وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال ) : Bه أعلم بأن نفقة الغير تجب بأسباب منها الزوجية ومنها الملك ومنها النسب وهذا الباب لبيان نفقة الزوجات والأصل فيه قوله تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقال الله تعالى : { وبما أنفقوا من أموالهم } وقال الله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } معناه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وقال A : ( أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا وأن لا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإذا فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح وإن لهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف ) وقال - A - لهند : ( خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف ) ولأنها محبوسة لحق الزوج ومفرغة نفسها له فتستوجب الكفاية عليه في ماله كالعامل على الصدقات لما فرغ نفسه لعمل المساكين استوجب كفايته في مالهم والقاضي لما فرغ نفسه لعمله للمسلمين استوجب الكفاية في مالهم إذا عرفنا هذا فنقول : .
طريق إيصال النفقة إليها شيئان التمكين أو التمليك حتى إذا كان الرجل صاحب مائدة وطعام كثير تتمكن هي من تناول مقدار كفايتها فليس لها أن تطالب الزوج بفرض النفقة فإن لم يكن بهذه الصفة فخاصمته في النفقة فرض لها عليه من النفقة كل شهر ما يكفيها بالمعروف لأن النفقة شروعة للكفاية فإنما يفرض بقدار ما يعلم أنه تقع به الكفاية ويعتبر المعروف في ذلك وهو فوق التقتير ودون الإسراف لأنه مأمور بالنظر من الجانبين وذلك في المعروف وكذلك يفرض لها من الكسوة ما يصلح لها للشتاء والصيف فإن بقاء النفس بهما وكما لا تبقى النفس بدون المأكول عادة لا تبقى بدون الملبوس عادة والحاجة إلى ذلك تختلف باختلاف الأوقات والأمكنة فيعتبر المعروف في ذلك .
فإن كان لها خدم فرض القاضي لخادم واحد لأن الزوج محتاج إلى القيام بحوائجها وأقرب ذلك إصلاح الطعام لها وخادمها ينوب عنه في ذلك فيلزمه نفقة خادمها بالمعروف ولا تبلغ نفقة خادمها نفقتها حتى قالوا : يفرض لخادمها أدنى ما يفرض لها على الزوج المعسر ولا يفرض إلا لخادم واحد في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعلى قول أبي يوسف - C تعالى - يفرض لخادمين لأنها قد تحتاج إليهما ليقوم إحداهما بأمور داخل البيت والآخر يأتيها من خارج البيت بما تحتاج إليه وهما قالا : حاجتها ترتفع بالخادم الواحد عادة وما زاد على الواحد فللتجمل والزينة ووجوب النفقة على الزوج للكفاية فكما لا يزيدها على قدر الكفاية في نفقتها فكذلك في نفقة خادمها ولو فرض لخادمين لفرض لأكثر من ذلك فيؤدي إلا ما لا يتناهى ثم في ظاهر الرواية المعتبر في ذلك حال الزوج في اليسار والإعسار في ذلك قال الله تعالى : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره } وقال الله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته } الآية بين أن التكليف بحسب الوسع وإن النفقة على الرجال بحسب حالهم وذكر الخصاف C تعالى في كتابه إن المعتبر حالهما جميعا إذا كانا موسرين فلها نفقة الموسرين وإن كانت هي معسرة تحت زوج موسر تستوجب عليه دون ما تستوجب إذا كانت موسرة لأن الظاهر إن دون ذلك يكفيها وإن كانت موسرة والزوج معسرا تستوجب عليه فوق ما تستوجب إذا كانت معسرة لتحصل كفايتها بذلك وفي ظاهر الرواية يقول لمال زوجت نفسها من معسر فقد رضيت بنفقة المعسرين فلا تستوجب على الزوج إلا بحسب حاله ثم ليس في النفقة تقدير عندنا .
وقال الشافعي - C تعالى - : يقدر كل يوم بمدين على الموسر وبمد ونصف على وسط الحال ويمد على المعسر وهذا ليس بقوي فإن المقصود الكفاية وذلك ما تختلف فيه طباع الناس وأحوالهم من الشباب والهرم ويختلف باختلاف الأوقات أيضا ففي التقدير بمقدار إضرار بأحدهما والذي قال في الكتاب إن كان معسرا فرض لها من النفقة كل شهرا أربعة دراهم أو خمسة ولخادمها عليه ثلاثة دراهم أو أقل من ذلك أو أكثر فليس هذا بتقدير لازم لأن هذا يختلف باختلاف الأسعار في الغلاء والرخص واختلاف المواضع واختلاف الأوقات فلا معتبر بالتقدير بالدراهم في ذلك وإنما ذكر هذا بناء على ما شاهد في ذلك الوقت والذي يحق على القاضي اعتبار الكفاية بالمعروف فيما يفرض لها في كل وقت ومكان .
وكما يفرض لها من قدر الكفاية من الطعام فكذلك من الإدام لأن الخبز لا يتناول إلا مأدوما عادة وجاء في تأويل قوله تعالى : { من أوسط ما تطعمون أهليكم } إن أعلى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللحم وأوسط ما يطعم الرجل أهله الخبز والزيت وأدنى ما يطعمك الرجل أهله الخبز واللبن وأما الدهن فلأنه لا يستغني عنه خصوصا في ديار الحر فهو من أصل الحوائج كالخبز .
( قال ) : فإن لم يكن لها خادم لم تفرض نفقة الخادم عليه وعن زفر - C تعالى - أنه يفرض لخادم واحد لأن على الزوج أن يقوم بمصالح طعامها وحوائجها فإذا لم يفعل ذلك أعطاها نفقة خادم ثم تقوم هي بذلك بنفسها أو تتخذ خادما فأما في ظاهر الرواية استحقاقها نفقة الخادم باعتبار ملك الخادم فإذا لم يكن لها خادم لا تستوجب النفقة الخادم كالغازي إذا كان راجلا لا يستحق سهم الفارس وإن أظهر غنا الفارس في القتال .
( قال ) : والكسوة على المعسر في الشتاء درع وملحفة زطية وخمار سابوري وكساء كأرخص ما يكون كفايتها مما يدفئها ولخادمها قميص كرابيس وإزار وكساء كأرخص ما يكون وللخادم في الصيف قميص مثل ذلك وإزار وللمرأة درع وملحفة وخمار وإن كان ميسرا فالنفقة عليه للمرأة ثمانية دراهم أو تسعة ولخادمها ثلاثة دراهم أو أربعة والكسوة للمرأة في الشتاء درع يهودي أو هروي وملحفة دينورية وخمار ابريسم وكساء أذربيجاني ولخادمها قميص زطي وإزار كرابيس وكساء رخيص وفي الصيف للمرأة درع سابوري وملحفة كتان وخمار ابريسم ولخادمها قميص مثل ذلك وإزار والحاصل أن ما ذكر من التقدير بالدراهم لا معتبر به لما قلنا وما ذكر من الثياب فهو بناء على عادتهم أيضا وذلك يختلف باختلاف الأمكنة في شدة الحر والبرد وباختلاف العادات فيما يلبسه الناس في كل وقت فيعتبر المعروف من ذلك فيما يفرض ولم يذكر في كسوة المرأة الإزار والخف في شيء من المواضع وذكر الإزار في كسوة الخادم ولم يذكر الخف فإن كانت تخرج للحوائج فلها الخف أو المكعب بحسب ما يكفيها فأما المرأة فمأورة بالقرار في البيت ممنوعة من الخروج فلا تستوجب الخف والمكعب على الزوج وكذلك لا تستوجب الإزار لأنها مأمورة بأن تكون مهيأة نفسها لبساط الزوج فليس على الزوج أن يتخذ لها ما يحول بينه وبين حقه فلهذا لم يذكر الإزار في كسوتها ثم النفقة للكفاية في كل يوم فأما الكسوة فإنما تفرض في السنة مرتين في كل ستة أشهر مرة فإن فعل ذلك لم يجدد لها الكسوة حتى يبلغ ذلك الوقت إلا أن تكون لبست لبسا معتادا فتخرق قبل مجيء ذلك الوقت فحينئذ تبين إن ذلك لم يكن يكفيها فتجدد لها الكسوة .
