وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال ) ( وبلغنا عن رسول الله - A - أنه تزوج عائشة - Bها - وهي صغيرة بنت ستة سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين وكانت عنده تسعا ) ففي الحديث دليل على جواز نكاح الصغير والصغيرة بتزويج الآباء .
بخلاف ما يقوله ابن شبرمة وأبو بكر الأصم - رحمهم الله تعالى - أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا لقوله تعالى { حتى إذا بلغوا النكاح } فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة ولأن ثبوت الولاية على الصغيرة لحاجة المولى عليه حتى أن فيما لا تتحقق فيه الحاجة لا تثبت الولاية كالتبرعات ولا حاجة بهما إلى النكاح لأن مقصود النكاح طبعا هو قضاء الشهوة وشرعا النسل والصغر ينافيهما ثم هذا العقد يعقد للعمر وتلزمهما أحكامه بعد البلوغ فلا يكون لأحد أن يلزمهما ذلك إذ لا ولاية لأحد عليهما بعد البلوغ وحجتنا قوله تعالى { واللاتي لم يحضن } ( الطلاق : 4 ) بين الله تعالى عدة الصغيرة وسبب العدة شرعا هو النكاح وذلك دليل تصور نكاح الصغيرة والمراد بقوله تعالى { حتى إذا بلغوا النكاح } ( النساء : 6 ) الاحتلام ثم حديث عائشة - Bها - نص فيه وكذلك سائر ما ذكرنا من الآثار فإن قدامة بن مظعون تزوج بنت الزبير - Bه - يوم ولدت وقال إن مت فهي خير ورثتي وإن عشت فهي بنت الزبير وزوج ابن عمر - Bه - بنتا له صغيرة من عروة بن الزبير - Bه - وزوج عروة بن الزبير - Bه - بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران ووهب رجل ابنته الصغيرة من عبدالله بن الحسن فأجاز ذلك علي - Bه - وزوجت امرأة ابن مسعود Bه بنتا لها صغيرة ابنا للمسيب بن نخبة فأجاز ذلك عبدالله - Bه - ولكن أبو بكر الأصم - C تعالى - كان أصم لم يسمع هذه الأحاديث والمعنى فيه أن النكاح من جملة المصالح وضعا في حق الذكور والإناث جميعا وهو يشتمل على أغراض ومقاصد لا يتوفر ذلك إلا بين الأكفاء والكفء لا يتفق في كل وقت فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها ولأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء ولا يوجد مثله ولما كان هذا العقد يعقد للعمر تتحقق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد فتجعل تلك الحاجة كالمتحققة للحال لإثبات الولاية للولي في الحديث بيان أن الأب إذا زوج ابنته لا يثبت لها الخيار إذا بلغت فإن رسول الله - A - لم يخيرها ولو كان الخيار ثابتا لها لخيرها كما خير عند نزول آية التخيير حتى قال لعائشة إني أعرض عليك أمرا فلا تحدثي فيه شيئا حتى تستشيري أبويك ثم تلا عليها قوله تعالى { فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } ( الأحزاب : 28 ) فقالت أفي هذا أستشير أبوي أنا أختار الله تعالى ورسوله ولما لم يخيرها هنا دل أنه لا خيار للصغيرة إذا بلغت وقد زوجها أبوها وذكر ذلك في الكتاب عن إبراهيم وشريح - رحمهما الله تعالى - وابن سماعة - C تعالى - ذكر فيه قياسا واستحسانا قال في القياس يثبت لها الخيار لأنه عقد عليها عقدا يلزمها تسليم النفس بحكم ذلك العقد بعد زوال ولاية الأب فيثبت لها الخيار كما لو زوجها أخوها ولكنا نقول تركنا القياس للحديث ولأن الأب وافر الشفقة ينظر لها فوق ما ينظر لنفسه ومع وفور الشفقة هو تام الولاية فإن ولايته تعم المال والنفس جميعا فلهذا لا يثبت لها الخيار في عقده وليس النكاح كالإجارة لأن إجارة النفس ليست من المصالح وضعا بل هو كد وتعب وإنما تثبت الولاية فيه على الصغير لحاجته إلى التأدب وتعلم الأعمال وذلك يزول بالبلوغ فلهذا أثبتنا لها الخيار قال : وفي الحديث دليل فضيلة عائشة - رضي الله تعالى عنها - فإنها كانت عند رسول الله - A - تسع سنين في بدء أمرها وقد أحرزت من الفضائل ما قال صلوات الله عليه تأخذون ثلثي دينكم من عائشة وفيه دليل أن الصغيرة يجوز أن تزف إلى زوجها إذا كانت صالحة للرجال فإنها زفت إليه وهي بنت تسع سنين فكانت صغيرة في الظاهر وجاء في الحديث أنهم سمنوها فلما سمنت زفت إلى رسول الله - A .
( قال ) ( وبلغنا عن إبراهيم أنه كان يقول : إذا أنكح الوالد الصغير أو الصغيرة فذلك جائز عليهما وكذلك سائر الأولياء ) وبه أخذ علماؤنا - رحمهم الله تعالى - فقالوا يجوز لغير الأب والجد من الأولياء تزويج الصغير والصغيرة .
وعلى قول مالك - C تعالى - ليس لأحد سوى الأب تزويج الصغير والصغيرة .
وعلى قول الشافعي - C تعالى - ليس لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة .
فمالك يقول القياس أن لا يجوز تزويجهما إلا أنا تركنا ذلك في حق الأب للآثار المروية فيه فبقي ما سواه على أصل القياس .
والشافعي - C تعالى - استدل بقوله - A - ( لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر ) واليتيمة الصغيرة التي لا أب لها قال - A - لا يتم بعد الحلم فقد نفي في هذا الحديث نكاح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر وفي الحديث أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه عثمان بن مظعون من ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - فردها رسول الله - A - وقال إنها يتيمة وإنها لا تنكح حتى تستأمر وهو المعنى في المسألة فنقول هذه يتيمة فلا يجوز تزويجها بغير رضاها كالبالغة .
