وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قال C : ولا تجوز شهادة الشفيعين بالبيع على البائع الجاحد إن طلبا الشفعة لأنهما يشهدان لأنفسهما فبثبوت البيع ثبت حقهما في الشفعة وإن سلماها جازت شهادتهما للمشتري لانتفاء التهمة عن شهادتهما بعد تسليم الشفيع فإنهما يثبتان سبب الملك للمشتري ولا شفعة لهما في ذلك بعد ما سلما الشفعة وإن جحد المشتري الشراء والدعاه البائع لم تجز شهادتهما أيضا إن طلبا الشفعة لأنهما يثبتان لأنفسهما حق الأخذ على المشتري وإلزام العهدة إياه إذا أخذا من يده فلا تقبل شهادتهما غير أنهما يأخذانها بإقرار البائع لأن إقراره بالبيع موجب حق الشفعة للشفيع وإن جحده المشتري كما لو قال : كنت بعت هذه الدار من فلان وجحد المشتري وحلف كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولو شهد ابنا الشفيع أو أبوه إمرإته بذلك كانت الشهادة باطلة لأنه يثبت بشهادته الحق للشفيع وهو متهم في حقه بالولادة أو الزوجية فيكون كالمتهم في حق نفسه وإن شهد ولد الشفيع ووالده على الشفيع بالتسليم جازت شهادتهما لانتفاء التهمة فإنهما أسقطا حق الشفيع بهذه الشهادة ولا يتهم الإنسان بالإضرار بولده أو والده والقصد إسقاط حقه وكذلك شهادة المولى على مكاتبه وعبده المأذون بالتسليم جائزة لانتفاء التهمة من وجه كشهادته على نفسه وشهادة المرء على نفسه من أصدق الشهادات وإن شهد المولى على البيع والعبد والمكاتب يطلبان الشفعة لم تجز شهادته لأن كسب العبد لمولاه وله في كسب مكاتبه حق الملك فشهادته بما يوجب الشفعة لعبده أو مكاتبه بمنزلة شهادته لنفسه فكذلك شهادة ولد المولى ووالده لما فيها من الحق للولي وإذا كانت الدار لثلاثة نفر فشهد اثنان منهم أنهم جميعا باعوها من فلان وادعى ذلك فلان وجحد الشريك لم تجز شهادتهم على الشريك لأنهما بهذا الشهادة يثبتان صفة اللزوم في بيعهما فإن للمشتري حق الفسخ إذا لم يثبت البيع في نصيب الثالث لأنهما يشهدان على فعل باشراه فإنهم باشروا البيع صفقة واحدة وهم في ذلك كشخص واحد والإنسان فيما يباشر يكون خصما لا شاهدا وللشفيع أن يأخذ ثلثي الدار بالشفعة لأن البيع في نصيبهما ثبت بإقرارهما وإن أنكر المشتري الشراء وأقر به الشركاء جميعا فشهادتهم أيضا باطلة لأنهم يشهدون على فعل أنفسهم ويثبتون الثمن لهم في ذمة المشتري وللشفيع أن يأخذ الدار كلها بالشفعة لثبوت البيع في حقها عند إقرارهم بذلك ولا شفعة للوكيل فيما باع لأن البائع لغيره في حكم العقد كالبائع لنفسه ولا شفعة للبائع فإن أخذه بالشفعة يكون سعيا في نقض ما قد تم به وهو الملك واليد للمشتري ومن سعى في نقض ما قد تم به يبطل سعيه ولأنه لو ثبت له حق الشفعة امتنع من تسليمها إلى المشتري بعد ما التزم ذلك بالعقد يكون حق الشفيع مقدما وكذلك لا شفعة لمن بيع له وهو الموكل لأن تمام البيع به فإنه لولا توكيله ما جاز البيع فإن شهد الآمر بالبيع مع أجنبي أن المشتري ردها على البائع بالشفعة لم تجز شهادة الآمر في ذلك لكونه متهما في شهادته فالمشتري قبل هذا إذا وجد بها عيبا ردها على الوكيل وكان ذلك ردا على الموكل ويمتنع ذلك إذا أقبلت شهادته على أنه ردها على البائع بالشفعة فيكون في هذا تبعيد الخصومة عنه لأن البائع لما لم يكن به الشفعة فيردها عليه كابتداء البيع منه وشهادة الآمر بالبيع على المشتري أنه باعها من غيره لا تقبل فأما الوكيل بالشراء له أن يأخذ ما اشترى بالشفعة لأن شراءه لغيره كشرائه لنفسه وشراؤه لنفسه لا يكون إبطالا للشفعة حتى إن أحد الشفعاء إذا اشترى الدار فهو على شفعته فيها يظهر ذلك عند مزاحمة الآخرين فكذلك شراؤه لغيره .
