وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ولا يخلو الإنسان من حالي حزن وسرور لأنه إذا لم يكن حزينا مغموما كان مسرورا لأن الله خلق السرور والانشراح ملازما للإنسان بسبب سلامة مزاجه وإدراكه لأنه إذا كان سالما كان نشيط الأعصاب وذلك النشاط تنشأ عنه المسرة في الجملة وإن كانت متفاوتة في الضعف والقوة فذكر الضحك والبكاء يفيد الإحاطة بأحوال الإنسان بإيجاز ويرمز إلى أسباب الفرح والحزن ويذكر بالصانع الحكيم ويبشر إلى أن الله هو المتصرف في الإنسان لأنه خلق أسباب فرحه ونكده وألهمه إلى اجتلاب ذلك بما في مقدوره وجعل حدا عظيما من ذلك خارجا على مقدور الإنسان وذلك لا يمتري فيه أحد إذا تأمل وفيه ما يرشد إلى الإقبال على طاعة الله والتضرع إليه ليقدر للناس أسباب الفرح ويدفع عنهم أسباب الحزن وإنما جرى ذكر هذا في هذا المقام لمناسبة أن الجزاء الأوفى لسعي الناس : بعضه سار لفريق وبعضه محزن لفريق آخر .
وأفاد ضمير الفصل قصرا لصفة خلق أسباب الضحك والبكاء على الله تعالى لإبطال الشريك في التصرف فتبطل الشركة في الإلهية وهو قصر إفراد لأن المقصود نفي تصرف غير الله تعالى وإن كان هذا القصر بالنظر إلى نفس الأمر قصرا حقيقيا لإبطال اعتقاد أن الدهر متصرف .
وإسناد الإضحاك والإبكاء إلى الله تعالى لأنه خالق قوتي الضحك والبكاء في الإنسان وذلك خلق عجيب ولأنه خالق طبائع الموجودات التي تجلب أسباب الضحك والبكاء من سرور وحزن .
A E ولم يذكر مفعول ( أضحك وأبكى ) لأن القصد إلى الفعلين لا إلى مفعوليهما فالفعلان منزلان منزلة اللازم أي أوجد الضحك والبكاء .
ولما كان هذا الغرض من إثبات انفراد الله تعالى بالتصرف في الإنسان بما يجده الناس في أحوال أنفسهم من خروج أسباب الضحك والبكاء على قدرتهم تعين أن المراد : أضحك وأبكى في الدنيا, ولا علاقة لهذا بالمسرة والحزن الحاصلين في الآخرة .
وفي الاعتبار بخلق الشيء وضده إشارة دقائق حكمة الله تعالى .
وفي هذه الآية محسن الطباق بين الضحك والبكاء وهما ضدان .
وتقديم الضحك على البكاء لأن فيه امتنانا بزيادة التنبيه على القدرة وحصل بذلك مراعاة الفاصلة .
وموقع هذه الجملة في عطفها مثل موقع جملة ( وأن سعيه سوف يرى ) في الاحتمالين فإن كانت مما شملته صحف إبراهيم كانت حكاية لقوله ( وإذا مرضت فهو يشفين ) .
( وأنه هو أمات وأحيا [ 44 ] ) انتقل من الاعتبار بانفراد الله بالقدرة على إيجاد أسباب المسرة والحزن وهما حالتان لا تخلو عن إحداهما نفس الإنسان إلى العبرة بانفراده تعالى بالقدرة على الإحياء والإماتة, وهما حالتان لا يخلو الإنسان عن إحداهما فإن الإنسان أول وجوده نطفة ميتة ثم علقة ثم مضغة " قطعة ميتة وإن كانت فيها مادة الحياة إلا أنها لم تبرز مظاهر الحياة فيها " ثم ينفخ فيه الروح ثم يصير إلى حياة وذلك بتدبير الله تعالى وقدرته .
ولعل المقصود هو العبرة بالإماتة لأنها وضح عبرة وللرد عليهم قولهم ( وما يهلكنا إلا الدهر ) , وأن عطف ( وأحيا ) تتميم واحتراس كما في قوله ( الذي خلق الموت والحياة ) . ولذلك قدم ( أمات ) على ( أحيا ) مع الرعاية على الفاصلة كما تقدم في ( أضحك وأبكى ) .
وموقع الجملة كموقع جملة ( وأن سعيه سوف يرى ) . فإن كان مضمونها مما شملته صحف إبراهيم كان المحكي بها من كلام إبراهيم ما حكاه الله عنه بقوله ( والذي يميتني ثن يحيين ) .
وفعلا ( أمات وأحيا ) منزلان منزلة اللازم كما تقدم في قوله ( وأنه هو أضحك وأبكى ) إظهارا لبديع القدرة على هذا الصنع الحكيم مع التعريض بالاستدلال على كيفية البعث وإمكانه حيث إحالة المشركون, وشاهده في خلق أنفسهم .
وضمير الفصل للقصر على نحو قوله ( وأنه هو أضحك وأبكى ) ردا على أهل الجاهلية الذين يسندون الإحياء والإماتة إلى الدهر فقالوا ( وما يهلكنا إلا الدهر ) . فليس المراد الحياة الآخرة لأن المتحدث عنهم لا يؤمنون بها, ولأنها مستقبلة والمتحدث عنه ماض .
وفي هذه الآية محسن الطباق أيضا لما بين الحياة والموت من التضاد .
( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى [ 45 ] من نطفة إذا تمنى [ 46 ] )