ومعنى حصر مفاتح الغيب في هذه الخمسة أنها هي الأمور المغيبة المتعلقة بأحوال الناس في هذا العالم وأن التعبير عنها بالمفاتح أنها تكون مجهولة للناس فإذا وقعت فكأن وقوعها فتح لما كان مغلقا وأما بقية أحوال الناس فخفاؤها عنهم متفاوت ويمكن لبعضهم تعيينها مثل تعيين يوم كذا للزفاف ويوم كذا للغزو وهكذا مواقيت العبادات والأعياد وكذلك مقارنات الأزمنة مثل : يوم كذا مدخل الربيع ؛ فلا تجد مغيبات لا قبل لأحد بمعرفة وقوعها من أحوال الناس في هذا العالم غير هذه الخمسة فأما في العوالم الأخرى وفي الحياة الآخرة فالمغيبات عن علم الناس كثيرة وليست لها مفاتح علم في هذا العالم .
وجملة ( إن الله عليم خبير ) مستأنفة ابتدائية واقعة موقع النتيجة لما تضمنه الكلام السابق من إبطال شبهة المشركين بقوله تعالى ( إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ) كموقع قوله في قصة لقمان ( إن الله لطيف خبير ) عقب قوله ( إنها إن تك مثقال حبة من خردل ) الآية .
والمعنى : أن الله عليم بمدى وعده خبير بأحوالكم مما جمعه قوله ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) الخ . ولذا جمع بين الصفتين صفة ( عليم ) وصفة ( خبير ) لأن الثانية أخص .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة السجدة .
أشهر أسماء هذه السورة هو ( سورة السجدة ) وهو أخصر أسمائها وهو المكتوب في السطر المجعول لاسم السورة من المصاحف المتداولة . وبهذا الاسم ترجم لها الترمذي في جامعه وذلك بإضافة كلمة ( سورة ) إلى كلمة ( السجدة ) . ولا بد من تقدير كلمة ( ألم ) محذوفة للاختصار إذ لا يكفي مجرد إضافة سورة إلى السجدة في تعريف هذه السورة فإنه لا تكون سجدة من سجود القرآن إلا في سورة من السور .
وتسمى أيضا ( ألم تنزيل ) ؛ روى الترمذي عن جابر بن عبد الله " إن النبي A كان لا ينام حتى يقرأ ( ألم تنزيل ) و ( تبارك الذي بيده الملك ) .
وتسمى ( ألم تنزيل السجدة ) . وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة " كان النبي A يقرأ يوم الجمعة في صلاة الفجر ( ألم تنزيل السجدة ) و ( هل أتى على الإنسان ) . قال شارحو صحيح البخاري ضبط اللام من كلمة ( تنزيل ) بضمة على الحكاية وأما لفظ ( السجدة ) في هذا الحديث فقال ابن حجر هو بالنصب : وقال العيني والقسطلاني بالنصب على أنه عطف بيان " يعني أنه بيان للفظ ( ألم تنزيل ) وهذا بعيد لأن لفظ السجدة ليس اسما لهذه السورة إلا بإضافة ( سورة ) إلى ( السجدة ) فالوجه أن يكون لفظ ( السجدة ) في كلام أبي هريرة مجرورا بإضافة مجموع ( ألم تنزيل ) إلى لفظ ( السجدة ) وسأبين كيفية هذه الإضافة .
وعنونها البخاري في صحيحه ( سورة تنزيل السجدة ) . ويجب أن يكون ( تنزيل ) مضمونا على حكاية لفظ القرآن فتميزت هذه السورة بوقوع سجدة تلاوة فيها من بين السور المفتتحة ب ( ألم ) فلذلك فمن سماها ( سورة السجدة ) عنى تقدير مضاف أي سورة ( ألم السجدة ) .
ومن سماها ( تنزيل السجدة ) فهو على تقدير ( ألم تنزيل السجدة ) بجعل ( ألم تنزيل ) اسما مركبا ثم أضافته إلى السجدة أي ذات السجدة لزيادة التمييز والإيضاح وإلا فإن ذكر كلمة ( تنزيل ) كاف في تمييزها عما عداها من ذوات ( ألم ) ثم اختصر بحذف ( ألم ) وإبقاء ( تنزيل ) واضيف ( تنزيل ) إلى ( السجدة ) على ما سيأتي في توجيه تسميتها ( ألم تنزيل السجدة ) .
ومن سماها ( إلم السجدة ) فهو على إضافة ( ألم ) إلى ( السجدة ) إضافة على معنى اللام وجعل ( ألم ) اسما للسورة .
ومن سموها ( ألم تنزيل السجدة ) لم يتعرضوا لضبطها في شروح صحيح البخاري ولا في النسخ الصحيحة من الجامع الصحيح ويتعين أن يكون ( ألم ) مضافا إلى ( تنزيل ) على أن مجموع المضاف والمضاف إليه اسم لهذه السورة محكي لفظه ؛ فتكون كلمة ( تنزيل ) مضمونه على حكاية لفظها القرآني وأن يعتبر هذا المركب الإضافي اعتبار العلم مثل : عبد الله ويعتبر مجموع ذلك المركب الإضافي مضافا إلى السجدة إضافة المفردات وهو استعمال موجود ومنه قول تأبط شرا : .
إني لمهد من ثنائي فقاصد ... به لبن عم الصدق شمس بن مالك إذ أضاف مجموع " ابن عم " إلى " الصدق " ولم يرد إضافة عم إلى الصدق . وكذلك قول أحد الطائيين في ديوان الحماسة : .
داو ابن السوء بالنأي والغنى ... كفى بالغنى والنأي عنه مداويا