ولكن إن أخذت الكسوة ورمت بها حتى جاء الوقت وقد بقيت تلك الكسوة عندها يفرض لها كسوة أخرى لأنها لو لبست لتخرق ذلك فبأن لم تلبس لا يسقط حقها ويجعل تجدد الوقت كتجدد الحاجة وهذا بخلاف كسوة الأقارب فالمعتبر هناك حقيقة الحاجة وإذا بقيت تلك الكسوة فلا حاجة وهنا لا معتبر بحقيقة الحاجة فإنها وإن كانت صاحبة ثياب تستوجب كسوتها على الزوج فلهذا فرقنا بينها .
( قال ) وإن كان الرجل من أهل الغنى المشهورين بذلك فلامرأته خمسة عشر درهما كل شهر ولخادمها خمسة ولها من الكسوة في الشتاء درع يهودي وملحفة هروي وجبة فرو أو درع خز وخمار ابريسم ولخادمها قميص يهودي وإزار وجبة وكساء وخفين .
ثم قال محمد - C تعالى - لا ينبغي أن تؤقت النفقة على الدارهم لأن السعر يغلو ويرخص لكن تجعل النفقة على الكفاية في كل زمان فينظر إلى قيمة ذلك فيفرض لها عليه دراهم شهرا شهرا وقد بينا هذا الفصل والذي قال تفرض شهرا شهرا إنما بناه على عادتهم أيضا .
بعض المتأخرين من مشايخنا يعتبر في ذلك حال الرجل أيضا فإن كان محترفا تفترض عليه النفقة يوما يوما لأنه يتعذر عليه أداء النفقة شهرا دفعة واحدة وإن كان من التجار يفرض الأداء شهرا شهرا وإن كان من الدهاقين تفرض عليه النفقة سنة سنة لأن تيسر الإداء عليه عند إدراك الغلات في كل سنة وتيسر الأداء التاجر عند اتخاذ أجر غلات الحوانيت وغيرها في كل شهر وتيسر الأداء على المحترف بالاكتساب في كل يوم ولا يؤخذ من الزوج كفيل بشيء من النفقة .
أما نفقة المستقبل فلم تجب بعد والإنسان لا يجبر على إعطاء الكفيل ما لم يجب عليه وأما الماضي فلإنه بمنزلة سائر الديون يؤمر بقضائها ولا يجبر على إعطاء الكفيل ولو خاصمته امرأته في نفقة ما مضى من الزمان قبل أن يفرض القاضي عليه لها النفقة لم يكن لها شيء من ذلك عندنا .
وعلى قول الشافعي - C تعالى - يقضي لها بما لم تستوف من النفقة الماضية وأصل المسألة أن النفقة لا تصير دينا إلا بقضاء القاضي أو التراضي عندنا وعند الشافعي تصير دينا لأن وجوبها بالعقد فلا تحتاج إلى القضاء أو إلى الرضاء في صيرورتها دينا بعد العقد كالمهر ولأن وجوب النفقة باعتبار قيام الزوج عليها بعد العقد وقد تقر ذلك فيصير دينا بدون القضاء كالأجرة يصير دينا باستيفاء المنفعة بعد العقد .
وحجتنا في ذلك أن النفقة صلة والصلات لا تتأكذ بنفس العقد ما لم ينضم إليها ما يؤكدها كالهبة والصدقة من حيث إنها لا تتم بالقبض وبيان الوصف أن النفقة ليست بعوض عن البضع فإن المهر عوض عن البضع ولا تستوجب عوضين عن شيء واحد بعقد واحد ولأن ما يكون عوضا عن البضع يجب جملة لأن ملك البضع يحصل للزوج جملة ولا يجوز أن يكون عوضا عن الاستمتاع والقيام عليها لأن ذلك تصرف منه في ملكه فلا يوجب عليه عوضا فعرفنا أن طريقه طريق الصلة وتأكدها إما بالقضاء أو التراضي ولأن هذه نفقة مشروعة للكفاية فلا تصير دينا بدون القضاء كنفقة الوالدين والمولودين لا تصير دينا بمجرد مضي الزمان فكذا هنا وكذلك لو استدانت عله قبل قضاء القاضي أو التراضي لأنه ليس لها عليه ولاية الاستدانة وإنما ولايتها على نفسها فما استدانت يكون في ذمتها وانفاقها مما استدانت كإنفاقها من سائر أملاكها فلا ترجع بشيء من ذلك على الزوج إلا أن يكون القاضي فرض لها عليه نفقة كل شهر أو صالحته على نفقة كل شهر ثم غاب أو حبس للنفقة عليها فاستدانت عليه أو لم تستدن أخذته بنفقة ما مضى لأن حقها تأكد بقضاء القاضي أو بالصلح عن تراض فإن ولايته على نفسه في الالتزام فوق ولاية القاضي في الإلزام .
وذكر عن شريح قال : أيما امرأة استدانت على زوجها وهو غائب فإنما استدانت على نفسها وإنما أراد به إذا لم يفرض القاضي لها النفقة أو فرض لها ولم يأمرها بالاستدانة على زوجها فأما إذا أمرها بالاستدانة عليه فذلك على الزوج لأن للقاضي عليه ولاية فأمرها بالاستدانة عليه كأمر الزوج بنفسه .
( قال ) : وقال أبو حنيفة - C تعالى - لا أجيز الفرض عليه إذا كان غائبا لأن الفرض عليه إذا كان غائبا إلزام وليس للقاضي ولاية الإلزام على الغائب وإن كان لها منه ولد فطلبت أن يفرض للولد معها نفقة فرض عليه للصغار والنساء والرجال الزمنى فأما الذين لا زمانة بهم من الرجال فلا نفقة لهم عليه بل يؤمرون بالاكتساب والإنفاق على أنفسهم فأما من كان زمنا مهم فهو عاجز عن الاكتساب وبالنساء عجز ظاهر عن الاكتساب .