وهذا لأن الشفعة إنما تبطل بإظهار الشفيع الرغبة عن الدار لا بإظهار الرغبة فيها والشراء إظهار الرغبة في المشتري فلا يكون إبطالا للشفعة ولأن البائع يلتزم العهدة بالبيع فلو أخذ بالشفعة كان مبطلا ما التزم به من العهدة والمشتري يلتزم الثمن بالشراء وهو بالأخذ بالشفعة يقرر ما التزم بالشراء لو شهد ابنا الشفيع أنه قد سلم الشفعة لم تجز شهادتهما لأنهما يشهدان لأبيهما بتقرير الملك واليد فيها وإذا باع الرجل دارا وله عبد تاجر هو شفيعها فإن كان عليه دين فله الشفعة وإن لم يكن عليه دين فلا شفعة له لأن ماله لمولاه إذا لم يكن عليه دين وكما أن البائع لا يأخذ ما باع بالشفعة فكذلك عبده لا يأخذه وإذا كان عليه دين فالغرماء أحق بكسبه وللغرماء حق الأخذ بالشفعة في هذه الدار فكذلك للعبد أن يأخذ بالشفعة يوضحه أن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وشراء العبد من مولاه إذا لم يكن عليه دين باطل بخلاف ما إذا كان عليه دين فكذلك حكم الأخذ بالشفعة وعلى هذا لو باع العبد ومولاه شفيعها فإن لم يكن عليه دين فلا شفعة للمولى لأن بيع العبد وقع له وإن كان عليه دين فله الشفعة لأن بيعه كان لغرمائه والمولى من كسب عبده المديون كسائر الأجانب فإن شهد إبنا المولى على العبد أنه سلم الدار للمولى بالشفعة فشهادتهما باطلة لأنهما يشهدان لأبيهما بالملك واليد في الدار ( قال : وكذلك لو شهدا عليه بتسليم الشفعة في الوجه الأول والدار في يد المولى البائع ) لأن للعبد حق الأخذ بالشفعة من يده فهما يشهدان بما يسقط حقه عن أبيهما فكانا متهمين في ذلك وإذا باع المولى داره ومكاتبه شفيعها فله الشفعة لأنه لا حق للمكاتب في ملك مولاه وهو في البيع الذي باشره مولاه كأجنبي آخر وإن شهد أبنا المولى أن المكاتب سلم الشفعة للمشتري فشهادتهما باطلة لأنهما لو شهدا عليه بتسليم الشفعة حين كانت الدار في يد المولى لم تكن شهادتهما مقبولة فكذلك إذا شهدا به بعد ما سلمها إلى المشتري وقيل : تأويل هذه المسألة أن الدار في يد البائع بعد فشهدا على المكاتب بأنه سلم الشفعة للمشتري ليسقط حقه به في الأخذ من أبيهما فأما إذا كانت الدار في يد المشتري فالشهادة تقبل لخلوها عن التهمة فقد خرج أبوهما من خصومة الشفيع بتسليمها إلى المشتري وإن كان البائع المكاتب ومولاه شفيعها والدار في يد البائع كان له الشفعة لأنه من كسب مكاتبه أبعد منه من كسب العبد المديون وقد بينا هناك أنه يستحقها بالشفعة فهنا أولى فإن شهد ابنا المولى أنه سلم الشفعة للمشتري جازت شهادتهما لأنهما يشهدان على أبيهما بإسقاط حقه فإن قيل الدار في يد المكاتب فهما يشهدان في المعنى لمكاتب أبيهما وشهادتهما لمكاتب أبيهما وعبد أبيهما لا تقبل قلنا : نعم ولكن هذا إذا لم يكن المشهود عليه الأب فأما إذا كان المشهود عليه الأب فلا تتمكن التهمة في شهادتهما ألا ترى أن شهادتهما لمكاتب أبيهما بدين على أبيهما تقبل وعلى الأجنبي لا تقبل وهذا لأنهما يؤثران مكاتب أبيهما على الأجنبي لا على أبيهما وإذا باع الرجل دارا فشهد ابنا البائع أن الشفيع سلم الشفعة للمشتري فشهادتهما باطلة لأن أباهما خصم فيه ما دامت الدار في يده وللشفيع أن يأخذها منه ويلزمه العهدة فهما يشهدان لأبيهما وإن كان المشتري قد قبض الدار فخاصمه الشفيع ثم شهد الابنان بذلك جازت شهادتهما لأن الأب خرج من هذه الخصومة بتسليمها إلى المشتري فهما يشهدان للمولى على الشفيع .