وتأثير هذا الوصف أن مزوج اليتيمة قاصر الشفقة عليها ولقصور الشفقة لا تثبت ولايته في المال وحاجتها إلى التصرف في المال في الصغر أكثر من حاجتها إلى التصرف في النفس فإذا لم يثبت للولي ولاية التصرف في مالها مع الحاجة إلى ذلك فلأن لا يثبت له ولاية التصرف في نفسها كان أولى وحجتنا قوله تعالى { إذا خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } الآية معناه في نكاح اليتامى وإنما يتحقق هذا الكلام إذا كان يجوز نكاح اليتيمة وقد نقل عن عائشة - Bها - في تأويل الآية أنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها يرغب في مالها وجمالها ولا يقسط في صداقها فنهوا عن نكاحهن حتى يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق وقالت في تأويل قوله تعالى في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن أنها نزلت في يتيمة تكون في حجر وليها ولا يرغب في نكاحها لدمامتها ولا يزوجها من غيره كيلا يشاركه في مالها فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر الأولياء بتزوج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم .
فذلك دليل على جواز تزويج اليتيمة وزوج رسول الله - A - بنت عمه حمزة Bه من عمر بن أبي سلمة - Bه - وهي صغيرة والآثار في جواز ذلك مشهورة عن عمر وعلي وعبدالله بن مسعود وابن عمر وأبي هريرة رضوان الله عليهم والمعنى فيه أنه وليها بعد البلوغ فيكون وليا لها في حال الصغر كالأب والجد وهذا لأن تأثير البلوغ في زوال الولاية فإذا جعل هو وليا بعد بلوغها بهذا السبب عرفنا أنه وليها في حال الصغر وبه فارق المال لأنه لا يستفيد الولاية بهذا السبب في المال بحال وكان المعنى فيه أن المال تجري فيه الجنايات الخفية وهذا الولي قاصر الشفقة فربما يحمله ذلك على ترك النظر لها فأما الجناية في النفس من حيث التقصير في المهر والكفاءة وذلك ظاهر يوقف عليه إن فعله يرد عليه تصرفه ولأنه لا حاجة إلى إثبات الولاية لهؤلاء في المال فإن الوصي يتصرف في المال والأب متمكن من نصب الوصي وباعتباره تنعدم حاجتها فأما التصرف في النفس لا يحتمل الإيصاء إلى الغير فلهذا يثبت للأولياء بطريق القيام مقام الآباء والمراد بالحديث اليتيمة البالغة قال الله تعالى { وآتوا اليتامى أموالهم } والمراد البالغين والدليل عليه أنه مده إلى غاية الاستئمار وإنما تستأمر البالغة دون الصغيرة .
وتأويل حديث قدامة - Bه - أنها بلغت فخيرها رسول الله - A - فاختارت نفسها ألا ترى أنه روي عن ابن عمر - Bهما - أنه قال والله لقد انتزعت مني بعد أن ملكتها فإذا ثبت جواز تزويج الأولياء الصغير والصغيرة فلهما الخيار إذا أدركا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وهو قول ابن عمر وأبي هريرة - Bهما - وبه كان يقول أبو يوسف - C تعالى - ثم رجع وقال لا خيار لهما وهو قول عروة بن الزبير - Bهما - قال : لأن هذا عقد عقد بولاية مستحقة بالقرابة فلا يثبت فيه خيار البلوغ كعقد الأب والجد وهذا لأن القرابة سبب كامل لاستحقاق الولاية والقريب بالتصرف ينظر للمولى عليه لا لنفسه وهو قائم مقام الأب في التصرف في النفس كالوصي في التصرف في المال فكما أن عقد الوصي يلزم ويكون كعقد الأب فيما قام فعله مقامه فكذلك عقد الولي وجه قولهما إنه زوجها من هو قاصر الشفقة عليها فإذا ملكت أمر نفسها كان لها الخيار كالأمة إذا زوجها مولاها ثم أعتقها وهذا لأن أصل الشفقة موجود للولي ولكنه ناقص يظهر ذلك عند المقابلة بشفقة الآباء وقد ظهر تأثير هذا النقصان حكما حين امتنع ثبوت الولاية في المال للأولياء فلاعتبار وجود أصل الشفقة نفذنا العقد ولاعتبار نقصان الشفقة أثبتنا الخيار لأن ثبوت الولاية لكيلا يفوت الكفء الذي خطبها فيكون بمعنى النظر لها وإنما يتم النظر بإثبات الخيار حتى ينظر لنفسه بعد البلوغ بخلاف الأب فإنه وافر الشفقة تام الولاية فلا حاجة إلى إثبات الخيار في عقده وكذلك في عقد الجد لأنه بمنزلة الأب حتى تثبت ولايته في المال والنفس .
وأما القاضي إذا كان هو الذي زوج اليتيمة ففي ظاهر الرواية يثبت لها الخيار لأنه قال : ولهما الخيار في نكاح غير الأب والجد إذا أدركا وروى خالد بن صبيح المروزي عن أبي حنيفة - C تعالى - أنه لا يثبت الخيار وجه تلك الرواية أن للقاضي ولاية تامة تثبت في المال والنفس جميعا فتكون ولايته في القوة كولاية الأب ووجه ظاهر الرواية أن ولاية القاضي متأخرة عن ولاية العم والأخ فإذا ثبت الخيار في تزويج الأخ والعم ففي تزويج القاضي أولى وهذا لأن شفقة القاضي إنما تكون لحق الدين والشفقة لحق الدين لا تكون إلا من المتقين بعد التكلف فيحتاج إلى إثبات الخيار لهما إذا أدركا .
فأما الأم إذا زوجت الصغير والصغيرة جاز عند أبي حنيفة - C تعالى - وفي إثبات الخيار لهما إذا أدركا عنه روايتان في إحدى الروايتين لا يثبت لأن شفقتها وافرة كشفقة الأب أو أكثر والأصح أنه يثبت الخيار لأن بها قصور الرأي مع وفور الشفقة ولهذا لا تثبت ولايتها في المال وتمام النظر بوفور الرأي والشفقة فلتمكن النقصان في رأيها أثبتنا لهما الخيار إذا أدركا فإن اختارا الفرقة عند الإدراك لم تقع الفرقة إلا بحكم الحاكم لأن السبب مختلف فيه من العلماء من رأى ومنهم من أبي وهو غير متيقن به أيضا فإن السبب قصور الشفقة ولا يوقف على حقيقته فكان ضعيفا في نفسه فلهذا توقف على قضاء القاضي وهذا بخلاف خيار الطلاق فإن المخيرة إذا اختارت نفسها وقعت الفرقة من غير قضاء القاضي لأن السبب هناك قوي في نفسه وهو كونها نائبة عن الزوج في إيقاع الطلاق أو مالكة أمر نفسها بتمليك الزوج وهذا بخلاف خيار العتق فإن المعتقة إذا اختارت نفسها وقعت الفرقة من غير قضاء القاضي لأن السبب هناك قوي وهو زيادة ملك الزوج عليها فإن قبل العتق كان يملك مراجعتها من قرأين ويملك عليها تطليقتين وعدتها حيضتان وقد زاد ذلك بالعتق فكان لها أن تدفع الزيادة ولا تتوصل إلى دفع الزيادة إلا بدفع أصل الملك فكما أن دفع أصل الملك عند انعدام رضاها يتم بها فكذلك دفع زيادة الملك فأما هنا بالبلوغ لا يزداد الملك وإنما كان ثبوت الخيار لتوهم ترك النظر من الولي وذلك غير متيقن به فلهذا لا تتم الفرقة إلا بالقضاء فالحاصل أن الفرق بين خيار البلوغ وخيار العتق في أربعة فصول : ( أحدهما ) ما بينا .