وفي أمرها بالاكتساب فتنة فإن المرأة إذا أمرت بالاكتساب اكتسبت بفرجها فإذا لم يكن لها زوج فهي بمنزلة الصغيرة ونفقتها في صغرها على الوالد لحاجتها فكذلك بعد بلوغها ما لم تتزوج لأن ببلوغها تزداد الحاجة والأصل في ذلك ما روينا من قوله - A - : ( خذي من من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف ) ولأن مؤنة الرضاع على الوالد بالنص قال الله تعالى : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } إلى قوله : { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } وذلك حاجة الولد ما دام رضيعا فيكون هذا دليلا على أن كفاية الولد على الوالد ما بقيت حاجته ثم يدفع نفقة الكبار من الولد إليهم لأن النفقة حقهم ولهم أهلية استيفاء حقوقهم ولا ولاية لأحد عليهم ويدفع نفقة الصغار إلى المرأة لأن الصغير في حجرها وهي التي تصلح له طعامه فيدفع نفقته إليها .
ثم بين نفقة الصغير على المعسر بالدراهم وكسوته بالثياب وهذا نظير ما ذكرنا في نفقة الزوجة إن المعتبر ما تقع به الكفاية وهذا أظهر هنا فإن الحاجة تختلف باختلاف سن الصغير فلا عبرة بالتقدير اللازم فيه ولكنه إن كان موسرا أمر بأن يوسع عليه في النفقة والكسوة على حسب ما يرى الحاكم فيه ويعتبر فيه المعروف في ذلك كما يعتبر في نففة الزوجة .
( قال ) : وإذا صالحت المرأة زوجها على نفقة لا تكفيها فلها أن ترجع عن ذلك وتطالب بالكفاية لأن النفقة إنما تجب شيئا فشيئا فرضاها بدون الكفاية إسقاط منها لحقها قبل الوجوب وذلك لا يجوز ألا ترى أنها لو أبرأته عن النفقة لم تسقط بذلك نفقتها وهذا بخلاف الإجرة فإن الأبراء عن بعض الأجرة بعد العقد قبل استيفاء المنفعة يجوز بلا خلاف لأن سبب الوجوب هنا وهو العقد موجود فيقام ذلك مقام حقيقة الوجوب في صحة الإسقاط وهناك ليس هو العقد ولكن تفريغها نفسها لخدمة لزوج وذلك يتجدد حالا فحالا فإسقاطها قبل وجود السبب باطل توضيحه أن النفقة مشروعة للكفاية وفي التراضي على ما لا تقع به الكفاية تفويت المقصود لا تحصيله فكان باطلا .
وكذلك إن كان القاضي فضى بذلك لأنه تبين أنه أخطأ في قضائه حين قضى بما لا يكفيها فعليه أن يتدارك الخطأ بالقضاء لها بما يكفيها .
( قال ) : وإذا فرض على المعسر نفقة المعسرين ثم أيسر فخاصمته فعليه نفقة الموسرين لما بينا أن النفقة تجب شيئا فشيئا فيعتبر حاله في كل وقت فكما لا يستأنف القضاء بنفقة المعسر بعد اليسار فكذلك لا يستديم ذلك القضاء وقد كان القضاء عليه بنفقة المعسر لعذر العسرة فإذا زال العذر بطل ذلك كمن شرع في صوم الكفارة للعسرة ثم أيسر كان عليه التكفير بالمال .
( قال ) : وإذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت أن تتحول معه إلى منزله أو إلى حيث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها فلا نفقة لها لأنها ناشزة ولا نفقة للناشزة فإن الله تعالى أمرها في حق الناشزة بمنع حظها في الصحبة بقوله تعالى : { واهجروهن في المضاجع } فذلك دليل على أنه تمنع كفايتها في النفقة بطريق الأولى لأن الحظ في الصحبة لهما وفي النفقة لها خاصة ولأنها إنما تستوجب النفقة بتسليمها نفسها إلى الزوج وتفريغها نفسها لمصالحه فإذا امتنعت من ذلك صارت ظالمة وقد فوتت ما كان يجب النفقة لها باعتباره فلا نفقلا لها وقيل لشريح C تعالى : هل للناشزة نفقة فقال : نعم فقيل : كم ؟ قال : جراب من تراب معناه لا نفقة لها وإن كان لم يوفها مهرها فأبت عليه ذلك حتى يوفيها فلها النفقة لأنها حبست نفسها بحق فلا تكون مفوتة ما به تستوجب النفقة حكما بل الزوج هو المفوت بمنعها حقها ولأن النفقة حقها والمهر حقها فمطالبتها بأحد الحقين لا يسقط حقها الآخر .
وكذلك لو لم يدخل بها في ظاهر الرواية إلا في رواية عن أبي يوسف C تعالى أنها قبل الدخول إذا حبست نفسها لاستيفاء مهرها فلا نفقة لها وكأنه على هذه الرواية اعتبر لوجوب النفقة انتقالها إلى بيت الزوج فإذا لم يوجد لا تستوجب النفقة ابتداء فأما بعد ما انتقلت إلى بيته ووجبت لها النفقة فلا يسقط ذلك إلا بمنعها نفسها بغير حق وفي ظاهر الرواية بعد صحة العقد النفقة واجبة لها وإن لم تنتقل إلى بيت زوجها ألا ترى أن الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بينه كان لها أن تطالبه بالنفقة فكذلك إذا حبست نفسها الاستيفاء المهر وإن رجعت الناشزة إلى بيت الزوج فنفقتها عليه لأن المسقط لنفقتها نشوزها وقد زال ذلك والأصل فيه قوله تعالى : { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } .
( قال ) : ولا نفقة للصغيرة التي لا يجامع مثلها عندنا وعلى قول الشافعي - C تعالى - لها النفقة لأنها مال يجب بالعقد فالصغيرة والكبيرة فيه سواء كالمهر وهذا لأن الوجوب لحاجتها والصغيرة محتاجة إلى ذلك كالكبيرة ألا ترى أن بسبب ملك اليمين تجب النفقة للصغير كما تجب للكبير فكذلك بسبب النكاح وحجتنا في ذلك أنها غير مسلمة نفسها إلى زوجها في منزلة فلا تستوجب النفقة عليه كالناشزة وهذا لأن الصغيرة جدا لا تنتقل إلى بيت الزوج بل تنقل إليه ولا تنقل إليه للقرار في بيته أيضا فتكون كالمكرهة إذا حملت إلى بيت الزوج ولأن نفقتها عليه باعتبار تفريغها نفسها لمصالحه فإذا كانت لا تصلح لذلك لمعنى فيها كان ذلك بمنزلة منع جاء من قبلها فلا نفقة لها على الزوج بخلاف المملوكة فإن نفقتها لأجل الملك فقط وذلك لا يخلف بالصغر والكبر وإن كانت قد بلغت مبلغا يجامع مثلها فلها النفقة على زوجها صغيرا كان زوجها أو كبيرا لأنها مسلمة نفسها في منزلها مفرغة نفسها لحاجته وإنما الزوج هو الممتنع من الاستيفاء لمعنى فيه فلا يسقط به حقها في النفقة .
وإن كان الزوج صغيرا لا مال له لم يؤخذ الأب بنفقة زوجته إلا أن يكون ضمنها لأن استحقاق النفقة على الزوج كاستحقاق المهر فكما لا يؤخذ أبوه بشيء من المكهر إذا لم يضمن ذلك فكذلك لا يؤخذ بالنفقة .