فإن قيل : أليس أن البائع لو يشهد على الشفيع بذلك بعد ما سلمها إلى المشتري لم تقبل شهادته كما قبل التسليم فكذلك ابنا البائع قلنا : امتناع قبول شهادته يكون خصما فيه ومن كان خصما في حادثة مرة لا تقبل شهادته فيها وإن خرج من الخصومة فأما امتناع قبول شهادة إلابنين لمنفعة أبيهما في المشود به وذلك فبل أن يسلمها إلى المشتري فأما بعد التسليم فلا منفعة لأبيهما فقبلت شهادتهما بذلك وكذلك العبد والمكاتب إذا باعا دارا وقبضها المشتري ثم شهد ابنا المولى على الشفيع بالتسليم فهو جائز لأن الأب لو كان هو البائع كانت شهادتهما مقبولة فإذا كان العبد والمكاتب هو البائع أولى أن تقبل الشهادة وبهذه المسألة يتضح ما بينا من التأويل في المسألة الأولى وإذا شهد رجلان للبائع والمشتري على الشفيع أنه قد سلم الشفعة وشهد رجلان للشفيع أن البائع والمشتري سلما الدار قضيت بها للذي هي في يده وهذا بمنزلة رجلين اختصما في دار كل واحد منهما يدعي أنه اشتراها من صاحبه بألف درهم ونقد الثمن فأني أقضي بها للذي هي في يده وهذه مسألة التهاتر وقد بينا في كتاب الدعوى أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف تتهاتر البينتان وعند محمد يقضي بالبينتين بحسب الإمكان فمن أصحابنا من يقول مسألة الشفعة على الخلاف أيضا وإن لم ينص عليه لأن كل واحد منهما يثبت بينة الملك لنفسه على صاحبه بسبب يصرح به شهوده قال الشيخ الإمام والأصح : عندي أن جواب مسألة الشفعة قولهم جميعا وإن هذا ليس نظير مسألة التهاتر فإن هناك محمد يقضي بالبينتين بتاريخ بينة بين الشراءين واليد دليل ذلك التاريخ ولا يتأتى مثل ذلك هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان بالتهاتر لأن كل واحد منهما يثبت إقرار صاحبه بالملك له وكل بائع مقر بوقوع الملك للمشتري وذلك لا يوجد هنا فالشفيع بتسليم الشفعة لا يصير مقرا بالملك للبائع ولا للمشتري ولكن وجه هذه المسألة أن تسليم المشتري الدار بالشفعة للشفيع يحتمل الفسخ وتسليم الشفيع الشفعة لا يحتمل الفسخ بحال فإنه بعد ما سلم الشفعة لا يعود حقه وإن اتفقا عليه والبيتان متى تعارضتا وأحداهما تحتمل الفسخ والأخرى لا تحتمل الفسخ كما لا يحتمل الفسخ يترجح كما لو أقام البينة على أنه اشترى هذا العبد من مولاه وأقام العبد البينة إن مولاه أعتقه يوضحه إنما يجعل كأن الأمرين كانا فإن كان الشفيع سلم الشفعة أولا ثم سلمها المشتري له فما لم يخرجه من يده لا يتم التسليم وبعد الإخراج يكون هذا بمنزلة البيع المبتدإ فيقضي بها للشفيع إذا كانت في يده وإن كان المشتري سلمها إلى الشفيع أولا وقبضها الشفيع ثم سلم شفعته فتسليمه باطل لأن استيفاء حقه قد تم فلهذا قضى بالدار لذي اليد وإن كان المشتري قد قبض الدار فشهد ابنا البائع أن المشتري قد سلمها للشفيع وهي في يدي المشتري وشهدا أجنبيان ان الشفيع قد سلمها للمشتري فإني أسلمها للمشتري واختيار شهادة الشهود على تسليم الشفعة لوجهين أحدهما ما بينا أن تسليم الشفعة لا يحتمل الفسخ بخلاف تسليم الدار إلى الشفيع والثاني إن بنى البائع يتهمان في شهادتهما بتبعيد الخصومة والعهدة عن أبيهما لأن المشتري يخاصم أباهما في عيب يجده بالدار قبل أن يسلمها إلى الشفيع ولا يخاصمه في ذلك بعد ما سلمها بالشفعة إلى الشفيع فلهذا لا تقبل شهادة ابني البائع هنا وإذا سلم الشفيع الشفعة ثم وجد المشتري بالدار عيبا بعد ما قبضها فردها بغير قضاء قاض أو قال البائع البيع في الدار بغير عيب كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة قبل القبض وبعده عندنا .