( والثاني ) خيار المعتقة لا يبطل بالسكوت بل يمتد إلى آخر المجلس كخيار المخيرة وخيار البلوغ في جانبها يبطل بالسكوت لأن المعتقة إنما يثبت لها الخيار بتخيير الشرع حيث قال A ملكت بضعك فاختاري فيكون بمنزلة الثابت بتخيير الزوج فأما هنا الخيار يثبت للبكر لانعدام تمام الرضا منها ورضاء البكر يتم بسكوتها شرعا ألا ترى أنها لو زوجت بعد البلوغ فسكتت كان سكوتها رضا فكذلك إذا زوجت قبل البلوغ ولهذا قلنا لو بلغت ثيبا لا يبطل خيارها بالسكوت كما لو زوجت بعد البلوغ وكذلك الغلام لا يبطل خياره بالسكوت لأن السكوت في حقه لم يجعل رضا كما لو زوج بعد البلوغ .
( والثالث ) : أن خيار العتق يثبت للأمة دون الغلام وخيار البلوغ يثبت لهما جميعا لأن ثبوت خيار العتق باعتبار زيادة الملك وذلك في عتق الأمة دون الغلام وثبوت خيار البلوغ لنقصان شفقة الولي وذلك موجود في حق الغلام والجارية ولأن في تزويج الغلام المولى ينظر له لا لنفسه وفي تزويج الأمة ينظر لنفسه باكتساب المهر وإسقاط النفقة عن نفسه فلهذا اختلفا في حكم الخيار وهنا لا يختلف معنى نظر الولي بالغلام والجارية فلهذا يثبت الخيار في الموضعين جميعا ولا يقال بأن الغلام هنا يتمكن من التخلص بالطلاق كما في المعتق لأنه لا يتمكن من التخلص عن المهر بالطلاق ولم يكن متمكنا من التخلص عند العقد بخلاف العبد فإنه كان عند العقد متمكنا من التخلص بالطلاق ووجوب المهر يومئذ كان في مالية المولى وباعتباره ملك المولى إجباره على النكاح فلهذا فرقنا بينهما .
( والرابع ) : أن المعتقة إذا علمت بالعتق ولم تعلم أن لها الخيار لا يسقط خيارها حتى تعلم به والتي بلغت إذا لم تعلم بالخيار وعلمت بالنكاح فسكتت سقط خيارها لأن سبب الخيار في العتق وهو زيادة الملك حكم لا يعلمه إلا الخواص من الناس فتعذر بالجهل وقد كانت مشغولة بخدمة المولى فعذرناها لذلك أما خيار البلوغ فظاهر يعرفه كل واحد ولظهوره ظن بعض الناس أنه يثبت في انكاح الأب أيضا فلهذا لا تعذر بالجهل ولأنها ما كانت مشغولة بشيء قبل البلوغ فكان سبيلها أن تتعلم ما تحتاج إليه بعد البلوغ فلهذا لا تعذر بالجهل .
( قال ) ( فإن اختار الصغير أو الصغيرة الفرقة بعد البلوغ فلم يفرق القاضي بينهما حتى مات أحدهما توارثا ) لأن أصل النكاح كان صحيحا والفرقة لا تقع إلا بقضاء القاضي فإذا مات أحدهما قبل القضاء كان انتهاء النكاح بينهما بالموت فيتوارثان بمنزلة ما لو وجد الإعتراض بعدم الكفاءة فمات أحدهما قبل قضاء القاضي وباعتبار هذا المعنى نقول يحل للزوج أن يطأها ما لم يفرق القاضي بينهما لأن أصل النكاح كان صحيحا بخلاف النكاح الفاسد فإن أصل الملك لم يكن ثابتا فلا يثبت حل الوطء والتوارث .
( قال ) ( وإذا مات زوج الصغيرة عنها بعد ما دخل بها أو طلقها وانقضت عدتها كان لأبيها أن يزوجها عندنا ) وقال الشافعي - C تعالى - ليس للأب أن يزوج الثيب الصغيرة حتى تبلغ فيشاورها لقوله A ( والثيب تشاور ) فقد علق هذا الحكم باسم مشتق من معنى وهو الثيوبة فكان ذلك المعنى هو المعتبر في إثبات هذا الحكم كالزنا والسرقة لإيجاب الحد وقد قال A ( الأيم أحق بنفسها من وليها ) والمراد بالأيم الثيب ألا ترى أنه قابلها بالبكر فقال البكر تستأمر في نفسها والمعنى فيه أنها ثيب ترجى مشورتها إلى وقت معلوم فلا يزوجها وليها بدون رضاها كالنائمة والمغمى عليها وتأثير هذا الوصف أن في الثيوبة معنى الاختبار وممارسة الرجال وفي النكاح في جانب النساء معنيان معنى الضرر بإثبات الملك عليها ومعنى المنفعة بقضاء شهوتها فمن ترجح معنى قضاء الشهوة في جانبها تختار الزوج ومن ترجح معنى ضرر الملك تختار التأيم وإنما تتمكن من التمييز بالتجربة لأن لذة الجماع بالوصف لا تصير معلومة والتجربة إنما تحصل بالثيوبة فكانت صفة الثيوبة في حقها نظير البلوغ في حق الغلام وفي حق التصرف في المال ولهذا تزول ولاية الإفتيات عليها بالثيوبة لأن فيه تفويت ما يحدث لها في التأني من الرأي وهذا بخلاف المجنونة لأن الجنون لا يفقد شهوة الجماع ولو لم يزوجها وليها كان فيه إضرار بها في الحال والصغر يفقد شهوة الجماع فلا يكون في تأخير العقد إلا أن تبلغ معنى الإضرار بها ولأنه ليس لزوال الجنون غاية معلومة ولا يدري أيفيق أم لا وفي تأخير العقد لا إلى وقت معلوم إبطال حقها فأما الصغر لزواله غاية معلومة فلا يكون في تأخير العقد إلى بلوغها إبطال حقها وحجتنا في ذلك أنه ولي من لا يلي نفسه وماله فيستبد بالعقد عليها كالبكر وتأثيره أن الشرع باعتبار صغرها أقام رأي الولي مقام رأيها كما في حق الغلام وكما في حق المال وبالثيوبة لا يزول الصغر وكذلك معنى الرأي لا يحصل لها بالثيوبة في حالة الصغر لأنها ما قضت شهوتها بهذا الفعل ولو ثبت لها رأي فهي عاجزة عن التصرف بحكم الرأي فيقام رأي الولي مقام رأيها كما أنها لما كانت عاجزة عن التصرف في ملكها أقيم تصرف الولي مقام تصرفها والمراد بالحديث البالغة لأنه علق به ما لا يتحقق إلا بعد البلوغ وهو المشاورة وكونها أحق بنفسها وذلك إنما يتحقق في البالغة دون الصغيرة ولئن ثبت أن الصغيرة مراد فالمراد المشورة على سبيل الندب دون الحتم كما أمر باستئمار أمهات البنات فقال وتؤامر النساء في إبضاع بناتهن وكان بطريق الندب فهذا مثله وكما يجوز للأب عندنا تزويج الثيب الصغيرة فكذلك يجوز لغير الأب والجد .