( قال ) : وكل امرأة قضي لها بالنفقة على زوجها وهو صغير أو كبير معسر لا يقدر على شيء فإنها تؤمر بأن تستدين ثم ترجع عليه ولا يحبسه القاضي إذا علم عجزه وعسرته لأن الحبس إنما يكون في حق من ظهر ظلمه ليكون زاجرا له عن الظلم وقد ظهر هنا عذره لا ظلمه فلا يحبسه ولكن ينظر لها بأن يأمرها بالاستدانة فإذا استدانت بأمر القاضي كان كاستدانتها بأمر الزوج فترجع عليه بذلك إذا أيسر .
وإن كان القاضي لا يعلم من الزوج عسره فسألت المرأة حبسه بالنفقة لم يحبسه القاضي في أول مرة لأن الحبس عقوبة يستوجبها إلا الظالم ولم يظهر حيفه وظلمه في أول مرة فلا يحبسه ولكن يأمره بأن ينفق عليها ويخبره أنه يحبسه إن لم يفعل فإن عادت إليه مرتين أو ثلاثا حبسه لظهور ظلمه بالامتناع من أيفاء ما هو مستحق عليه فإن علم أنه محتاج خلى سبيله لأنه مستحق للنظرة إلى ميسرة بالنص وليس بظالم في الامتناع من الإيفاء مع العجز .
( قال ) : وينبغي للقاضي إذا حبس الرجل شهرين أو ثلاثة في نفقة أو دين أن يسأل عنه وفي بعض المواضع ذكر أربعة أشهر وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - C تعالى - قدر ذلك بستة أشهر وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - أن أدنى المدة فيه شهر والحاصل أنه ليس فيه تقدير لازم لأن الحبس للإضجار وذلك مما تختلف فيه أحوال الناس عادة فالرأي فيه إلى القاضي حتى إذا وقع في أكبر رأيه أنه يضجر بهذه المدة ويظهر مالا إن كان له يسأل عن حاله بعد ذلك .
وذكر هشام في نوادره عن محمد - C تعالى - إن له أن يسأل عن حاله بعد ما حبسه ولم يعتبر في ذلك مدة فإذا سأل عنه فأخبر أنه معسر خلى سبيله لأن ما صار معلوما بخير العدول فهو بمنزلة الثابت بإقرار الخصم ولا يحول بين الطالب وبين ملازمته عندنا وكان إسماعيل بن حماد C تعالى يقول : ليس للطالب أن يلازمه وبه أخذ الشافعي - C تعالى - لأنه منظر بأنظار الله تعالى فهو بمنزلة ما لو أجله الخصم أو أبرأه منه فكما لا يلزمه هناك فكذلك لا يلازمه هنا ولكنا نستدل بما روى أن النبي A اشترى من أعرابي بعيرا بثمن مؤجل فلما حل الأجل طالبه الأعرابي فقال : ليس عندنا شيء فقال الأعرابي : واغدراه فهم به الصحابة - رضوان الله عليهم - فقال - A - دعوه فإن لصاحب الحق اليد واللسان والمراد باللسان التقاضي وباليد الملازمة ولأن قضاء الدين مستحق على المديون من كسبه وماله فكما أنه إذا كان له مال كان للطالب أن يطالبه بقضاء الدين منه فكذلك إذا كان له كسب كان له أن يطالبه بقضاء الدين من كسبه وذلك إنما يتحقق بالملازمة حتى إذا فضل من كسبه شيء عن نفقته أخذه بدينه ولسنا نعني بهذه الملازمة أن يقعده في موضع فإن ذلك حبس ولكن لا يمنعه من التصرف بل يدور معه حيثما دار وإن كان غنيا لم يخرجه من السجن أبدا حتى يؤدي النفقة والدين لقوله A : ( لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ) .
لأنه حال بين صاحب الحق وبين حقه مع قدرته على إيفائه فيجازى بمثله وذلك بالحيلولة بينه وبين نفسه وتصرفه حتى يوفي ما عليه وإن كان له مال حاضر أخذ القاضي الدراهم والدنانير من ماله وأدى منها النفقة والدين لأن صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه كان له أن يأخذه فللقاضي أن يعينه على ذلك أيضا وكذلك إذا ظفر بطعامه في النفقة لأنه عين ما عليه من الحق والمرأة تتمكن من أخذه إذا قدرت عليه فيعينها القاضي على ذلك ولا يبيع القاضي عروضه في النفقة والدين في قول أبي حنيفة - C تعالى - وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يبيع ذلك كله وهو بناء على مسألة الحجر فإن عند أبي حنيفة - C تعالى - القاضي لا يحجر على المديون بسبب الدين وبيع المال عليه نوع حجر فلا يغعله القاضي وعندهما القاضي يحجر عليه بسبب الدين فيبيع عليه ماله واستدلا في ذلك بما روى أن النبي - A - حجر على معاذ - Bه - وباع عليه ماله وقسم ثمنه على غرمائه بالحصص .
وقال عمر - Bه - في خطبته : أيها الناس إياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب وإن أسيفع جهينة قد رضي من دينه وأمانته أن يقال له قد سبق الحاج فأدان مقرضا أصبح وقد ربدته إلا أني بائع عليه ماله وقاسم ثمنه بين غرمائه بالحصص فمن كان له عليه دين فليعد . والمعنى فيه أن قضاء الدين مستحق عليه بدليل أنه يحبس لأجله فإذا امتنع من ذلك وهو مما تجري النيابة فيه ناب القاضي منابه كالتفريق بين العنين وامرأته وبالاتفاق يبادل أحد النقدين بالآخر بهذا الطريق فكذلك يبيع العروض .
ولأبي حنيفة ما روي أن رجلا من جهينة أعتق شقصا من عبد بينه وبين آخر فحبسه رسول الله - A - حتى باع غنيمة له وأدى ضمان نصيب شريكه ومعلوم أن النبي - A - كان علم بيساره حين ألزمه ضمان العتق ثم اشتغل بحبسه ولم يبع عليه ماله فلو كان ذلك جائزا لاشتغل به ولأن فيه نظرا من الجانبين .
والمعنى فيه أن المستحق عليه قضاء الدين طرق سوى بيع المال فليس للقاضي عليه ولاية تعيين هذا الطريق لقضاء الدين ألا ترى أنه لا تزوج المديونة لتقضي الدين من صداقها ولا يؤاجر المديون ليقضي الدين من أجرته لأنه تعين قضاء الدين عليه فكذلك لا يبيع ماله لأنه تعين طريق قضاء الدين عليه ومبادلة أحد النقدين بالآخر لا يفعله في القياس أيضا ولكن في الاستحسان الدراهم والدنانير جعلا كجنس واحد فإن المقصود منهما واحد فكان ذلك بمنزلة قضاء الدين من جنس الحق وذلك متعين عليه لصاحب الحق لأن له أن يأخذ جنس حقه فكذلك للقاضي أن يعينه عليه .
