واعترض الأمام حديث الأستثناء بأن الآية دلت على المنع من التأسى لا أن ذلك كان معصية فجاز أن يكون من خواصه ككثير من المباحات التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلّم وليس بشئ لأن الزمخشري لم يذهب إلى أن ما ارتكبه ابراهيم عليه السلام كان منكرا بل إنما هو منكر علينا لو ورد السمع .
واعترض صاحب التقريب بأن نفي اللازم ممنوع فان الأستثناء عما وجبت فية الأسوة دل على أنه غير واجب لا على أنه غير جائز فكان ينبغي عما جازت فيه الأسوة بدل عما وجبت الخ و الآية لا دلالة فيها على الوجوب والجواب أن جعله مستنكرا ومستثنى يدل على أنه منكر لا الأستثناء عما وجبت فيه فقط وإنما اتى الأستنكار لأنه مستثنى عن الاسوة الحسنة فلو اؤتسى به فيه لكان اسوة قبيحة وأما الدلالة على الوجوب فبينة من قوله تعالى اخرا لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر كما تقرر في الأصول .
والحاصل أن فعل ابراهيم عليه السلام يدل على أنه ليس منكرا في نفسه وقوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا الخ يدل على أنه الآن منكر سمعا وأنه كان مستنكرا في زمن ابراهيم عليه السلام أيضا بعد ما كان غير منكر ولذا تبرا منه وهو ظاهر إلا أن الزمخشري جعل مدرك الجواز قبل النهي العقل وهي مسئلة خلافية وكم قائل أنه السمع لدخوله تحت بر الوالدين والشفقة على امة الدعوة بل قيل : أن الأول مذهب المعنزلة وهذا مذهب أهل السنة انتهى مع تغيير يسير .
واعترض القول بأنه استنكر في زمن ابراهيم عليه السلام بعد ما كان غير منكر بأنه لو كان كذلك لم يفعله نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وقد جاء أنه E فعله لعمه ابي طالب وأجيب بجواز أنه لم يبلغه إذ فعل E والتحقيق في هذه المسئلة أن الأستغفار للكافر الحي المجهول العاقبة بمعنى طلب هدايته للايمان مما لا محذور فيه عقلا ونقلا وطلب ذلك للكافر المعلوم أنه قد طبع على قلبه واخبر الله تعالى أنه لا يؤمن وعلم أن لا تعليق في امره أصلا مما لا مساغ له عقلا ونقلا ومثله طلب المغفرة للكافر مع بقائه على الكفر على ما ذكره بعض المحققين وكان ذلك على ما قيل لما فيه من الغاء أمر الكفر الذي لا شئ يعدله من المعاصى وصيرورة التكليف بالأيمان الذي لا شئ يعدله من الطاعات عبثا مع ما في ذلك مما لا يليق بعظمة الله D ويكاد يلحق بذلك فيما ذكر طلب المغفرة لسائر العصاة مع البقاء على المعصية إلا أن يفرق بين الكفر وسائر المعاصى وأما طلب المغفرة للكافر بعد موته على الكفر فلا تأباه قضية العقل وإنما يمنعه السمع وفرق بينه وبين طلبها للكافر مع بقائه على الكفر بعدم جريان التليل السابق فيه ويحتاج ذلك إلى تأمل .
واستدل على جواز ذلك عقلا بقوله A لعمه لا ازال أستغفر لك مالم أنه فنزل قوله تعالى ما كان النبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية وحمل قوله تعالى من بعد ما تبين لهم أنهم اصحاب الجحيم على معنى من بعد ما ظهر لهم أنهم ماتوا كفارا والتزم القول بنزول قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك أن يشاء بعد ذلك وإلا فلا يتسنى استغفاره A لعمه بعد العلم بموته كافرا وتقدم السماع بأن الله تعالى لا يغفر الكفر وقيل لا حاجة إلى التزام ذلك لجواز أن يكون E لو فور شفقة وشدة رافته قد حمل الآية على أنه تعالى لا يغفر الشرك اذا لم يشفع فيه او الشرك الذي تواطأ فيه القلب وسائر الجوارح وعلم من عمه أنه لم يكن شركة كذلك فطلب المغفرة حتى نهى A وقيل غير ذلك فتأمل فالمقام