وعند الشافعي - C تعالى - لا يجوز لمعنين .
أحدهما أنها يتيمة .
والثاني أنها ثيب ( قال ) ( وإذا اجتمع في الصغيرة أخوان لأب وأم فأيهما زوجها جاز عندنا ومن العلماء رحمهم الله تعالى من يقول لا يجوز ما لم يجتمعا عليه ) لأن هذا قام مقام الأب فيشترط اجتماعهما لنفوذ العقد كالموليين في حق العبد أو الأمة أو المعتقة ولكنا نستدل بقوله A ( إذا أنكح الوليان فالأول أحق ) وفي هذا تنصيص على أن كل واحد منهما ينفرد بالعقد والمعنى فيه أن سبب الولاية هو القرابة وهو غير محتمل للوصف بالتجزي والحكم الثابت أيضا غير متجز وهو النكاح فيجعل كل واحد منهما كالمنفرد به لثبوت صفة الكمال في حق كل واحد منهما بكمال السبب وكونه غير محتمل للتجزي كما في ولاية الأمان يثبت لكل واحد من المسلمين بهذا الطريق بخلاف الموليين فإن هناك السبب هو الملك أو الولاء وذلك متجز في نفسه فلم يتكامل في حق كل واحد منهما ألا ترى أن أحد الموليين لا يرث جميع المال بالولاء وإن تفرد به أحد الأخوين يرث جميع المال فلهذا فرقنا بينهما وإن كان أحد الأخوين لأب وأم والآخر لأب فعندنا الأخ لأب وأم أولى بالتزويج وعلى قول زفر C تعالى يستويان لأن ولاية التزويج لقرابة الأب دون قرابة الأم فإن الولي إنما يقوم مقام الأب لقرابته منه وقد استويا في قرابة الأب ولكنا نستدل بحديث علي Bه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله A أنه قال النكاح إلى العصبات والأخ لأب وأم في العصوبة مقدم وهو المعني فإنه يدلي بقرابتين فيترجح على من يدلي بقرابة واحدة .
ويثبت الترجيح بقرابة الأم وإن كان لا يثبت به أصل الولاية كالعصوبة والأصل في ترتيب الأولياء قوله A النكاح إلى العصبات والمولى عليها لا يخلو إما أن تكون صغيرة أو كبيرة معتوهة فإن كانت صغيرة فأولى الأولياء عليها أبوها ثم الجد بعد الأب قائم مقام الأب في ظاهر الرواية وذكر الكرخي - C تعالى - أن هذا قول أبي حنيفة - C تعالى - فأما عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - الأخ والجد يستويان لأن من أصلهما أن الأخ يزاحم الجد في العصوبة حتى يشتركا في الميراث فكذا في الولاية وعند أبي حنيفة - C تعالى - الجد مقدم في العصوبة فكذلك في الولاية والأصح أن هذا قولهم جميعا لأن في الولاية معنى الشفقة معتبر وشفقة الجد فوق شفقة الأخ ولهذا لا يثبت لها الخيار في عقد الجد كما لا يثبت في عقد الأب بخلاف الأخ ويثبت للجد الولاية في المال والنفس جميعا ولا يثبت للأخ وكذلك في حكم الميراث حال الجد أعلى حتى لا ينقص نصيبه عن السدس بحال فلهذا كان في حكم الولاية بمنزلة الأب لا يزاحمه الأخوة ثم بعد الأجداد من قبل الآباء وإن علوا الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب وأم ثم ابن الأخ لأب ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم ابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب على قياس ترتيب العصوبة .
فأما المجنونة إذا كان لها ابن فللإبن عليها ولاية التزويج عندنا وقال الشافعي - C تعالى - ليس للإبن ولاية تزويج الأم إلا أن يكون من عشيرتها بأن كان أبوه تزوج بنت عمه وهذا بناء على أصل يأتي بيانه من بعد إن شاء الله تعالى في أن المرأة لا ولاية لها على نفسها عنده والولد جزء منها فلا يثبت له الولاية عليها وعندنا تثبت لها الولاية على نفسها فكذلك تثبت لابنها وحجته في ذلك أن ثبوت الولاية لمعنى النظر للمولى عليه ولا يحصل ذلك بإثبات الولاية للابن لأنه يمتنع من تزويج أمه طبعا فلا ينظر لها في التزويج ولئن فعل ذلك يميل إلى قوم أبيه وربما لا يكون كفء لها إلا أن يكون من عشيرتها فحينئذ ينعدم هذا الضرر فأثبتنا له الولاية وحجتنا في ذلك الحديث النكاح إلى العصبات والابن يستحق العصوبة وهو المعنى الفقهي أن الوراثة نوع ولاية لأن الوارث يخلف المورث ملكا وتصرفا والوراثة هي الخلافة في التصرفات وللوراثة أسباب الفريضة والعصوبة والقرابة ولكن أقوى الأسباب العصوبة لأن الإرث بها متفق عليه ويستحق بها جميع المال فلهذا رتبنا الولاية على أقوى أسباب الإرث وهو العصوبة ولا ينظر إلى امتناعه من تزويجها طبعا فإن ذلك موجود فيما إذا كان الابن من عشيرتها وهذه لأنه إذا خطبها كفء فلو لم يزوجها الابن حكم القاضي عليه بالعضل فيزوجها بنفسه كما في سائر الأولياء ثم اختلف أصحابنا - Bهم - في الأب والابن أيهما أحق بالتزويج فقال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله تعالى - الابن أحق لأنه مقدم في العصوبة ألا ترى أن الأب معه يستحق السدس بالفريضة فقط وقال محمد - C تعالى - الأب أولى لأن ولاية الأب تعم المال والنفس فلا يثبت للابن الولاية في المال ولأن الأب ينظر لها عادة والابن ينظر لنفسه لا لها فكان الأب مقدما في الولاية وبعد هذا الترتيب في الأولياء لها كالترتيب في أولياء الصغيرة .