وأما حديث معاذ - رضي الله تعالى عنه - فإنما باع رسول الله - A - ماله برضاه وسؤاله لأنه لم يكن في ماله وفاء بديونه فسأل رسول الله - A - أن يباشر بيع ماله لينال بركة رسول الله - A - ماله فيصير فيه وفاء بدينه والمشهور من حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - أني قاسم ماله بين غرمائه فإنما يحمل على أن ماله كان من النقود والدليل عليه أن عندهما ليس للقاضي أن يبيع المال إلا بطلب من الخصم ولم يكن منهم طلب فعرفنا أنه كان ذلك من جنس الحق أو كان فيه نوع من مصلحة رآها لأسيفع جهينة .
( قال ) : وإذا كان لرجل نسوة فرضت النفقة لهن عليه بحسب الكفاية على ما قلنا فإن كانت إحداهن كتابية أو أمة قد بوأها مولاها معه بيتا فرض عليه لكل واحدة منهن ما يكفيها ولا تزاد الحرة المسلمة على الأمة والذمية شيئا لأن النفقة مشروعة للكفاية وهذا لا يختلف باختلاف الدين ولا باختلاف الحال في الرق والحرية فإن فرض لك وهو معسر وعلم القاضي ذلك منه أمرهن بالاستدانة عليه ففي هذا يعتدل النظر من الجانبين وإن كان الزوج غائبا فقد كان أبو حنيفة C تعالى يقول أولا يأمرهن بالاستدانة عليه إذا كان يعلم النكاح بينه وبينهن وهو قول زفر C تعالى كما يفعل ذلك عند حضرته ثم رجع فقال : لا يأمر بذلك وهو قولهما لأن فيه قضاء على الغائب وليس له ذلك وإن أمرهن بالاستدانة فلم يجدن ذلك لم يفرق بينه وبينهن ولم يجبره على طلاقهن عندنا .
وعند الشافعي - C تعالى - يفرق بينه وبينهن إذا طلبن ذلك لقوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } والمعروف في الإمساك أن يوفيها حقها من المهر والنفقة فإذا عجز عن ذلك تعين التسريح بالإحسان وهو المعني في ذلك فإن المستحق عليه أحد الشيئين فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر ألا ترى أنه إذا عجز عن الوصول إليها بسبب الجب والعنة فرق بينهما لفوات الإمساك بالمعروف بل أولى لأن حاجتها إلى النفقة أظهر من حاجتها إلى قضاء الشهوة ولكن لما تعين التفريق لإيصالها إلى حقها من جهة عسره فرق القاضي بينهما فكذلك هنا تعين التفريق لإيصالها إلى حقها من جهة غيره وبه فارق المهر والنفقة المجتمعة عليه فإن التفريق ليس بطريق لإيصالها إلى ذلك الحق من مهره غيره فأما نفقة الوقت تصل إليها بعد التفرييق من جهة زوج آخر وقاس بنفقة العبد والأمة فإنه يسححق عليه بسبب الملك فإذا تعذر عليه أجبره القاضي على إزالة الملك بالبيع فهنا كذلك .
واستدل بحديث عمر وعلي - Bهما - أنهما كتبا إلى أمراء الأجناد أن مروا من قبلكم أن تبعثوا بنفقة أهليكم أو بطلاقهن وقيل لسعيد بن المسيب - Bه - : أتفرق بين العاجز عن النفقة وبين أمرأته فقال : نعم فقيل له : إنه سنة فقال : نعم والسنة إذا أطلقت يفهم منهم سنة رسول الله - A - وحجتنا في ذلك قوله تعالى : .
{ وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } .
فهذا تنصيص على أن المعسر منظر ولو أجلته في ذلك لم يكن لها أن تطالب بالفرقة فكذلك إذا استحق النظرة شرعا إلا أن المستحق بالنص التأخير فلا يلحق به ما يكون إبطالا لأن ذلك فوق المنصوص وفي حق المملوك يكون إبطالا لأنه لا يثبت للمولك على مولاه دين .
فأما في حق الزوجية يكون تأخيرا لا إبطالا وبهذا تبين أنه غير عاجز عن معروف يليق بحاله وهو الالتزام في الذمة فإن المعروف في النفقة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وهو الالتزام في الذمة مع أن التسريح طلاق .
وعند الشافعي المستحق هنا هو الفسخ بسبب العيب حتى إذا فرق بينهما لم يكن طلاقا وبه نجيب عن حديث عمر وعلي - Bهما - مع أنهم ما كانوا عاجزين عن المهر والنفقة فإن نفقة عيال من هو من الجند من مال بيت المال والإمام هو الذي يوصل ذلك إليهم ولكنهما خافا عليهن الفتنة لطول غيبة أزواجهن فأمرهم أن يبعثوا إليهن ما تطيب به قلوبهن والمعنى فيه أن النفقة مال فالعجز عنه لا يكون موجب للفرقة كالمهر والنفقات المجتمعة بل أولى لأن ذلك دين مستقر ونفقة الوقت لم تستقر دينا بعد وهذا لأن المقصود بالنكاح غير المال فكان المال زائدا والعجز عن التبع لا يكون سببا لرفع الأصل وكما أن بالفرقة لا تتوصل إلى مهرها الذي على الزوج الأول وإنما تتوصل إلى مثله من جهة أخرى فكذلك النفقة وبه فارق الجب والعنة فإن هناك تحقق فوات ما هو المقصود مع إن عندنا هناك لا يفسخه العقد ولكن يفرق بينهما بطريق التسريح بالإحسان حتى يكون ذلك طلاقا لإزالة ظلم التعليق عنها وهذا ليس في معنى ذلك من وجوه .
أحدهم أن هناك قد انسد عليها باب تحصيل ذلك المقصود بدون التفريق بينهما وهنا لم ين عليها وصول النفقة بدون التفريق بأن تستدين فتنفق .
والثاني إن هناك الزوج يمسكها من غير حاجة به إليها فيما هو المقصود فكان ظالما وهنا يمسكها مع حاجته ليها فما هو المقصود فلا يكون ظالما ولأن هناك في ترك التفريق إبطال حقها لأن وظيفة الجماع لا تصير دينا على الزوج بمضي المدة ولو فرقنا كان فيه إبطال ملك الزوج فاستوى الجانبان في ضرر الإبطال وفي جانبها رجحان لصدق حاجتها وهنا في ترك التفريق تأخير حقها لأن النفقة تصير دينا على الزوج وفي التفريق إبطال الملك على الزوج وضرر التأخير دون ضرر الإبطال وبه يفرق بينه وبين العبد .
فالضرر هناك ضرر الإبطال لأن النفقة هناك لا تصير دينا للمملوك على المالك ثم فيه إبطال حقه بغير بدل وفي الييع إبطال ملك المولى ببدل فكان هذا الضرر أهون حتى إن في الموضع الذي يكون إبطالا بغير بدل لا يفعل ذلك وهو أنه إذا عجز عن نفقة أم ولده لم يعتقها القاضي عليه .
