والتسلية من قوله ( إن العاقبة للمتقين ) .
والإشارة ب ( تلك ) إلى ما تقدم من خبر نوح عليه السلام وتأنيث اسم الإشارة بتأويل أن المشار إليه القصة .
A E والأنباء : جمع نبأ وهو الخبر . وأنباء الغيب الأخبار المغيبة عن الناس أو عن فريق منهم . فهذه الأنباء مغيبة بالنسبة إلى العرب كلهم لعدم علمهم بأكثر من مجملاتها وهي أنه قد كان في الزمن الغابر نبي يقال له : نوح عليه السلام أصاب قومه طوفان وما عدا ذلك فهو غيب كما أشار إليه قوله ( ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) فإنهم لم ينكروا ذلك ولم يدعوا علمه . على أن فيها ما هو غيب بالنسبة إلى جميع الأمم مثل قصة ابن نوح الرابع وعصيانه أباه وإصابته بالغرق ومثل كلام الرب مع نوح عليه السلام عند هبوطه من السفينة ومثل سخرية قومه به وهو يصنع الفلك وما دار بين نوح عليه السلام وقومه من المحاورة فإن ذلك كله مما لم يذكر في كتب أهل الكتاب .
وجمل ( من أنباء الغيب ) و ( نوحيها ) و ( ما كنت تعلمها ) أخبار عن اسم الإشارة أو بعضها خبر وبعضها حال . وضمير ( أنت ) تصريح بالضمير المستتر في قوله ( تعلمها ) لتصحيح العطف عليه .
وعطف ( ولا قومك ) من الترقي لأن في قومه من خالط أهل الكتاب ومن كان يقرأ ويكتب ولا يعلم أحد منهم كثيرا مما أوحي إليه من هذه القصة .
والإشارة بقوله ( من قبل هذا ) إما إلى القرآن وإما إلى الوقت باعتبار ما في هذه القصة من الزيادة على ما ذكر في أمثالها مما تقدم نزوله عليها وإما إلى ( تلك ) بتأويل النبأ فيكون التذكير بعد التأنيث شبيها بالالتفات .
ووجه تفريع أمر الرسول بالصبر على هذه القصة أن فيها قياس حالة مع قومه على حال نوح عليه السلام مع قومه فكما صبر نوح عليه السلام فكانت العاقبة له كذلك تكون العاقبة لك على قومك . وخبر نوح عليه السلام مستفاد مما حكي من مقاومة قومه ومن ثباته على دعوتهم لأن ذلك الثبات مع تلك المقاومة من مسمى الصبر .
وجملة ( إن العاقبة للمتقين ) علة للصبر المأمور به أي اصبر لأن داعي الصبر قائم وهو أن العاقبة الحسنة تكون للمتقين فستكون لك وللمؤمنين معك .
والعاقبة : الحالة التي تعقب حالة أخرى . وقد شاعت عند الإطلاق في حالة الخير كقوله ( والعاقبة للتقوى ) .
والتعريف في ( العاقبة ) للجنس .
واللام في ( للمتقين ) للاختصاص والملك فيقتضي ملك المتقين لجنس العاقبة الحسنة فهي ثابتة لهم لا تفوتهم وهي منتفية عن أضدادهم .
( وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون [ 50 ] يا قوم لا أسئلكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون [ 51 ] ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين [ 52 ] ) عطف على ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ) فعطف ( وإلى عاد ) على ( إلى قومه ) . وعطف ( أخاهم ) على ( نوحا ) والتقدير : وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا . وهو من العطف على معمولي عامل واحد .
وتقديم المجرور للتنبيه على أن العطف من عطف المفردات لا من عطف الجمل لأن الجار لا بد له من متعلق وقضاء لحق الإيجاز ليحضر ذكر عاد مرتين بلفظه ثم بضميره .
ووصف ( هود ) بأنه أخو عاد لأنه كان من نسبهم كما يقال : يا أخا العرب أي يا عربي .
وتقدم ذكر عاد وهود في سورة الأعراف .
وجملة ( قال ) مبينة للجملة المقدرة وهي ( أرسلنا ) .
ووجه التصريح بفعل القول لأن فعل ( أرسلنا ) محذوف فلو بين بجملة ( يا قوم اعبدوا ) كما بين في قوله ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ) لكان بيانا لمعدوم وهو غير جلي .
وافتتاح دعوته بنداء قومه لاسترعاء أسماعهم إشارة إلى أهمية ما سيلقى إليهم .
وجملة ( ما لكم من إله غيره ) حال من ضمير ( اعبدوا ) أو من اسم الجلالة . والإتيان بالحال لاستقصاد إبطال شركهم بأنهم أشركوا غيره في عبادته في حال أنهم لا إله لهم غيره أو في حال أنه لا إله لهم غيره . وذلك تشنيع للشرك