( قال ) ( فإن زوجها الأبعد والأقرب حاضر توقف على إجازة الأقرب ) لأن الأبعد كالأجنبي عند حضرة الأقرب فيتوقف عقده على إجازة الولي فإن كان الأقرب غائبا غيبة منقطعة فللأبعد أن يزوجها عندنا .
وقال الشافعي - C تعالى - يزوجها السلطان .
وقال زفر - C تعالى - لا يزوجها أحد حتى يحضر الأقرب وحجتهم في ذلك أن الأبعد محجوب بولاية الأقرب وولايته باقية بعد الغيبة إذ لا تأثير للغيبة في قطع الولاية ألا ترى أنه لا ينقطع التوارث وأن الولاية من حق الولي ليطلب به الكفاءة فلا يبطل شيء من حقوقه بالغيبة والدليل عليه أنه لو زوجها حيث هو جاز النكاح فدل أن ولاية الأقرب باقية إذا ثبت هذا فالشافعي - C تعالى - يقول تعذر عليها الوصول إلى حقها من جهة الأقرب مع بقاء ولايته فيزوجها السلطان كما لو عضلها الأقرب بخلاف ما إذا كان الأقرب صغيرا أو مجنونا لأنه لا ولاية له عليها والأبعد محجوب بولاية الأقرب إلا بالغيبة وزفر - C تعالى - يقول والأبعد لا يزوجها لبقاء ولاية الأقرب وكذلك السلطان لا يزوجها لأن ولاية السلطان متأخرة عن ولاية الأبعد فإذا لم تثبت الولاية للأبعد هنا فالسلطان أولى بخلاف ما إذا عضلها لأن هناك هو ظالم في الامتناع من إيفاء مستحق عليه فيقوم السلطان مقامه في دفع الظلم لأنه نصب لذلك وهنا الأقرب غير ظالم في سفره خصوصا إذا سافر للحج وهو غير ممتنع من إيفاء حق مستحق عليه ليقوم السلطان مقامه في الإيفاء فيتأخر إلى حضوره وحجتنا في ذلك أن ثبوت الولاية لمعنى النظر للمولى عليه حتى لا يثبت إلا على من هو عاجز عن النظر لنفسه وجعل الأقرب مقدما لأن نظره لها أكثر لزيادة القرب ثم النظر لها لا يحصل بمجرد رأي الأقرب بل رأى حاضر منتفع به وقد خرج رأيه من أن يكون منتفعا به في هذه الحال بهذه الغيبة فالتحق بمن لا رأي له أصلا كالصغير والمجنون ورأي الأبعد خلف عن رأي الأقرب وفي ثبوت الحكم للخلف لا فرق بين انعدام الأصل وبين كونه غير منتفع به ألا ترى أن التراب لما كان خلفا عن الماء في حكم الطهارة فمع وجود الماء النجس يكون التراب خلفا كما أن عند عدم الماء يكون التراب خلفا لأن الماء النجس غير منتفع به في حكم الطهارة فهو كالمعدوم أصلا ونظيره الحضانة والتربية يقدم فيه الأقرب فإذا تزوجت الأقرب حتى اشتغلت بزوجها كانت الولاية للأبعد .
وكذلك النفقة في مال الأقرب فإذا انقطع ذلك ببعد ماله وجبت النفقة في مال الأبعد فأما إذا زوجها الأقرب حيث هو فإنما يجوز لأنها انتفعت برأيه ولكن هذه المنفعة حصلت لها اتفاقا فلا يجوز بناء الحكم عليه فلهذا تثبت الولاية للأبعد توضيحه أن للأبعد قرب التدبير وبعد القرابة وللأقرب قرب القرابة وبعد التدبير وثبوت الولاية بهما جميعا فاستويا من هذا الوجه فكانا بمنزلة وليين في درجة واحدة فأيهما زوجها يجوز والولاية إنما تثبت للقاضي عند الحاجة ولا حاجة إلى ذلك لما ثبتت الولاية للأبعد بالطريق الذي قلنا ثم تكلموا في حد الغيبة المنقطعة فكان أبو عصمة سعد بن معاذ C تعالى يقول أدنى مدة السفر تكفي لذلك وهو ثلاثة أيام ولياليها لأنه ليس لأقصي مدة السفر نهاية فيعتبر الأدنى وإليه يشير في الكتاب فيقول أرأيت لو كان في السواد ونحوه أما كان يستطلع رأيه فهذا دليل على أنه إذا جاوز السواد تثبت للأبعد .
وعن أبي يوسف - C تعالى - فيه روايتان في إحدى الروايتين قال : من جابلقا إلى جابلتا - وهما قريتان أحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب - فقالوا : هذا رجوع منه إلى قول زفر - C تعالى - أن الولاية لا تثبت للأبعد وإنما ذكر هذا على طريق المثل وفي الرواية الأخرى قال : من بغداد إلى الري وهكذا روي عن محمد - C تعالى - وفي رواية قال : من الكوفة إلى الري ومن مشايخنا - رحمهم الله تعالى - من يقول حد الغيبة المنقطعة أن يكون جوالا من موضع إلى موضع فلا يوقف على أثره أو يكون مفقودا لا يعرف خبره وقيل : إن كان في موضع يقطع الكري إلى ذلك الموضع فليست الغيبة بمنقطعة وإن كان إنما يقطع الكري إلى ذلك الموضع بدفعتين أو أكثر فالغيبة منقطعة وقيل إن كانت القوافل تنفر إلى ذلك الموضع في كل عام فالغيبة ليست بمنقطعة وإن كانت لا تنفر الغيبة منقطعة والأصح أنه إذا كان في موضع لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر لها فالغيبة منقطعة وإن كان لا يفوت فالغيبة ليست بمنقطعة وبعد ما تثبت الولاية للأبعد إذا زوجها ثم حضر الأقرب فليس له أن يرد نكاحها لأن العقد عقد بولاية تامة .
