يخبر تعالى أنه أنزل الكتاب على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلّم صلوات الله عليه دائما إلى يوم الدين ووصف نفسه بالعزة التي لا ترام والحكمة في الأقوال والأفعال ثم قال تعالى : { ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق } أي لا على وجه العبث والباطل { وأجل مسمى } أي وإلى مدة معينة مضروبة لا تزيد ولا تنقص وقوله تعالى : { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } أي لا هون عما يراد بهم وقد أنزل الله تعالى إليهم كتابا وأرسل إليهم رسولا وهم معرضون عن ذلك كله أي وسيعلمون غب ذلك ثم قال تعالى : { قل } أي لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره { أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض } أي أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض { أم لهم شرك في السموات ؟ } أي ولا شرك لهم في السموات ولا في الارض وما يملكون من قطمير إن الملك والتصرف كله إلا لله D فكيف تعبدون معه غيره وتشركون به ؟ من أرشدكم إلى هذا ؟ من دعاكم إليه ؟ أهو أمركم به ؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال : { ائتوني بكتاب من قبل هذا } أي هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يأمركم بعبادة هذه الأصنام { أو أثارة من علم } أي دليل بين على هذا المسلك الذي سلكتموه { إن كنتم صادقين } أي لا دليل لكم لا نقليا ولا عقليا على ذلك ولهذا قرأ آخرون : أو أثرة من علم أي أو علم صحيح تؤثرونه عن أحد ممن قبلكم كما قال مجاهد في قوله تعالى : { أو أثارة من علم } أو أحد يأثر علما وقال العوفي عن ابن عباس Bهما : أو بينة من الأمر وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس Bهما قال سفيان : لا أعلم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلّم أو أثرة من علم قال : الخط وقال أبو بكر بن عياش : أو بقية من علم وقال الحسن البصري : أو أثارة شيء يستخرجه فيثيره وقال ابن عباس Bهما ومجاهد وأبو بكر بن عياش أيضا : أو أثارة من علم يعني الخط وقال قتادة : أو أثارة من علم خاصة من علم وكل هذه الأقوال متقاربة وهي راجعة إلى ما قلناه وهو اختيار ابن جرير C وأكرمه وأحسن مثواه .
وقوله تبارك وتعالى : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون } أي لا أضل ممن يدعو من دون الله أصناما ويطلب ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة وهي غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش لأنها جماد حجارة صم وقوله تبارك وتعالى : { وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين } كقوله D : { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا } أي سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم وقال الخليل E : { إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين }