فالقصر قصر إفراد بتنزيل المشركين في إشراكهم أصنامهم بالله منزلة من يدعي أن الأصنام شركاء لله في صفاته التي منها : الإرزاق والقوة والشدة فأبطل ذلك بهذا القصر قال تعالى ( إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ) وقال ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) .
( فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنب أصحابهم فلا يستعجلون [ 59 ] ) تفريع على جملة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) باعتبار أن المقصود من سياقه إبطال عبادتهم غير الله أي فإذا لم يفردني المشركون بالعبادة فإن لهم ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم وهو يلمح إلى ما تقدم من ذكر ما عوقبت به الأمم السالفة من قوله ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) إلى قولهم ( إنهم كانوا قوما فاسقين ) .
والمعنى : فإذا ماثلهم الذين ظلموا فإن لهم نصيبا عظيما من العذاب مثل نصيب أولئك .
والذين ظلموا : الذين أشركوا من العرب والظلم : الشرك بالله .
والذنوب بفتح الذال : الدلو العظيمة يستسقي بها السقاة على القليب كما ورد في حديث الرؤيا " ثم أخذها أبو بكر ففزع ذنوبا أو ذنوبين " ولا تسمى ذنوبا إلا إذا كانت ملأى .
والكلام تمثيل لهيئة تساوي حظ الذين ظلموا من العرب بحظوظ الذين ظلموا من الأمم السالفة بهيئة الذين يستقون من قليب واحد إذ يتساوون في أنصبائهم من الماء وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس وأطلق على الأمم الماضية اسم وصف أصحاب الذين ظلموا باعتبار الهيئة المشبه بها إذ هي هيئة جماعات الورد يكونون متصاحبين .
A E وهذا التمثيل القابل للتوزيع بأن يشبه المشركون بجماعة وردت على الماء وتشبه الأمم الماضية بجماعة سبقتهم للماء ويشبه نصيب كل جماعة بالدلو التي يأخذونها من الماء .
قال علقمة بن عبدة يمدح الملك الحارث بن أبي شمر ويشفع عنده لأخيه شأس بن عبدة وكان قد وقع في أسره مع بني تميم يوم عين أباغ : .
وفي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب فلما سمعه الملك قال " نعم وأذنبة " وأطلق له أخاه شأس بن عبدة ومن معه من أسرى تميم وهذا تسلية للنبي A . والمقصود : أن يسمعه المشركون فهو تعريض وبهذا الاعتبار أكد الخبر ب ( أن ) لأنهم كانوا مكذبين بالوعيد ولذلك فرع على التأكيد قوله ( فلا يستعجلون ) لأنهم كانوا يستعجلون بالعذاب استهزاء وإشعارا بأنه وعد مكذوب فهم في الواقع يستعجلون الله تعالى بوعيده .
وعدي الاستعجال إلى ضمير الجلالة وهم إنما استعجلوه النبي A لإظهار أن النبي A مخبر عن الله تعالى توبيخا لهم وإنذارا بالوعيد . وحذفت ياء المتكلم للتخفيف .
والنهي مستعمل في التهكم إظهارا لغضب الله عليهم .
( فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون [ 60 ] ) فرع على وعيدهم إنذار آخر بالويل أو إنشاء زجر .
والويل : الشر وسوء الحال وتقدم في قوله ( فويل لهم مما كتبت أيديهم ) في سورة البقرة وتنكيره للتعظيم .
والكلام يحتمل الإخبار بحصول ويل أي عذاب وسوء حال لهم يوم أوعدوا به ويحتمل إنشاء الزجر والتعجيب من سوء حالهم في يوم أوعدوه .
و ( من ) للابتداء المجازي أي سوء حال بترقبهم عذابا آتيا من اليوم الذي أوعدوه .
والذين كفروا : هم الذين ظلموا عدل عن ضميرهم إلى الاسم الظاهر لما فيه من تأكيد الاسم السابق تأكيدا بالمرادف مع ما في صفة الكفر من الإيماء إلى أنهم لم يشكروا نعمة خالقهم .
واليوم الذي أوعدوه هو زمن حلول العذاب فيحتما أنه يراد يوم القيامة ويحتمل حلول العذاب في الدنيا وأيا ما كان فمضمون هذه الجملة مغاير لمضمون التي قبلها .
وإضافة ( يوم ) إلى ضميرهم للدلالة على اختصاصه بهم أي هو معين الجزائف كما أضيف يوم إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى ( وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) .
واليوم : يصدق بيوم القيامة ويصدق بيوم بدر الذي استأصل الله فيه شوكتهم