( قال ) ( ولا يجوز لغير الولي تزويج الصغير والصغيرة ) لقوله A ( لا نكاح إلا بولي ) قال والوصي ليس بولي عندنا في التزويج وقال ابن أبي ليلى C تعالى للوصي ولاية التزويج لأن وصي الأب قائم مقام الأب فيما يرجع إلى النظر للمولى عليه ألا ترى أنه في التصرف في المال يقوم مقامه فكذلك في التصرف في النفس ومالك - C تعالى - يقول : إن نص في الوصاية على التزويج فله أن يزوجها كما لو وكل بذلك في حياته وإن لم ينص على ذلك فليس له أن يزوج ولكنا نستدل بما روينا النكاح إلى العصبات والوصي ليس بعصبة إذا لم يكن من قرابته فهو كسائر الأجانب في التزويج وإن كان الوصي من القرابة بأن كان عما أو غيره فله ولاية التزويج بالقرابة لا بالوصاية ولهذا يثبت لهما الخيار إذا أدركا وإن حصل التزويج ممن له ولاية التصرف في المال والنفس جميعا لأن ولايته في المال بسبب الوصاية ولا تأثير للوصاية في ولاية التزويج فكان وجوده كعدمه وكذلك إن كانا في حجر رجل يعولهما فحال هذا الرجل دون حال الوصي فلا يثبت له ولاية التزويج ولأن من يعول الصغير إنما يملك عليه ما يتمحض منفعة للصغير كالحفظ وقبول الهبة والصدقة والنكاح ليس بهذه الصفة .
( قال ) ( ومولى العتاقة تثبت له الولاية إذا لم يكن هناك أحد من القرابة ) لأن العصوبة تستحق بولاء العتاقة وعليه ينبني ولاية التزويج .
( قال ) ( والرجل من عرض النسب إذا لم يكن أقرب منه يعني العصبات ) فأما ذوو الأرحام كالأخوال والخالات والعمات فعلى قول أبي حنيفة C تعالى يثبت لهم ولاية التزويج عند عدم العصبات استحسانا وعلى قول محمد - C تعالى - لا يثبت وهو القياس وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة وقول أبي يوسف - C تعالى - مضطرب فيه وذكر في كتاب النكاح قوله مع أبي حنيفة C تعالى وفي كتاب الولاء ذكر في الأم قوله مع محمد - C تعالى - أن الأم إذا عقدت الولاء على ولدها لم يصح عندهما والخلاف في التزويج وعقد الولاء سواء وكذلك في الأم وعشيرتها من ذوي الأرحام وجه قولهما الحديث النكاح إلى العصبات وإدخال الألف واللام دليل على أن جميع الولاية في باب النكاح . إنما نثبت لمن هو عصبة دون من ليس بعصبة والدليل عليه أنه لا يثبت لغير العصبات ولاية التصرف في المال بحال وأن مولى العتاقة مقدم عليهم فلو كان لقرابتهم تأثير في استحقاق الولاية بها لكانوا مقدمين على مولى العتاقة إذ لا قرابة لمولى العتاقة .
وحجة أبي حنيفة - C تعالى - حديث ابن مسعود - Bه - في إجازته تزويج امرأته ابنتها على ما روينا فإن الأصح أن ابنتها لم تكن من عبدالله فإنما جوز نكاحها بولاية الأمومة والمعنى فيه وهو أن استحقاق الولاية باعتبار الشفقة الموجودة بالقرابة وهذه الشفقة توجد في قرابة الأم كما توجد في قرابة الأب فيثبت لهم ولاية التزويج أيضا إلا إن قرابة الأب يقدمون باعتبار العصوبة وهذا لا ينفي ثبوته لهؤلاء عند عدم العصبات كاستحقاق الميراث يكون بسبب القرابة ويقدم في ذلك العصبات ثم يثبت بعد ذلك لذوي الأرحام وبه ينتقض قولهم أن مولى العتاقة في الولاية مقدم على ذوي الأرحام فإن في الإرث أيضا يقدم مولى العتاقة ولا يدل ذلك على أنه لا يثبت لذوي الأرحام أصلا فكذا هنا وعلى هذا الخلاف مولى الموالاة له ولاية التزويج على الصغير والصغيرة إذا لم يكن لهما قريب عند أبي حنيفة - C تعالى - وليس له ذلك عند محمد - C تعالى - لأنه مؤخر عن ذوى الأرحام .
( قال ) ( ولا ولاية للأب الكافر والمملوك على الصغير والصغيرة إذا كان حرا مسلما ) لأن اختلاف الدين يقطع التوارث فكذلك يقطع ولاية التزويج قال الله تعالى { والذين آمنوا ولم يهاجروا } ( الأنفال : 72 ) الآية نص على قطع الولاية بين من هاجر وبين من لم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة فكان ذلك تنصيصا على انقطاع الولاية بين الكفار والمسلمين بطريق الأولى وكذلك الرق ينفي الولاية حتى يقطع التوارث ولأنه ينفي ولايته عن نفسه فلأن ينفي ولايته عن غيره أولى وأما الكافر فثبت له ولاية التزويج على ولده الكافر كما تثبت للمسلم قال الله تعالى { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ( الأنفال : 73 ) والدليل عليه جريان التوارث فيما بينهم كما يجري فيما بين المسلمين .
