وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( قال C ) ويكتب في كتاب وصيته تركته لان الكتاب للتوثق والرجوع اليه عند المنازعة وأكثر ما تقع فيه المنازعة التركة التي تصير في يد الموصى فينبغي أن يذكرها في الكتاب ان كتب فيه انه يعمل كذا ان مات من مرضه هذا أن في سفره هذا فرجع من ذلك السفر وبرأ من ذلك المرض بطلت تلك الوصية لانه علقها بشرط وقد فات والوصية الى الغير اثبات الخلافة أو الاطلاق وهو يحتمل التعليق بالشرط كالوكالة أو هي اثبات الولاية بمنزلة تقيد القضاء فيحتمل التعليق بالشرط وإذا أوصى الى رجلين فمات أحدهما جعل القاضى مكانه وصيا آخر والكلام ها هنا في فصول ثلاثة أحدها أن أحد الوصيين لا ينفرد بالتصرف في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما لله الا في أشياء معدوده استحسانا وفي قول أبي يوسف ينفرد كل واحد منهما بالتصرف وجه قوله ان الوصايا تثبت الولاية للوصى في التصرف وكل واحد من الوليين يتصرف بانفراده كانه ليس معه غيره كالاخوين في النكاح والابوين وهذا لان الولاية تحتمل التجزئ وبتكامل السبب في حق كل واحد منهما بانفراده يثبت الحكم بخلاف الوكيلين فإن الوكالة إنابة وإنما جعلهما نائبين عنه في التصرف فلا تثبت الإنابة لكل واحد منهما بانفراده وبيان أن ثبوت حق التصرف الفرق للموصي لا يكون إلا بعد زوال ولاية الموصى والإنابة تستدعى قيام ولاية المنوب عنه وتبطل سقوط ولايته كالوكالة وأما الولاية بطريق الخلافة فتستدعى سقوط ولاية من هو أصل ليصير الخلف قائما مقامه كالجد مع الأب .
وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قالا : سبب هذه الولاية التفويض فلا بد من مراعاة سبب التفويض وإنما فوض إليهما حق التصرف وكل واحد منهما في هذا السبب بمنزلة شطر العلة وشطر العلة لا يثبت شيئا من الحكم بخلاف الأخوين فالسبب هناك الأخوة وهي متكاملة في حق كل واحد منهما .
يوضحه : أن ولاية التصرف للوصي بعد موت الموصي باعتبار اختيار الموصي ورضاه به وهو إنما رضي برأي المثني فرأى الواحد لا يكون كرأى المثنى ومقصوده : توفير المنفعة عليه وعلى ورثته وذلك عند اجتماع رأييهما أظهر فأشبهت من هذا الوجه الوكالة فأما الأشياء المعدودة فهو تجهيز الميت وشراء ما لا بد منه للصغير وقضاء الدين ورد الوديعة وتنفيذ الوصية في العين وقبول الهبة والخصومة .
والقياس في هذة الأشياء أن لا ينفرد أحدهما به لما قلنا ولكنا استحسنا لأن التجهيز لا يمكن تأخيره وربما يكون أحدهما غائبا ففي اشتراط اجتماعهما إلحاق الضرر لا توفير المنفعة عليه وكذلك شراء ما لا بد للصبي منه فإن ذلك لحاجته فلا يحتمل التأخير .
والظاهر أن الموصي رضي برأى كل واحد منهما على الانفراد فيه عند تحقق الحاجة وأما قضاء الدين فلأن صاحب الدين يستبد باستيفائه من غير حاجة فيه إلى فعل أو رأى من الوصي فرد الوديعة كذلك والوصية بالعين إذا كانت تخرج من الثلث كذلك فالوصي له أن يأخذه فكذلك لأحدهما أن يعينه على ذلك بالتسليم والخصومة مما لا يتحقق اجتماعهما عليه .
( ألا ترى ) أنهما وإن حضرا لم يتكلم إلا أحدهما لأنهما لو تكلما جميعا لم يفهم القاضي كلام كل واحد منهما ولهذا ملك أحد الوكيلين الخصومة والتفرد بها أما قبول الهبة والصدقة فإنه لا يستدعى الولاية .
( ألا ترى ) أن الصبي يقبل بنفسه ومن يعوله وإن كان أجنبيا له أن يقبل الهبة له فأحد الوصيين بذلك أولى فأما اقتضاء الدين واسترداد الوديعة فهو على الخلاف لأن هذا يقبل التأخير ويتحقق اجتماعهما عليه وفيه توفير المنفعة لأن حفظ الواحد لا يكون كحفظ المثنى وإنما رضى الموصى بحفظهما ولم يذكر في الكتاب .
فأما إذا أوصي إلى كل واحد منهما على الانفراد .
وقد قال كثير من مشايخنا : أن ها هنا ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بمنزلة الوكيلين إذا وكل واحد منهما على الانفراد .
ولكن الأصح أن الخلاف في الفصلين لأن وجوب الوصية يكون عند الموت وعند الموت إنما نثبت الوصية لهما معا بخلاف الوكالة وهذا لأن بالإيصاء إلى الثاني يقصد إشراكه مع الأول وهو يملك الرجوع عن الوصية إلى الأول فيملك إشراك الثاني معه وقد يوصي الإنسان إلى غيره على ظن أنه يتمكن من إتمام مقصوده وحده ثم يتبين له عجزه عن ذاك فيضم له غيره فكان بمنزلة الوصية إليهما معا بخلاف الوكيلين فإن رأى الموكل قائم هناك وإذا عجز الوكيل يمكن الموكل من المباشرة بنفسه فلم يكن قصده ضم الثاني إلى الأول وإنما كان قصده إنابة كل واحد منهما منابه بانفراده فإن مات أحدهما جعل القاضي مكانه وصيا آخر .
