وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ومعنى نفي نفع الفرار وإن كان فيه تعاطي سبب النجاة هذا السبب غير مأذون فيه لوجوب الثبات في وجه العدو مع النبي صلى الله عليه وسلم فيتمحض في هذا الفرار مراعاة جانب الحقيقة وهو ما قدر للإنسان من الله إذ لا معارض له فلو كان الفرار مأذونا فيه لجاز مراعاة ما فيه من أسباب النجاة ؛ فقد كان المسلمون مأمورين بثبات الواحد للعشرة من العدو فكان حينئذ الفرار من وجه عشرة أضعاف المسلمين غير مأذون فيه وأذن فيما زاد على ذلك ولما نسخ الله ذلك بأن يثبت المسلمون لضعف عددهم من العدو فالفرار فيما زاد على ذلك مأذون فيه وكذلك إذ كان المسلمون زحفا فإن الفرار حرام ساعتئذ .
وأحسب أن الأمر في غزوة الخندق كان قبل النسخ فلذلك وبخ الله الذين أضمروا الفرار فإن عدد جيش الأحزاب يومئذ كان بمقدار أربعة أمثال جيش المسلمين ولم يكن المسلمون يومئذ زحفا فإن الحالة حالة حصار .
ويجوز أن يكون المعنى أيضا : أنكم إن فررتم فنجوتم من القتل لا ينفعكم الفرار من الموت بالأجل وعسى أن تكون آجالكم قريبة .
A E والموت أريد به : الموت الزؤام وهو الموت حتف أنفه لأنه قوبل بالقتل . والمعنى : أن الفرار لا يدفع الموت الذي علم الله أنه يقع بالفار في الوقت الذي علم أن الفار يموت فيه ويقتل فإذا خيل إلى الفار أن الفرار قد دفع عنه خطرا فإنما ذلك في الأحوال التي علم الله أنها لا يصيب الفار فيها أذى ولا بد له من موت حتف أنفه أو قتل في الإبان الذي علم الله أنه يموت فيه أو يقتل .
ولهذا عقب بجملة ( وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) جوابا عن كلام مقدر دل عليه المذكور أي إن خيل إليكم أن الفرار نفع الذي فر في وقت ما فما هو إلا نفع زهيد لأنه تأخير في أجل الحياة وهو متاع قليل أي إعطاء الحياة مدة منتهية فإن ( إذن ) قد يكون جوابا لمحذوف دل عليه الكلام المذكور كقول العنبري : .
لو كنت من مأزن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبان .
إذن لقام بنصري معشر خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا فإن قوله : إذن لقام بنصري جواب وجزاء عن مقدر دل عليه : لم تستبح إبلي . والتقدير : فإن استباحوا إبلي إذن لقام بنصري معشر وهو الذي أشعر كلام المرزوقي باختياره خلافا لما في مغنى اللبيب .
والأكثر أن ( إذن ) إن وقعت بعد الواو والفاء العاطفتين أن لا ينصب المضارع بعدها وورد نصبه نادرا .
والمقصود من الآية تخليق المسلمين بخلق استضعاف الحياة الدنيا وصرف هممهم إلى السعي نحو الكمال الذي به السعادة الأبدية سيرا وراء تعاليم الدين التي تقود النفوس إلى أوج الملكية .
( قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ) يظهر أن هذه الجملة واقعة موقع التعليل لجملة ( لن ينفعكم الفرار إن فررتم ) الآية ؛ فكأنه قيل : فمن ذا الذي يعصمكم من الله أي فلا عاصم لكم من نفوذ مراده فيكم . وإعادة فعل ( قل ) تكرير لأجل الاهتمام بمضمون الجملة .
والمعنى : لأن قدرة الله وإرادته محيطة بالمخلوقات فمتى شاء عطل تأثير الأسباب أو عرقلها بالموانع فإن يشأ شرا حرم الانتفاع بالأسباب أو الاتقاء بالموانع فربما أتت الرزايا من وجوه الفوائد ومتى شاء خيرا خاصا بأحد لطف له بتمهيد الأسباب وتيسيرها حتى يلاقي من التيسير ما لم يكن مترقبا ومتى لم تتعلق مشيئته بخصوص أرسل الأحوال في مهيعها وخلى بين الناس وبين ما سببه في أحوال الكائنات فنال كل أحد نصيبا على حسب فطنته ومقدرته واهتدائه فإن الله أودع في النفوس مراتب التفكير والتقدير ؛ فأنتم إذا عصيتم الله ورسوله وخذلتم المؤمنين تتعرضون لإرادته بكم السوء فلا عاصم لكم من مراده فالاستفهام إنكاري في معنى النفي لاعتقادهم أن الحيلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفعهم وأن الفرار يعصمهم من الموت إن كان قتال .
وجملة ( من هذا الذي يعصمكم ) الخ جواب الشرط في قوله ( إن أراد بكم سوءا ) الخ دليل الجواب عند نحاة البصرة .
والعصمة : الوقاية والمنع مما يكرهه المعصوم