذا قصد الجمع بين انتقاء المضرة ووجود المنفعة أن يحرم كثيرها ويحلل قليلها فلما غلب الشرع حكم المضرة على المنفعة في الخمر ومنع القليل منها والكثير وجب أن يكون الأمر كذلك في كل ما يوجد فيه على تحريم الخمر إلا أن يثبت في ذلك فارق شرعي .
واتفقوا على أن الانتباذ حلال ما لم تحدث فيه الشدة المطربة الخمرية لقوله E " فانتبذوا وكل مسكر حرام " ولما ثبت عنه E " أنه كان ينتبذ وأنه كان يريقه في اليوم الثاني أو الثالث " واختلفوا في ذلك في مسئلتين : إحداهما : في الأواني التي ينتبذ فيها . والثانية : في انتباذ شيئين مثل البسر والرطب والتمر والزبيب