أما عند أبي حنيفة ومحمد فلان الآخر عاجز عن التفرد بالتصرف والقاضي قائم مقام الميت في النظر فيعجزه بنفسه عن النظر فيضم اليه وصيا آخر وعند أبي يوسف الحي منهما وان كان يقدر على التصرف فإنما كان الموصى قصد أن يخلف متصرفين في حقوقه وتحصيل مقصوده بنصب وصى آخر ها هنا لان رأى الميت منهما باق حكما برأى من نصبه وروى الحسن عن أبي يوسف ان الحي لا ينفرد بالتصرف ها هنا لان الموصى ما رضى برأيه وحدهولا يكون للوصى أن يرضى بما يعلم ان الموصى لم يرض به بخلاف ما إذا أوصي الى غيره واذا مات وأوصى الى آخر فهو وصية في تركته وتركة الميت الاول عندنا وقال الشافعي لا يكون وصيا في تركة الميت الاول بحال وقال ابن أبي ليلى لا يكون وصيا في تركة الميت الاول الا أن يوصي اليه بوصية الاول وجه قول الشافعي ان الوصي بمنزلة الوكيل لانه مفوض اليه بوصية الاول التصرف بعد الموت بعقد فهو كالمفوض اليه التصرف في حالة الحياة بالعقد وهو الوكيل ثم الوكالة تنقطع بموت الموكل ولا يملك الوكيل أن يوكل به غيره فكذلك الوصي اذا مات ولا معتى للفرق لان حق التصرف للوصي انما يثبت بعد سقوط ولاية وصي لان حق التصرف انما يثبت له في الوقت الذي فوض اليه التصرف في الوجهين جميعا وانما تصح الوصية باعتبار قيام ولاية الموصى حكما كما تصح الوصية له بالمال بعد موته باعتبار قيام ملكه فيه حكما وفقه ما بينا أن الموصى رضى برأية والناس في الرأي يتاوتون فلا يكون ذلك ذلك منه رضا رأي غيره ولهذا لا يوكل الوصي أيضا عندي وحجتنا في ذلك الوصى يتصرف بولاية منتقلة اليه فيملك الايصاء الى الغير كالجد وتقريره ان الولاية التي كانت ثابتة للموصى تنتقل في المال الة الوصى في النفس والى الجد في النفس ثم الجد فيما ينتقل اليه قائم مقام الاب فكذلك الوصي فيما انتقل اليه لانه خلف عن الاول وباعتبار هذه الخلافة يجعل الاول قائما حكما والخلف يعمل عمل الاصل عند عدم الاصل ومن شرط ثبوت الخلافة اعدام الاصل يوضحه ان مقصود الموصى ان يتدارك برأيه ما فرط فيه بنفسه ولما استعان به في ذلك مع عليمه انه قد تحترمه المنية قبل تتميم مقصوده فقد صار راضيا بإيصائه الى الغير في ذلك لما فيه من تحصيل مقصوده وبه فارق الوكيل لان الموكل هناك قائم يمكنه أن يحصل مقصوده بنفسه فلا يضمن لوكيله الرضا بوكيل غيره أو الايصاء الى غيره عند موته فأما ابن أبي ليلى فيقول هو بمطلق الايصاء يجعل الوصى خلقا عنه فيما هو من حوائجه وحقوقه التي فرط فيها وهذا مقصور على تركته فاما التصرف في تركة الموصى فليس من حوائجه في شيء فلا يملك الوصى ذلك الا بالتنصيص عليه ولكنا نقول بعد قبوله الوصية وموت الموصى صار التصرف في تركة الاول وأولاده الصغار من حوائجه فيما هو مستحق عليه بمنزلة التصرف في تركة نفسه يوشحه أنه جعل الثاني خلفا عنه قائما مقامه في كل مكان يملكه بنفسه مما يقبل النقل الى الغير بعد موته وقد كان ملك التصرف في التركتين جميعا ف حال حياته فيخلفه الوصى الثاني فيهما جميعا بمطلق الايصاء وعن أبي يوسف C كذلك الى أن يخص تركته عند الايصاء الى الثاني فحينئذ يعمل تخصيصه لانه نظر لنفسه في في هذا التخصيص وهو انه لا يتحمل وبال التصرف في ملك الغير حيا وميتا واذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي ثم أراد الخروج منها بعد موته فليس له ذلك والوصية له لازمة لان المقصود توفير المنفعة على املوصى ودفع الضرر عنه وبعد ما قبل الوصي لو جاز له الرد بعد الموت تضرر به الموصى لانه ترك النظر والايصاء الى الغير اعتمادا على قبوله ويصير هذا الوصي بالقبول كالغرا له والغرور حرام والضرر مدفوع بخلاف الوصية بالمال فان هناك وان فبله في حياته فله أن يرده بعد موته لان المقصود هناك توفير المنفعة على الموصي له وليس في رده معنى الضرر والغرور حق الموصى لانه اذا رده لا يضيع المال بل يصير الى وارثه وذلك خير للموصي شرعا فأما اذا لم يقبل الوصي حتى مات الموصي فهو بالخيار ان شاء قبله وان شاء رده لانه متبرع بالتصرف في حق الغير فلا يلزمه ذلك بدون قبوله كالوكالة وليس في رده هنا غرور من جهته وانما الموصى هو الذي اغتر حين لم يعرف عن حاله أنه يقبل الوصية أز لا فإن رده في وجه الموصى فقال الموصي ما كان ظني بك هذا فمن يقبل وصيتي اذا أمكث حتى مات الموصى ثم قبل لم تكن وصية لان برده في وجهه بطلت الوصاية فلا يمكن قبولها بعد ذلك ولو أنه ردها في غير وجه الموصي ثم قبلها بأن سمع كلام الناس في ذلك فإنه لا يكون وصيا عندنا وقال زفر C يكون وصيا لان رده في غير وجه الموصي انما يتم اذا بلغ الموصى فإذا لم يبلغه حتى قبل صار كأن الرد لم يوجد ولكنا نقول قبل القبول هو ينفرد بالرد في وجه الموصى وفي حال غيبته فيبطل العقد برده ولا يعتبر القبول بعد ذلك .
