وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ثم إن كان نوح عليه السلام لم يسبق له وحي من الله بأن الله لا يغفر للمشركين في الآخرة كان نهيه عن أن يسأل ما ليس له به علم نهي تنزيه لأمثاله لأن درجة النبوءة تقتضي أن لا يقدم على سؤال ربه سؤلا لا يعلم إجابته . وهذا كقوله تعالى ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) وقوله ( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) وإن كان قد أوحي إليه بذلك من قبل كما دل عليه قوله ( وإن وعدك الحق ) . وكان سؤاله المغفرة لابنه طلبا تخصيصه من العموم . وكان نهيه نهي لوم وعتاب حيث لم يتبين من ربه جواز ذلك .
A E وكان قوله ( ما ليس لك به علم ) محتملا لظاهره ومحتملا لأن يكون كناية عن العلم بضده أي فلا تسألني ما علمت أنه لا يقع .
ثم إن كان قول نوح عليه السلام ( إن ابني من أهلي ) إلى آخره تعريضا بالمسؤول كان النهي في قوله ( فلا تسألني ما ليس لك به علم ) نهيا عن الإلحاح أو العود إلى سؤاله ؛ وإن كان قول نوح عليه السلام مجرد تمهيد للسؤال لاختبار حال إقبال الله على سؤاله كان قوله تعالى ( فلا تسألني ) نهيا عن الإفضاء بالسؤال الذي مهد له بكلامه . والمقصود من النهي تنزيهه عن تعريض سؤاله للرد .
وعلى كل الوجوه فقوله ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) موعظة على ترك التثبت قبل الإقدام .
والجهل فيه ضد العلم وهو المناسب لمقابلته بقوله ( ما ليس لك به علم ) .
فأجاب نوح عليه السلام كلام ربه بما يدل على التنصل مما سأل فاستعاذ أن يسأل ما ليس له به علم فإن كان نوح عليه السلام أراد بكلامه الأول التعريض بالسؤال فهو أمر قد وقع فالاستعاذة تتعلق بتبعة ذلك أو بالعود إلى مثله في المستقبل ؛ وإن كان إنما أراد التمهيد للسؤال فالاستعاذة ظاهرة أي الانكفاف عن الإفضاء بالسؤال .
وقوله ( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) طلب المغفرة ابتداء لأن التخلية مقدمة على التحلية ثم أعقبها بطلب الرحمة لأنه إذا كان بمحل الرضى من الله كان أهلا للرحمة .
وقد سلك المفسرون في تفسيرهم هذه الآيات مسلك كون سؤال نوح عليه السلام سؤالا لإنجاء ابنه من الغرق فاعترضتهم سبل وعرة متنائية ولقوا عناء في الاتصال بينها والآية بمعزل عنها ولعلنا سلكنا الجادة في تفسيرها .
( قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم [ 48 ] ) فصلت الجملة ولم تعطف لوقوعها في سياق المحاورة بين نوح عليه السلام وربه فإن نوحا عليه السلام لما أجاب بقوله ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ) إلى آخره خاطبه ربه إتماما للمحاورة بما يسكن جأشه .
وكان مقتضى الظاهر أن يقول : قال يا نوح اهبط ولكنه عدل عنه إلى بناء الفعل للنائب ليجيء على وتيرة حكاية أجزاء القصة المتقدمة من قوله ( وقيل يا أرض ابلعي ) ... ( وقيل بعدا للقوم الظالمين ) فحصل بذلك البناء قضاء حق الإشارة إلى جزء القصة كما حصل بالفصل قضاء حق الإشارة إلى أن ذلك القول جزء المحاورة .
ونداء نوح عليه السلام للتنويه به بين الملأ .
والهبوط : النزول . وتقدم في قوله ( اهبطوا مصرا ) في سورة البقرة . والمراد : النزول من السفينة لأنها كانت أعلى من الأرض .
والسلام : التحية وهو مما يخاطب بها عند الوداع أيضا يقولون : اذهب بسلام ومنه قول لبيد : .
" إلى الحول ثم اسم السلام عليكما وخطابه بالسلام حينئذ إيماء إلى أنه كان في ضيافة الله تعالى لأنه كان كافلا له النجاة كما قال تعالى ( وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا ) .
وأصل السلام السلامة فاستعمل عند اللقاء إيذانا بتأمين المرء ملاقيه وأنه لا يضمر له سوءا ثم شاع فصار قولا عند اللقاء للإكرام . وبذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم الذين قالوا : السلام على الله فقوله هنا ( اهبط بسلام ) نظير قوله ( ادخلوها بسلام آمنين ) فإن السلام ظاهر في التحية لتقييده ب ( آمنين ) . ولو كان السلام مرادا به السلامة لكان التقييد ب ( آمنين ) توكيدا وهو خلاف الأصل