( قال ) ( ولأنكحة الكفار فيما بينهم حكم الصحة إلا على قول مالك C تعالى فإنه يقول أنكحتهم باطلة ) لأن الجواز نعمة وكرامة ثابتة شرعا والكافر لا يجعل أهلا لمثله ولكنا نستدل بقول تعالى { وامرأته حمالة الحطب } ولو لم يكن لهم نكاح لما سماها امرأته وقال A ( ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح ) وهذه نعمة كما قال ولكن الأهلية لهذه النعمة باعتبار صفة الآدمية وبالكفر لم يخرج من أن يكون من بني آدم فلا يخرج من أن يكون أهلا لهذه النعمة ( قال ) ( ولو زوج الأب ابنته الصغيرة ممن لا يكافئها أو زوج ابنه الصغير امرأة ليست بكفء له جاز في قول أبي حنيفة استحسانا ولم يجز عندهما وهو القياس وكذلك لو زوج ابنته بأقل من صداق مثلها أو ابنه بأكثر من صداق مثلها بقدر ما لا يتغابن الناس فيه لا يجوز عندهما ) هكذا قال في الكتاب ولم يبين ماذا لا يجوز حتى ظن بعض أصحابنا أن الزيادة والنقصان لا يجوز فأما أصل النكاح صحيح لأن المانع هنا من قبل المسمى وفساد التسمية لا يمنع صحة النكاح كما لو ترك التسمية أصلا أو زوجها بخمر أو خنزير ولكن الأصح أن النكاح لا يجوز هكذا فسره في الجامع الصغير وجه قولهما أن ولاية الأب مقيدة بشرط النظر ومعنى الضرر في هذا العقد ظاهر فلا يملكها الأب بولايته كما لا يملك البيع والشراء في ماله بالغبن الفاحش والدليل عليه أنه لو زوج أمتها بمثل هذا الصداق لا يجوز فإذا زوجها أولى وولايته عليها دون ولاية المرأة على نفسها ولو زوجت هي نفسها من غير كفء أو بدون صداق مثلها يثبت حق الاعتراض للأولياء فهذا أولى ولكن أبو حنيفة - C تعالى - ترك القياس بما روي ( أن رسول الله - A - تزوج عائشة Bها على صداق خمسمائة درهم زوجها منه أبو بكر Bه وزوج فاطمة - Bها - من علي - Bه - على صداق أربعمائة درهم ) ومعلوم أن ذلك لم يكن صداق مثلهما لأنه إن كان صداق مثلهما هذا المقدار مع أنهما مجمع الفضائل فلا صداق في الدنيا يزيد على هذا المقدار والمعنى فيه أن النكاح يشتمل على مصالح وأغراض ومقاصد جمة والأب وافر الشفقة ينظر لولده فوق ما ينظر لنفسه فالظاهر أنه إنما قصر في الكفاءة والصداق ؟ ليوفر سائر المقاصد عليها وذلك أنفع لها من الصداق والكفاءة فكان تصرفه واقعا بصفة النظر فيجوز كالوصي إذا صانع في مال اليتيم جاز ذلك ؟ لحصول النظر في تصرفه وإن كان هو في الظاهر يعطي مالا غير واجب وهذا بخلاف تصرف الأب في المال إذ لا مقصود هناك سوى المالية فإذا قصر في المالية فليس بإزاء هذا النقصان ما يجبره وهذا بخلاف ما إذا زوج أمتهما لأن سائر مقاصد النكاح لا تحصل للصغير والصغيرة هنا إنما يحصل للأمة ففي حق الصغير قد انعدم ما يكون جبرا للنقصان وبخلاف العم والأخ لأنه ليس لهما شفقة وافرة فيحمل تقصيرهما في الكفاءة والمهر على معنى ترك النظر والميل إلى الرشوة لا لتحصيل سائر المقاصد وبخلاف المرأة في نكاح نفسها لأنها سريعة الانخداع ضعيفة الرأي متابعة للشهوة عادة فيكون تقصيرها في الكفاءة والصداق لمتابعة الهوى لا لتحصيل سائر المقاصد على أن سائر المقاصد تحصل لها دون الأولياء وبسبب عدم الكفاءة والنقصان في الصداق يتعير الأولياء وليس بإزاء هذا النقصان في حقهم ما يكون جايرا فلهذا يثبت لهم حق الإعتراض .
( قال ) ( وإذا أقر الولد على الصغير أو الصغيرة بالنكاح لم يثبت النكاح بإقراره ما لم يشهد به شاهدان عند أبي حنيفة - C تعالى - وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى يثبت النكاح بإقراره ) وإنما يتبين هذا الخلاف فيما إذا أقر الولي عليهما ثم أدركا وكذباه وأقام المدعى عليهما بعد البلوغ شاهدين بإقرار الولي بالنكاح في الصغر وعلى هذا الخلاف الوكيل من جهة الرجل والمرأة إذا أقر على موكله بالنكاح وكذلك المولى إذا أقر على عبده بالنكاح فهو على هذا الخلاف أيضا أما إذا أقر على أمته بالنكاح صح إقراره بالاتفاق فهما يقولان أقر بما يملك إنشاءه فيصح كالمولى إذا أقر على أمته وهذا لأن الإقرار خبر متمثل بين الصدق والكذب فإذا حصل بما لا يملك إنشاءه تتمكن التهمة في إخراج الكلام مخرج الإخبار وإذا حصل بما لا يملك انشاءه لا يكون متهما في إخراج الكلام مخرج الأخبار لتمكنه من تحصيل المقصود بطريق الإنشاء ألا ترى أن المطلق إذا قال قبل انقضاء العدة كنت راجعتها كان مصدقا بخلاف ما لو أقر بذلك بعد انقضاء العدة وأبو حنيفة C تعالى يقول هذا إقرار على الغير والإقرار على الغير لا يكون حجة لأنه شهادة وشهادة الفرد لا تثبت الحكم بقي كونه مالكا للإنشاء فنقول هو لا يملك إنشاء هذا العقد لا بشاهدين كما قال A لا نكاح إلا بشهود فلا يملك الإقرار به إلا من الوجه الذي يملك الإنشاء وهكذا نقول إذا ساعده شاهدان على ذلك كان صحيحا اعتبارا للإقرار بالإنشاء .
وهذا بخلاف الأمة فإن المولى هناك يقر على نفسه لأن بضعها مملوك للمولى وإقرار الإنسان على نفسه صحيح مطلقا من غير أن يكون ذلك معتبرا بالإنشاء فأما في حق العبد الإقرار عليه لا على نفسه فلا يملك الأ من الوجه الذي يملك الإنشاء وأصل كلامهم يشكل بإقرار الوصي بالاستدانة على اليتيم فإنه لا يكون صحيحا وإن كان هو يملك إنشاء الاستدانة .
( قال ) ( وإن كان للصغيرة وليان فزوجها كل واحد منهما رجلا فإن علم أيهما أول جاز نكاح الأول منهما ) لقوله A إذا أنكح الوليان فالأول أحق وهذا لأن الأول صادف عقده محله وعقد الثاني لم يصادف محله لأنها بالعقد الأول صارت مشغولة وإن لم يعلم أيهما أول أو وقع العقدان معا بطلا جميعا لأنه لا وجه لتصحيحهما وليس أحدهما بأولى من الآخر فتعين جهة البطلان فيهما .
( قال ) ( وإذا تزوج الصغير امرأة فأجاز ذلك وليه جاز عندنا ) لأن الصبي العاقل من أهل العبارة عندنا ولكن يحتاج إلى انضمام رأي الولي إلى مباشرته ليحصل تمام النظر فإذا أجاز الولي جاز ذلك وكان ذلك كمباشرة الولي بنفسه حتى يثبت له الخيار إذا بلغ وعلى قول الشافعي - C تعالى - لا ينفذ بإجازة الولي لأن من أصله أن عبارة الصبي غير معتبرة في العقود وكذلك من أصله أن العقود لا تتوقف على الإجازة وعلى هذا لو زوجت الصغيرة نفسها فأجاز الولي ذلك جاز عندنا .