ولو قبلها بعد موته ولم يكن ردها في حياته فقد لزمته الوصية بمنزلة ما لو قبلها في وجهه بل أولى لأن أوان ولايته بعد الموت فالقبول في هذه الحالة يكون ألزم منه قبل أوانه ثم دليل القبول كصريح القبول حتى لو باع بعض تركة الميت أو اشترى للورثة بعض ما يحتاجون إليه أو اقتضى مالا أو قضاه لزمته الوصية لوجود دليل القبول والرضى به كالمشروط له الخيار إذا وجد منه ما يدل على الإجازة أو الفسخ كان ذلك بمنزلة التصريح بذلك والأصل في ذلك ( قوله عليه - الصلاة والسلام - لبريرة إن وطئك الزوج فلا خيار لك ) وإذا اشتكى الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي فإنه لا ينبغي له أن يعزله حتى تبدو له منه خيانة لأن الموصي اختاره ورضي به والشاكي قد يكون ظالما في شكواه فما لم يتبين خيانته لا يحتاج القاضي إلى النيابة عن الميت في النظر له والاستبدال به فإن علم منه خيانة عزله عن الوصية لأن الموصي اعتمد في اختياره أمانته والظاهر أنه لو علم بخيانته عزله والقاضي بعد موته قائم مقامه نظرا منه للميت .
وإن كان الوصي هو الذي شكى إلى القاضي عجزه عن التصرف فعلى القاضي أن ينظر في ذلك فإن علم عدالته وعجزه عن الاستبداد ضم إليه غيره لأنه لو لم يفعل ذلك فإما أن يتصرف الوصي بالعجز عن التصرف في حقوق نفسه أو يترك التصرف في حوائج الموصي فيتمكن الخلل في مقصوده ويرتفع هذا الخلل بضم غيره إليه وإن ظهر عنده عجزه عن القيام بالوصية استبدل به لأنه مأمور بالنظر من الجانبين ولو ظهر عند الموصي في حياته عجزه استبدل به فكذلك من قام مقامه في النظر وهو القاضي .
وإذا أوصى إلى عبد غيره فالوصية باطلة وإن أجاز مولاه لأن الوصية ولاية والرق ينفي ولايته على نفسه فيمنع ولايته على غيره ولأنه عاجز عن تحصيل مقصود الموصي لأن منافعه لمولاه فالظاهر أنه يمنعه من التبرع به على غيره .
وكذلك بعد إجازته على غيره لأن هذا بمنزلة الإعارة منه للعبد فلا يتعلق به اللزوم فإذا رجع عنه كان عاجزا عن التصرف .
وكذلك إن أوصى إلى عبده والورثة كبار أو فيهم كبير فللكبير أن يمنعه من التصرف وله أن يبيع نصيبه منه فيمنعه المشتري من التصرف .
فإن كانت الورثة صغارا كلهم فالوصية إليه جائزة في قول أبي حنيفة .
ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد وهو القياس لأن الرق الذي ينفي الولاية قائم في عبده كما هو في عبد غيره ولأنه صار مملوكا للورثة وإثبات الولاية للمملوك على المالك من أبعد ما يكون كما لو كان فيهم كبير .
وأبو حنيفة يقول : أوصى إلى مخاطب مطلع فيجوز كما لو أوصى إلى مكاتبه أو مكاتب غيره ومعنى قولنا مطلع أي مستبد بالتصرف في حوائج الموصي على وجه لا يملك أحد منعه عن ذلك ولا اكتساب سبب يمنعه ولو كان الرق يمنع الإيصاء إليه لم تجز الوصية إلى المكاتب لقيام الرق فيه إلا أنهما يقولان : المكاتب لا يصير مملوكا للوارث فلا يؤدي إلى إثبات الولاية للمملوك على المالك .
وأبو حنيفة يقول الصغار من الورثة وإن كانوا يملكون رقبة العبد فلا يملكون التصرف عليه فيحوز إثبات ولاية التصرف له في حقوقهم بخلاف ما إذا كان فيهم كبير وإنما استحسن أبو حنيفة هذا لما رأى فيه من توفر المنفعة على الميت وعلى ورثته فإن من ربى عبده وأحسن إليه فالظاهر أن شفقته على الصغار من أولاده بعد موته أكثر من شفقة الأجنبي ولهذا اختاره للوصية فلتوفير المنفعة عليه جوز الوصاية إليه استحسانا كالوصية إلى مكاتبه .
فإن عجز المكاتب عن المكاتبة عاد قنا فيكون الجواب فيه كالجواب في العبد .
وإذا أوصى المسلم إلى ذمي أو إلى حربي مستأمن أو غير مستأمن فهو باطل لأن في الوصية إثبات الولاية للوصى على سبيل الخلافة عنه ولا ولاية للذمى ولا للحربي على المسلم ثم الوصى يخلف الموصي في التصرف كما أن الوارث يخلف المورث في الملك بالتصرف ثم الكافر لا يرث المسلم فكذلك لا يكون وصيا للمسلم .
وكذلك إن أوصى الذمي إلى الحربي لم تجز لهذا المعنى ولو أوصى الذمي إلى الذمي فهو جائز لأنه يثبت لبعضهم على البعض ولاية بالقرابة فكذلك بالتفويض وأحدهما يرث صاحبه فيجوز أن يكون وصيا له أيضا .
ولو أوصى إلى رجل مسلم أو إلى امرأة أو أعمى أو محدود في قذف فهو جائز لأن هؤلاء من أهل الولاية والخلافة إرثا وتصرفا .
ولو أوصى إلى فاسق منهم متخوف على ماله فالوصية باطلة لأن الإيصاء إلى الغير إنما يجوز شرعا ليتم به نظر الموصى لنفسه ولأولاده وبالإيصاء إلى الفاسق لا يتم معنى النظر ولم يرد بقوله الوصية إليه باطلة أنه لا يصير وصيا بل يصير وصيا لكون الفاسق من أهل الولاية والخلافة إرثا وتصرفا حتى لو تصرف نفذ تصرفه ولكن القاضي يخرجه من الوصية ويجعل مكانه وصيا آخر لأنه لم يحصل نظر الموصي لنفسه وكان عليه أن يتدارك ذلك وإذا لم يفعل حتى عجز عن النظر لنفسه بالموت أناب القاضي منابه في نصب وصي آخر له بمنزلة ما لو أوصى مكانه وصيا آخر لهذا .