( قال ) : والتبوئة في الأمانة أن يخلى بين الأمة وزوجها ولا يستخدمها لما بينا أن المعتبر في استحقاق النفقة تفريغها نفسها لقيام مصالح الزوج وإنما يحصل ذلك بهذا النوع من التبوئة فإن استخدمها بعد ذلك ولم يخل بينه وبينها فلا نفقة لها لأنه إزال ما به كانت تجب نفقتها عليه فهي كالحرة الناشزة فإن قيل المولى إنما أزال ذلك بحق له فلماذا لا يجعل هذا كالحرة إذا احتبست نفسها لصداقها قلنا كما في الابتداء فإن الحرة إذا احتبست نفسها بالصداق كان لها أن تطلب النفقة والمولى إذا لم يبوئها بيتا في الابتداء لم يكن لها النفقة .
والمعنى فيه أن الحرة إذا احتبست نفسها بصداقها قالتفويت إذا جاء من قبل الزوج حين امتنع من أيفاء ما لزمه لتنتقل إلى بيته فأما هنا التفويت ليس من جهة الزوج بل من جهة من له الحق وهو المولى لشغله إياها بخدمة نفسه فلهذا لم يكن لها نفقة عليه فإن كانت هي تجيء فتخدمه من غير أن يستخدمها فلها النفقة لأن الحق للمولى ولم يوجد من جهته تفويت بل الموجود من جهته التسليم فإن جاءت في وقت والزوج ليس في البيت فاستخدموها ومنعوها من الرجوع إلى بيتها فلا نفقة لها لأن استخدام أهل المولى إياها كاستخدام المولى وقد بينا أن فيه تفويت التبوئة والتبوئة شرط لاستحقاق النفقة وبعد التفويت ممن له الحق لا يكون لها نفقة .
( قال ) : ونفقة المرأة واجبة على الزوج وإن مرضت من قبل أنها مسلمة نفسها إلى الزوج في بيته ولا فعل منها في المرض لتصير به مفوتة مع أنه لا يفوت ما هو المقصود من الاستئناس وغيره ولا معتبر بمقصود الجماع في حق النفقة فإن الرتقاء تستحق النقة على زوجها مع فوات مقصود الجماع وقد روي عن أبي يوسف - C تعالى - أن الرتقاء لا تستوجب النفقة على الزوج إذا لم يرض الزوج بها ويكون له أن يردها إلى أهلها ولا ينفق عليها وفي المريضة إن تحولت إلى بيته وهي مريضة فله أن يردها إلى أن تبرأ وإن مرضت في بيته بعد ما تحولت إليه فليس له أن يردها بل ينفق عليها إلا أن يتطاول مرضها .
( قال ) : وهذا استحسان لأن النكاح يعقد للصحبة والألفة وليس من الألفة أن يمتنع عن الإنفاق أو يردها لقليل مرض فإذا تطاول ذلك فهو بمنزلة الرتق الذي لا يزول عادة وإنما يلزمه نفقتها لقيامه عليها وقد فات ذلك بمعنى من جهتها فتسقط نفقتها كما إذا كانت صغيرة لا يجامع مثلها ولكن قد بينا الفرق بينهما من حيث أن الصغر يزول فلا ينعدم به استحقاق الجماع بسبب العقد بخلاف الرتق والقرن .
وكذلك لو جنت أو أصابها بلاء يمنعه من الجماع أو هرمت حتى لا يستطيع جماعها وذكر في الكتاب أنه لو أصابتها هذه العوارض من بعد ما دخل بها وليس مراده حقيقة الوطء بل المراد انتقالها إلى منزله وسواء انتقلت أو لم تنتقل إذا لم تكن مانعة نفسها ظالمة فهي مستوجبة للنفقة على ما قلنا .
( قال ) : ولا نفقة في النكاح الفاسد والوطء بالشبهة ولا في العدة منه لأن ما به تستوجب النفقة معدوم هنا وهو تسليمها نفسها إلى الزوج للقيام بمصالحه فإن فساد النكاح يمنعها عن ذلك شرعا ولهذا لم تجعل الخلوة في النكاح الفاسد تسليما في حق وجوب المهر فكذا لا تستوجب النفقة في التسليم بالنكاح الفاسد .
( قال ) : وإذا اختلف الزوج والمرأة فقال الزوج : أنا فقير وقالت المرأة : هو غني فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى المرأة البينة لأن الفقر في الناس أصل وإليه أشار رسول الله - A - في قوله : يولد كل مولود أحمر ليس عليه غبرة أي سترة ثم يرزقه الله تعالى من فضله فالزوج يتمسك بما هو الأصل والمرأة تدعي غنى عارضا فعليها البينة وعليه اليمين لإنكاره وبه أجاب في كتاب العتاق إذا ادعي المعتق أنه معسر فالقول قوله فأما ما أشار في سائر الديون إن كان وجوب الدين عليه ببيع أو قرض لم يقيل قوله أنه معسر لأنه صار غنياف بما دخل في ملكه من المال فلا قول له في دعوى الفقر بعد تيقنا بزوال ذلك الأصل .
وكذلك قالوا في كل دين التزمه بالعقد اختيارا كالمهر ودين الكفالة فإقدامه على الالتزام إقرار منه أنه قادر على الأداء فإن العاقل لا يلنزم مالا يقدر على أدائه اختياراف فأما فيما سوى ذلك فالقول قوله في دعوى العسرة وبعض المتأخرين من مشايخنا يقولون يحكم في ذلك زيه فإن كان عليه زي الأغنياء لم يقبل قوله إنه معسر لأن الزي دليل على غناه قال الله تعالى { تعرفهم بسيماهم } وقال الله تعالى : { ولو أرادوا الخروج لا عدو له عدة } وقال جل وعلا : { وإن كان قميصه قد من قبل } .
ففي هذا دليل على أن الظاهر من العلامة يجعل حكما إلا في الفقهاء والعلوية فإنهم يتكلفون الزي مع العسرة ليعظمهم الناس فلا يجعل الزي حكما في حقهم لظهور العادة بخلافه .
( قال ) : فإن لم يكن لها بينة على يساره وسألت القاضي أن يسأل عن يساره في السر فليس ذلك على القاضي لأنه وجد دليلا يعتمده لفصل الحكم وهو التمسك بالأصل فليس عليه أن يطلب دليلا آخر وإن فعله فأتاه من أخبره عنه أنه موسر لا يعتمد ذلك أيضا إلا أن يخبره بذلك رجلا عدلان ويكونا بمنزلة الشاهدين يخبران أنهما قد علما ذلك فحينئذ لو شهدا عنده في مجلس الحكم يثبت يساره بشهادتهما وكذلك إن أخبراه بذلك لأن المعتبر علم القاضي ويحصل له علم بخبرها كما يحصل بشهادتهما وإن أخبرا أنهما علما ذلك من رواية راو لم يؤخذ بقولهما لأنهما أخبراه عن علم وإنما أخبراه عن ظن أو عن خبر من لا يعتمد خبره والخبر إذا تداولته الألسنة تتمكن فيه الزيادة والنقصان عادة فلهذا لا يعتمد مثل هذا الخبر .