( وقال زفر ليس له أن يأخذها لأنه سلمها ولم يتجدد حقه بما أخذنا من السبب لأن وجوب الشفعة يختص بمعاوضة مال بمال ابتداء والرد بالعيب والإقالة فسخ للعقد وليس بمعاوضة مبتدأة ولا يجوز أن يقال يجعل ذلك كبيع مبتدأ لأن التصرف إنما يصحح على قصد المتصرف وهما قصدا الفسخ لا العقد ولكنا نقول الإقالة والرد بالعيب بغير قضاء القاضي بمنزلة البيع المبتدأ في حق غيرهما لأنه تم بتراضيهما في محلين كل واحد منهما مال متقوم ولا صورة للمعاوضة إلا هذا غير أنهما سمياه فسخا ولهما الولاية على أنفسهما فكان فسخا في حقهما ولا ولاية لهما على غيرهما فكان بمنزلة ابتداء المعاوضة في حق غيرهما فيتجدد به حق الشفيع وإن كان ردها بالعيب بقضاء قاض لم يكن للشفيع فيها شفعة لأن قضاء القاضي بالرد فسخ وليس بعقد فإن للقاضي ولاية فسخ العقد الذي جرى بينهما لا إنشاء العقد وكذلك إن لم يكن قبضها المشترى حتى ردها بالعيب بقضاء أو بغير قضاء فلا شفعة فيها لأن الرد قبل القبض فسخ من كل وجه ألا ترى أن الراد ينفرد به من غير أن يحتاج إلى رضاء أو قضاء القاضي فهو نظير الرد بخيار الرؤية أو خيار الشرط والحرف الذي تدور عليه هذه المسائل أنه متى عاد بالرد إلى قديم ملك البائع لا يتجدد للشفيع الشفعة لأن حقه لم يكن ثابتا في قديم ملكه وإذا لم يعد إلى قديم ملكه كان هذا في معنى ملك حدث له بسبب مبتدأ فيتجدد به حق الشفيع والرد بعد القبض بالعيب أو بالإقالة بهذه الصفة حتى لو كان موهوبا لا يرجع فيه الواهب ولو كان مشترى شراء فاسدا لا يسترده البائع بخلاف الرد بخيار الشرط والرؤية قبل القبض أو بعده بقضاء القاضي وإذا كان لرجل على رجل دين يقربه أو يجحده فصالحه من ذلك على دار أو اشترى منه دارا وقبضها فللشفيع فيها الشفعة أما في الشراء فلأنه صار مقرا بالدين حين أقدم على الشراء به وفي الصلح المذهب عندنا أن الصلح على الإنكار مبني على زعم المدعى في حقه وفي زعمه أنه ملك الدار بعوض هو مال فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بناء على زعم المدعى فأن أختلف هو والشفيع في مبلغ ذلك الدين وحبسه فهو بمنزلة اختلاف المشتري والشفيع في الثمن وقد بينا ذلك ولا يلتفت إلى قول الذي كان عليه الحق لأنه صار قابضا لما عليه بدينه وقد بينا أن البائع ما قبض الثمن لا قول له في بيان المقدار وإذا أقر الرجل أنه اشترى دارا بألف درهم فأخذها الشفيع بذلك ثم ادعي البائع أن الثمن الفان وأقام البينة فإنه يؤخذ بينته لأنه يثبت بها حقه ويرجع الشفيع على المشتري بألف أخرى لأن الشفيع إنما يأخذها بالألف الذي