وإذا أوصى إلى رجل بماله فهو وصي في ماله وولده وسائر أسبابه عندنا .
وقال الشافعي : لا يكون وصيا إلا فيما جعله وصيا فيه لأنه تفويض التصرف إلى الغير فيختص بما خصه به المفوض كالتوكيل .
ولئن سلمنا أن الوصي تثبت له الولاية فيثبت هذه الولاية إيجاب الموصي وقيل : يقبل التخصيص كولاية القضاء لما كان سبب التقليد كان قابلا للتخصيص وهذا لأن الإيصاء إلى الغير مشروع بحاجة الموصي وهو أعلم بحاجته فربما يكون التفريط منه في نوع دون نوع فنجعله وصيا فيما فرط فيه وربما يؤتمن هذا الوصي على نوع دون نوع أو يعرف هدايته في نوع من التصرف دون نوع وربما يعرف شفقة الأم على الأولاد ولا يأتمنها على ما لهم فيجعل الغير وصيا على المال دون الأولاد للحاجة إلى ذلك فكان هذا تخصيصا مقيدا فيجب اعتباره ووجه قولنا أنه ينصرف بولاية منتقلة إليه فيكون كالجد وكما أن تصرف الجد لا يختص بنوع دون نوع لأنه قائم مقام الأب عند عدمه فكذلك تصرف الوصي فيما يقبل النقل إليه .
ودليل صحة هذه القاعدة أن الإيصاء يتم بقوله أوصيت إليك مطلقا ولو كان طريق الإنابة لم يصح إلا يالتنصيص على ما هو المقصود كالتوكيل فإنه لو قال وكلتك بمالي لا يملك التصرف .
وكذلك لو قال جعلتك حاكما لايملك تنفيذ القضاء ما لم يتبين له ذلك وههنا لما صح الإيصاء إليه مطلقا عرفنا أنه إثبات للولاية بطريق الخلافة .
والدليل عليه أن ولايته بعد زوال ولاية الموصي بخلاف التوكيل والتقليد في الحكومة ولئن سلمنا أن الإيصاء تفويض ولكن لما كان هذا التفويض إنما يعمل بعد زوال ولاية الموصي وعجزه عن النظر كان جوازه لحاجته والحاجة تتجدد في كل وقت فهو عند الإيصاء لا يعرف حقيقة ما يحتاجون فيه إلى النائب بعده فلو لم يثبت للوصي حق التصرف في جميع الأنواع تضرر به الموصي والظاهر أنه بهذا التخصيص لم يقصد تنفيذ ولايته بما سمى وإنما سمى نوعا لأن ذلك كان أهم عنده والإنسان في مثل هذا يذكر الأهم وهذا بخلاف الوكالة لأن رأى الموكل قائم عند تصرف الوكيل فإذا تجددت الحاجة أمكنه أن ينظر فيه بنفسه أو بتفويضه إليه أو إلى غيره وكذلك في التقليد .
فإن رأى المقلد قائم فيمكنه أن يفصل بنفسه أو يفوض ذلك إليه أو إلى غيره عند الحاجة ولو أوصى بماله المعين إلى رجل وبتقاضي الدين إلى آخر فهما وصيان في العين والدين جميعا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله .
وقال محمد - C - كل واحد منهما وصي فيما سمى له خاصة وهو رواية عن أبي يوسف أيضا .
وجه قوله : أن الموصي أحسن النظر لنفسه ههنا حين اختار التصرف في العين بمن يكون أمينا قادرا على التصرف فيه واختار لتقاضي الدين من يكون مهتديا إلى ذلك وفي الفصل الأول إنما قلنا تتعدى الوصابة من نوع إلى نوع لأن به تمام النظر للميت وتمام النظر ههنا في أن يختص كل واحد منهما بما سمى له فإنما يختار ليتقاضي إلى الناس وللتصرف في العين أمين الناس .
يوضحه : أن هناك التصرف في بعض الأنواع للوصي منصوص عليه وفي البعض مسكوت عنه فيلحق بالمنصوص عليه وههنا التصرف لكل واحد منهما فيما سمى له منصوص عليه فلا يلحق غير المنصوص بالمنصوص وفي إثبات الشركة بينهما قصر ولاية كل واحد منهما عما سمى له لأنه لا ينفرد بالتصرف عند أبي حنيفة إذا ثبت الشركة بينهما .
وأبو حنيفة يقول : الإيصاء إلى الغير مملوك للموصي شرعا والتقييد بنوع دون نوع غير مملوك له بدليل أنه لو قيد تصرفه بنوع ونهاه عن التصرف في سائر الأنواع ولكن لم يوص إلى غيره في ذلك كان له أن يتصرف في الكل عرفنا أن التقييد غير مملوك له فإنما يعتبر من كلامه ما يكون مملوكا له وذلك الإيصاء إليهما .
يوضحه : أن في حق كل واحد منهما أحد النوعين منصوص عليه والآخر مسكوت عنه وقد بينا في الواحد إذا نص له على نوع تتعدى ولايته إلى سائر الأنواع فكذلك ههنا .
والدليل عليه : أنه لو ذكر لكل واحد منهما نوعا خاصا ولم يتعرض لسائر الأنواع يثبت لهما ولاية التصرف في سائر الأنواع على سبيل الشركة فكذلك في النوع الذي سمي لكل واحد منهما لأن الولاية بطريق الوصية لا تقبل التمييز في الأنواع على أن يكون نائبه في بعضها على وجه الاختصاص وفي بعضها على وجه الشركة ولو قال فلان وصي حتى يقدم فلان ثم الوصية إلى فلان فهو كما قال لأنه قد يحتاج إلى هذا لكون من يختاره لوصيته غائبا فيحتاج إلى نصب غيره لكيلا يضيع ماله إلى أني يقدم الغائب ثم إذا قدم فهو المختار للوصية وهذا لأن الوصية الخاصة إلى الوصي الأول قد انتهت بقدوم الثاني فهو كالمنتهي ببلوغ الولد وقد جعل الوصية للثاني معلقة بقدومه والوصية تقبل التعليق .