( قال ) : وإن أقامت المرأة البينة أنه موسر وأقام الزوج البينة أنه محتاج أخذ ببينة المرأة لأنها قامت على الإثبات لأن شهود الزوج اعتمدوا في شهادتهم ما هو الأصل وشهود المرأة عرفوا الغنى العارض فلهذا يفرض لها عليه نفقة الموسرين .
( قال ) : وإذا كان للزوج عليها دين فقال : احبسوا لها نفقتها منه كان له ذلك لأن أكثر ما في الباب أن تكون النفقة لها دينا عليه فإذا التقى الدينان تساويا قصاصا ألا ترى أن له أن يقاض بمهر فالنفقة أولى .
( قال ) : وإذا فرضت النفقة لها على زوجها ولها عليه شيء من مهرها فأعطاها شيئا من ذلك فقال الزوج : هو من المهر وقالت المرأة : بل هو من النفقة فالقول قول الزوج أنه من المهر وكذلك هذا في جميع قضاء الديون إذا كان من وجوه مختلفة لأنه هو المملك فالقول طوله في بيان جهة التمليك وهو المحتاج إلى تفريغ ذمته فالقول قوله في أنه تفرغ ذمته بهذا الأداء من كذا دون كذا .
( قال ) : وإذا اختلفا فيما وقع الصلح عليه أو الحكم به من النفقة في الجنس أو القدر فالقول قول الزوج والبينة بينة المرأة لأنها مدعية الزيادة فتحتاج إلى الإثبات بالبينة والزوج منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه فإن كان الذي أقر به الزوج وحلف عليه لا يكفيها بلغ بها الكفاية في المؤتنف لأن النفقة للكفاية وقد بينا أن ما قضى به القاضي أو وقع الصلح عليه إن كان لا يكفيها فلها أن تطالب بما يكفيها في المستقبل فكذلك ما أقربه الزوج ( قال ) : ولو أخذت المرأة من زوجها كفيلا بالنفقة كل شهر لم يكن على الكفيل إلا شهر واحد لأنه أضاف كلمة كل إلا مالا يعرف منتهاه فيتناول الأدنى كمن يقول لفلان على كل درهم .
وأصله في الإجارة إذا استأجر دارا لكل شهر كان لزوم العقد في شهر واحد وعن أبي يوسف C تعالى أنه كفيل بنفقتها ما عاشت وبقي النكاح بينهما استحسانا لما فيه من العرف الظاهر ولأن قصد المرأة التوثيق بهذا الجنس من حقها فكأن الكفيل صرح بما هو مقصودها فقال في كفالته أبدا أو ما عاشت وهناك يثبت حكم الكفالة بهذا الجنس من حقها عليه عاما فكذا هنا ولو ضممن لها نفقة سنة كان جائزا وإن لن يكن واجبا ولكن إضافة الكفالة إلى سبب الوجوب صحيح وقد حصل ذلك بتسمية المدة ولم يبين أن الزوج هل يجبر على إعطاء الكفيل بالنفقة أم لا فظاهر المذهب أنه لا يجبر على ذلك كما لا يجبر على إعطاء الكفيل بدين آخر وعن أبي يوسف - C تعالى - أنه قال : إذا قالت المرأة إنه يريد أن يغيب ولا يترك لي نفقة أمره القاضي أن يعجل لها نفقة شهر أو يعطيها كفيلا بنفقة شهر استحسانا لأنها طلبت من القاضي أن ينظر لها فيجيبها على ذلك لأن الحال حال النظر .
( قال ) : وإذا فرض القاضي لها على الزوج نفقة معلومة كل شهر فمضت أشهر لم يعطها حتى مات أو ماتت لم يؤخذ بشيء منها لأن النفقة تستحق استحقاق الصلات لا استحقاق المعاوضات على ما قررناه والصلات لا تتم إلا بالقبض وتسقط بالموت قبل القبض وشبهه في الكتاب بمن وجبت عليه الجزية إذا مات لم تستوف من تركته لهذا ولأن السبب قيام الزوج عليها وتفريغها نفسها لمصالحه وقد زال ذلك قبل الاستيفاء فيسقط حقها كما إذا زال العيب قبل رد المشتري يكن له أن يرد بعد ذلك .
( قال ) : ولو كانت المرأة استعجلت النفقة لمدة ثم ماتت قبل مضي تلك المدة لم يكن للزوج أن يسترد من تركتها شيئا من ذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى - بما قلنا أنها صلة وحق الاسترداد في الصلات ينقطع بالموت كالرجوع في الهبة وعند محمد C تعالى يترك من ذكل ذلك حصة المدة الماضية قبل موتها ويسترد ما وراء ذلك لأنها أخذت ذلك من ماله لمقصود لم يحصل ذلك المقصود فكان له أن يسترد منها كما لو عجل لها نفقة ليتزوجها فماتت قبل أن يتزوجها .
وروى ابن رستم عن محمد - C تعالى - قال : إن كان الباقي من المدة شهرا أو دونه لم يرجع بشيء في تركتها وإن كان فوق ذلك ترك لها مقدار نفقة شهر استحسانا ويسترد من تركتها ما زاد على ذلك لأنه إنما يعطيها النفقة شهرا فشهرا عادة ففي مقدار نفقة شهر هي مستوفية حقها وفيما زاد على ذلك مستعجلة .
( قال ) ولو كانا حيين فاختلفا فيما مضى من المدة من وقت قضاء القاضي فالقول قول الزوج لإنكاره الزيادة وإنكاره سبق التاريخ في القضاء . والبينة بينة المرأة لإثباتها ذلك .
( قال ) وإذا بعث إليها بثوب فقال هو هدية وقال الزوج هو من الكسوة فالقول قول الزوج مع يمينه لأنه هو المملك للثوب منها فالقول قوله في بيان جهته إلا أن تقيم المرأة البينة أنه بعث به هدية وإن أقاما البينة فالبينة بينة الزوج لأنه يثبت ببينته فراغ ذمته عن حقها من الكسوة أو المهر .
وكذلك إن أقام كل واحد منهما البينة على إقرار الآخر بما ادعاه لأن الزوج هو المدعى للقضاء فيما عليه من الحق فمعنى الإثبات في بينته أظهر .
وكذلك إن بعث بدراهم وقال هي نفقة وقالت المرأة هي هدية فالقول قوله لما بينا .
( قال ) وإذا أعطاها كسوة فعجلت تمزيقها أو هلكت منها لم يكن عليه أن يكسوها حتى يأتي الوقت لما بينا أن أحوال الناس تختلف في صيانة الثياب وتمزيقها فيتعذر تعليق الحكم بحقيقة تجدد الحاجة فيقام الوقت مقامه تيسيرا فما لم يأت الوقت لا تتجدد الحاجة فلا يتجدد سببا الوجوب لها فلم يكن لها أن تطالبه بشيء .
( قال ) وكذلك إن صانتها ولبست غيرها فإذا جاء الوقت المعلوم لها أن تطالب بالكسوة والقاضي في الإبتداء يوقت من المدة ما يتمزق فيه الثوب باللبس المعتاد فلما لم يتبين خطأه في ذلك التوقيت يجب بناء الحكم عليه ولا ينظر إلى تعجيلها التمزيق ولا إلى صيانتها فوق المعتاد .