سلمت به للمشتري وقد تبين أنها سلمت له بألفين ولا معتبر بإقرار المشتري أن الثمن كان ألف درهم لأنه صار مكذبا في اقراره بقضاء القاضي فيسقط اعتبار اقراره كمن أقر بعين لإنسان واشتراه منه ثم استحق من يده ما أثبته يرجع على البائع بالثمن وكذلك لو ادعى البائع أنه باعها إياه بمائتي دينار أو عرض بعينه قيمته أكثر من ألف درهم وأقام البينة فإنه يقضي له بذلك على المشتري ويسلم الدار للشفيع بذلك فيحسب له المشتري بقدر ما قبض منه ويرجع بالفضل عليه وإن كان قيمته أقل من ألف رجع الشفيع على المشتري بالفضل على قيمة العرض لأن الواجب للمشتري على الشفيع قيمة العرض الذي وقع الشراء به وقد تبين أنه أخذ منه أكثر من ذلك فيلزمه رد الفضل وإذا اختلف البائع والمشتري في ثمن الدار تحالفا ويبدأ باليمين على المشتري وقد بينا هذا في البيوع فأيهما نكل عن اليمين وجب البيع بذلك الثمن ويأخذها الشفيع به وإن اختلفا تراد البيع وأخذها الشفيع بما قال البائع إن شاء لأنهما اتفقا على صحة البيع بينهما وثبوت حق الأخذ للشفيع فلا يبطل ذلك بفسخ البيع بينهما بالتحالف ألا ترى أن المشتري بعد التحالف لو صدق البائع كان أحق بالدار بما ادعاه البائع من الثمن فكذلك الشفيع إذا صدق البائع وإن أقاما جميعا البينة كانت البينة بينة البائع ويأخذها الشفيع به وقد بينا فرق أبي حنيفة ومحمد بين هذا وبين ما إذا كان الاختلاف بين المشتري والشفيع وكذلك لو ما ادعى البائع أن الثمن كانت هذه الدار فقال المشتري بل اشتريتها بهذا العرض وأقاما البينة فبينة البائع أولى بالقبول لأنه يثبت به حق نفسه فإن كان الشفيع شفيعا للدارين جميعا أخذ كل واحدة منهما بقيمة الأخرى لأن المعاوضة في الدارين تثبت بقضاء القاضي فهو كالثابت بالمعاينة ولو كان لكل واحد منهما شفع أخذها بقيمة الأخرى فكذلك إذا اتخذ شفيعهما وإن كان للدار شفيعان فشهد شاهدان أن إحداهما قد سلم الشفعة ولا يدريان أيهما هو فشهادتهما باطلة لأن المشهود عليه مجهول ولا يتمكن .
القاضي من القضاء على المجهول ولأنهما ضيعا شهادتهما فإنهما عند التحمل إنما تحملا الشهادة على معلوم فإذا لم يعرفاه كان ذلك منهما تضييعا للشهادة وإن كان أحد الشفيعين غائبا كان للحاضر أن يأخذ جميع الدار لأن حق كل واحد منهما ثابت في جميع الدار ولأن حق الحاضر قد تأكد بالطلب ولا ندري أن الغائب يطلب حقه أو لا يطلب فلا يجوز أن يتأخر حق الحاضر بغيبة الآخر ولا يتمكن من أخذ البعض لما فيه من الأضرار بالمشتري من حيث تبعيض الملك عليه فقلنا بأنه يأخذ أو يدع وإذا أراد أن يأخذ النصف .
