وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بيان ذلك أن تركيب المدارك البشرية ركز بحكمة دقيقة تجعلها قادرة على الفعل والكف وساعية إلى الملائم ومعرضة عن المنافر . وجعلت فيها قوى متضادة الآثار يتصرف العقل والإدراك في استخدامها كما يجب في حدود المقدرة البدنية التي أعطها النوع والتي أعطيها إفراد النوع كل ذلك ليصلح الإنسان لإعمار هذا العالم الأرضي الذي جعله الله خليفة فيه ليصلحه إصلاحا يشمله ويشمل من معه في هذا العالم إعدادا لصلاحيته لإعمار عالم الخلود ثم جعل له إدراكا يميز الفرق بين آثار الموجودات وآثار أفعالها بين النافع منها والضار والذي لا نفع فيه ولا ضر . وخلق فيه إلهاما يحب النافع ويكره الضار غير أن اختلاط الوصفين في بعض الأفعال وبعض الذوات قد يريه الحال النافع منها ولا يريه الحال الضار فيبتغي ما يظنه نافعا غير شاعر بما في مطاويه من أضرار في العاجل والآجل أو شاعرا بذلك ولكن شغفه بحصول النفع العاجل يرجح عنده تناوله الآن لعدم صبره على تركه مقدرا معاذير أو حيلا يقتحم بها ما فيه من ضر آجل . وإن اختلاط القوى الباطنية مع حركات التفكير قد تستر عنه ضر الضار ونفع النافع فلا يهتدي إلى ما ينبغي سلوكه أو تجنبه وقد لا تستر عنه ذلك ولكنها تحدث فيه إيثارا لاتباع الضار لملائمة فيه ولو في وقت أو عند عارض إعراضا عن اتباع النافع لكلفة في فعله أو منافرة لوجدانه وذلك من اشتمال تركيب قواه الباعثة والصارفة وآلاتها التي بها تعمل وتدفع على شيء من التعاكس في أعمالها فحدثت من هذا التركيب والبديع صلاحية للوفاء بالتدبير الصالح المنوط بعهدة الإنسان وصلاحية لإفساد ذلك أو بعثرته .
غير أن الله جعل للإنسان عقلا وحكمة إن هو أحسن استعمالها نخلت صفاته وثقفت من قناته ولم يخله من دعاة إلى الخير يصفون له كيف يريض جامح نفسه وكيف يوفق بين إدراكه وحسه وهؤلاء هم الرسل والأنبياء والحكماء .
فإذا أخبر عن الإنسان بشدة تلبسه ببعض النقائص وجعل ذلك في قالب أنه جبل عليه فالمقصود من ذلك : إلقاء تبعة ذلك عليه لأنه فرط في إراضة نفسه على ما فيها من جبلة الخير وأرخى لها العنان إلى غاية الشر وفرط في نصائح الشرائع والحكماء .
وإذا أسند ما يأتيه الإنسان من الخير إلى الله تعالى فالمقصود : التنبيه إلى نعمة الله عليه بخلق القوة الجالبة للخير فيه ونعمة إرشاده وإيقاظه إلى الحق كما أشار إلى ذلك قوله تعالى ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) عقب قوله ( قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) . وفي هذا المجال زلت أفهام المعتزلة وحلكت عليهم الأجواء ففكروا وقدروا وما استطاعوا مخلصا وما قدروا .
واعلم أن كلمة ( خلق الإنسان ) إذا تعلق بها ما ليس من المواد مثل ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) بل كان من الأخلاق والغرائز قد يعنى بها التنبيه على جبلة الإنسان وأنها تسرع إلى الاعتلاق بمشاعره عند تصرفاته تعريضا بذلك لوجوب الحذر من غوائلها نحو ( خلق الإنسان من عجل ) ( إن الإنسان خلق هلوعا ) وقد ترد للعذر والرفق نحو قوله ( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) وقد ترد لبيان أصل ما فطر عليه الإنسان وما طرأ عليه من سوء تصرفه في أفعاله كما في قوله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ) ففعل الخلق من كذا مستعار لكثرة الملابسة . قال عروة بن أذينة : .
إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها أراد إبطال أن يكون ملها بحجة أنها خلقت حبيبة له كما خلق محبوبها أي أن محبته إياها لا تنفك عنه .
والهلع : صفة غير محمودة فوصف الإنسان هنا بها لوم عليه في تقصيره عن التخلق بدفع آثارها ولذلك ذيل به قوله ( وجمع فأوعى ) على كلا معنييه .
وانتصب ( جزوعا ) على الحال في الضمير المستتر في ( هلوعا ) أو على البدل بدل اشتمال لأن حال الهلع يشتمل على الجزع عند مس الشر .
وقوله ( منوعا ) عطف على ( جزوعا ) أي خلق هلوعا في حال كونه جزوعا إذا مسه الشر ومنوعا إذا مسه الخير .
والشر : الأذى مثل المرض والفقر .
والخير : ما ينفع الإنسان ويلائم رغباته مثل الصحة والغنى .
والجزوع : الشديد الجزع والجزع : ضد الصبر