ثم بهذا الفصل يستدل محمد - C - فيقول : التقييد تارة يكون من حيث الزمان وتارة يكون من حيث النوع ثم لما صح النوع له أن يقيد بصرف كل واحد منهما بزمان فكذلك يصح تقييده بالنوع بخلاف ما إذا سمى نوعا ولم يذكر سائر الأنواع لأنه لو سمى جزءا من الزمان كالوصية إليه شهرا أو سنة كان وصيا بعد ذلك الوقت إلى أن يدرك الولد ثم إذا نص لكل واحد منهما على جزء من الزمان كان الأمر على ما نص عليه .
ولكن قد روي عن أبي حنيفة - C - أنه قال : إذا قدم فلان فهما وصيان فعلى هذا يندفع السؤال لأن الوصية في حق الثاني تنضاف إلى ما بعد قدومه وفي حق الآخر مطلقة فيتصرف الأول إلى أن يقدم فلان لأن المضاف إلى وقت أو المعلق بالشرط لا يكون موجودا قبله .
وإذا أشهد الرجل على وصيته في كتاب شهودا ولم يقرأها عليهم ولم يكتبها بين أيديهم فإن ذلك لا يجوز لأنهم لم يعرفوا ما في الكتاب والشهادة على ما قال في الكتاب لا على الكتاب وبدون علم الشاهد المشهود به لا يصح الإشهاد وإن قرأها عليهم فقالوا : نشهد عليك بذلك فحرك رأسه بنعم ولم ينطق فهذا باطل لأنهم لم يسمعوا إقراره وتحريك الرأس من الناطق لا يكون إقرارا إذ هو محتمل في نفسه يجوز أن يكون لاستبعاد الشيء ويجوز أن يكون للرضي به .
وإذا أشهد الرجل على وصيته في كتاب شهودا ولم يقرأها عليهم ولم يكتبها بين أيديهم فإن ذلك لا يجوز لأنهم لم يعرفوا ما في الكتاب والشهادة على ما قال في الكتاب لا على الكتاب وبدون علم الشاهد المشهود به لا يصح الإشهاد وإن قرأها عليهم فقالوا : نشهد عليك بذلك فحرك رأسه بنعم ولم ينطق فهذا باطل لأنهم لم يسمعوا إقراره وتحريك الرأس من الناطق لا يكون إقرارا إذ هو محتمل في نفسه يجوز أن يكون لاستبعاد الشيء ويجوز أن يكون للرضي به .
وإن كتبها بين أيديهم وقال : اشهدوا أنها وصية أو قرأها عليهم فقال : اشهدوا أن هذا وصية فهو جائز لأنهم سمعوا إقراره وعلموا بما كتبه بين أيديهم أو قرأه عليهم .
وعند أبي حنيفة : النكاح باطل لأنها تستوفى دينها من المال ثم لها ثلث ما بقي بطريق الوصية وقيمتها ومهر مثلها يزيد على الثلث فلذلك بطل النكاح .
فإذا وجد الشرط صار الثاني وصيا والأول وصي فيشتركان في التصرف ولو سلمناه فالفرق ما ذكرنا من حيث إن ههنا لا تثبت الشركة بينهما بالحال فإن العقد في حق أحدهما مطلق وفي الآخر معلق فأما ههنا فتثبت الشركة بينهما فيما سوى النوعين اللذين نص عليهما والعقد في كل واحد منهما مطلق ولأن ثبوت الخلافة لهما واحد وهو عند موت الموصي فلهذا تثبت الوصية لكل واحد منهما في النوعين جميعا .
وكذلك لو أوصى ببعض ولده وميراثهم إلى رجل وببقية ولده وميراثهم إلى آخر فهما وصيان في جميع المال والولد استحسانا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأن ولاية الموصي كانت ثابتة في الكل وهي مما تقبل النقل إلى الغير بالإيصاء فيقومان مقامه بعد موته في جميع ذلك .
وإذا اختلف الوصيان في المال عند من يكون فإنه يكون عند كل واحد منهما نصفه .
وإن اختلفا استودعاه رجلا وإن أحبا كان عندهما لأن حفظ المال إليهما ويتعذر اجتماعهما على حفظه آناء الليل والنهار لأنهما ينقطعان بذلك عن أشغالهما فيكون لكل واحد منهما أن يحفظ نصفه كالمودعين فيما يحتمل القسمة .
وإن أحبا استودعاه رجلا لأن الوصي لو كان واحدا كان له أن يودع المال من غيره لأنه قائم مقام الموصي فما له من ولاية التصرف في المال والإيداع يدخل في هذا وقد يعجز الوصي عن الحفظ بنفسه لكثرة أشغاله فإذا جاز للوصي الواحد أن يودع المال جاز للوصيين ذلك وإن أحبا أن يكون عندهما جاز لأنهما لما جاز لهما أن يودعاه غيرهما فلأن يجوز لهما أن يودعاه أحدهما وهو أقرب إلى موافقة رأي الموصي كان أولى .
( قال ) ( وللوصي أن يتجر بنفسه بمال اليتيم ويدفعه مضاربة ويشارك به لهم وعلى قول ابن أبي ليلى - C - ليس له أن يفعل شيئا من ذلك سوى التجارة في ماله بنفسه ) لأن الموصى جعله قائما مقامه في التصرف في المال ليكون المال محفوظا عنده وإنما يحصل هذا المقصود إذا كان هو الذي يتصرف بنفسه فلا يملك دفعه إلى غيره للتصرف كالوكيل .
ولكنا نقول هو قائم مقام الموصي في ولايته في مال الولد وقد كان للموصي أن يفعل هذا كله في ماله فكذلك الوصي وهذا لأن المأمور به ما يكون أصلح لليتيم وأحسن قال الله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } ( الأنعام : 152 ) وقال تعالى { ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } ( البقرة : 220 ) وقد يكون الأحسن في تفويض التصرف في ماله إلى غيره ببعض هذه الأسباب لعجزه عن مباشرة ذلك بنفسه إما لكثرة أشغاله أو لقلة هدايته وقال محمد إذا لم يشهد الوصي على نفسه أنه يعمل بالمال مضاربة كان ما اشترى للورثة وهذا قولهم جميعا لأن الوصي في مالهم قائم مقامهم .