ورضي المشتري بذلك فله ذلك لأن المانع حق المشتري وإن قال المشتري لا أعطيك إلا النصف كان له أن يأخذ الكل لما بينا أن حقه ثابت في جميع الدار وأكثر ما في الباب أن الغائب قد سلم له شفعته فللحاضر أن يأخذ الكل وإذا كفل للمشتري كفيل بالدرك فأخذ الشفيع الدار منه بالشفعة ونوى الثمن عليه لم يكن للمشتري على كفيل الدرك سبيل لأن المشتري ما لحقه فيها درك فالدرك هو الاستحقاق بحق متقدم على البيع وذلك لا يوجد عند أخذ الشفيع بالشفقة وإن لحق الشفيع درك لم يكن له على الذي كفل للمشتري بالدرك سبيل لأنه ضمن للمشتري الدرك والشفيع غير المشتري والضامن لإنسان شيئا لا يكون ضامنا لغيره والدليل على أن الأخذ بالشفعة ليس بدرك أن المشتري لو كان بنى فيها فنقض الشفيع بناءه لم يكن له أن يرجع على البائع بقيمة البناء بخلاف ما إذا استحقها مستحق وإذا كفل رجلان للمشتري بالدرك ثم شهدا عليه بتسليم الدار إلى الشفيع بالشفعة فشهادتهما باطلة لأن الكفيل بالدرك بمنزلة البائع وقد بينا أن شهادة البائع بذلك غير مقبولة ولا شهادة إبنيه فكذلك شهادة الكفيلين بالدرك وشهادة ابنيهما وهذا لأنهما ينقلان العهدة عن أنفسهما بهذه الشهادة وكذلك أن شهدا أن الشفيع سلم الشفعة فهما بمنزلة البائعين في ذلك لا تقبل شهادتهما لأن صحة الشراء وتمام الملك للمشتري كان بقبولهما ضمان الدرك فهما بهذه الشهادة يقران ما يصح بهما وإذا أشهد الشفيع شهودا أنه يأخذها بالشفعة ولم يجيء إلى المشتري ولا البائع ولا إلى الدار ولم يطلبها فلا شفعة له لأنه ترك الطلب المقرر لحقه بعد ما تمكن منه ولو ترك طلب المواثبة بعد ما تمكن منه سقط حقه فهنا أولى فإن شهد على الطلب قبلهما ولم يسم له الثمن فهو بالخيار إذا علم للثمن ليكشف الحال له عند ذلك ولأن بمجرد الطلب لا يتم الأخذ وهو على خياره ما لم يتم أخذه بالشفعة وإذا شهد البائعان على المشتري أن الشفيع قد طلب الشفعة حين علم بالشراء والشفيع مقر أنه علم به منذ أيام وقال المشتري ما طلب الشفعة فشهادة البائعين باطلة وكذلك شهادة أولادهما كما لو شهدا على المشتري بتسليم الدار إلى الشفيع وهذا لأنهما يقرران حق الشفيع في الأخذ وفيه تنفيذ العهدة والخصومة عنهما وإن قال الشفيع لم أعلم بالشراء إلا الساعة فالقول قوله مع يمينه لأن علمه بالشراء حادث فعلى من ادعى تاريخا سابقا فيه أن يثبته بالبينة وهو منكر للتاريخ فالقول قوله مع يمينه فإن شهد البائعان أنه علم منذ أيام فشهادتهما باطلة إن كانت الدار في أيديهما أو في يد المشتري لأن هذا في المعنى شهادة على الشفيع بتسليم الشفعة وقد بينا أن البائع لا يكون شاهدا في هذا أما لأنه خصم فيه أو لأنه كان خصما فيه في وقت وإذا كان الشفعاء ثلاثة فشهد اثنان منهم على أحدهم إنه قد سلم الشفعة فإن قال قد سلمناها معه فشهادتهما جائزة لخلوها عن التهمة فيها وإن قال نحن نطلب فشهادتهما باطلة لأنهما متهمان فيها وإنما يدفعان بشهادتهما مزاحمة الثالث معهما وإن قالا قد سلمناها معه ولابن أحدهما شفعة أو لابنه أو لمكاتبه أو لزوجته فشهادتهما باطلة لأنه متهم في حق هؤلاء كما في حق نفسه وكما لا تقبل شهادته إذا زال بها المزاحمة عن نفسه فكذلك لا تقبل إذا زال المزاحمة عن مكاتبه أو ابنه لأنه يجر إليهما بشهادته منفعة والله أعلم