وحق الفعل بعدها أن يكون مضارعا وإنما جاء ماضيا هنا لتأكيد إيقاعه في دعاء الداعي حتى كأنه قد تحقق مثل ( أتى أمر الله ) وقرينة ذلك ترتيب فعلي ( فأصدق وأكن من الصالحين ) عليه .
والمعنى : فيسأل المؤمن ربه سؤالا حثيثا أن يحقق تأخير موته إلى أجل يستدرك فيه ما اشتغل عنه من إنفاق وعمل صالح .
ووصف الأجل ب ( قريب ) تمهيد لتحصيل الاستجابة بناء على متعارف الناس أن الأمر اليسير أرجى لأن يستجيبه المسؤول فيغلب ذلك على شعورهم حين يسألون الله تنساق بذلك نفوسهم إلى ما عرفوا ولذلك ورد في الحديث " لا يقولن أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت وليعزم المسألة فإنه لا مكره له " . تنبيها على هذا التوهم فالقرآن حكى عن الناس ما هو الغالب على أقوالهم .
وانتصب فعل ( فأصدق ) على إضمار ( أن ) المصدرية إضمارا واجبا في جواب الطلب .
وأما قوله ( وأكن ) فقد اختلف فيه القراء .
فأما الجمهور فقرأوه مجزوما بسكون آخره على اعتباره جوابا للطلب مباشرة لعدم وجود فاء السببية فيه واعتبار الواو عاطفة جملة على جملة وليست عاطفة مفردا على مفرد . وذلك لقصد تضمين الكلام معنى الشرط زيادة على معنى التسبب فيغني الجزم عن فعل شرط . فتقديره : إن تؤخرني إلى أجل قريب أكن من الصالحين جمعا بين التسبب المفاد بالفاء . والتعليق الشرطي المفاد بجزم الفعل .
وإذا قد كان الفعل الأول هو المؤثر في الفعلين الوقع أحدهما بعد فاء السببية والآخر بعد الواو العاطفة عليه . فقد أفاد الكلام التسبب والتعليق في كلا الفعلين وذلك يرجع إلى محسن الاحتباك . فكأنه قيل : لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكون من الصالحين . إن تؤخرني إلى أجل قريب أصدق وأكن من الصالحين .
ومن لطائف هذا الاستعمال أن هذا السائل بعد أن حث سؤاله أعقبه بأن الأمر ممكن فقال : إن تؤخزني إلى أجل قريب أصدق وأكن من الصالحين . وهو من بدائع الاستعمال القرآني لقصد الإيجاز وتوفير المعاني .
ووجه أبو علي الفارسي والزجاج قراءة الجمهور بجعل ( وأكن ) معطوفا على محل ( فأصدق ) . وقرأه أبو عمرو وحده من بين العشرة ( وأكون ) بالنصب والقراءة رواية متواترة وإن كانت مخالفة لرسم المصاحف المتواترة . وقيل : إنها يوافقها رسم مصحف أبي بن كعب ومصحف ابن مسعود .
وقرأ بذلك الحسن والأعمش وابن محيض من القراءات غير المشهورة . ورويت عن مالك بن دينار وابن جيبر وأبي رجاء . تلك أقل شهرة .
واعتذر أبو عمر عن مخالفة قراءته للمصحف بأن الواو حذفت في الخط اختصارا يريد انهم حذفوا صورة إشباع الضمة وهو الواو اعتمادا على نطق القارئ كما تحذف الألف اختصارا بكثرة في المصاحف . وقال القراء العرب : قد تسقط الواو في بعض الهجاء كما أسقطوا الألف من سليمان وأشباهه أي كما أسقطوا الواو الثانية من داوود وبكثرة يكتبونه داود . قال الفراء : ورأيت في مصاحب عبد الله " فقولا نقلا بغير واو وكل هذا لا حاجة إليه لأن القرآن متلقى بالتواتر لا بهجاء المصاحف وإنما المصاحف معينة على حفظه .
A E ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ) اعتراض في آخر الكلام فالواو اعتراضية تذكيرا للمؤمنين بالأجل لكل روح عند حلولها في جسدها حين يؤمر الملك الذي ينفخ الروح يكتب أجله وعمله ورزقه وشقي أو سعيد . فالأجل هو المدة المعينة لحياته لا يؤخر عن أمده فإذا حضر الموت كان دعاء المؤمن الله بتأخير أجله من الدعاء الذي استجاب لأن الله قدر الآجال .
وهذا سر عظيم لا يعلم حكمه تحديده إلا الله تعالى .
والنفس : الروح سميت نفسا أخذا من النفس بفتح الفاء وهو الهواء الذي يخرج من الأنف والفم من كل حيوان ذي رئة فسميت النفس لأن النفس يتولد منها كما سمي مرادف النفس روحا لأنه مأخوذ الروح بفتح الراء لأن الروح به . قال أبو بكر بن الأنباري .
و ( أجلها ) الوقت المحدد لبقائها في الهيكل الإنساني .
ويجوز أن يراد بالنفس الذات أي شخص الإنسان وهو من معاني النفس . كما في قوله تعالى ( أن النفس بالنفس ) وأجلها الوقت المعين مقداره لبقاء الحياة .
و ( لن ) لتأكيد نفي التأخير وعموم ( نفسا ) في سياق النفي يعم نفوس المؤمنين وغيرهم .
ومجيء الأجل حلول الوقت المحدد للاتصال بين الروح والجسد وهو ما علمه الله من طاقة البدن للبقاء حيا بحسب قواه وسلامته من العوارض المهلكة