ولو تصرفوا بأنفسهم كان الربح لهم لأنه نماء ملكهم فكذلك الوصي إذا تصرف ثم هو كتب أعمل فيه مضاربة يريد أن يتملك عليهم بعض الربح الحاصل وهو ليس بأمين في ذلك إلا أن يشهد قبل العمل أنه يعمل بالمال مضاربة لأنه بهذا الإشهاد لا يملك شيئا من مالهم عليهم بل يبقي بعض ما يحصل بعمله على ملكه ويجعل بعض ذلك لهم باعتبار مالهم فلا تتمكن التهمة في تصرفه فلهذا يجوز ولو أوصي بالثلث والورثة صغار فقاسم الوصي أهل الوصية فأعطاهم الثلث وأمسك الثلثين للورثة فهو جائز لأنه قائم مقام الورثة فإن الموصي أثبت له هذه الخلافة لحاجة ورثته إلى ذلك وليكون قائما مقامه في النظر لهم إلى أن يتمكنوا من النظر لأنفسهم فجازت مقاسمته مع أصحاب الوصية كما تجوز مقاسمة الورثة معهم أن لو كانوا بالغين فإن هلكت حصة الورثة في يد الوصي لم يرجعوا على أهل الوصية بشيء لأن الهلاك بعد تمام القسمة يكون على من وقع الهلاك في قسمه .
فإن كان الوارث كبيرا وصاحب الوصية صغيرا فأعطى الوصي الوارث الثلثين وأمسك الثلث لصاحب الوصية لم تصح هذه القسمة على الموصى له حتى إذا هلك الثلث في يد الوصي كان لصاحب الوصية أن يرجع على الوارث بثلث ما بقي في يده وهذا لأن الوصي لا ولاية له على الموصى له فلا يقوم مقامه في المقاسمة مع الورثة ثم الموصى له يتملك المال ابتداء بالعقد إلا أن يبقي له ما كان من الملك للميت في المقاسمة ولا ولاية للوصي في تميز الملك الثابت له بقبوله بعقد جديد فأما الوارث فيخلف الموروث في ملكه ويبقى له ما كان ثابتا للموروث ولهذا يرد بالعيب فيقوم الوصي مقامه في تمييز ذلك الملك باعتبار أنه خلف عن الميت وإذا ثبت أن القسمة لم تصح ههنا فما هلك من المال يهلك على الشركة وما يبقي يبقى على الشركة .
ولو كانت الورثة صغارا فقال الوصي : أنفقت عليهم كذا درهما فإن كان ذلك نفقة مثلهم في تلك المدة أو زيادة شيء قليل فهو مصدق فيه وعليه اليمين إن اتهموه لأنه أمين فالقول قوله في المحتمل مع اليمين ثم هو هو مسلط على الإنفاق عليهم بالمعروف وبالقليل من الزيادة لا يخرج إنفاقه من أن يكون بالمعروف لأن التحرز عن ذلك القدر غير ممكن والمسلط على الشيء إذا أخبر فيما سلط عليه بما لا يكذبه الظاهر فيه يجب قبول قوله كالمودع يدعى رد الوديعة وإن اتهموه فعليه اليمين لدفع التهمة وإذا كان في الورثة صغير وكبير فقاسم الوصي الكبير وأعطاه حصته وأمسك حصة الصغير فهو جائز لأنه قائم مقام الصغير في التصرف في ماله والمقاسمة مع الكبير من التصرف في ماله لأنه تميز به ملكه عن ملك غيره فيكون فعله كفعل الصغير بعد بلوغه .
وإذا كانت الورثة صغارا فقال الوصي : أنفقت على هذا كذا وعلى هذا كذا وكانت نفقة أحدهما أكثر فهو مصدق فيما يعرف من ذلك لأن النفقة للحاجة وربما تكون حاجة أحدهما أكثر لأن كان أكبر سنا أو لأن الناس يتفاوتون في الأكل فباختياره مع التفاوت لا يزول احتمال الصدق في كلامه ولا يخرج الظاهر من أن يكون شاهدا له فيقبل قوله في ذلك .
وإذا قال الوصي للوارثين وهما كبيران : قد أعطيتكما ألف درهم وهو الميراث فقال أحدهما : صدقت وقال الآخر : كذبت فإن الذي صدقه ضامن لمائتين وخمسين درهما يؤديها إلى شريكه بعدما يحلف شريكه ما قبض الخمسمائة ولا ضمان على الوصي في ذلك لأنه أمين أخبر بأداء الأمانة وقد أقر الذي صدقه بقبض خمسمائة وأنكر الآخر أن يكون قبض وقول الوصي غير مقبول عليه في وصول الخمسمائة إليه وإن كان مقبولا في براءته عن الضمان وإنما بقي من التركة الخمسمائة التي أقر المصدق بقبضها فيلزمه أن يدفع نصفها إلى شريكه بعد أن يحلف شريكه ما قبض شيئا لأن المصدق يدعى الاختصاص بهذه الخمسمائة والوصي يشهد له بذلك ولا يثبت الاختصاص بقولهما وما زاد على هذه الخمسمائة من التركة كالبادي .
وإذا قسم الوصي التركة بين الورثة وهم صغار وعزل لكل إنسان نصيبه أو كانوا صغارا وكبارا وذلك منه بغير محضر من الكبار لم يجز وما هلك يهلك منهم جميعا لأن القسمة لتمييز الأنصباء والواحد لا ينفرد بذلك ثم الوصي لا ينفرد بالتصرف في مال اليتامي مع نفسه إلا لمنفعة ظاهرة تكون لهم وبالقسمة لا يحصل ذلك لكل واحد منهم فكانت قسمته باطلة وما هلك يهلك على الشركة وما بقى يبقى على الشركة وإذا قضي الوصي دينا على الميت بشهود فلا ضمان عليه .
