وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وتوحيد الضمير في ( فرح ) لمراعاة لفظ الإنسان وإن كان معناه جمعا كقوله ( فقاتلوا التي تبغي ) أي الطائفة التي تبغي فاعتد بلفظ طائفة دون معناه مع أنه قال قبله ( اقتتلوا ) . ولذلك جاء بعده ( وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم ) بضميري الجماعة ثم عاد فقال ( فإن الإنسان كفور ) .
A E واجتلاب ( إذا ) في هذا الشرط لأن شأن ( إذا ) أن تدل على تحقق كثرة وقوع شرطها وشأن ( إن ) أن تدل على ندرة وقوعه ولذلك اجتلب ( إن ) في قوله ( وإن تصبهم سيئة ) لأن إصابتهم بالسيئة نادرة بالنسبة لإصابتهم بالنعمة على حد قوله تعالى ( فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ) .
ومعنى قوله ( وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم ) تقدم بسطه عند قوله آنفا ( وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ) .
والحكم الذي تضمنته جملة ( فإن الإنسان كفور ) هو المقصود من جملة الشرط كلها ولذلك أعيد حرف التأكيد فيها بعد أن صدرت به الجملة المشتملة على الشرط ليحيط التأكيد بكلتا الجملتين وقد أفاد ذلك أن من عوارض صفة الإنسانية عروض الكفر بالله لها لأن في طبع الإنسان تطلب مسالك النفع وسد منافذ الضر مما ينجر إليه من أحوال لا تدخل بعض أسبابها في مقدوره ومن طبعه النظر في الوسائل الواقية له بدلائل العقل الصحيح ولكن من طبعه تحريك خياله في تصوير قوي تخوله تلك الأسباب فإذا أملي عليه خياله وجود قوى متصرفة في النواميس الخارجة عن مقدوره خالها ضالته المنشودة فركن إليها وآمن بها وغاب عنه دليل الحق إما لقصور تفكيره عن دركه وانعدام المرشد إليه أو لغلبة هواه الذي يملي عليه عصيان المرشدين من الأنبياء والرسل والحكماء الصالحين إذ لا يتبعهم إلا القليل من الناس ولا يهتدي بالعقل من تلقاء نفسه إلا الأقل مثل الحكماء فغلب على نوع الإنسان الكفر بالله على الإيمان به كما بيناه آنفا في قوله ( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ) .
ولذلك عقب هذا الحكم على النوع بقوله ( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء ) . ولم يخرج عن هذا العموم إلا الصالحون من نوع الإنسان على تفاوت بينهم في كمال الخلق وقد استفيد خروجهم من آيات كثيرة كقوله ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
وقد شمل وصف ( كفور ) ما يشمل كفران النعمة وهما متلازمان في الأكثر .
( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء ) استئناف بياني لأن ما سبقه من عجيب خلق الإنسان الذي لم يهذبه الهدي الإلهي يثير في نفس السامع سؤالا عن فطر الإنسان على هاذين الخلقين اللذين يتلقى بهما نعمة ربه وبلاءه وكيف لم يفطر على الخلق الأكمل ليتلقى النعمة بالشكر والضر بالصبر والضراعة وسؤالا أيضا عن سبب إذاقة الإنسان النعمة مرة والبؤس مرة فيبطر ويكفر وكيف لم يجعل حاله كفافا لا لذات له ولا بلايا كحال العجماوات فكان جوابه : أن الله المتصرف في السماوات والأرض يخلق فيهما ما يشاء من الذوات وأحوالها . وهو جواب إجمالي إقناعي يناسب حضرة الترفع عن الدخول في المجادلة عن الشؤون الإلهية .
وفي قوله ( يخلق ما يشاء ) من الإجمال ما يبعث المتأمل المنصف على تطلب الحكمة في ذلك فإن تطلبها انقادت له كما أومأ إلى ذلك تذييل هذه الجملة بقوله ( إنه عليم قدير ) فكأنه يقول : عليكم بالنظر في الحكمة في مراتب الكائنات وتصرف مبدعها فكما خلق الملائكة على أكمل الأخلاق في جميع الأحوال وفطر الدواب على حد لا يقبل كمال الخلق كذلك خلق الإنسان على أساس الخير والشر وجعله قابلا للزيادة منهما على اختلاف مراتب عقول أفراده وما يحيط بها من الاقتداء والتقليد وخلقه كامل التمييز بين النعمة وضدها ليرتفع درجات وينحط دركات مما يختاره لنفسه ولا يلائم فطر الإنسان على فطرة الملائكة حالة عالمه المادي إذ لا تأهل لهذا العالم لأن يكون سكانه كالملائكة لعدم الملاءمة بين عالم المادة وعالم الروح . ولذلك لما تم خلق الفرد الأول من الإنسان وآن أوان تصرفه مع قرينته بحسب ما بزغ فيهما من القوى لم يلبث أن نقل من عالم الملائكة إلى عالم المادة كما أشار إليه قوله تعالى ( قال اهبطا منها جميعا )