وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

( ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتب ينطق بالحق وهم لا يظلمون [ 62 ] ) تذييل لما تقدم من أحوال الذين من خشية ربهم مشفقون لأنه لما ذكر ما اقتضى مخالفة المشركين لما أمروا به من توحيد الدين وذكر بعده ما دل على تقوى المؤمنين بالخشية وصحة الإيمان والبذل ومسارعتهم في الخيرات . ذيل ذلك بأن الله ما طلب من الذين تقطعوا أمرهم إلا تكليفا لا يشق عليهم وبأن الله عذر من المؤمنين من لم يبلغوا مبلغ من يفوتهم في الأعمال عذرا يقتضي اعتبار أجرهم على ما فاتهم إذ بذلوا غاية وسعهم . قال تعالى ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ) .
فقوله ( ولا نكلف نفسا إلا وسعها ) خبر مراد منه لازمه وهو تسجيل التقصير على الذين تقطعوا أمرهم بينهم . وقطع معذرتهم وتيسير الاعتذار على الذين هم من خشية ربهم مشفقون كقوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر ) مع ما في ذلك من جبر الخواطر المنكسرة من أهل الإيمان الذين لم يلحقوا غيرهم لعجز أو خصاصة .
ولمراعاة هذا المعنى عطف قوله ( ولدينا كتاب ينطق بالحق ) وهو معنى إحاطة العلم بأحوالهم ونواياهم . فالكتاب هنا هو الأمر الذي فيه تسجيل الأعمال من حسنات وسيئات وإطلاق الكتاب عليه لإحاطته . وفي قوله ( لدينا ) دلالة على أن ذلك محفوظ لا يستطيع أحد تغييره بزيادة ولا نقصان . والنطق مستعار للدلالة ويجوز أن يكون نطق الكتاب حقيقة بأن تكون الحروف المكتوبة فيه ذات أصواب وقدرة الله لا تحد .
وأما قوله ( وهم لا يظلمون ) فالمناسب أن يكون مسوقا لمؤاخذة المفرطين والمعرضين فيكون الضمير عائدا إلى ما عاد إليه ضمير ( فتقطعوا أمرهم ) وأشباهه من الضمائر والاعتماد على قرينة السياق وقوله ( بل قلوبهم في غمرة من هذا ) وما بعده من الضمائر . والظلم على هذا الوجه محمول على ظاهره وهو حرمان الحق والاعتداء .
ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى عموم الأنفس في قوله ( ولا تكلف نفسا إلا وسعها ) فيكون قوله ( وهم لا يظلمون ) من بقية التذييل والظلم على هذا الوجه مستعمل في النقص من الحق كقوله تعالى ( كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم شيئا ) فيكون وعيدا لفريق ووعدا لفريق .
وهذا أليق الوجهين بالإعجاز .
( بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمل من دون ذلك لها عاملون [ 63 ] ) إضراب انتقال إلى ما هو أغرب مما سبق وهو وصف غمرة أخرى انغمس فيها المشركون فهم في غمرة غمرت قلوبهم وأبعدتها عن أن تتخلق بخلق الذين هم من خشية ربهم مشفقون كيف وأعمالهم إلى الضد من أعمال المؤمنين تناسب كفرهم فكل يعمل على شاكلته .
فحرف ( من ) في قوله ( من هذا ) يوهم البدلية أي في غمرة تباعدهم عن هذا .
والإشارة ب ( هذا ) إلى ما ذكر آنفا من صفات المؤمنين في قوله ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ) إلى قوله ( وهم لها سابقون ) .
و ( دون ) تدل على المخالفة لأحوال المؤمنين أي ليسوا أهلا للتحلي بمثل تلك المكارم .
وقوله ( ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ) يبين ( هذا ) أي وأعمالهم التي يعملونها غير ذلك . ويذكرني هذا قول محمد بن بشير الخارجي في مدح عروة بن زيد الخيل : .
يا أيها المتمني أن يكون فتى ... مثل ابن زيد لقد أخلى لك السبلا .
أعدد فضائل أخلاق عددن له ... هل سب من أحد أو سب أو بخلا .
إن تنفق المال أو تكلف مساعيه ... يشفق عليك وتفعل دون ما فعلا ولام ( لهم أعمال ) للاختصاص . وتقديم المجرور بها على المبدأ لقصر المسند إليه على المسند أي لهم أعمال لا يعملون غيرها من أعمال الإيمان والخيرات .
ووصف ( أعمال ) بجملة ( هم لها عاملون ) للدلالة على أنهم مستمرون عليها لا يقلعون عنها لأنهم ضروا بها لكثرة انغماسهم فيها .
وجيء بالجملة الاسمية لإفادة الدوام على تلك الأعمال وثباتهم عليها .
ويجوز أن يكون تقديم ( لها ) على ( عاملون ) لإفادة الاختصاص لقصر القلب أي لا يعملون غيرها من الأعمال الصالحة التي دعوا إليها . ويجوز أن يكون للرعاية على الفاصلة لأن القصر قد أفيد بتقديم المسند إليه .
A E