وإن كان قضى ذلك بغير أمر القاضي لأنه قائم مقام الموصي في حوائجه وتفريغ الذمة بقضاء الدين من حوائجه وقد كان لصاحب الدين أن يأخذ دينه إذا ظفر بجنس حقه من التركة فللوصي أن يعطيه ذلك أيضا وإن يأمره به القاضي .
وإن لحق الميت دين بعد ذلك فهو ضامن لحصة الغريم الآخر لأنه خص بعض الغرماء بقضاء دينه وليس للوصي ذلك فإن حق الغرماء تعلق بالتركة وفي التخصيص إبطال حق بعضهم ولا ولاية للوصي على واحد منهم في إبطال حقه فيكون دفعه جناية في حق الغريم الآخر وإن كان أعطى الأول بأمر القاضي فلا ضمان عليه لأن دفعه بأمر القاضي كدفع القاضي ولكن الغريم يتبع القابض والقاضي بهذا لا يصير ضامنا شيئا فالمأمور من جهته بالدفع كذلك ولكن الغريم يتبع القابض بحصته لأنه ظهر أن المقبوض كان مشغولا بحقيهما ثم ليس في الدفع بأمر القاضي إبطال حق الآخر عن المدفوع لأنه إذا كان ذلك معلوما للقاضي فالقابض لا يتمكن من الجحود .
وأما إذا دفع بغير أمر القاضي فذلك منه إبطال لحق الآخر أو بغير نص كذلك لأن القابض ربما يجحد القبض فيكون القول قوله في ذلك فلا يتمكن الغريم الآخر من إتباعه .
( قال ) ( ولو كان أوصى إلى رجلين فدفعا إلى رجل دينا وشهدا أنه له على الميت ثم لحق الميت دين بعد ذلك بشهادة غيرهما فهما ضامنان لجميع ما دفعا ) لأن شهادتهما بالدين على الميت غير مقبولة في هذه الحالة لتمكن التهمة فيها فقد صارا ضامنين لما دفعا إلى الطالب من غير حجة وإنما قصدا بشهادتهما إسقاط الضمان عن أنفسهما فإذا بطلت شهادتهما بذلك بقي دفعهما المال المدعي جناية في حق من أثبت دينه بشهادة غيرهما فكانا ضامنين لجميع ما دفعا ولو لم يكونا دفعا حتى شهدا عند القاضي فقضي القاضي بالدين الأول فهما في ذلك كغيرهما من الأجانب وإنما دفعا بعد ثبوت الدين بشهادتهما وأمرهما بالدفع ثم قامت بينة على دين بعد ذلك لم يكن عليهما ضمان لأنه لا تهمة في شهادتهما بالدين الأول فهما في ذلك كغيرهما من الأجانب وإنما دفعا بعد ثبوت الدين بأمر القاضي فلا ضمان عليهما ولكن الغريم يتبع المقضي حتى يأخذ منه حصته لأنه تبين أن المقبوض كان مشغولا بحقهما .
( قال ) ( ولو شهد وارثان بدين على الميت جازت شهادتهما وهي كشهادة غيرهما ) لأنه لا منفعة لهما في هذه الشهادة بل عليهما فيها ضرر والوصي مصدق في كفن الميت . فيما يكفن به مثله لأنه مسلط على ذلك أمين منصوب له .
ولو اشترى الوصي الكفن من ماله ونقد له الثمن كان له أن يرجع في مال الميت لأنه كفن ومعنى هذا أن الكفن لا يمكن تأخيره وقد لا يكون مال الميت حاضرا يتيسر الأداء منه في الحال فيحتاج الوصي إلى أن يؤدي ذلك من مال نفسه ليرجع به من مال الميت وكذلك الوارث قد يحتاج إلى ذلك فلا يكون متبرعا فيما أداه من مال نفسه .
وكذلك لو قضى الوصي أو الوارث من ماله دينا كان على الميت بشهود فله أن يرجع به في مال الميت لأنه هو المأخوذ وهو الذي يخاصم في دين الميت معناه قد ثبت عليه الدين في حال لا يتيسر عليه أداؤه من مال الميت فيحتاج إلى الأداء من مال نفسه ليرجع به في مال الميت ولا فرق في حق الميت بين أدائه من ماله وبين أدائه من مال نفسه ليرجع به في ماله .
وكذلك الوصي يشتري لليتيم الطعام والكسوة من ماله بشهادة الشهود أو يؤدي من مال نفسه خراجهم بشهود فله أن يرجع بذلك في مال الميت لأن شراء ما يحتاج إليه الصبي لا يقبل التأخير وفي الخراج بعد ما طولب بالأداء لا يتمكن من التأخير فيؤذي من مال نفسه لعدم تيسر الأداء من مال الميت في ذلك الوقت فلا يصدق على أداء الخراج ولا شراء شيء من ماله إلا بشهادة شهود على ذلك لأن يدعي لنفسه دينا في مال الميت وهو لم يجعل أمينا في ذلك .
وإن كان للميت عنده مال فقال : أديت منه وأنفقت منه عليه فهو مصدق على ذلك بالمعروف لأنه أمين فيما في يده من المال فهو ينفي الضمان عن نفسه بما يخبر به مما هو محتمل فيقبل قوله في ذلك وهو نظير المودع إذا أمره المودع بقضاء دينه من الوديعة فزعم أنه قد قضى صاحب الدين دينه كان القول قوله مع اليمين في براءة نفسه عن الضمان بخلاف ما إذا أمره بقضاء دينه من مال نفسه فقال : قد قضيت لا يقبل قوله في إثبات حق الرجوع له عليه إلا ببينة .
وإذا قبض الوصي دينا كان للميت على إنسان كتب له البراءة بما قبض ولم يكتب البراءة من كل قليل أو كثير لأنه لا يدري لعل للميت مالا سوى ذلك فيكون بما يكتب عليه البراءة من كل قليل وكثير مبطلا لحق الميت ولأنه أمين فيما يقبضه فإنما يكتب له البراءة عما هو أمين فيه وهو ما وصلت إليه يده .