( قال ) وكذلك إن أخذت نفقة شهر فلم تنفق حتى جاء الشهر الثاني وهي معها فلها أن تطالبه بنفقة الشهر الثاني بخلاف نفقة ذي الرحم المحرم فإن هناك المعتبر تحقق الحاجة .
ألا ترى أنه لو كان له مال لم يستوجب النفقة على غيره والحاجة مرتفعة ببقاء المأخوذ معه بخلاف نفقة الزوجة .
( قال ) وإذا فرض القاضي لها النفقة على زوجها فأنفقت من مالها ولم تاخذ منه شيئا فلها ان تأخذه بما مضى من ذلك لأن نفقة الزوجة تصير دينا بقضاء القاضي أو الصلح عن التراضي وقد بيناه .
( قال ) إن كان هذا في ذي الرحم المحرم فأنفق على نفسه من مال آخر بعد فرض القاضي لم يكن له أن يرجع على الذي فرض له عليه بشيء لما مضى لما بينا أن المعتبر هنا حقيقة الحاجة وقد انعدم ذلك بمضي ذلك الوقت فلا تصير النفقة دينا وأورد في باب الزكاة من الجامع أن نفقة ذي الرحم المحرم تصير دينا بقضاء القاضي وإنما اختلف الجواب باختلاف الموضوع فوضع المسألة هنا فيما إذا استدان المنفق عليه وأنفق من ذلك فتكون الحاجة قائمة لقيام الدين عليه وهنا وضع المسألة فيما إذا أنفق من مال له أو من صدقة تصدق بها عليه والحاجة لا تبقى بعد مضي المدة وقد قررنا هذا فيما أمليناه من شرح الجامع .
( قال ) وإن كان الرجل غائبا وله مال حاضر فطلبت المرأة النفقة فإن كان القاضي يعلم بالنكاح بينهما فرض لها النفقة في ذلك المال لعلمه بوجود السبب الموجب له .
ألا ترى أن من أقر بدين ثم غاب قضى القاضي عليه بذلك لعلمه به فكذلك النفقة ولكن يشترط أن ينظر للغائب وذلك في أن يحلفها انه لم يعطها النفقة لجواز أن يكون أعطاها النفقة قبل أن يغيب وهي تلبس على القاضي لتأخذ ثانيا .
وإذا حلفت فأعطاها النفقة أخذ منها كفيلا لجواز أن يحضر الزوج فيقيم البينة على أنه كان أوفى نفقتها وهذا لأن القاضي مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه .
( قال ) وإذا حضر الزوج وأثبت بالبينة أنه كان قد أوفاها أو أرسل إليها بشيء في حال غيبته أمرها برد ما أخذت لأنه ظهر عند القاضي أنها اخذت بغير حق وللزوجة الخيار إن شاء أخذها بذلك وإن شاء أخذ الكفيل وإن لم يكن النكاح بينهما معلوما للقاضي فأرادت إقامة البينة على الزوجية لم يقبل القاضي ذلك منها عندنا بما فيه من القضاء على الغائب بالبينة .
وعن زفر - C تعالى - أنه يسمع منها البينة ويعطيها النفقة من مال الزوج وإن لم يكن للزوج مال يأمرها بالإستدانة فإن حضر الزوج وأقر بالنكاح أمره بقضاء الدين وإن أنكر ذلك كلفها إعادة البينة فإن لم تعد أمرها برد ما اخذت ولم يقض لها بشيء مما استدانت على الزوج لأن في قبول البينة بهذه الصفة نظرا لها ولا ضرر فيه على الغائب فيجيبها القاضي إلى ذلك ولكنا نقول فيه قضاء الغائب لأن دفع ماله إليها لتنفق على نفسها لا يكون إلا بعد القضاء على الزوجية .
( قال ) وإن أحضرت غريما للزوج أو مودعا في يده مال للزوج وهو مقر بالمال والزوجية أمره القاضي بأداء نفقتها من ذلك بخلاف دين آخر على الغائب فإن صاحب الدين إذا أحضر غريما أو مودعا للغائب لم يأمره بقضاء دينه منه وإن كان مقرا بالمال وبدينه لأن القاضي إنما يأمر في حق الغائب بما يكون نظرا وحفظا لملكه عليه وفي الإنفاق على زوجته من ماله حفظ ملكه عليه وليس في قضاء الدين من ماله حفظ ملكه عليه بل فيه قضاء عليه بقول الغير فلهذا المعنى تقع الفرقة بينهما .
( قال ) وإن جحد المديون أو المودع الزوجية بينهما أو كون المال في يده لم تقبل بينتها على شيء من ذلك أما على الدين والوديعة فلأنها تثبت الملك للغائب حتى إذا ثبت ملكه ترتب عليه حقها فيه وهي ليست بخصم في إثبات الملك للزوج في أمواله وأما إذا جحدا الزوجية فقد كان أبو حنيفة - C تعالى - يقول : .
أولا : تقبل بينتها على الزوجية لأنها تدعي حقا فيما في يده من المال بسبب فكان خصما في إثبات ذلك السبب كمن ادعى عينا في يد إنسان أنه له اشتراه من فلان الغائب ثم رجع وقال لا تقبل بينتها على ذلك وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - لأنها تثبت النكاح على الغائب والمودع والمديون ليس بخصم عن الغائب في إثبات النكاح عليه بالبينة والإشتغال من القاضي بالنظر يكون بعد العلم بالزوجية فإذا لم يكن ذلك معلوما له لا يشتغل بسماع البينة من غير خصم وإن لم يكن له مال حاضر لم يفرض لها النفقة بطريق الإستدانة عندنا خلافا لزفر - C تعالى - لأن في هذا قضاء على الغائب وقد بيناه وإن كان له مال حاضر فحضور ماله بمنزلة حضوره استحسانا .
( قال ) ولا يبيع العروض في نفقتها أما عند أبي حنيفة - C تعالى - فظاهر لأن الزوج لو كان حاضرا لم يبع القاضي عروضه في ذلك فإذا كان غائبا أولى وأما على قولهما إنما يبيع على الحاضر عروضه بعد ما يحجر عليه فليس له ولاية الحجر وإلزام القضاء على الغائب .
( قال ) وينفق عليها من غلة الدار والعبد لأن ذلك من جنس حقها ويعطيها الكسوة من الثياب إن كانت له والنفقة من طعامه إن كان له لأنه من جنس حقها ولها أن تأخذ من غير قضاء كما قال - A - لهند خذي من مال أبا سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف . فلأن يقضي لها القاضي بذلك كان أولى ويأخذ منها كفيلا بجميع ذلك نظرا منه للغائب فإذا رجع الزوج وأقام البينة على وصول النفقة إليها لهذا الوقت فالكفيل ضامن لما أخذت لأنه التزم بالكفالة وإن لم يكن له بينة وحلفت المرأة على ذلك فلا شيء على الكفيل وإن نكلت عن اليمين ونكل الكفيل لزمها وللزوج الخيار بين أن يأخذها بذلك أو يأخذ الكفيل لأنه كفيل بما لزمها رده من النفقة وقد ثبت ذلك بنكولها ولهذا لزم كفيلها والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب