وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقوله ( من الظالمين ) أبلغ في إثبات الظلم من : إني ظالم كما تقدم في قوله تعالى ( قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) في سورة البقرة .
وأكده بثلاث مؤكدات : إن ولام الابتداء وحرف الجزاء تحقيقا لظلم الذين رموا المؤمنين بالرذالة وسلبوا الفضل عنهم لأنه أراد التعريض بقومه في ذلك . وسيجيء في سورة الشعراء ذكر موقف آخر لنوح عليه السلام مع قومه في شأن هؤلاء المؤمنين .
( قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين [ 32 ] قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين [ 33 ] ) فصلت هذه الجملة فصلا على طريقة حكاية الأقوال في المحاورات كما تقدم في قصة آدم عليه السلام من سورة البقرة .
والمجادلة : المخاصمة بالقول وإيراد الحجة عليه فتكون في الخير كقوله ( يجادلنا في قوم لوط ) ويكون في الشر كقوله ( ولا جدال في الحج ) . وإنما أرادوا أنه جادلهم فيما هو شر فعبر عن مرادهم بلفظ الجدال الموجه وقد مضى عند قوله تعالى ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) في سورة النساء .
وهذا قول وقع عقب مجادلته المحكية في الآية قبل هذه فتعين أن تلك المجادلة كانت آخر مجادلة جادلها قومه وأن ضجرهم وسآمتهم من تكرار مجادلته حصل ساعتئذ فقالوا قولهم هذا فكانت كلها مجادلات مضت . وكانت المجادلة الأخيرة هي التي استفزت امتعاضهم من قوارع جدله حتى سئموا من تزييف معارضتهم وآرائهم شأن المبطل إذا دمغته الحجة ولذلك أرادوا طي بساط الجدال وأرادوا إفحامه بأن طلبوا تعجيل ما توعدهم من عذاب ينزل بهم كقوله آنفا ( إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) .
وقولهم ( فأكثرت جدالنا ) خبر مستعمل في التذمر والتضجير والتأييس من الاقتناع أجابهم بالمبادرة لبيان العذاب لأن ذلك أدخل في الموعظة فبادر به ثم عاد إلى بيان مجادلته .
والإتيان بالشيء : إحضاره . وأرادوا به تعجيله وعدم إنظاره .
و ( ما تعدنا ) مصداقه ( عذاب يوم أليم ) .
والقصر في قوله ( إنما يأتيكم به الله إن شاء ) قصر قلب بناء على ظاهر طلبهم حملا لكلامهم على ظاهره على طريقة مجاراة الخصم في المناظرة وإلا فإنهم جازمون بتعذر أن يأتيهم بما وعدهم لأنهم يحسبونه كاذبا وهم جازمون بأن الله لم يتوعدهم ولعلهم كانوا لا يؤمنون بوجود الله . وقوله ( إن شاء ) احتراس راجع إلى حمل العذاب على عذاب الدنيا .
ومعنى ( وما أنتم بمعجزين ) ما أنتم بناجين وفالتين من الوعيد يريد أن العذاب واقع لا محالة . ولعل نوحا عليه السلام لم يكن له وحي من الله بأن يحل بهم عذاب الدنيا فلذلك فوضه إلى المشيئة ؛ أو لعله كان يوقن بنزوله بهم فيكون التعليق ب ( إن شاء ) منظورا فيه إلى كون العذاب معجلا أو مؤخرا .
( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون [ 34 ] ) عطف على وعظهم بحلول العذاب وتوقعه بيان حال مجادلته إياهم التي امتعضوا منها بأنها مجادلة لنفعهم وصلاحهم وفي ذلك تعريض بتحميقهم وتسفيه آرائهم حيث كرهوا ما هو نفع لهم .
A E والنصح : قول أو عمل يريد صاحبه صلاح المعمول لأجله . وأكثر ما يطلق على الأقوال النافعة المنقذة من الأضرار . ويكون بالعمل كقوله تعالى ( إذا نصحوا لله ورسوله ) في سورة التوبة . وفي الحديث " الدين النصيحة لله ولرسوله " أي الإخلاص في العمل لهما لأن الله لا ينبأ بشيء لا يعلمه . وقد تقدم في قوله تعالى ( ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) في سورة الأعراف . فالمراد بالنصح هنا هو ما سماه قومه بالجدال أي هو أولى بأن يسمى نصحا لأن الجدال يكون للخير والشر كما تقدم .
وجملة الشرط في قوله ( إن كان الله يريد أن يغويكم ) هي المقصود من الكلام فجوابها في معنى قوله : ( لا ينفعكم نصحي ) ولكن نظم الكلام بني على الإخبار بعدم نفع النصح اهتماما بذلك فجعل معطوفا على ما قبله وأتي بالشرط قيدا له