ولو أقر الوصي أن هذا جميع ماله عليه لم يصدق على الورثة لأنه مجازف في هذا الإقرار لا طريق له إلى معرفة كون المقبوض جميع ماله للميت عليه بخلاف ما إذا أقر الموصي بذلك لأنه عالم بما أقر به ولأنه مسقط لما وراء ذلك من جهته وهو يملك الإسقاط فأما الوصي فلا يملك إسقاط شيء من حق الورثة وإنما يملك الاستيفاء ثم هذا من الوصي إقرار على الغير ومن الموصي إقرار على نفسه .
وكذلك إبراء الوصي الغريم لا يجوز إلا أن يقول برئت الآن من المال الذي كان عليك فحينئذ هو إقرار بالقبض لأنه ببراءته بفعل من المطلوب متصل بالطالب وذلك إيفاء المال .
وفي قوله ( برئت ) كذلك الجواب عند أبي يوسف وعند محمد هو لفظ إبراء كما بيناه في الكفالة .
وإذا أخذ الصبي مال الورثة إلى رجل لم يجز عليهم وإن كانوا صغارا وكذلك إن حط شيئا عن الغريم لأن هذا إسقاط في الدين الواجب لا بعقد هو ثابت في الاستيفاء فيكون في الإسقاط كأجنبي آخر والتأخير إسقاط المطالبة إلى مدة فهو بمنزلة الإبراء فإذا احتال به على إنسان أملأ من الغريم فهو جائز لأنه ليس فيه إسقاط حقهم بل فيه تصرف على وجه النظر لهم لأن الدين في ذمة المليء يكون أقوى منه في ذمة المفلس فهو بمنزلة ما لو اشترى لهم عينا .
وإن كان الذي احتال عليه مفلسا والغريم مليأ فالحوالة باطلة والمال على الأول على حاله لأنه لا منفعة لهم في هذا التصرف بل فيه ضرر عليهم وهو مأمور بقربان مالهم على الأصلح والأحسن وكذلك إذا صالح على حق اليتيم .
فإن كان الصلح خيرا له يوم صالح فهو جائز وإن كان شرا له لم يجز معناه إذا كان الدين لليتيم ولا حجة له على ذلك فصالح الوصي على مال يستوفيه لليتيم خير له من يمين المدعى عليه .
وإن كان لليتيم بينة فالصلح شر له لما فيه من إسقاط بعض حقه مع تمكنه من إثباته فإن مبنى الصلح على الحط والتجوز بدون الحق وكذل إن ابتاع لنفسه من متاعهم شيئا فإن كان ذلك خيرا لهم فإن ابتاع بأكثر من ثمن مثله جاز .
وإن كان ثمن المثل أو دون ذلك لم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر .
وفي قوله الأول وهو قول محمد وزفر - C - لا يجوز بحال .
وكذلك الخلاف فيما إذا باع مال نفسه من مال اليتيم فإن كان بمثل قيمته أو أكثر لم يجز .
وإن كان أقل من قيمته فهو على الخلاف فأما الأب إذا فعل هذا مع نفسه يجوز في قول علمائنا الثلاثة - رحمهم الله - بمثل قيمته أو بغبن يسير .
وفي قول زفر : لا يجوز لأن الواحد لا يتولى طرفي العقد من الجانبين في البيع والشراء كالوكيل وهذا لأنه يؤدي إلى تضاد الأحكام لأنه يكون مستزيدا مستنقصا مسلما متسلما طالبا مطالبا ثم في حق نفسه هو متهم وليس للأب والوصي أن يتصرف في مال اليتيم على وجه يؤدي إلى التهمة .
( ألا ترى ) أنه لا يعامل الأجنبي بغبن فاحش لأجل التهمة فكذلك لا يعامل نفسه في ذلك .
وجه الاستحسان : أن الأب غير متهم في حق ولده لأن له من الشفقة عليه ما يؤثره على نفسه ويكون تصرفه مع نفسه وتصرفه مع أجنبي آخر سواء في انتفاء التهمة ثم في هذا التصرف يكون نائبا محضا في جانب الصغير ولهذا لو بلغ الصغير كانت العهدة عليه لأن الأب يمكنه التزام سبب إلزام العهدة إياه بأن يأذن له في التجارة فإذا صار نائبا في جانبه لا يؤدي إلى تضاد الأحكام بخلاف الوكيل .
وأما وجه قول محمد في الوصيين : إنما تركنا القياس في الأب لمعنى وفور شفقته وذلك لا يوجد في حق الوصي فيؤخذ فيه بالقياس .
( ألا ترى ) أنه لا يملك التصرف مع نفسه بمثل قيمته . لهذا ولو كان هو مالكا للتصرف مع نفسه لملك مثل قيمته كما يملك ذلك مع الأجنبي .
وأبو حنيفة وأبو يوسف استحسنا إذا كان للصبي في تصرفه منفعة ظاهرة لأنه قد ظهر منه ما يدل على وفور الشفقة وإيثاره الصبي على نفسه فيما هو المقصود بالتصرف لأنه لا مقصود فيه سوى المالية فباعتبار هذا المعنى يلتحق بمن هو وافر الشفقة وهذا لأنه يمكن أن يجعل نائبا في جانب الصبي لأنه يملك أن يلزمه العهدة بالإذن له في التجارة كالأب بخلاف ما إذا كان تصرفه بمثل القيمة لأنه لم يظهر منه ما ينفي التهمة عنه ولا ما يكون جائزا لنقصان تفويت المقصود بالعين على الصبي .
وإذا نفذ الوصي أمور الميت وسلم الباقي إلى الوارث وأراد أن يكتب على الوارث كتاب براءة للوصي من كل قليل أو كثير فللوارث أن يمتنع من ذلك لأنه لا يدري أن ما سلم إليه جميع حقه فلعله أخفى بعض ذلك أو أتلفه فإن الخيانة من الأوصياء ظاهرة وأداء الأمانة منهم نادر فلا يجب على الوارث أن يكتب له البراءة إلا بما أخذ منه بعينه فهذا هو العدل بينهما لأن علي طريقة القياس من استوفى حق نفسه لا يلزمه أن يكتب البراءة لغيره ولكن لأجل النظر للوصي يأمره أن يكتب له البراءة وإنما يكتب علي وجه لا يتصور هو به وظلك في أن يكتب البراءة مما أ