ولم يجز عند الشافعي C تعالى لهذين المعنيين ومعنى ثالث أن عبارة النساء عنده لا تصلح لعقد النكاح وإن كان المجيز غير الأب والجد فلمعنى رابع على قوله أيضا وهو أن هذا المجيز لا يملك مباشرة التزويج .
وإن أبطل الولي عقدهما بطل وإن لم يتعرض له بالإجازة ولا بالإبطال حتى بلغا فالرأي إليهما إن أجازا ذلك العقد جاز كما لو أجاز الولي في صغرهما ولا ينفذ بمجرد بلوغهما إلا أن يجيز لأن النظر عند مباشرتهما ما تم لصغرهما ونفوذ هذا العقد يعتمد تمام النظر فلهذا يعتمد إجازتهما بعد البلوغ .
( قال ) وإذا زوج الأب ابنته الصغيرة وضمن لها المهر عن زوجها فهو جائر لأنه صير نفسه زعيما والزعيم غارم بخلاف ما إذا باع مال ولده الصغير وضمن الثمن عن المشتري لا يصح الضمان لأن ثبوت حق قبض الثمن للأب هناك بحكم العقد لا بولايته عليه ألا ترى أن بعد بلوغه الأب هو الذي يقبض الثمن دون الصبي وفيما يكون وجوبه بحكم عقده فهو المستحق لأن حقوق ذلك العقد تتعلق بالعاقد ولهذا لو أبرأ المشتري عن الثمن كان صحيحا فإذا ضمن الثمن عن المشتري كان في معنى الضامن لنفسه فلا يصح .
فأما ثبوت حق قبض الصداق للأب بولاية الأبوة لا بمباشرته عقد النكاح لأن حقوق العقد في النكاح لا تتعلق بالعاقد ألا ترى أنها لو بلغت كان القبض إليها دون الأب فكان الأب في هذا الضمان كسائر الأجانب ولو ضمن الصداق لها أجنبي آخر وقبل الأب ذلك كان الضمان صحيحا فكذلك إذا ضمنه الأب فإذا بلغت إن شاءت طالبت الزوج بالصداق بحكم النكاح وإن شاءت طالبت بحكم الضمان .
وإذا أداه الأب لم يرجع على الزوج لأنه ضمن بغير أمره وإن كان ضمن عن الزوج بأمره فحينئذ يكون له أن يرجع عليه إذا أدى فإن كان هذا الضمان في مرض الأب ومات منه فهو باطل لأنه قصد إيصال النفع إلى وارثه وتصرف المريض فيما يكون فيه إيصال النفع إلى وارثه باطل .
( قال ) وإذا زوج ابنه الصغير في صحته وضمن عنه المهر جاز يعني إذا قبلت المرأة الضمان ثم إذا أدى الأب لم يرجع بما أدى على الإبن استحسانا وفي القياس يرجع عليه لأن غيره لو ضمن بأمر الأب وأدى كان له أن يرجع به في مال الإبن فكذلك الأب إذا ضمن لأن قيام ولايته عليه في حالة الصغر بمنزلة أمره إياه بالضمان عنه بعد البلوغ .
ألا ترى أن الوصي لو كان هو الضامن بالمهر عن الصغير وأدى من مال نفسه يثبت له الرجوع في ماله فكذلك الأب وجه الاستحسان أن العادة الظاهرة أن الآباء بمثل هذا يتبرعون وفي الرجوع لا يطمعون .
والثابت بدلالة العرف كالثابت بدلالة النص فلا يرجع به إلا أن يكون شرط ذلك في أصل الضمان فحينئذ يرجع لأن العرف إنما يعتبر عند عدم التصريح بخلافه كتقديم المائدة بين يدي الإنسان يكون أذنا له في التناول بطريق العرف فإن قال له لا تأكل لم يكن ذلك أذنا له فهذا مثله بخلاف الوصي فإن عادة التبرع في مثل هذا غير موجودة في حق الأوصياء بل يكتفى من الوصي أن لا يطمع في مال اليتيم فلهذا ثبت له حق الرجوع إذا ضمن وأدى من مال نفسه .
وإن مات الأب قبل أن يؤدي فهذه صلة لم تتم لأن تمام الصلة يكون بالقبض ولم يوجد ولكنها بالخيار إن شاءت أخذت الصداق من الزوج وإن شاءت من تركة الأب بحكم الضمان لأن الاستحقاق كان ثابتا لها في حياة الأب بحكم الكفالة فلا يبطل ذلك بموته وإذا استوفت من تركة الأب رجع سائر الورثة بذلك في نصيب الابن أو عليه إن كان قبض نصيبه وقال زفر C تعالى لا يرجعون لأن أصل الكفالة انعقدت غير موجبة للرجوع عند الأداء بدليل أنه لو أداه في حياته لم يرجع عليه فبموته لا يصير موجبا للرجوع ولكنا نقول إنما لا يرجع في حياته إذا أدى لمعنى الصلة وقد بطل ذلك بموته قبل التسليم فكان هذا بمنزلة ما لو ضمن عنه بعد البلوغ بأمره واستوفاه من تركته بعد وفاته وإن كان هذا الضمان في مرض الأب الذي مات فيه فهو باطل لأنه تبرع منه على ولده بضمان الصداق منه وتبرع الوالد على ولده في مرضه باطل وكذلك كل من ضمن عن وارثه أو لوارثه ثم مات فضمانه باطل لما بينا .
( قال ) والمجنون المغلوب بمنزلة الصبي في جميع ذلك لأنه مولى عليه كالصغير ويستوي إن كان جنونه أصليا أو طارئا وعلى قول زفر C تعالى في الجنون الأصلي كذلك الجواب بأن بلغ مجنونا فأما في الجنون الطارئ لا يكون للمولى عليه ولاية التزويج لأنه ثبت له الولاية على نفسه عند بلوغه والنكاح يعقد للعمر ولا تتجدد الحاجة إليه في كل وقت فبصيرورته من أهل النظر لنفسه يقع الاستغناء فيه عن نظر الولي بخلاف المال فإن الحاجة إليه تتجدد في كل وقت ولكنا نقول ثبوت الولاية لعجز المولى عليه عن النظر لنفسه والجنون الأصلي والعارض في هذا سواء فربما لم يتفق له كفء في حال إفاقته حتى جن أو ماتت زوجته بعد ما جن فتتحقق الحاجة في الجنون الطارئ كما تتحقق في الجنون الأصلي والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب